"كتاب الله و سنتي"

محمود دويكات في السبت ٣٠ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إن الانحدار الرهيب الذي يعيشه من يدعون أنهم مسلمون يعود لجملة من الاسباب ، أهمها هي تلك القصور و القلاع الاسطورية التي بنوها في أدمغتهم و أقنعوا أنفسهم بوجودها في الواقع و لكنها لم تكن أكثر من خرافات أكل الدهر عليها و شرب. تكمن خطورة هذه الخرافات المصطنعة في كونها عامل مخدّر يجعل هؤلاء القوم يعيشون في كوكب آخر بعيد عن الارض الحالية ، و تزداد المصيبة عندما يجاهد هؤلاء في سبيل فرض تلك الخرافات و الاوهام على بقية الناس في هذا العالم و هم يحسبون أنهم مهتدون/أو يحسنون صنعا..
أحد هذه الخرافات هي أنهم كانوا يقولون دوما و تكرارا أن الرسولَ محمداً عليه السلام قد أوصى بكتاب الله و سنته (أي سنة محمد) على أنهما الطريق الوحيد لتجنب الضلال ، وبالتحديد المقطع (تركت فيكم ما ان تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله و سنتي) و قد استهوتني هذه المقولة بالذات فحاولت البحث عنها فوجدت الحقيقة هي أن هذا الحديث ليس مجردَ كذبٍ و افتراءٍ على الرسول الكريم فحسب بل أنه غير موجود أصلا على هذه الصيغة في كتب الصحاح التسعة المعتمدة لدى من يسمون أنفسهم بأهل السنة! إلا بشكل غريب وضعيف جدا و غير مسند بسند في موطأ مالك كما سنرى.
اذا استعرضنا كتب الصحاح التسعة فسنجد ان تلك المقولة قد تم استحداثها وابتكارها من عدة روايات متلاطمة منسوبة للرسول على هذا الشكل:

ترمذي برقم 3718 "حَدَّثَنَا ‏ ‏نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ الْأَنْمَاطِيُّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ ‏ ‏عَرَفَةَ ‏ ‏وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ ‏ ‏ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي قَالَ ‏ ‏وَفِي ‏ ‏الْبَاب ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي ذَرٍّ ‏ ‏وَأَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ‏ ‏وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَهَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ‏ ‏مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَزَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏ ‏قَدْ رَوَى عَنْهُ ‏ ‏سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ‏ ‏وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏"
التعليق: لاحظ قولهم عن الحديث أنه حسن و غريب في نفس الوقت ، أضف الى ذلك أنه لا يذكر سنة النبي ، كما أن متن الحديث عبارة عن "خرابيط" إذ كيف يدعو الرسول الناس لأن يتمسكوا بأشخاص (قال هم أهل بيته) وهم لا يضرون و لا ينفعون ، بل هو نفسه يقول عن نفسه بكلمات من الله انه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله به (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ ) أعراف- يونس.
ثم إن الراوي ينقل عن خطبة النبي يوم عرفة التي حضرها كما يقولون أكثر من عشرة آلاف مسلم وقتها ولكنه يتغاضى عن باقي الخطبة و يركز فقط على هذا الجزء ، الخلاصة أن هذا الحديث منسوب للرسول افتراءً عليه و هو منه براء.
موطأ مالك برقم 1395 و حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ ‏ ‏أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ ‏ ‏مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ‏ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ‏( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ‏ ‏آدَمَ ‏ ‏مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) فَقَالَ ‏ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏ ‏سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يُسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏ ‏خَلَقَ ‏ ‏آدَمَ ‏ ‏ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ الْجَنَّةَ وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ النَّارَ ‏
و حَدَّثَنِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏أَنَّهُ بَلَغَهُ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ
التعليق: لاحظ أن الحديث هو أيضا مجرد خرابيط لا تدخل عقل رجل يؤمن بعدالة الله سبحانه وتعالى. إذ إنهم يريدون من البشر أن يلووا عقولهم و يقبلوا ان الله خلق البشر كمجرد آراجيز و دمى يحركها الله الى مصيرها المحتوم و المقدر سلفا إما لجنة أو نار و كأنه لا توجد إرادة حرة لبشر و لا قيمة لما يعملونه من أعمال في هذه الدنيا. و رغم أن العنعنات في بداية الحديث تزيد عن السطر إلا أن الجزء الاهم من الحديث في آخره أورده الراوي دونما إسناد يذكر سوى أنه قد "بلغه" - من شخص ما مجهول لا نعلم من هو - أن الرسول قال تركت فيكم... الخلاصة هذا الحديث هرطقة و افتراء على رسول الله الكريم.
أبوداؤود 1628 + مسلم 2137 + سنن ابن ماجه 3065 (....... فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ ‏ ‏لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ ‏ ‏أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ ‏ ‏مُبَرِّحٍ ‏ ‏وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ ‏ ‏وَيَنْكُتُهَا ‏ ‏إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ ‏ ‏اشْهَدْ ‏ ‏اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
التعليق: هذا الحديث جزء من ما يسمونه خطبة حجة الوداع يوم عرفة (بعد نزول معظم القرءان!) ، الحديث ينسب الكذب من العيار الثقيل للرسول الكريم و يزعم أنه ناقض صراحة ً حكمَ القرءان بخصوص الزنا و الملاعنة ، فالقرءان يحكم انه إن ثبت الزنا فيجب جلد الفاعل و المفعول إن كان بالاتفاق و ليس أن يقوم الرجل بضرب زوجته ضربا غير مبرح ، و إن لم يثبت الزنا فبإمكان الزوج المتضرر إفتعال الملاعنة (سورة النور) بغية الحصول على إقرار من الزوجة أو لتهدأ نفساهما . و لكن الحديث يقول أن الرسول قد شرع أمرا آخر متعلق بضرب الزوجات إذا قمن بالخيانة و الزنا و هذا محض افتراء على الرسول عليه السلام. ثم إن الحديث هنا لا يذكر" سنتي" أصلا بل يحض على التمسك بكتاب الله ، و لكن حسب الراوي يبدو أن النبي هو أول من نكث كتاب الله وراء ظهره حين خالف حكم القرءان في هذا الحديث! فسبحان الله!
مسند أحمد 11135 و 10779 - حَدَّثَنَا ‏ ‏ابْنُ نُمَيْرٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَطِيَّةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏ ‏قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ‏ ‏الثَّقَلَيْنِ ‏ ‏أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ‏ ‏وَعِتْرَتِي ‏ ‏أَهْلُ بَيْتِي أَلَا إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ
- حَدَّثَنَا ‏ ‏ابْنُ نُمَيْرٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏ ‏قَالَ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي ‏ ‏الثَّقَلَيْنِ ‏ ‏أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ‏ ‏وَعِتْرَتِي ‏ ‏أَهْلُ بَيْتِي أَلَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‏
التعليق: لاحظ أن الرواة هم هم أنفسهم و لكن ما زالوا مختلفين في نص متن الحديث الذي يزعمونه عن الرسول ، و لاحظ قولهم "أحدهما أكبر من الآخر" و كأنهم يريدون للقاريء أن يشطح و يشتّ و يتساءل : يا هل تـُرى من أكبر عند الله ممن؟ كتاب الله ام أهل بيت الرسول؟ و هذا بالإضافة الى أن كلمة سنتي لم ترد في هذا الحديث أيضا.

خلاصة: إذن لقد كانوا يكذبون علينا عندما كانوا يرددون على مسامعنا (منذ أيام المدارس) أن الرسول قد أوصى بسنته الى جانب القرءان ، فلم ترد كلمة كتاب الله و سنتي إلا مرة واحدة و لم يذكر فيها أصلا من هو راويها بل كانت مجردَ خبر ٍ (إن صحّ) قد بلغ مالكاً من مصدرٍ مجهول ، و قد ورد ذلك في حديث "حسن ٍ" و "غريب" في نفس الوقت على رأي مُصحّحيه و هو من المتناقضاتِ المضحكة ُ المبكية ُ.

و صدق الله إذ يقول (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) أنعام. و لاحول ولا قوة إلا بالله.

اجمالي القراءات 34551