نقائض الوضوء أكثر أهمية من حدود السلطان

د. شاكر النابلسي في الثلاثاء ٠٧ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-
كان بعض الباحثين من التيار الإسلامي/السياسي، يعتقد أن شعار فصل الدين عن الدولة، شعار أوروبي، وبضاعـة محلية للغرب، ولا سوق لها في بلادنا، ولا حاجة لنا فيها. وأن المطالبة من قبل العَلْمانيين الليبراليين والماركسيين والقوميين، بفصل الدين عن الدولـة، إنما كان لأسباب كثيرة، منها:
1- ثبات علماء الدين على النصوص الجوفاء.
2- الاهتمام بنقائض الوضوء أكثر من اهتمامهم بحدود الحاكم، وسيره على الجادة، وانصياعه لأوامر الله.
3- اهتمامهم بنقائض الوضوء أكثر بكثير &atiمن اهتمامهم بمشكل المسلمين الاقتصادية ونظام المال. وأكثر بكثير من اهتمامهم بتربية النشء، وفتح آفاق الفكر الإنساني والعلمي أمام الفكر الإسلامي، كي يمضي في تفوقه واجتهاده.

-2-
ويرى بعض المفكرين الإسلاميين الليبراليين، كاللبناني رضوان السيّد، أن المسلمين اليوم، لا يرون أن هناك ديناً ودنيا، بل هناك دنيا، أو عـالم يملك الإسلام تصوراً لطريقة العيش فيه، أو الحياة بين جنباته. وأن الإسلام عندما يتحوّل إلى دولة فإنه يَحكم، لكونه دين دعوة، يطمح بتصوره، أو نهجه هذا، أن يشمل العالم.
ويقول هؤلاء، أن عدم قيام دولة دينية في العصر الحديث، لا يعني أن الإسلام يقف في وجه التقدم. وأن "غالبية المسلمين لا تزال تعيش شرعتها وأعرافها النابعة منها، وتخطيء مجموعات منها أو تصيب، لكنها لم تفكر يوماً أن سحب الإسلام من دنياها يجعلها تتقدم".( رضوان السيد، "الإسلام المعاصر"، ص 219).

-3-
نادى المصلح والمفكر الديني/ السياسي المصري خالد محمد خالد - بفصل الدين عن الدولة في العام 1950 واعتُبرت هذه المناداة، بمثابة حافز للمفكرين الإسلاميين للبحث عن ضرورة تقديم صيغ فعّالة لحل المشكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الإسلام الحديث. ولكنه ثم تراجع عن أفكاره فيما اعتبره مراجعة في العام 1981 من خلال كتابه "الدولة في الإسلام". وهذا التراجع يعتبر ظاهرة بارزة في الثقافة المصرية بفعل عقدة الذنب الدينية، باعتبار أن المصريين هم أكثر الشعوب العربية تديناً منذ العهد الفرعوني حتى الآن. فقد تراجع قبل خالد محمد خالد، طه حسين فيما قاله في كتابه (في الشعر الجاهلي). وكان علي عبد الرازق بصدد كتابة تراجعٍ عن أفكاره، التي قالها في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) لولا أن أدركه الموت عام 1966، كما يشهد بذلك صديقه محمد عمارة. وتراجع سيّد القمني عن أفكاره، وصمته، خوفاً من الجماعات الإسلامية الإرهابية. وكذلك فعل خالد محمد خالد، كما سبق وذكرنا قبل قليل.

-4-
على أية حال، فإن دواعي ومبررات قيام الدولة الإسلامية برأي خالد محمد خالد، تتلخص في أسباب تاريخية منها:
1- أن العرب قد عرفوا الدولة والحكومات قبل الإسلام، وعندمـا جاء الإسلام أمكنهم من ممارسة هذه التجربة بنجاح.
2- كان الرسول يدرك، أن بناء الدولة الإسلامية واستمرارهـا جزء من مهمته كنبي وكرسول.
3- أجمع معظم قادة الفِرق الدينية على وجوب تنصيب "الإمام" أي قيام الدولة التي ترعى شؤون الإسلام والمسلمين.
4- إن الإسلام كدين ودنيا لا يعرف الفصل بين الدين والسياسـة، بل هو يدفع المسلمين إلى دائرة الاهتمام بالسياسة عملاً بقول الرسول: " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

-5-
وهذه الحقائق التاريخية التي ساقها خالد محمد خالد كمبرر لوصل الدين بالدولة، كانت موجودة منذ مئات السنين، وقبل العام 1981. ولم يطــرأ عليها أي تغيير. ولم يفطن إليها خالد إلا في أواخر أيامه. ولم يكن مجال لإحيائها من جديد، إلا ببدء تلمُّس التيار الفكري العربي لهذه الحقائق في الربع الأخير من القرن العشرين. ومن خلال تيار بدأ يُرسّخ الأفكـار التي كانـت تُردد – كما قال محمد عمارة - أن "الإسلام لم يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. ولم يعتزل أمور الدولة والسياسة، ولكنه في الوقت نفسه لم يضع لدولة المسلمين النظم والقوانين والنظريات، وإنما اتخذ لنفسه موقفاً وسطاً من كل هذا. فترك الدين للعقل والتجربة وضع النظم والقوانين. وقام الدين بوضع الفلسفة والمثل".
السلام عليكم.

اجمالي القراءات 19202