رسالة الى الأحبة ( 20 )

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٠ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :
لا يمكن إغفال التنوير الذى قام به هذا الموقع منذ إنشائه منذ بضع سنوات ،أقصد تحديدا تنوير أولئك الذين يكتبون فيه اليوم . كل منهم تعلم الجديد ، ولكن على تدرج زمنى و بمستويات مختلفة . هم أنفسهم لا يستطيعون إنكار انهم الآن ـ غير أنفسهم قبل ظهور هذا الموقع . وأحتكم فى هذا الى ضمائرهم .
لم يكن هذا سهلا .. فقد تحملت الكثير من النقد والكثير من الهمز واللمز و السب والشتم ، وكنت اتحمل حينا وأغضب أحيانا ، مع أن معظم ما أنشره على الموقع قد تم نشره من قبل ، بل إن أصعب ما نشرته وأحدث رجة فى الموقع ـ سبق نشره فى كتاب ( الأنبياء فى القرآن الكريم ـ دراسة تحليلية ) وهو الذى كان مقررا على الطلبة فى جامعة الأزهر عام 1985 ، وبسببه تركت الجامعة بعد عامين من الاستجوابات والتحقيق ، ثم دخلت السجن بعدها نهاية عام 1987.
أكرر هذا لأن نفس المشهد يتكرر فى الموقع ، بصورة ما . فما قلته منذ حوالى ربع قرن لم يتقبله اليوم بعض من يسمون أنفسهم (اهل القرآن ) . وإذا كنت قد عانيت الاضطهاد والسب و الشتم حين كنت فى جامعة الأزهر بسبب ما قلته فى كتاب (الأنبياء ) فلقد رأيتنى أعانى السب و الشتم فى موقعى بسبب نفس القول ، مع أن كل ما أقوله معزز بالقرآن . الفارق أننى هنا فى موقعى وفى بيتى ، وأتعرض للبذىء من القول و أتحمل واصبر أملا فى أن يعود المسيئون الى ضمائرهم ، وأن يقف العقلاء موقفا يأمرون فيه بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولكن العقلاء لم يكونوا بالكثرة التى حسبتها ولا بالجسارة التى تمنيتها .
ما يؤلمنى ليس فقط أن يكون رد الفعل هذا على كلام سبق قوله وسبق استيعابه منذ ربع قرن ، وليس فقط لأن البعض فى نقده سقط سقوطا لم يكن هو نفسه يتصور ان ينحدر اليه ، ولكن الذى آلمنى أكثر أشياء كثيرة منها :
1 : أننى مع حرصى على التأكيد أننى لا أفرض رأيي على أحد ومع حرصى على عدم التدخل فى المقالات التى تعارضنى بالنقد أو حتى بالتعليق فإن الآخرين هم الذين يملون عقائدهم علىّ ، وهم الذين يتدخلون بالتعليق المستفز على ما أكتب ، وبعضهم يتصور نفسه قادرا على أن يجعلنى أتراجع عما وهبت حياتى له وناضلت و عانيت فى سبيله ،بل يتساءل لماذا أكتب فى هذا الموضوع ، وهو ما لم أفكر فى أن أقوله لأى كاتب فى الموقع .
2 : أن بعضهم كان يعلق لمجرد الاستفزاز؛ يخلط عن عمد الأوراق بهدف تضييع الوقت فى التعليقات وادخال القراء فى متاهات تبعدهم عن المناقشة الموضوعية ، أى يتحول الموقع الذى هو فى الأصل مدرسة علمية لفهم القرآن الكريم وتدبره الى مدرسة مشاغبين أو مصطبة للمشاغبين ، يشغبون على ما أكتب بالذات.
3 : أن البعض الاخر اتخذ من سعة صدرى فرصة لأن يتطاول علىّ هو الآخر سواء فى اميلات يكتبها لى أو فى تعليقات منشورة ، بل أن تواضعى و تسامحى جعل بعضهم تتضخم لديه ذاته وتتنرجس فتهيأ له أن الموقع لايستطيع التنفس بدون كتاباته . .
هذا التطاول لو حدث لى من ربع قرن لنسفتهم نسفا ..
كنت فى عنفوان الشباب عنيدا حادا شديد البأٍس ، لا تزال ملامح الشيخ الأزهرى تعيش داخلى ، وقلمى لا نظير له فى فن السخرية وحدة النقد مع قوة الحجة ، ولا يزال ، ولكن معايشة القرآن والتقدم فى العمر جعلتنى أكثر تحكما فى قلمى وأكثر تسامحا وصبرا . وحين أصلحت كثيرا من نفسى أفاجأ فى نهاية العمر بهؤلاء الهواة الذين لا يقاس حالهم بأكابر الشيوخ الذين صارعتهم وصرعتهم منذ ربع قرن، والذين لا يزال إسمى يفزعهم ويقض مضاجعهم ..
ثانيا :
هذا كله دفعنى لأن أتساءل : ما هذا الذى أفعله بنفسى اليوم ؟ وما هذا الذى أفعله بموقعى ؟
قمت بوقفة مع النفس ..ومع الانجاز الذى تحقق بهذا الموقع ..
تساءلت :
1 ـ هل وجود أولئك الناس شرط أساس فى استمرار الموقع ونجاحه ؟
الاجابة بالتاكيد : لا .
أرى أن بوسعى أن أكفى الموقع يوميا بنشر ما كتبته من قبل وبما أكتبه . ولو كان حتما أن يكتب فيه غيرى فيكفى من يتفقون معى فى العقيدة ، ومن يرغبون فعلا فى العلم والتعلم ، ويمكن لنا أن نتناقش ونتعلم من بعضنا فى مدرسة القرآن باسلوب راق ..
وهؤلاء ـ من حسن الحظ ـ هم أغلبية من يكتب فى الموقع لأن المشاغبين مع علو أصواتهم فهم أقلية ، ومشاغباتهم هى التى أساءت للموقع، والموقع بدونهم أفضل حالا .
2 ـ مالذى أضافه لى هذا الموقع ؟
رأيت أنه ليس بالكثير ، فأنا أكتب وأناضل قبل الموقع بثلاثين عاما ، وسأستمر ـ بعون الله جل وعلا فى الكتابة مع الموقع وبدونه ، وصفحتى فى الحوار المتمدن تستقبل ألف قارىء يوميا ، والعناء الذى أبذله فى تحمل أعباء الموقع وتحمل سخافات بعضهم تاخذ من وقتى ومن أعصابى وراحتى النفسية .
3 ـ هل معنى هذا أن أترك موقعى لهم ؟
مستحيل طبعا ، فأمثالهم أخرجونى وأخرجوا أصحابى أهل القرآن فى مصر من مساجد أقمناها بانفسنا ،بل ومنعونى من الذهاب الى بلدى والصلاة فى بيتى مع أهلى ، ولقد تحررت منهم بالهجرة فلايستطيعون الآن إخراجى من بيتى فى أمريكا ، ولا أسمح لهم باخراجى من موقعى .
4 ـ إذن ما العمل ؟
قمت مؤقتا باجراء منع الدخول لمن رأيته تجاوز الحد .. الى حين التشاور مع ابنى أمير ـ مدير الموقع .
ثم اتفقنا ـ أنا وأمير ـ على أن يريحنى ـ مؤقتا ـ من عبء الادارة لأتفرغ للكتابة ومهامى الأخرى ، مقابل أن يقوم هو بضبط التعليقات بحزم وبلا تساهل .
لم يكن هذا قرارا سهلا بالنسبة لأمير منصور ، فأنا أعلم مدى ضيق وقته ، ولكنه إرتضى لنفسه هذا العبء الاضافى حرصا منه على بعض الناس الذين فقدوا احترامى وتقديرى .
أخيرا :
يبقى اقتراح أخير أتوجه به الى المخالفين لى فى الرأى ، ومنهم من لا أزال أحتفظ له بالتقدير :
هناك مواقع كثيرة تحمل راية القرآن وأهل القرآن ، بعضها بالعربية والآخر بالانجليزية .. ومن الممكن إضافة المزيد الى هذه المواقع ، وهو مكسب لأهل القرآن .
ولقد تعلمتم فى هذا الموقع الكثير ورفضتم القليل .. وهناك خلاف أساس بيننا لا محل لتجاوزه ولا سبيل للسكوت عنه ، وهو تأليه النبى محمد عندكم ورفضنا هذا التأليه فى عقيدتنا .
اقتراحى أن لكم متسعا فى فضاء الانترنت ، يمكن أن تنشئوا لكم مواقع خاصة أو تشاركوا فى موقع من مواقع أهل القرآن التى تتفق معكم ، أو تكتبوا ما تشاءون فى المواقع المفتوحة مثل الحوار المتمدن و عرب تايمز و شفاف الشرق الأوسط ، ويمكنكم عندها أن تهاجمونى كما تشاءون ، وأعدكم بأن أتسامح معكم كالعادة.
وبذلك أستريح وتستريحون.
ما رأيكم ـ دام فضلكم ؟

اجمالي القراءات 16678