أسئلة ماليزية

خالد منتصر في الإثنين ٢٧ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أثناء زيارتى لماليزيا منذ عدة أيام كان الموضوع المفضل لدى المرشدين السياحيين ومعظم الماليزيين الذين تبادلت معهم أطراف الحديث هو سعادتهم الغامرة بنجاح ماليزيا فى تصنيع عربة ماليزية من الألف إلى الياء بأيدى أبناء ماليزيا، وقدرتهم على الاستغناء والتملص والتخلص من المكونات الأجنبية فى سياراتهم خاصة سيارتهم البروتون التى يفاخرون بها ويعتزون بقدراتها كثيراً، وكان السؤال الذى فرض نفسه على تفكيرى طوال الرحلة هو «لماذا نجح الماليزيون فى تصنيع سيارة &E; بينما فشلنا نحن المصريين فى صناعة عجلة، واحتفلنا فقط منذ عام ميلادى بنجاحنا الباهر فى تصنيع أول أستيكة مصرية خالصة؟!».

السؤال له مايبرره، والإجابة عنه تدفعك إلى الجنون، فنحن قد دخلنا عصر محاولات تصنيع السيارات منذ الستينيات بتقليد الفيات وإنشاء شركة النصر للسيارات، ولكن منذ هذا التاريخ لم نعلن إلا عن نجاحنا فى تصنيع سيارة واحدة اسمها «رمسيس» معجزتها المتفردة هى فى قدرتها على الطفو فى ترع ومصارف مصر المحروسة لإثبات قانون أرشميدس!، حوالى مائة كلية هندسة ومائة معهد عالى ومائة معهد فنى وألف قسم ميكانيكا فى طول مصر وعرضها وبالرغم من ذلك لم نفلح فى تصنيع موتور مصرى خالص ولو حتى موتور ماكينة خياطة!، وقتها كانت ماليزيا خارج خريطة الزمن والتاريخ، وكانت نهضة ماليزيا ونموها الاقتصادى الرهيب الهائل مجرد حلم يداعب خيال مهاتير محمد الجامح.

ظللنا نحن محلك سر لا نغادر مرحلة التجميع والترقيع، وجاء الماليزيون بتاريخ نهضتهم الصناعية التى لا تتجاوز الثلاثين عاماً ليعلنوا عن انضمامهم إلى قافلة النمور الآسيوية الهادرة، تعلموا من اليابانيين والكوريين والصينيين، ولكنهم لم يظلوا أسرى الاستهلاك بل تمردوا ونافسوا وتفوقوا.

أسئلة كثيرة شغلتنى عن روعة البرجين التوأم ومنارة كوالا لمبور وكهف المعبد الهندى وملاهى جنتنج التى ترتفع عن سطح البحر بأكثر من كيلو ونصف وأسواق التيمزسكوير والميجامول والبوكيت بنتانج وغيرها من الأسواق العملاقة الساحرة. لماذا صنع الماليزيون الموبايل واكتفينا نحن بإنزال نغمات عمرو دياب وتامر حسنى؟!،

لماذا لا توجد عندهم هستيريا طلب الفتاوى الفضائية مثلنا، ولماذا فهموا الدين بمعناه الحقيقى وهو الضمير وليس بمعناه الطقوسى المظهرى؟، لماذا عندهم هذا التسامح الدينى والتآخى بين الطوائف ولدينا هذا الغل الطائفى المقيت؟ لماذا لم تقم المظاهرات لأن إجازاتهم السبت والأحد وهم دولة إسلامية؟، وكيف تخلصوا من مرض التطفل والتدخل فى خصوصيات الغير واكتسبوا كل هذه الليبرالية الاجتماعية التى جعلت الشارع الماليزى شارعاً رحباً متسامحاً نرى فيه الشورت يجاور الحجاب دون تحرشات أو معاكسات أو جماعات أمر بمعروف ونهى عن منكر؟!!،

لماذا يلتزم كل راكبى الموتوسيكلات بارتداء الخوذة؟ ولماذا يحافظ الكل على نظافة الشارع الماليزى ويلتزم بقوانينه؟، لم أجد هناك ذكاء منقطع النظير أو عبقريات تطير فى الجو لكنى شاهدت دقة وانضباطًا، والأهم شاهدت حباً للحياة وقدرة على صناعة البهجة والاستمتاع بها.

فهم الماليزيون أن الليبرالية الاجتماعية هى السبيل إلى الليبرالية السياسية والاقتصادية، وأيقنوا أن وقف وتعطيل الحياة على الخوض فى تفاصيل عقائد الناس وأفكارهم هو عبث لا يصنع حضارة وهيافة لا تقيم مجتمعاً، ولذلك نحن لا نرى عندهم أعضاء برلمان يتظاهرون لأن المفكر «فلان» الذى أخذ الجائزة له فكر دينى مختلف أو لأن خمسة سم من ساق الفنانة فلانة قد ظهرت فى أفيش! هم خرجوا من الكهف ونحن مازلنا فى جوفه نعطى ظهورنا لفتحة الباب لنشاهد خيالات على الحائط من صنع أوهامنا نحن، لذلك هم صنعوا البروتون ونحن خرمنا التعريفة ودهنا الهوا دوكو!.

اجمالي القراءات 12718