الاسلوب القرأني دعوة لاثارة الفكر
الاسلوب القرأني دعوة لاثارة الفكر

نورالدين بشير في الخميس ١٦ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ان الأسلوب القرآني في مجمله هو دعوة لإثارة الفكر الإنساني والتدبر و من بين الأساليب الأدبية المميزة حقا ، ضرب الأمثال، وصوت الكلمات ، والاسئلة الاستنكارية، والقصص. وكلها أساليب  التي يقرب بها الله تعالى لنا الأمور، ويوضح لنا بها المقاصد، وسندرج في مقالنا هذا الاسلوب الاول وهو:

الأمثال:

قال تعالى: ( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) ، وفي هذه الأمثال عبر ومواعظ عظيمةٌ جدّاً ، إلا أنها لا يَعقل معانيها إلا أهلُ العلم de; كما قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) ، ومِن حِكَم ضرب المثل : أن يتذكر الناس ، كما قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون )
وقد بين في مواضع أخرى أن الأمثال مع إيضاحها للحق يهدي بها الله قوماً ، ويضل بها قوماً آخرين ، كما في قوله تعالى : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ) ، ولا شك أن الذين استجابوا لربهم هم العقلاء الذين عقلوا معنى الأمثال ، وانتفعوا بما تضمنته من بيان الحق ، وأن الذين لم يستجيبوا له هم الذين لم يعقلوها ، ولم يعرفوا ما أوضحته من الحقائق، و في القرآن هناك أزيد من أربعين مَثلاً وهي:

- في البقرة : " كمثل الذي استوقد ناراً " ، " أو كصيب " ، " أن يضرب مثلاً ما بعوضة " ، " ومثل الذين كفروا " ، "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله " ، " فمثله كمثل صفوان " ، " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله " ، " أيود أحدكم " ، " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان " .

- وفي آل عمران : " وكنتم على شفا حفرة من النار" ، " مثل ما ينفقون " .

- وفي الأنعام : " كالذي استهوته الشياطين " .

- وفي الأعراف : " فمثله كمثل الكلب " .

- وفي يونس : " إنما مثل الحياة الدنيا " .

- وفي هود : " مثل الفريقين " .

- وفي الرعد : " إلا كباسط كفيه إلى الماء " ، " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها " ، " مثل الجنة " .

- وفي إبراهيم : " مثل الذين كفروا بربهم " ، " كيف ضرب الله مثلاً " ، " ومثل كلمة خبيثة " .

- وفي النحل : " ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً " ، " وضرب الله مثلاً رجلين " ، " وضرب الله مثلاً قرية " .

- وفي الكهف : " واضرب لهم مثلاً رجلين " ، " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا " .

- وفي الحج : " فكأنما خرَّ من السماء " ، " ضرب مثل " .

- وفي النور : " مثل نوره " ، " أعمالهم كسراب بقيعة " .

- وفي العنكبوت : " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت " .

- وفي الروم : " ضرب لكم مثلاً من أنفسكم " .

- وفي يس: " وضرب لنا مثلاً " .

- وفي الزمر: " ضرب الله مثلاً رجلاً ".

- وفي محمد: " نظر المغشي عليه من الموت " ، " مثل الجنة " .

- وفي الفتح: " ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل " .

- وفي الحشر: " كمثل الذي من قبلهم " ، " كمثل الشيطان " .

- وفي الجمعة : "مثل الذين حملوا التوراة " . وفي التحريم : " ضرب الله مثلاً للذين كفروا " ، " وضرب الله مثلاً للذين آمنوا " .

وسنعطي هنا أمثلة عن الأسلوب الرائع للقرآن بالأمثال في مخاطبة الناس:

 1_ قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا).
بين الله لنا أن الصدقة التي تبذل رياءا والتي يتبعها المن والأذى لا تثمر شيئاً ولا تبقى، فينقل إلينا هذا المعنى المجرد في صورة حسية متخيلة ويدعنا نتأمل هيئة الحجر الصلب اذا غطته طبقة خفيفة من التراب فظننا فيه الخصوبة. فإذا وابل من المطر يصيبه، فبدلاً من أن يهيئه للزرع و النماء ،_كما هي صفة الأرض الخصبة إذا به يتركه صلداً، وتذهب تلك الطبقة الخفيفة التي كانت تستره وتخيل فيه الخير والخصوبة، كذلك الصدقة التي تبذل رياء. فهي لا تثمر أجراً.

2_ قال تعالى: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).

وفي هذا الموضع يريد الله أن يجسم الآلهة أو الأولياء من دون الله عامة، ووهن الملجأ الذي يلجأ إليه عبّادهم حين يحتمون بهم، فيرسم لهذا كله صورة رائعة ويدع لنا التفكر في اللجوء إلى غير الله وكم هو واهن كبيت العنكبوت. وكلنا يعرف مدى وهن بيته.

3_ قال تعالى: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)

فيجعلنا نتخيل كيف تفتح لنا أبواب السماء وان كانت صورة مجازية فهي تعبر عن وصول المؤمن الى مبتغاه اذا لم يكذب ولم يستكبر، وعكسها بالصورة الأخرى في التحدي وهي ولوج الحبل الغليظ في ثقب الابرة، ويدعنا الله نتأثر عن طريق الخيال بالصورتين أيما تأثر، ليستقر في النهاية معنى القبول ومعنى الاستحالة في أعمال النفس.

4_ قال تعالى: (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الريح في يومٍ عاصفٍ لا يقدرون مما كسبوا على شيء).
فتتحرك الصورة بحركة الريح في يوم عاصف، و كيف تذرو ذلك الرماد، وتذهب به بدداً إلى حيث لا يجتمع ثانيةً. 

ومما سبق يتضح أن القرآن يدعو إلى منهج، وقد تجلى ذلك في استثارته لعقل الإنسان طالباً منه تنمية حواسه وقدراته الذهنية وفق ذلك المنهج، ونبذ كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الركود الذهني أو شل لحركة الفكر.

اجمالي القراءات 10692