سينما الحواري .. عالم يتقدم و نحن نتراجع

شادي طلعت في الأحد ١٩ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

باتت كل الأفلام السينمائية المصرية لا تتحدث إلا عن العشوائيات و الحواري ، و المدمنين و تجار المخدرات ، و السارقين و القتلة ، و أصبحت تعرض لنا أشكالآ و نوعيات من البشر على أنهم أبطالآ أو ضحايا ، و أنهم ظروف المجتمع الذي أثر على طبيعتهم ، في حين أنها تستحق القصاص منها .
و أصبح المخرجون و المنتجين و المؤلفين يتسابقون على إظهار هذه الشخصيات ، و لبعضهم رؤية أنهم سيكونوا نواة لثورة قادمة أو بداية للفوضى الهدامة .
و الواقع أن هذه الشخصيات موجودة فعلآ و أنا شخصيآ تعاملت معهم و التقيت بهم بطبيعة عملي كمحام ، إلا أنني أرى هذه الشخصيات بصورة مختلفة عما يصورها المخرجون في السينما المصرية و التي أصبحت سينما الحواري الآن ، فهؤلاء لبسوا أبطالآ كما يحاول البعض من المفكرين أو المبدعين تصويرهم ، إنهم قد يكونوا ضحايا للظروف التي نشأوا فيها و لكن هم من داخلهم ليسوا أسوياء أبدآ .
و سأستدل على حديثي هذا بمثلين و هما موسى عليه السلام الذي نشأ و ترعرع في بيت فرعون ، و السامري الذي قامت الملائكة برعايته ، و مع ذلك لم بتأثر موسى بفرعون و لم بشرب منه ظلمه ، كما لم يتأثر السامري بالملائكة و لم بأخذ منهم العفة أو الطهارة أو حب الله ، فلكل إنسان طبيعته الخاصة التي تغلب على التطبع و عناصر جسم الإنسان 16 عنصر منها الذهب و منها الفضة و منها النحاس و منها الحديد و لكن تختلف درجات كل عنصر من إنسان إلى آخر فمنا من يغلب عليه عنصر الذهب و منا من يغلب عليه عنصر الحديد و هكذا .. لكل إنسان شخصيته التي تحتوي على مجموعة من القيم و المبادئ حتى و إن نشأ في بيئة موبوءة أو غير صالحة للعيش الآدمي .

و لكن هذه النوعية من البشر بحاجة إلى من يدلها على الطريق الصحيح ، و إذا ما إهتدت إليه فإنها حتمآ ستتأقلم مع أي حياة جديدة ، حياة نظيفة خالية من الوباء و الغدر و الخيانة و القتل و هتك الأعراض ، فالجميع في النهاية بشر و البشر دائمآ ما يبحث عن الأمان و حينما يعرف الطريق فإنه لا ينتظر تصريحآ للمرور فيه ، بل يذهب إليه و يفرض نفسه فيه بجدارة ، و ليس بالأساليب الملتوية و الخارجة عن القانون .
و الذي لا أفهمه حتى الآن من هذه الأفلام الموجودة على ساحة السينما المصرية "سينما الحواري" ما هو المقصود بها :
1- هل يقصد منها إشعال ثورة عن طريق تلك الفئة من البشر ؟
2- هل يقصد منها الإقتداء بهذه النوعية من البشر ؟
3- هل يقصد منها مجرد بيع الأفلام و تشغيل شباك التذاكر ؟
للرد على التساؤل الأول فإننا يجب أن نكون منطقيين جدآ في التعامل في أمور تمس دولة ، و حياة شعب فعلى فرض أن هذه الفئة أشعلت نيران الثورة ، فكيف سيكون الحال ؟ إننا سنعيش في حرب عصابات إلى أن تحررنا دولة من الخارج ! و لا أعتقد أن هناك نظرية أخرى تنفي كلامي هذا ، و بالتالي لو خيرت بأن أظل على الحال و الوضع الراهن للبلاد الآن ، أو أن تقوم هذه الفئة بإشعال الثورة فإنني أعلن أنني سأختار الوضع الحالي . و للرد على التساؤل الثاني
لو كان المقصود من القائمبن على هذه الأفلام الإقتداء بهذه الشخصيات الموبوءة ، فحقآ سحقآ لأفكارهم و آرائهم ، فبدلآ من أن نفكر في الصعود إلى القمر نتراجع للوراء مئآت بل و آلآف السنين بينما العالم يتسابق و يهرول أحيانآ و يركض أحيانآ في تحدي و سباق دائم مع الزمن ، بينما نحن نصر على التمسك بالماضي البغيض .
للرد على التساؤل الثالث
لو كانم المقصود منها مجرد جني الأموال و تشغيل شباك التذاكر ، فأستطيع القول بأن القائمين على صناعة السينما في مصر يستحقون محاكمة عاجلة بقوانين غليظة العقوبة و ذلك على السموم التي يبثونها في دماء أجيال صاعدة قادمة في مجتمع نامي من المفترض أنه يسعى إلى التقدم و يسعى لحياة أفضل ، و حقآ أقول في هذه الحالة أن السينما تتراجع للوراء و تجرنا معها للوراء في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى دفعة للأمام .
و في النهاية أود أن أقول شيئآ :
لماذا لا تركز السينما على ما هو مشرف حتى يقتدي الناس به ، فلماذا لا تركز السينما على سرد حياة شخصيات عديدة من الممكن أن تتبعها الأجيال القادمة ، و نحن لا نبحث عن تغيير وقتي و إنما نريد تغيير بمنطق علمي منظم و لا يشترط أن بكون اليوم أو غدآ بل من الممكن أن يكون بعد غدآ فلماذا العجلة ، كما أن لدينا مواقف أخرى كثيرة و حركات سياسية عديدة فلماذا ننسى هذه كل ذلك و لا نتعرض إليهم حتى و إن إتهموا بالعمالة أو بالكفر أو بإزدراء الأديان ، أو .. إلخ
لا أود ذكر أسماء أو حركات أو حزب ، حتى لا يقال أن متعصب لهذا الشخص أو لهذه الحركة أو لهذا الحزب .
إن الإبداع ليس له حدود ، و الواقع مليئ بما هو مشرف ، و لكن لو طغى المال على الإبداع و المفكرين فإننا حتمآ سننتهي و إن لم ننتهي فسنقف على ما نحن فيه لمئات السنين .



و على الله قصد السبيل


Shady.talaat.llu@gmail.com

 

اجمالي القراءات 11903