لو كانوا مائة رجل لحكمت بإعدامهم جميعا

شريف هادي في السبت ٢١ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

لقد قرأت تفاصيل الجريمة الشنعاء التي إرتكبها عشرة رجال فقدوا الحس الإنساني وأصبحوا كالحيوانات المسعورة ، كان أربعة منهم يحتفلون بفرح أحد أقاربهم ، وإذ بهم يلمحون إمرأتان ينظران من شرفة منزلهما للفرح ، وهنا طالبوا الصغيرة بالنزول لهم ، ولكنها لم تفعل ، فتجرأوا بالصعود للمنزل وإختطاف من فتحت لهم أمام الجميع ثم ذهبوا بها للحقول القريبة ولم يرحموا توسولاتها وإستغاثاتها التي لم تجد مجيب وتناوبوا الاعتداء عليها وإغتصابها ، وليتهم توقفوا عند هذا الحد وهذا الãilde;دى وهو لو تعلمون بعيدا جدا في الغي ومحاربة الله ورسوله والإفساد في الأرض ولكنهمتخطوا ذلك كله وإنتابتهم أخلاق الخنازير فأتصلوا بإصدقائهم ليحضروا حفلة إغتصاب المسكينة وحضر ستة من أصدقائهم لم يكن منهم رجلا واحدا رشيدا ، ولكنهم كانوا كالكلاب المسعورة ينهشون عرض المسكينة ، حتى تمت جريمتهم كاملة قبل أن يقبض عليهم.
والسؤال: ما حكم الشرع القرآني في هذه الجريمة؟
إنقسم أهل القرآن قسمين ، أحدهما يعلي رايته أخي وإستاذي الدكتور أحمد صبحي ، ومؤدى هذا الرأي أنه لا يجوز أعدام هؤلاء لأن القرآن لا يعرف قتل النفس سوى قصاصا والذي قد يخفف بالتنازل عنه مقابل الدية ، وأن عقوبة الزنا بالإكراه لا تصل للقتل ومعلوم أنها الجلد للجاني دون الضحية المستكرهة ، مع جواز إضافة عقوبات أخرى وفقا لملابسات وظروف الواقعة ، ولكن الحكم بقتل مرتكب جريمة الاغتصاب مخالف للشريعة الإسلامية وعداء لشرع الله وإفتراء على دين الله ، وقد إستدرك قائلا (أن حق الحياة من الأحكام الكلية فى شريعة الاسلام المصاغة باسلوب القصر والحصر ، فليس مباحا فى شرع الله جل وعلا القتل خارج القصاص بل إنه يجوز رفع القصاص فى حالات محددة تميز بها شرع القرآن تخفيفا عن قاعدة (النفس بالنفس ) التى جاءت فى التوراة مكتوبة (عليهم )أى بنى اسرائيل. وبالتالى فانه يحرم فى شرع الله قتل نفس لم تقتل نفسا ، وأى قانون بشرى يجيز هذا يعتبر مناقضا لشرع الله جل وعلا . والافتاء بالقتل خارج القصاص هو قتل للناس جميعا كما جاء فى سورة المائدة.) ، وطبعا فنحن نعترف بالميزة التي للدكتور أحمد في قضاءه عمره المديد – مد الله له فيه ومتعه بالصحة والعافية – في تدبر كتاب الله
والرأي الآخر يرى أن الحكم بقتلهم صحيحا ، تزعمه كل من الأساتذة الأفاضل / سيد أحمد التني ، وتشاندرا أحمد وشاركهم الرأي الأستاذ مصطفى فهمي ، ولما كان توجهي هو توجههم فلا داعي لعرض حججهم مكتفيا بما سأعرضه من حجج تتفق وتوجههم ، ولا أنسى أن أذكر أخي وأستاذي الدكتور أحمد ، أنه رغم ما له من ميزة فإننا قد إتفقنا من قبل على أن كتاب الله هو الحق المطلق وفهمنا له هو الحق النسبي ، مهما كان علم أحدنا، لأننا في النهاية بشر نخطئ ونصيب ، والله وحده الذي لا يخطئ
أقول يعلم الجميع أنني كنت قاضيا ، وما لا يعرفه الجميع أنني كنت مشهورا باللين وبالإحكام الخفيفة التي تشتمل على الرأفة بالمتهم ، حتى كانت شهرتي المستشار شريف براءات ، ولكن لو أن مائة رجل إرتكبوا هذه الجريمة بالطريقة التي نقلتها الصحافة دون مبالغة وكنت القاضي الذي يحكم عليهم لحكمت بإعدامهم جميعا وضميري مطمئن برحمة رب العالمين
يقول الحق سبحانه وتعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)[سورة الحجرات] ، ويقول سبحانه وتعالى"وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مامنه ذلك بانهم قوم لا يعلمون" التوبة6 ، وقال تعالى "يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستانسوا وتسلموا على اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون" النور 27
الأصل في العلاقة بين الناس في البلد الواحد هو (الأمان) ، ونحن منهيون عن السخرية ببعضنا واللمز والتنابز بالالقاب وهو فسوق بعد الإيمان أي أنه عكس الإيمان ، ومأمورون بإجتناب الظن ومنهيون عن التجسس والغيبة ، ومنهيون عن دخول بيوتا غير بيوتنا قبل أن نستأنس ونسلم حتى نعطي الأمان لأهل البيت ، بل ومأمورون بإجارة المشرك الذي يستجير بنا وتأمينه.
من كل ذلك نحن مأمورون بإشاعة الأمان بيننا فكل منا يأمن على نفسه وماله وعرضه في حدود البلد التي يؤمن أهلها بالقرآن ، أما هؤلاء الخنازير البشرية تعدوا على جميع قواعد الأمان المذكورة بالقرآن ودخلوا بيت الرجل ليس باستئناس وسلام ولكن بوحشية وإعتداء ، وأقتادوا زوجته إلي مكان غير معلوم أما أعين الناس الذين روعهم المنظر وخاف كل منهم على حياته أن يتدخل وتناوبوا على إغتصابها جماعيا ودعوا غيرهم لهذه المائدة الخبيثة ، وهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى"انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم" المائدة 33 ، قد يقول قائل لتنفيذ حكم الآية يجب أن يحدث من الجاني (حرب الله ورسوله) ثم (الإفساد في الأرض) ونقول له أن الـ (و) بين (يحاربون الله ورسوله) ، (يسعون في الأرض فسادا) هي واو فاصلة بمعنى أن العطف هنا هو عطف بيان ، فالله يبين الكيفية التي يحاربون بها الله ورسوله ، وهي تكون بالسعي في الأرض مفسدا ، وأي إفسادا أكبر من دخول البيوت وخطف النساء والتعدي عليها إغتصابا ثم دعوة الغير ليفعل مثل فعلهم؟ وتتأرجح العقوبة بين القتل والصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ، والنفي (من) الأرض وليس (في) الأرض ، يعني وضعهم في أرض غير مأهولة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ، وهي عقوبة أقصى من مجرد القتل ، لأن النص القرآني يشتمل على عقوبة تصاعدية ، فلا يفهم من معنى النفي السجن العادي أو أن نطرده إلي بلد آخر ينعم فيه بحريته ليرتكب جريمة أخرى ، ونرى دقة النص القرآني ، في ذكر من يحاربون (جمعا) وليس مفردا ، لأن لو كان واحدا فقط فسيخاف إرتكاب الفعل ، ولكنهم يستقون ببعضهم ، لذلك تكون عقوبتهم الجماعية القتل أو التصليب و باقي العقوبات المذكورة في نص الآية الكريمة ، هي حرابة وإفسادا لا شك ، ولو لم نقل على هذا الفعل حرابة وإفساد ، أصبح من المستحيل وجود فعل يمكن وصفه بالحرابة والإفساد.
ثم يجب علينا الرد على جزئية (يحرم فى شرع الله قتل نفس لم تقتل نفسا ، وأى قانون بشرى يجيز هذا يعتبر مناقضا لشرع الله جل وعلا . والافتاء بالقتل خارج القصاص هو قتل للناس جميعا كما جاء فى سورة المائدة) ، نقول القتل في القرآن واضح في حالتين (قتل) (فساد) ، لقوله سبحانه وتعالى" من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك في الارض لمسرفون(32) انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم(33)[سورة المائدة] ، وقد كتب الله على بني إسرائيل أن قتل النفس يكون قصاصا نفس بنفس أو فساد في الأرض ثم كتب علينا أيضا حالة الفساد في الأرض ، أما النفس بالنفس فقت كتبها سبحانه علينا قصاصا ، وسبب ذلك هو قتل ابن آدم لأخيه ، وبقى السبب قائما فلم يتغير المسبب في الشرعتين (التوراة) (القرآن)
ولا يسأل سائل ما هو معيار الفساد الذي يستحق القتل؟ ، لأن الله سبحانه جعل الفساد المستحق للقتل هو الذي يصل لدرجة حربه لله ورسوله وهو الذي يحمل صورة من صور التعدي الجسيم على الغير ، أما الفساد المتعلق بضعف النفس البشرية ولا تعدي فيه على الغير لا قتل فيه ، والله تعالى أعلم.
ونأتي لقوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)[سورة البقرة]
جعل الله في القصاص حياة لأنه يردع الغير عن إرتكاب نفس الفعل المؤثم شرعا ، وفي هذه الجريمة إستقوا كل مجرم بشريكه فيها ، ولو تصورنا وجودهم فرادى ، ما أرتكب أحدهم الجريمة على هذه الكيفية ، إذا كلهم يعتبرون فردا واحدا في إعتدائهم على عرض رجل آخر ، فهل سيكون مرتاحا لو لم سنفذ القصاص العادل فيهم جميعا؟
وأخيرا فهذا رأيي ، ولا ألزم به غيري ، ولا أعيب في آراء الآخرين ، فرأيي هذا من وجهة نظري صوابا ولكنه يحتمل الخطأ ، ورأي غير خطأ يحتمل الصواب ، والله تعالى أعلم
شريف هادي

اجمالي القراءات 19723