ليلة القدر هى ليلة الاسراء ..( 3 7 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٤ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


القرآن نزل مرة واحدة كتابا مكتوبا في قلب النبي محمد ثم كان ينزل متفرقا مقروءا حسب الحوادث.
ونتوقف بالتفصيل مع كيفية نزول وحي القرآن علي خاتم النبيين عليهم السلام ..
وخلافا للمألوف والمعهود فإن القرآن الكريم يؤكد على أن وحي القرآن التنزيلي نزل مكتوبا على قلب النبي محمد مرة واحدة ودفعة واحدة في ليلة القدر. ثم كان بعدها ينزل مقروءا على ذاكرته حسب الحوادث إلى أن انتهى نزولا بآخر آية في القرآن تقول " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا : المائدة 3"
والقرآن يؤكد أنه نزل مرة واحدة في ليلة القدر المباركة في شهر رمضان. كما أن القرآن يؤكد في سور مكية أنه نزل مرة واحدة كتابا أي مكتوبا، كقوله تعالي "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ : الكهف 1" وكقوله تعالي " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ : النحل 89" " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ : العنكبوت 51" وحين نزلت هذه الآيات التي تخبر عن نزول الكتاب كان القرآن في مكة لا يزال يتنزل مقروءا على لسان النبي محمد, واستمر نزوله في المدينة. أي أنها تخبر عن نزول الكتاب دفعه واحدة قبل أن يتنزل على لسانه وذاكرته حسب الحوادث.
كيف نزل القرآن كتابا مرة واحدة في ليلة القدر؟
في بداية سورة الدخان يقول الله تعالى:( حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) فكيف نزل ذلك الكتاب المبين في تلك الليلة المباركة ؟.
الإجابة ترددت في القرآن الكريم في أكثر من موضع..
1ـ بعضها يؤكد على دور جبريل روح القدس الذي نزل بكلمة الله تعالى على قلب النبي، أو كتب القرآن في قلب النبي. نلمح ذلك في قوله تعالى " قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ : البقرة 97" وفي قوله تعالى " قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ : النحل 102" وفي قوله تعالى " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ : الشعراء 192". ونلاحظ هنا وصف جبريل بالروح وروح القدس ، وأنه نزل على قلب النبي محمد . والقلب في المفهوم القرآني هو النفس والفؤاد ، وليس تلك العضلة التي تضخ الدم ونبض الحياة..
2ـ وبعضها يضيف لجبريل أوصافا أخري ويشير بإيجاز إلى كيفية نزول جبريل بالوحي على قلب محمد عليهما السلام , نرى ذلك في قوله تعالى عن جبريل والقرآن: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ . مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) ،وبعد هذه الأوصاف لجبريل يقول الله تعالى عن محمد مخاطبا مشركي قريش: ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) أي أنكم صحبتم محمدا قبل النبوة وعرفتم رجاحة عقله وصدقه وأمانته فكيف تتهمونه ( عندما نزل عليه القرآن وأصبح نبيا) بأنه مجنون، ثم يقول الله تعالى عن نزول القرآن من جبريل على محمد : ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ( التكوير 19ـ23 ). أي أن محمدا رأى جبريل بالأفق المبين. وهذه إشارة موجزة لكيفية الوحي تفيد بأن محمدا رأى جبريل على هيئته الملائكية الحقيقية حين كان جبريل بالأفق المبين أي الأفق الواضح الذي لا غيم ولا سحاب ولا ظلال فيه ،أي أفق في مستوى آخر من الوجود يختلف عن الأفق الذي نعرفه ..
3ـ وفي بداية سورة النجم تفصيلات أكثر مما جاء في سورة التكوير، ونتوقف معها بالتفصيل: .
تبدأ السورة بالقسم الإلهي بالنجم إذا هوى أن صاحبهم ـ أي محمدا عليه السلام ـ ما ضل وما غوى حين نزل عليه القرآن ونطق به،فما القرآن إلا وحي أوحى به الله تعالى إليه عن طريق جبريل الذي وصفه القرآن بأنه شديد القوى . ووصف كيفية نزول القرآن مرة واحدة على قلب النبي ليلة القدر وكيف استوى جبريل وهو بالأفق الأعلى أو الأفق المبين ثم دنا جبريل من محمد وتدلى إليه ومحمد على الأرض حتى أصبح جبريل قاب قوسين أو أدنى وتلامس المخلوقان , أحدهما علوي والآخر أرضي، وكان الملَك العلوي يحمل كلمة الله الأخيرة للإنسانية، وحين هبط علي قلب محمد وتلامس معه طبع فيه الوحي الإلهي وعندها أوحى الله تعالى إلى عبده ما أوحى وتلقي فؤاد محمد عليه السلام هذا الوحي فصار نبيا، وما كذب فؤاد محمد ما رآه بعيني القلب (النجم1ـ11)..
ـ ولأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا فإن ما جاء في سورة التكوير عن نزول القرآن ليلة القدر تشرحه سورة النجم ..على النحو الأتي :ـ

الموضوع سورة التكوير سورة النجم ملاحظات
أوصاف جبريل عليه السلام إنه لقول(رسول كريم)
( ذي قوة عند ذي العرش)
( مكين )
(مطاع ثم )
( أمين ) علمه (شديد القوى )
( ذو مرة )
- أي قوة
الدفاع عن محمد عليه السلام بتذكير المشركين بأنهم صحبوه قبل النبوة وعرفوا صدقه وعقـله
(وما صاحبكم بمجنون)
(ما ضل صاحبكم وما غوى )
تأكيد هذا الدفاع بالقسم بالنجوم ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) ( والنجم إذا هوى )
وصف كيفية الوحي ( ولقد رآه بالأفق المبين ) (فاستوى . وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى )

كيف نزل القرآن متفرقا حسب الأحداث:
والمستفاد مما سبق أن القرآن نزل كتابا على قلب النبي مرة واحدة ليلة القدر . ثم كان يتنزل على ذاكرة النبي حسب الحوادث , وفى ذلك يقول " وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً : الإسراء : 106 " أي نزل القرآن المقروء بلسان النبي، نزلا تنزيلا متفرقا ليقرأه الرسول على الناس على مكث , شيئا فشيئاً . إلى أن انتهى نزولا ..
وهذا الازدواج في نزول القرآن كتابا مطبوعاً في قلب النبي مرة واحد , ثم في نزوله متفرقا على ذاكرته كان يؤثر على كيفية تلقي النبي لوحي القرآن في آياته المتفرقة .
وحتى نتخيل هذا الوضع نفترض أنك رأيت مناما قويا استكن في اللاشعور عندك . واستيقظت وأنت تحس به داخلك ولكن لا تستطيع تذكره بالتفصيل ولا تستطيع الإفصاح عما يجيش في داخلك , ثم فوجئت بما رأيته في المنام يحدث أمامك وأنت تسير في الشارع . ساعتها ستقفز الرؤيا المستكنة في عقلك الباطن ويسرع عقلك الواعي بتذكرها , ويسرع لسانك بنطق ما كنت تردده في الرؤيا ..
وهذا بالضبط ما كان يحدث للنبي في نزول الآيات , إذ إنه سرعان ما يتصاعد إلى لسانه مضمون الآية المطبوع في مكنون قلبه عندما تنزل عليه, فيسرع لسانه بنطق الآية في نفس الوقت الذي يتنزل فيه الوحي بالآية. والقرآن الكريم عالج هذه الحالة الفريدة في موضعين .. يقول تعالى للنبي " وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ. وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا طه : 114 ".. أي لا يتعجل لسانك بقراءة القرآن قبل أن ينقضي الوحي . وقل رب زدني علما . والعلم المقصود هو القرآن , وهذا هو معنى قوله تعالى عن وظيفة جبريل بالنسبة لمحمد حين نزل بالقرآن " عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى : النجم : 5 " أي أن النبي مطلوب منه أن يدعو ربه أن يزيده وحيا أو علما بالقرآن . والعجيب أن رقم الآية هو (114) أي تشير إلى أن عدد سور القرآن سيكتمل عندما يصل العدد (114) .
وفى الموضع الآخر يقول تعالى " لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ." إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" القيامة : 16 : 19 " أي ينهى النبي عليه السلام أن يحرك لسانه بما يتذكره من الآية التي يوحى بها إليه , مكتفيا بأن يتتبع بلسانه ما يردد على ذاكرته من الوحي . والآيات تؤكد أن الله تعالى تكفل بجمع القرآن وببيان القرآن , حيث إن القرآن يفسر بعضه بعضا . كما حدث في هذه الآيات التي تفسر الآية السابقة من سورة طه .



اجمالي القراءات 19518