تأملات في قصة يوسف فى القرآن العظيم
( 6 )الأحلام فى قصة يوسف

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٦ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أولاً : لمحة عن الأحلام فى القرآن
1 ـ عرض القرآن الكريم للمنامات والأحلام فى مواضيع متفرقة, ولكن تميزت سورة يوسف وقصة يوسف بقيامها على ثلاثة أحلام ، بتأويلها أى بتحقيقها فى دنيا الواقع تسير أحداث القصة من البداية إلى النهاية.
2 ـ وقبل التوقف مع الأحلام والمنامات فى قصة يوسف نعطى لمحة عنها من خلال السياق القرآنى:
كلمة أحلام تأتى فى القرآن الكريم بمعنيين مختلفين مع إتفاق الحروف فى الكلمة :
* (أحلام ) بمعنى المنامات ما كان منها صادقاً أو تخريفاً , كقوله تعالى (بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ )(الأنبياء 5) (قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ )(يوسف44 ) .
* ( أحلام) بمعنى العقول ، كقوله تعالى عن مشركى قريش فى اتهاماتهم الباطلة للنبى محمد عليه السلام (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ )( الطور32).
3 ـ وورد فى القرآن الكريم إشارات لرؤى أو أحلام رآها بعض الأنبياء.
منها منام إبراهيم عليه السلام، حين رأى فى المنام أنه يذبح إبنه إسماعيل ، فسافر إليه من الشام إلى مكة كى يحقق الحلم بذبح إبنه . لقد فهم إبراهيم عليه السلام أنه أمر إلهى له بأن يذبح وحيده إسماعيل ، وبادر إبراهيم عليه السلام بالسفر لتنفيذ الرؤية، فنجح فى إختبار الطاعة ، أو كما قال تعالى عنه (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)( البقرة 124)،( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى )( النجم 37) وعن إختبار الرؤية الذى تعرض له إبراهيم عليه السلام يقول جل وعلا (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيم)( الصافات 104 :109).

4 ـ بالنسبة لخاتم الأنبياء عليهم جميعاً السلام , فقد كان للرؤى والأحلام دوراً فى تاريخه وسيرته ؛ فى غزوة بدر حيث كان الوجل شديداً والمسلمون يواجهون جيشاً يفوقهم عدداً رأى النبى محمد عليه السلام فى منام قصير له جيش العدو قليلاً فتشجع (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ)( الأنفال 43) وفى نفس الوقت رأى المشركون المؤمنين قلة فى العدد، أى رأوهم على حقيقتهم , وعلى العكس رأى المؤمنون المشركين قلة فى العدد والهدف أن يتشجع المؤمنون ويتغلبوا على مخاوفهم فى أول لقاء حربى لهم (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً)( الأنفال 44).
وفيما بعد،إشتاق النبى محمد عليه السلام للحج ورؤية الحرام فرأى فى المنام أنه يدخل المسجد الحرام بأصحابه يقيمون فيه الشعائر فى أمن وسلام ، فعزم على تحقيق هذا الحلم، وتحقق هذا الحلم فى النهاية،يقول تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) ( الفتح 27).
ثانيا : دور الأحلام فى قصة يوسف
1 ـ ضمن الملامح التى تتميز بها سورة وقصة يوسف تلك الأحلام الثلاثة التى تقوم عليها ،ودور كل منام منها فى أحداث القصة فى مسيرة يوسف من احضان أبيه إلى الجب ثم إلى بيت العزيز ثم إلى السجن ثم إلى منصب عزيز مصر إلى لقائه بأخوته .
2 ـ تبدأ قصة يوسف بالحلم الذى رأه يوسف طفلاً وحكاه لأبيه وأدرك الأب ان مصيراً هاماً ينتظر إبنه الصغير يتلخص فى أنه المختار نبياً بين أخوته،وأنه سيتعرض شأن كل الأنبياء إلى مصاعب عديدة ، فأوصى إبنه الحبيب ألا يقص هذا الحلم على أخوته خشية أن يكيدوا له كيداً . يتلخص الحلم فى أن يوسف رأى فى المنام ان أحد عشر كوكباً مع الشمس والقمر يسجدون له (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)( يوسف 4) وجاء تأويل هذا الحلم فى نهاية القصة (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا :يوسف 100) حين سجد له أبواه وأخوته .
ومن الطبيعى أن يزداد ولع الأب يعقوب بابنه يوسف المختار نبياً ،فقد قال الأب لأبنه يؤهله لما ينتظره من مستقبل (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )( يوسف6).
هذا الولع المترتب على هذا الحلم أسفر عن تآمر أخوة يوسف عليه ,،وإلقائه فى الجب ، ثم ينتهى به الأمر فى قصر عزيز مصر. وفى شبابه يتعرض لميكدة آخرى يدخل بها السجن مظلوماً .
2 ـ وفى بداية السجن يرى كل من رفيقيه حلماً خاصاً به ؛ الساقى يرى فى المنام أنه يعصر خمراً ، والخباز يرى انه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)( يوسف 36).
وقام يوسف بتفسير الحلم لكلاً منهما:( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)( يوسف41). وأوصى الساقى أن يذكره للملك حين يتحقق الحلم فيخرج ويعمل عند الملك.
3 ـ وبعد سنوات يرى الملك حلماً أخر يعجز اصحابه عن تفسيره ،ويكون هذا الحلم ليوسف تأشيرة خروجه من السجن ودخوله عصر القوة والنفوذ . رأى الملك فى المنام سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات ثمان وسبع سنبلات يابسات يأكلن سبع سنبلات خضر:(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)( يوسف 43) ، وقام يوسف بتفسير المنام للملك (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(يوسف 47:49) .
وهكذا تلعب تلك المنامات الثلاث وتفسيرها أو تحققها عملياً درواً هاماً فى تدفق الأحداث ، ويقف كلاً منها فى موقعه منعطفاً هاماً فى تقلباتها ، حيث تقلب يوسف من بيت أبيه إلى الجب ومن الجب إلى القصر ومن القصر إلى السجن ومن السحن إلى الحكم والنفوذ.
ثالثاً : تحليل للمنامات فى قصة يوسف:
1 ـ فى الدين الصوفى على الأخص تلعب الأحلام والمنامات دوراً هاماً تقوم فيه مقام الوحى ،وفى دين التشيع والسنة ترتبط الأحلام الصادقة بالصلاح , فالرجل الصالح عندهم هو وحده الذى يرى الرؤية الصادقة كفلق الصبح ،ويستحيل عندهم ان يرى الكافر او الفاسق العاصى رؤية صادقة .
على الخلاف من ذلك نرى المنامات والأحلام فى القرآن الكريم وفى قصة يوسف على الخصوص..
فهناك رؤيا رآها الملك ورأها الخباز ورآها الساقى ،وكلهم كانوا مشركين يقدسون البشر والحجر ويطلقون عليهم أسماء،ولا تلبث ان تصبح الأسماء فى حد ذاتها مقدسة مثيرة للرهبة شأن الأسماء المقدسة الآن لدى اصحاب الأديان الأرضية مثل البخارى والسيد البدوى والشاذلى وأبو العباس المرسى وإبراهيم الدسوقى والشافعى والشعرانى وأحمد الرفاعى وعبد القادر الجيلانى وكربلاء وقم والأزهر .
ولهذا بدأ يوسف ـ قبل تفسير الحلم للساقى والخباز ـ بدعوتهما إلى إخلاص العقيدة لله تعالى رب العاملين ، مع ملاحظة أن خطابه لم يكن بصيغة المثنى ولكن كان بصيغة الجمع ،أى كان يتحدث عن المصريين عموماً وعباداتهم لأسماء ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
ولا تزال كلمات يوسف تصدق على معظم المصريين حتى اليوم ,وعلى معظم العالم ايضاً ، إقرأ فى ذلك قوله تعالى (صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )( يوسف39 - 40 ).
ولكن اولئك المشركين الثلاثة رأى كلاً منهم حلماً صادقاً وقد تحقق . وبذلك فالمنامات والأحلام الصادقة لا ترتبط بصلاح شخص أو فساده ، فكل إنسان قد يرى أضغاث أحلام وقد يرى رؤية صادقة تتحقق ، ويظل على عقيدته أن صلاحاً أو فساداً.
بل قد يرى النبى نفسه رؤية غير صحيحة وذلك لهدف معين مثل رؤيا النبى محمد فى بدر جيش المشركين قليل العدد .
2 ـ ومن خلال قصة يوسف نرى الأحلام تأتى بصورة رمزية تحتاج إلى من يقوم بتفسيرها وتأويلها ؛ فيوسف رأى الشمس والقمر و(11) كوكبا يسجدون له، وكان التفسير بأن أخوته الأحد عشر رجلاً هم الأحد عشر كوكباً وأن الشمس والقمر هما والداه ، وتحقق الحلم وتجسد فى سجود والديه وأخوته له فى الحقيقة .
وفى رؤيا الخباز أنه كان يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه،وكان التفسير أنه سيعاقب بالقتل صلباً ، وتحقق هذا الحلم وقتل الخباز وصلبوه.
وفى رؤيا الساقى أنه يعصر خمراً كان التفسير إطلاق سراحه وعمله ساقياً للملك، وقد جاء تأويل ذلك عملياً أو تحقيقه عملاً.
وفى رؤيا الملك كانت السنابل الجافة اليابسة السبع هى السنوات السبع الشداد التى حدثت فيها المجاعة ، وكانت السنابل الخضراء السبع هى سنوات الرخاء السبع ، وكذلك كانت البقرات السمان السبع هى سنوات الرخاء بينما كانت البقرات العجاف السبع هى سنوات الشدة ًوالمجاعة , وأكل هؤلاء لأولئك تحقق عملياً وفق تفسير يوسف لحلم أبيه.
3 ـ ولكن هل كل حلم صادق يأتى بصورة رمزية يتحتاج لتفسير؟
من الخطأ التعميم
إن مجىء الأحلام فى سورة يوسف بصورة رمزية كان حتمياً إذ أعطى الله تعالى يوسف القدرة على ( تأويل الأحاديث ) حيث كانت هذه القدرة على تفسير المنامات هى تأشيرة خروجه من السجن ودخوله إلى عصر النفوذ .
وهناك منامات جاءت صريحة واضحة لا تحتاج تفسيراً إلى درجة أن من رآها فهم أنها أمر مباشر فتأهب لتنفيذه، ينطبق هذا على رؤية إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه ورؤيا محمد عليه السلام أنه يدخل باصحابه المسجد الحرام يؤدون الحج ،الرؤية هنا واضحة ولا رمزية فيها
4 ـ لكن هل بإمكان أى إنسان أن يفسر الأحلام نفسيراً صحيحاً؟
نتحدث هنا عن الأحلام الصادقة , إذا كانت فعلاً صادقة .
من خلال قصة يوسف نرى أن الله جل وعلا قد جعل الآية الخاصة به هى قدرته على تفسير الأحلام أو التعبير القرآنى( تأويل الأحاديث ) وقد قال له أبوه حين كان يوسف طفلاَ ورأى المنام (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)( يوسف 6) وقال رب العزة جل وعلا عن يوسف (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)( يوسف 21 ) وعبر يوسف فى قمة سعادته عن الحمد والشكر لله تعالى على ما انعم عليه من نعم وفضل ،وكان منها معرفته بتأويل الحديث(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)(يوسف 101 ).
نحن هنا أمام آية أعطاها الله عز وجل لأحد الأنبياء وهو يوسف عليه السلام ، وهى تتعلق بعلم الغيب ,وهو علم يخص الله تعالى جل وعلا ولا يطلع علي بعضه إلا بعض من إرتضاه الله تعالى من الرسل ، يقول جل وعلا يخاطب المؤمنين (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء)( آل عمران 179) (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ )( الجن 26 :27) .
وشأن كل نبى أعطاه الله تعالى آية أن يعلنها للناس ,وهكذا أعلن عيسى عليه السلام (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )( آل عمران 49).
أما النبى الذى لم يعط علم الغيب فإنه يعلن ذلك بكل ضراحة ووضوح , كما فعل نوح عليه السلام (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ)( هود31) . وكذلك أمر الله تعالى خانم النبيين محمداً عليه السلام أن يعلن ويقول : (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ)( الأنعام 50) ( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ( الأعراف188)
وفى قصة يوسف نراه يعلن الآية التى أعطاها الله تعالى له فيقول لصاحبيه فى السجن: (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)(يوسف37 ) وفى تفسيره لحلم الملك يأتى بنصيحة تحوى إعجازاً علمياً وآية فى علم الغيب حين يقول(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ : يوسف 47 :49) .
الإعجاز العلمى يأتى فى قوله تعالى (فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ) فأفضل طريقة لحفظ القمح هى أن يبقى فى سنابله . وآية علم الغيب التى لا شأن لها بحلم الملك هى قول يوسف (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ :يوسف 49) .
نحن هنا امام رؤى وأحلام تتحدث عن المستقبل ،وتفسيرها الصادق لا يأتى إلا من نبى أعطاه الله تعالى بعضاً من علم الغيب المستقبلى، وبهذا فليس متاحاً وفق دين الله تعالى الحق لأى بشر أن يفسر الأحلام المستقبلية تفسيراً صادقاً .
ومن هنا يأتى ولع أصحاب الأديان الأرضية فى إضفاء العلم بالغيب على أئمتهم وأوليائهم، ومن خرافاتهم فى إدعاء علم الغيب الإعتقاد فى قدرة الولى صاحب الكرامات على إعطاء التفسير الحقيقى للأحلام المستقبلية .
5 ـ يتبقى بعد ذلك الجانب الأكبر من المنامات وهى أضغاث أحلام؛ منها ما يعبر عن رغبات النفس ومنها مالا يعبر عن أى شىء إطلاقاً.
تفسيرها مجرد إجتهادات بشرية وتوقعات قد تصيب وقد تخطىء .

اجمالي القراءات 8416