فروق جوهرية بين الإيمان والإلحاد
قالت ملحدة..!!..

جمال أبو ريا في السبت ٠٥ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته
 
قابلتني إحدى الملحدات (هداها الله تعالي) في إحدى المنتديات فوجدتها تتكلم عن الإسلام بحنق شديد وبصورة تفريغية بشعة تنفث من خلالها كل سمومها نحو هذا الدين الحنيف ظلماً وبهتاناً بغير علم ولا فقه ولا عقل ولا نقل، الأمر الذي أثار عندي الكثير من السخط عليها فجعلني أحتد  في أسلوب الخطاب الذي اتخذ لهجة شديدة من جانبي نحوها، ولكنها كانت أكثر مني دهاء فامتصت غضبي وط&aaelig;طلبت مني ضبط النفس والتريث وذلك بطلبها إلي أن أجيب عن سؤال واحد مما يجول بخاطرها ويجعلها تكره هذا الدين الحق بلا أدني منطق أو مناقشة، لذا فقد حاولت قدر الإمكان في مناقشتي تلك أن أتجنب الخوض معها فيما يتعلق بالذات الإلهية أو مصداقية القرآن الكريم نظراً لخبرتي الطويلة بأسلوب الملحدين وقلبهم للحقائق وجعلها أباطيل بطرق لولبية سحرية زئبقية....!!...
 
قلت لها: مهلاً، إن ما يدور بخلدك وتعتقدين أن ليس له إجابة إنما ينبع من اعتقادك الشخصي فقط والذي ينبع بدوره من عدم علمك وإقحام نفسك في أشياء يعجز العقل البشري عن الوصول إليها، وليس معني أنك لا تملكين الإجابة فإن ذلك ينفي وجودها...
 
قالت: إذن فأجب أنت عن هذا السؤال إن استطعت (....)
 
قلت: حتي وإن لم أكن أملك الإجابة عنه (مع أنني لا أعرفه حتي الآن) إلا أن هذا ليس دليلاً علي عدم وجود إجابة.... أنا رجل آمنت بالله تعالي وبكتابه (القرآن الكريم) إيماناً مطلقاً، وبالطبع فإن الفرق بين إيماني بالإسلام وإيمانك بالإلحاد...!!!...يكون بمقدار 180 درجة، إذ أنك حينما تنفين الإيمان كلية وتنكري وجوده وتدعين أنه مجرد وهم وسراب، فإنك تؤمنين في الوقت ذاته بالإلحاد وإنكار وجود الخالق عز وجل.... وبالطبع فإنك لن تستطيعي أن تسمي ذلك باسم آخر غير الإيمان ولكنه إيمان بعدم وجود الشئ، إذ أن الإيمان يكون دائماً بالغيب الحق أو بالترهات والأوهام، وما الإلحاد إلا تلك الأوهام ولا تستطيعين أن تسميه بعكس ذلك، فأنت لم تدركي بحواسك الخمس أن ليس هناك إله،.....!!....أما أنا فأوقن وأجزم بأنه إذا بدا ثمة نقص في شئ ما يتعلق بالإسلام الحنيف فإنه ليس نقصاً في واقع الأمر، ولكنه القصور الذي يحيط بعقولنا تارة، وعدم العلم الكافي الذي ينبغي أن نزود به أنفسنا تارة أخري..... يا عزيزتي إن هناك فرقاً كبيراً بين ما هو فوق العقل وما هو ضد العقل والبون شاسع بين هذا وذاك.... فالإسلام لا يوجد به ما هو ضد العقل إطلاقاً، وكيف ذلك وهو يشيد بالعقل ويرفع من شأنه بل ويجعله أهم أداه يستخدمها المسلم للوصول إلي الحق وتقرير مصيره....؟؟....!!... إن الإسلام يوجد به ما هو في مستوي العقل البشري كما يوجد به أيضاً ما هو فوق العقل البشري ولا غرو في ذلك إطلاقاً فلا تجعلي ما هو فوق عقلك حجة زائفة علي الإسلام لأن ذلك سوف يكون حجة عليك أنت وحدك لا علي غيرك......
 
قالت: كيف تصفنا بالإيمان ونحن ضده..؟؟... ألا تعلم أن الملحدين لا يؤمنون بأي شئ علي الإطلاق....؟؟.... إنكم أنتم الذين تؤمنون بالغيبيات ولكننا ضد تلك الغيبيات فكيف تصفنا بالإيمان....؟؟...
 
قلت: هذا غير صحيح.... فكما أننا نؤمن بوجود الشئ فإنكم تؤمنون بعدم وجوده..!!... إذ أن أي إنسان علي وجه تلك البسيطة يؤمن بأشياء يعتقد بها سواء كانت صحيحة أم خطأ، ولم يُخلق إنسان حتي الآن، بل وأقول لن يخلق هذا الإنسان الذي لا يؤمن بأي شئ علي الإطلاق، المسألة عندكم هي مجرد تلاعب بالألفاظ فضلاً عن أنها أوهام كبيرة تحاولون أن تستروا بها الحقيقة لتبرروا إلحادكم.
 
قالت: إذن فما هو الإيمان بالشئ...؟؟..
 
قلت: هو الاعتقاد والتصديق بوجوده والشعور بالأمن والطمأنينة من جراء ذلك، أي الارتياح لهذا الاعتقاد والتسليم به.
 
قالت: وما الفرق بين الشئ القابل للإيمان به والشئ غير القابل للإيمان به...؟؟
 
قلت: إن الشئ الذي لا يقبل الإيمان به هو كل ما تدركه حواسك الخمس ويخضع للتجريب أي تحكمه قوانين فيزيائية وكيميائية ورياضية.... الخ..... فلا يجوز مثلاً أن نقول آمنا بالشمس أو بالأشعة تحت الحمراء (مع أن حواسنا الخمس لا تدركها ولكنها تخضع للتجريب)، كما لا يجوز أيضاً أن نقول آمنا بالإحدى عشر بعد لهذا الكون والتي هي بخلاف الطول والعرض والارتفاع والزمن علي الرغم من أن حواسنا الخمس لا تدركها كما أنها لا تخضع للقوانين الفيزيائية، ولكن بالطبع يمكن إثباتها بالقوانين الرياضية، لذا فهي تخضع لتلك القوانين وعليه فهي غير قابلة للإيمان بها.
 
ولكن يجوز لنا أن نقول: آمنا بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، كما يجوز لغير العقلاء أن يؤمنوا بأوهام وترهات مثل العفاريت والغول والعنقاء والرخ وما إلي ذلك..!!.. فكل هذا لا تدركه حواسنا الخمس ولا يخضع للتجريب وقوانين العلوم الطبيعية والرياضية.
 
قالت: وما الذي يجعلني أؤمن بأشياء لا تدركها حواسي الخمس ولا تحكمها قوانين العلوم الطبيعية أو الرياضية، أي لا تخضع لعلم التجريب والفيزياء وما إلي ذلك...؟؟.. إن حال تلك الأشياء لا يجعلنا نصدقها ولا دليل واحد علي تصديقها، فكيف تطالبنا بالإيمان والتصديق بها..؟؟..
 
قلت: أولاً: إنكم تؤمنون بأشياء من هذا القبيل ولكن لا دليل عليها كالإيمان بالعفاريت والعنقاء... الخ بل ما هو أكثر منها خرافة، فإيمانكم بأن المادة هي أصل كل شئ ولا شئ قبلها لا دليل عليه ولكنكم تؤمنون بذلك، فمن منكم كان موجوداً في بداية الخليقة حتي يجزم بتلك المقولة...؟؟.... وكذلك تؤمنون بأن الحياة قد دبت في الحيوان وحيد الخلية (الأميبا) دون خالق وهذا ليس عليه أي دليل مادي أو عقلي واحد وعلي الرغم من ذلك تؤمنون به... ألا ترين أنك تناقضين نفسك مثل باقي الملحدين....؟؟...!!..
 
ثانياً: إن إيماننا نحن هو عين العقل والصدق..... فإيماننا بالله تعالي يوافق كل فطرة سليمة وأي عقل راجح
..... وهو لا يحتاج من الإنسان الطبيعي السوي أكثر من نظرة في الكون الرحيب متسع الأرجاء حتي يدرك أن هناك خالقاً، ويكفي أن أقول لك أن احتمال وجود كل ما ينفع الإنسان في الأرض وجعله سيداً علي باقي مخلوقاتها، بالإضافة إلي أن احتمال وجود حكمة من الشر وأنه يحمل في باطنه الخير وحكمة الموت وغيرها، كل احتمال من تلك الاحتمالات بدون قوة ما ورائية حكيمة يساوي صفراً.....!!...هل تتخيلين معي معني انعدام تلك الاحتمالات وجعل كل منها مساوياً للصفر....؟؟.... إن هذا معناه أن هناك إلها بنسبة 100% دون نقاش أو جدال..... وعليك أن تسألي بعض المتخصصين في نظرية الاحتمالات ليجيبك هو بنفسه ويؤكد لك تلك المعلومة التي أوردتها لك...... فما قيمة العلم الذي تتعلمونه وأنتم أول من يخالفونه وينقضوا نتائجه وعراه عروة عروة.... إنكم يا عزيزتي تهدمون أبسط قواعد العلم والمنطق والعقل دون أن تدروا.
 
قالت: إنك دائماً تعول علي الفرق بين ما هو فوق العقل وما هو ضد العقل وتكرر تلك العبارة مرارا وتكرارا دون إعطاء أي مدلول لها أو مفهوم واضح....أليست هناك أشياء في القرآن الكريم ضد العقل تماماً...
 
قلت: إطلاقاً......!!!...
 
قالت: إذن فكيف يخلق الله تعالي للملائكة أجنحة، فهل هم بحاجة إلي الطيران..؟؟.. وإن كان الأمر كذلك، أليس ربكم بقادر علي جعل تلك الكائنات النورانية العلوية (كما تعتقدون) قادرة علي الطيران بلا أجنحة....؟؟..... ولماذا يرسل ملائكة مع المقاتلين في سبيله....؟؟... أليس بقادر علي نصرهم وحده...؟؟... لماذا لم يحفظ الله تعالي كتبه السماوية الأخري بخلاف القرآن الكريم.... أليس الله بقادر كما تقولون علي كل شئ... إذن فلماذا لم يقدرعلي حفظ تلك الكتب السابقة للقرآن الكريم.....؟؟.... أليس كل ذلك ضد العقل تماماً....؟؟..
 
قلت: كلا، لا يوجد عقلاً ما ينفي كل ذلك إطلاقاً... كما أنه ليس ضد العلم في شئ، فكل ما قلتيه هنا هو فوق العقل فقط وليس ضده.... ولكن ما هو ضد العقل تماماً أن ينكر الملحد وجود قوة ما ورائية لهذا الكون ضارباً بعرض الحائط كل ما في هذا الكون من بديع صنع ودقة نظام ووجود أسباب بلا أي مسبب وأهمها وجود كل ما يحتاجه الإنسان في تلك المعمورة دون واجد، إن الذي ضد العقل بحق هو أن تعترفوا بسيادة الإنسان علي كائنات تلك الأرض وقدرته علي اكتشاف الكنوز الخبيئة فيها دون أن تعترفوا بالخالق العظيم الذي سبب وجعل وأوجد كل هذا...... إن ما هو ضد العقل فعلاً هو أن تعبدوا عقولكم فتتصورون أنها هي المهيمنة علي ما سواها دون أن تعترفوا بقصور العقل ومحدودية وظائفه....
 
قالت: إذن فما هي وظائف العقل وعلام يكون قاصراً....؟؟..
 
قلت: إن مهام العقل تنحصر في وظيفتين، أما الأولي فتختص بكل ما يتعلق بالخلافة في الأرض أي في تشييد المنشآت واستصلاح الأراضي واستخراج الكنوز الخبيئة الموجودة في باطن الأرض....الخ، وأما الثانية فتختص بمعرفة الخالق سبحانه وتعالي والاهتداء إلي وجوده ووحدانيته دون رسل.... فإذا جاء الرسول وأخبر عن الخالق تبارك وتعالي فهنا تتوقف مهمة العقل وتنتهي تماماً ويبدأ الإنسان في الامتثال والانقياد لأوامر الله تعالي من خلال هذا الرسول الذي تكون طاعته من طاعة الله تبارك وتعالي، وبناء علي هذا التعريف فإن مناقشة الذات الإلهية وكنه الملائكة ومعرفة تفاصيل أكثر عن الجنة والنار بما لم يرد ذكره في كتاب سماوي يخرج تماماً عن مهام العقل الأساسية، بل يصبح الخوض فيها من أعظم المهلكات التي تودي بصاحبها حتماً وتؤدي به إلي المهالك.
 
إننا حينما نسألكم عن مدي تأكدكم من أن المادة هي أصل الأشياء، فسوف نسمع منكم الاسطوانة المعهودة التي نسمعها من كل ملحد حينما يقول: (هذا سوف يدخل بنا في أمور غيبية نحن في غني عنها ونحن ضد الغيب تماماً)...!!...فحينئذ سوف يكون الرد المنطقي عليكم: وهل ما فعلتموه بإنكاركم ما وراء المادة إلا هو عين الرجم بالغيب والدجل والشعوذة... فمن منكم كان موجوداً حينئذ ليجزم بأن المادة هي الأصل وأنها غير مسبوقة..؟؟.... فإذا قلتم أن العلم التجريبي المخبري لا يستطيع أن يثبت وجود الله تعالي فسوف نقول لكم علي الفور، ولا يستطيع أيضاً أن ينفي وجوده أيضاً، ويكفي أن أقول لك أن الإيمان بالله تعالي لا يكون بالعقل وحده وإنما بالعقل والقلب معاً....إذ أنه من الممكن أن تقتنعي بكل الأدلة التي تثبت وجود الله تعالي عقلاً، ولكن قد تجدي حائلاً يحول بينك وبين قلبك فلا يستطيع أن يطمئن إلي تلك الدلائل ويستريح لها علي الرغم من شدة وضوحها وعظمتها..... نسأل الله تعالي السلامة......
 
إنكم لا تؤمنون بالغيب وتفتخرون بذلك وهذا عار عليكم في حد ذاته، إذ أنكم لا تستطيعون أن تفرقوا بين الغيب والترهات، فالغيب يطلق علي ما يغيب عن حواسنا الخمس ولا يخضع لمنطق التجريب كما قلت مع ملاحظة وجوده علي أرض الواقع، أما الترهات والأوهام والخرافات فلا وجود لها إلا في مخيلتكم فقط، أما العار الأكبر منه والذي أصبح نتيجة حتمية لرفضكم الغيب هو إيمانكم بأوهام لا أساس لها من الصحة..... فإيمانكم بأن المادة هي أصل هذا الكون دون خالق مبدع مدبر حكيم هو سقطة فكرية فطرية لا تصدر إلا عن أراذل الناس فكرياً وفطرياً، فهي مرض عضال لا يستدعي الشفقة ويندي له الجبين بل واشد وأخزي داء يفتك بصاحبه في الدنيا والآخرة... إن من ينكر ذلك بجرة قلم يكون قد سفه نفسه وعقله وتدني لمرتبة الحيوان بل وأقل من ذلك بكثير وذلك لأنه قام بتعطيل عقله الذي كرمه الله تعالي وفضله به عن مخلوقات الأرض جميعاً، وقد صدق الله العظيم حينما قال: (...أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ....) (الأعراف 179)، وحينما قال أيضاً: (.....وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) (محمد 12)..... أرجو ألا تنزعجي من صراحتي، فهذا ديننا الحنيف الذي لا يقبل المراء أو المداهنة أو المجاملة بأي شكل.
 
أما بعد: فهذا هو موجز المناقشة التي كانت بيني وبين تلك الملحدة التي أبت علي نفسها إلا أن تلغي عقلها تماماً وتتمسك بكل ما هو ضد العقل لأسباب يعلمها الله وحده وقد أدرجت بعض أقوالها ومعتقداتها هنا لأبين للقارئ الكريم بعض النماذج الفكرية أقصد (اللافكرية..!!.) التي يسلكها بعض الناس ضاربين بعقولهم ومصائرهم الحتمية عرض الحائط.
 
وفي نهاية تلك المناقشة أستطيع أن أوجزها في عدة نقاط:
 
1-الإلحاد يستوجب العقوبة، إذ أنه تعطيل لأكبر وظيفة للعقل وما يترتب عليه من جحود للخالق تبارك وتعالي وذلك بإنكار فضله فضلاً عن إنكار وجوده، وذلك يؤدي بالملحد حتماً إلي التدني لمرتبة أسفل من مرتبة الحيوان.
 
2-لا يوجد شئ يسمي (بعدم الإيمان)، فأي إنسان يؤمن بأشياء يقتنع بها من داخله حتي ولو كانت خرافات، فالملحد مؤمن ولكنه لا يشعر، فهو يؤمن بعدم وجود إله ولكنه يقلب الوضع فيقول أنه: (لا يؤمن بوجود إله)، وهو بالطبع يغالط نفسه أولاً قبل أن يغالط غيره.
 
3-إن الغيب حق، والكائنات الغيبية برغم أن إدراكها يخرج تماماً عن نطاق حواسنا الخمس، كما أنه لا تحكمه قوانين للعلوم الطبيعية أو الرياضية، إلا أن تلك الكائنات موجودة فعلاً، ولكن هناك أشياء ليس لها أي وجود إلا في أذهان الأطفال أو الكبار الذين يسفهون عقولهم وعلي الرغم من ذلك يؤمنون بها، ومن ثم فهي لا تكون من الأمور الغيبية وإنما هي ترهات وأوهام كبيرة يفني في سبيلها الملحدون والمشركون أعمارهم ولا يدرون عن ذلك شيئاً إلا بعد وفات الأوان.
 
 
 
نسأل الله تعالي الغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار
 
 
اجمالي القراءات 18496