خدعة حصة الدين والمادة الثانية من الدستور

كاميل حليم في السبت ٠٦ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما يحاول ضباط المباحث القبض على تجار المخدرات فى المناطق الشعبية، يكون التجار مجهزين لهم "البوليكة"، والبوليكة هى افتعال خناقة تمثيلية بين أتباع تجار المخدرات لشغل المباحث عن القبض على البضاعة، ولتمكينهم من تخبئتها أو بلغتهم "تسويح البضاعة"، وطبعاً تقوم نساء تجار المخدرات بالواجب من القيام بالصراخ والندب والذى منه، ودائما ما يبتلع رجال المباحث الطعم فيندفعوا لفض الخناقة وإسكات النساء، وتكون فرصة عظيمة لدقائق لتجار المخدرات كافية لتخبئة وإخفاء جريمتهم.

وعلى نفس الطريقة ونفس الخدعة، قام النظام المصرى منذ ثورة يوليو بخديعة الشعب المصرى بإلهائه بمشاكل جانبية "هايفة" يصورها النظام للناس على أنها مسألة حياة أو موت، ليشغل الناس عن المطالبة بإصلاح المشاكل المهمة فى حياته، وتقوم وسائل الإعلام والصحافة بعمل اللازم فى ملئ الدنيا صراخاً، سواء عن توجيه حكومى أو عدم وعى أيضاً .

وسأسرد مثلين على سبيل المثال لمشكلتين أساسيتين فى حياة ومستقبل مصر وهما "التعليم والدستور"

التعليم:
انعقد مؤخراً مؤتمر نظمته "مصريون ضد التمييز الدينى" وهى هيئة عظيمة للدفاع عن حقوق الإنسان تضم مسلمين شرفاء أخذوا على عاتقهم الدفاع عن حقوق أشقائهم فى الوطن، المسيحيين ضد التمييز الذى يعانى منه المسيحيون بسبب الدين.

وكانت أحد توصيات المؤتمر انتقاد وزارة التعليم لقيامها بعمل حصص لتدريس الدين الإسلامى للمسلمين ولا توجد حصص مماثلة لتعليم الدين المسيحى للمسيحيين، ووجهوا رسالة بالتوصيات لوزارة التعليم بتحقيق العدالة وإجراء حصص دين مسيحى، وعدم تعليم الطلبة المسلمين التطرف الدينى.

ورغم احترامى الشديد وتقديرى لجهود منظمة "مصريون ضد التمييز" وبعد قراءتى للتوصيات قررت أن أكتب مقالى ليس انتقاداً لأحد أو للقرارات والتوصيات لا سمح الله، ولكن للفت النظر إلى أن ما تفعله وزارة التربية والتعليم، وهى جزء من النظام الحاكم، ما هو إلا إشعال للطائفية، حيث المقصود أن يشعر الأقباط بالاستياء من عدم المساواة وطلب إلغاء حصة الدين الإسلامى، وبالطبع سيغضب الإخوة المسلمون فيهاجمون المسيحيين لعدم احترامهم لحصة الدين الإسلامى وتبدأ النار فى الاشتعال.

تماماً هو نفس ما يفعله تجار المخدرات لشغل الشعب المصرى بالمشكلة الطائفية، والبوليكة هى حصة الدين لصرف نظر الجميع عن مشاكل التعليم، وصرف النظر عن ما وصل له حال حصص الكيمياء والرياضيات والطبيعة واللغات والجغرافيا وغيرها من المواد المهمة، وصرف النظر عن حصص الألعاب التى كانت تبنى الجسم السليم وحصص الرسم والموسيقى التى كانت تنمى الإبداع، وتناسوا ما تعانيه الأسرة المصرية من هم وأعباء الدروس الخصوصية، ما يحدث فى التعليم المصرى ما هو إلا مأساة حقيقة يعانى منها جميع الشعب المصرى مسلمين وأقباط، ولا أستطيع إلا أن أعبر عن حزنى عندما رأيت كيف يتعلم أحفادى فى الولايات المتحدة بالمقارنة بما يتعلمه أقرانهم فى مصر .

الدستور
ألغت الثورة دستور 1923 العظيم، وكتب جمال عبد الناصر أول دستور ديكتاتورى لمصر وغيره السادات بإضافة المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الإسلام هو المصدر الرئيسى للتشريع، ورفض الرئيس مبارك من عدة سنوات إزالتها أو تعديلها فى التعديل الدستورى الأخير، ونشبت مناقشات ونزاعات طائفية كثيرة بدأت من الجانب المسيحى طلباً لإزالتها، وتزايدت الشكوى بأن المادة الثانية من الدستور تسبب لهم مشاكل فى حياتهم اليومية ومستقبل بقائهم، وتمسك المسلمون بالمادة الثانية وانبروا فى الدفاع المستميت عن أهميتها، وأنها أيضاً مسألة جوهرية وانشغل الجميع بالتركيز على المادة الثانية، وكانت المادة الثانية هى البوليكة التى استخدمتها الحكومة والنظام لشغل الجميع عن المصائب الحقيقية التى ينص عليها الدستور الذى قاد البلاد إلى ما هى عليه، ومن يحويها على مدار 60 عاماً، وأعطى الرئيس الحق فى تعيين كل المناصب القيادية، وحرم الدستور فى جميع مواده الحق فى اختيار قياداته من المحافظين والقيادات الأخرى، وانشغل الجميع بالنقاش والعراك حول المادة الثانية وانشغلوا عن عشرات المواد المسيئة لمصر بمسلميها ومسيحييها.

صدقونى يجب أن نطلب إلغاء حصة الدين مسلمين ومسيحيين نهائياً، فما أسهل علينا أن نعلمها لأولادنا فى البيوت والجوامع والكنائس، لكن يجب أن لا نترك حقوق الشعب المصرى فى وجود تعليم قوى كباقى بلاد العالم المتقدم، وفيه يتلقى أبناؤنا حصص الحساب والجغرافيا والكيمياء والطبيعة وحصة الألعاب التى كانت تبنى الجسم السليم، ونهتم بحصص الفنون والرسم والموسيقى، فلسنا أقل من دول العالم الذى ارتقى وتقدم وسبقنا بآلاف الأعوام بالعلم والمعرفة حتى ننشئ أجيالاً قادرة على المنافسة.

ويجب علينا أن نتحد مسلمين ومسيحيين، وأن نطالب بإلغاء هذا الدستور المرقع، والمطالبة بدستور ليبرالى يعطى الشعب المصرى حقوقه الليبرالية الكاملة.

اجمالي القراءات 12099