رسالة الى الأحبة ( 25 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٨ - أغسطس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أحبتى
1 ـ كل عام وانتم جميعا بخير . وأعاد الله جل وعلا شهر القرآن عليكم بكل نعمة .
هذه أول رسالة اليكم بعد أن استعاد موقعنا ( أهل القرآن ) عافيته .
جزى الله جل وعلا خيرا كل من أسهم فى عودته ، وأثابهم فى الدنيا والآخرة على تعبهم فى استرجاع الموقع وتأمين مادته العلمية .
 
2 ـ فى المدة التى غاب فيها الموقع والتى جرى العمل فيها على عوe;لى عودته قابلت شخصية أمريكية عملت معظم حياتها فى الدوائر الحاكمة. كنت قد استمعت لهذه الشخصية وهى تتحدث فى مؤتمر عن الارهاب السنى ، ولمست تشابها بين أفكارها وأفكار القرآنيين من حيث إلقاء اللوم على الوهابيين . و تعرفنا واتفقنا على لقاء .
ثم حدث الهجوم على الموقع واضطررنا الى حجبه لاصلاحه على مهل ، وجمعنى اللقاء مع تلك الشخصية للحديث عما حدث للموقع ، وبعد ان أشرف اللقاء على الانتهاء عرج بنا الحديث الى ما أؤكده من التناقض بين الاسلام و الوهابية ، تأكيدا على شىء كنت اعتقد أننا نتفق فيه ، ففوجئت من تلك الشخصية بكلام مختلف تماما . وبالمناسبة فهذه الشخصية تتقن أربعة لغات أجنبية منها العربية و الفارسية ،والمفاجأة ليست فقط فى أن لها رأيا تكتمه ولا تعلنه ولكن أيضا لمعرفتها المتعمقة بالمنشور عن الاسلام . أقول المنشور عن الاسلام وأعنى به ما ينشره أتباع الدين السنى على انه الاسلام .
فوجئت كما لو اننى أتناقش مع عالم سنى ضليع الشأن ، كنا نتحدث بالانجليزية بطبيعة الحال ، تلك الشخصية ترى ان العيب ليس فى الوهابية لأن الوهابية تنفذ تعاليم الاسلام بدقة ، وأن العيب هو فى الاسلام نفسه ، تراه دين الارهاب والاستعباد وظلم المرأة وحد الردة والرجم ، وان النبى محمدا هاجم القبائل العربية والقوافل القرشية وقتل أسرى بنى قريظة وبعث من إغتال كعب بن الأشرف  وأجلى اليهود عن الجزيرة العربية وقضى حياته مجنونا بالجنس واسترقاق السبايا ..الخ .. وقالت انها كانت تتحدث سياسيا فى ذلك المؤتمر بما يوافق هوى المستمعين ، ولا تعبر عن رأيها الحقيقى فى الاسلام ، فليس ذلك من الحصافة السياسية .
دخلنا فى نقاش استمر حوالى ساعتين ، كنت فيها أمسك ترجمة القرآن الكريم و المصحف معا ، وكلما أثبت لها من القرآن شيئا تقول : انها آية من سورة مدنية ، وهناك تناقض بين السور المكية والسور المدنية ، أو تقول إن هذه الآية منسوخة . تجولنا فى مواضيع شتى أتكلم كمتخصص فى القرآن وتدوين التاريخ ، وهى تتمسك بما يقوله الدين السّنى .
كنت أكرر قائلا : أن ابن اسحاق كتب معظم ( السيرة ) من ( دماغه ) مخترعا لها ، وذلك بعد قرن ونصف قرن من موت النبى محمد عليه السلام، وأنه لا نسخ فى القرآن ، وأن أئمة الدين السنى قد تلاعبوا فى تشريعات القرآن  بتغيير المفاهيم و باسطورة النسخ والاختلاف بين الآيات المكية و الآيات المدنية وبالتلاعب فى التشريع القرآنى بالتركيز على الأمر التشريعى و تجاهل القاعدة التشريعية، بالاضافة الى صناعة الأحاديث .  وكان الرد يتكرر أيضا : هذا رأيكم أنتم ايها القرآنيون ، فكم عددكم ؟ ثم كيف يؤخذ عنكم الرأى وأنتم خارجون عن الاسلام ؟ أين أنتم من المؤسسات ( الاسلامية ) الكبرى التى يتبعها أكثر من بليون مسلم ؟
يئست فى النهاية ،وسألت سؤالا أخيرا : هل قرأت المنشور فى موقعنا ؟ فهناك قسم بالانجليزية فيه بعض المترجم من كتاباتنا ؟ هذا بالاضافة الى القسم العربى ، وفيه الرد على كل ما تقولين .. كان الرد بالنفى . قلت ربما لو قرأت لتغير رأيك . وتذكرنا الموضوع الأول الأصلى وهو تدمير الموقع . قالت إنها ستقرأ ما فى الموقع بعد استرجاعه .
سألتها : ترى لماذا حجبوا موقعنا منذ شهور ؟ ثم لماذا يدمرونه الآن ؟
كنت قد طرحت هذا السؤال فى بداية الحديث وتطوعت بالاجابة عنه موضحا أننا نملك الحجة وهم يملكون القوة فاستخدموها ضدنا لعجزهم عن الرد ، وهذا اعتراف منهم بالهزيمة .
انتظرت منها أن تعيد لى تلك الاجابة ، ولكنها بعد وقت من التفكير فوجئت بها تقول : عجبا .. هناك مواقع علمانية متطرفة تهاجم الاسلام والقرآن وتهاجمهم ، وهناك مواقع مسيحية تتطرف فى الهجوم على الاسلام والقرآن والوهابية،ومع ذلك لم يقتربوا منها، فلماذا يترصدونكم أنتم بالذات ؟ قلت : لدى الاجابة و لكن أنتظر من عقلك الذكى أن يجيب
قالت : لأن تلك المواقع حين تهاجمهم وتهاجم الاسلام و القرآن فانها تعطيهم التأكيد على أنهم حماة الاسلام . أما أنتم فتثبتون أنهم شىء وأن الاسلام شىء آخر ، وهذا يطعن فى اسلامهم و يفقدهم القوة و الهيمنة التى يحصلون عليها باستخدام الاسلام . قلت : برافو .. قالت : هذا على فرض أن مقولتكم صحيحة فى ان الاسلام دين السلام و العدل والديمقراطية وحرية الرأى والفكر و حقوق الانسان .تأهبت للكلام فقالت : أعتقد أنه يجب علىّ  أن أقرأ لكم أولا قبل أن أحكم عليكم ، ومن الأسف أننى سأضطر للانتظار حتى يعود موقعكم .
3 ـ انتهت الجلسة . ولبثت بعدها أتمنى وأتذكر.
أتمنى لو كانت لى الامكانات التى تتيح توضح حقائق الاسلام لكل العالم حتى ينتهى هذا الظلم الشائن لدين الله العظيم ، وأتمنى لو هدى الله أو لئك الذين يستخدمون نعمة الله جل وعلا فى مطاردتنا لإسكاتنا عن الدفاع عن دين الله جل وعلا بدلا من نشرهم لخرافات دين السّنة ..
وأتذكر الآيات القرآنية التى تتحدث عن أولئك الذين يصدون عن سبيل الله جل وعلا و يتخذونها عوجا ، وأراها تنطبق على من يلاحقنا بالاضطهاد صدّا عن سبيل الله . ليست بيننا وبينهم خصومة شخصية ؛ كل ما بيننا هو خصومة فى الدين .إن من إعجاز القرآن أن تنطبق آياته على كل المشركين الكفار المعتدين فى كل زمان ومكان،أعمالهم هى التى تحكم عليهم ولسنا نحن .
موقعنا يتخصص فى تبرئة الاسلام مما فعله به المسلمون فى تراثهم وفى تاريخهم الماضى و الحاضر . وأى عقل محايد يرى ـ أنه حتى لو كنا مخطئين علميا ـ فان الأفضل تحميل الجرائم لمن يرتكبها من المسلمين و ليس للاسلام نفسه . فما بالك إذا كنا على حق ونثبته بالبرهان من القرآن ومن التراث المعادى للقرآن ،فتكون النتيجة أننا نتعرض للاضطهاد ثم يتعرض موقعنا للحجب ثم التدمير بسبب إنصافنا للاسلام ، وتقديم وجهه الصحيح للمسلمين وغير المسلمين. 
أليس هذا صدا عن سبيل الله ؟
4 ـ وفى شهر القرآن نتوقف مع بعض ملامح الإعجاز الالهى فى القرآن الكريم فى سياق صدّ الكفار عن سبيل الله . ونعطى ملامح سريعة :
* أولئك الذين يصدون عن سبيل الله وصفهم الله جل وعلا بالكفر واستحباب الدنيا على الآخرة وتوعدهم بالويل من عذاب شديد لأنهم يحولون الاسلام وهو الصراط المستقيم الى طريق أعوج : إقرأ قوله جل وعلا : (وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ  ) ( ابراهيم 2 : 3 ) ويتكرر نفس المعنى فى قوله جل وعلا : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ ) (الأعراف 45 )
* هذا الصدّ عن (سبيل الله) يعنى أساسا الصدّ عن (القرآن الكريم) ، فالقرآن الكريم يفسر بعضه بعضا . وهذا ما يتجلى فى السياق الخاص ببعض الايات . ونعطى بعض الأمثلة :
ـ يقول جل وعلا عن القرآن الكريم يشهد بأنه جل وعلا أنزله بعلمه : (لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) ثم تتحدث ألاية التالية عمن يصدّ عن سبيل الله ـ أى القرآن الكريم ـ فيقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا  ) ( النساء 166 : 167 )
ـ ويتحدث جل وعلا عن الذين يصدون عن سبيل الله فيقول :   (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ) أى لهم عذاب فوق العذاب بسبب إفسادهم ، ثم تأتى الآية التالية تتحدث عن يوم القيامة حيث شهادة النبى محمد على قومه ، وشهادة الأشهاد على أقوامهم ، وموضوع الشهادة هو أن القرآن الكريم جاء تبيانا لكل شىء يحتاج البيان ـ كما نؤمن نحن أهل القرآن ـ يقول جل وعلا (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(النحل 88 : 89 ). فى الاية الأولى من السياق جاء الوعيد لمن يصد عن سبيل الله ، وفى الاية التالية جاءت الاشارة بأن سبيل الله هو الكتاب الحكيم ، القرآن الكريم ، وانه سيكون موضوع الاشهاد يوم القيامة .
فى يوم القيامة سيكون هناك الأشهاد من الأنبياء وممن يسير على نهجهم متبعا الحق ، يقول جل وعلا (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) ( غافر 51 ) ويقول جل وعلا عن بداية يوم الحساب بحساب الأنبياء و الأشهاد أو الشهداء (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)( الزمر 69 )
تلك بعض اللمحات عن الأشهاد أو الشهداء الذين يشهدون شهادة خصومة على المعتدين فى عصرهم ، وأبرز أولئك المعتدين هم الذين كانوا يستخدمون نفوذهم واموالهم فى الصد عن سبيل الله ، وهذا ما جاء فى الآيتين السابقتين من سورة النحل : (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(النحل 88 : 89 )
 
ـ وما جاء فى سورة النحل عن الصد عن القرآن الكريم ( سبيل الله ) وعن شهادة الأشهاد أو الشهداء عليهم كررته بالتفصيل سورة هود .
يقول جل وعلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ  ) ( هود 18 : 22 ).
الله جل وعلا يصفهم بأنهم أظلم البشر ، لأنهم افتروا على الله كذبا بالافتراء المسمى بالأحاديث النبوية والأحاديث القدسية وفى سبيلها صدوا عن القرآن سبيل الله جل وعلا ، وأنهم يوم العرض على الله جل وعلا ـ يوم الحساب ـ سيدلى الأشهاد أو الشهداء بشهادتهم حسبما شهدوه فى الدنيا ، وسيقول الأشهاد عن أولئك الظلمة الكفرة أنهم :
(هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا )
(وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ   )  ثم بقية الآيات ..
ندعو الله جل وعلا أن يجعلنا من الأشهاد و الشهداء يوم القيامة على من يقوم بالصد عن كتاب الله وعن سبيل الله .
 
* وواضح أن الله جل وعلا يخبر عن غيب الآخرة عما سيحدث لمن يصد عن سبيل الله يوم العرض و الحساب وهم فى النار .
وهناك غيب آخر أخبر به رب العزة عما سيحدث لهم فى الدنيا ، فقد سبق الاستشهاد بقوله جل وعلا :(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)(غافر 51 ) أى هى بشرى لنا نحن أهل القرآن بالنصر فى هذه الدنيا قبل الآخرة لو تمسكنا بالحق الى النهاية .
ولكن هناك أيضا ( بشرى ) بالهزيمة لمن يصدّ عن سبيل الله ، سيخسر فى الدنيا وسيتحسّر ، ثم إذا مات بلا توبة سيكون كافرا من أصحاب الجحيم ، يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) ( الأنفال 36 )
 
5 ـ أحبتى :
نصل للنقطة الأخيرة فى هذا التدبر القرآنى ، ونتساءل : على من فى عصرنا الراهن تنطبق تلك الايات الكريمة التى تتحدث عمن يصدّ عن سبيل الله ؟
نحن نجيب بأفعال خصومنا ، ولا شأن لنا بالعقائد ، نحن نحكم على السلوكيات الاجرامية التى يرتكبونها ضدنا وضد موقعنا وأهلنا .
أترك لكم التدبر فى القرآن الكريم لتعرفوا الاجابة ، ولمجرد التوضيح نتساءل  :
ـ من الذى ينفق أمواله ( البترولية ) فى الصد عن سبيل الله ؟ : الاجابة فى تطبيق قوله جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) ( الأنفال 36 )
ـ من الذى يقرن الصّد عن سبيل الله بالصدّ عن البيت الحرام الذى جعله الله جل وعلا للناس كلهم سواء ، لا فارق بين من يعيش فى مكة ومن يقطع البوادى حاجا للبيت ، الاجابة فى قوله جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ  ) ( الحج 25 ).
الملاحظ هنا أن رب العزة استعمل صيغة المضارع التى تفيد استمرار الوقوع ، فقال (وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )  ولم يقل ( صدوا ) وقرن الصد عن سبيل الله بالصد عن المسجد الحرام . انطبق هذا على قريش وقت نزول القرآن الكريم ومنعهم المسلمين من الحج (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ( الفتح 25 )  ، وينطبق الآن على أولئك الذين يتحكمون فى البيت الحرام ويمنعون من يشاءون ، يصدون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام .
 
ـ وليس هناك حدود لعطاء القرآن الكريم . فالآية الكريمة تقول : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) ( الأنفال 36 ).أى هناك خبر يقين من الغيب الالهى أن أولئك الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله جل وعلا ستضيع أموالهم هباء و تكون أموالهم الضائعة عليهم حسرة .
لكن لم يحكم الله جل وعلا عليهم جميعا بدخول جهنم ، فلم يقل (  ثُمَّ يُغْلَبُونَ ثم إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) بل قال (ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) أى يجعل جهنم مصير من يموت منهم على كفره دون توبة . أى هناك أمل فى أن يتوب ذلك الذى يقع فى كفره بالسلوك أو الاعتقاد . فاذا تاب وأصلح غفر الله جل وعلا له ، ونجا من جهنم . أما إذا ظل على كفره فسيكون مصيره الخلود فى النار يعانى عذابا فوق العذاب بعد أن يشهد عليه الأشهاد .
 
ختاما :
اللهم تب علينا .. وتب عليهم ..!!
 
 
 
 
اجمالي القراءات 13709