لقطات من الحياة

Inactive User في الثلاثاء ١٠ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

(1)            الرصيد :

 

وقفت السيدة  فى طابور البنك وسط زحام شديد ، كان الطابور خاصاً بالسيدات فقط ، وإلى جانبه يوجد طابور الرجال ، الزحام شديد وكل شخص ينفث همومه للآخر ، قال أحدهم أن إبنه أرسل له مئة دولار من الإمارات لينفق منها على نفسه وراح يدعو له بالرزق وطول العمر ، وقال آخر أنه حضر لصرف المعاش ، وقالت سيدة فى منتصف العمر أنها جاءت لكى تلغى دفتر التوفير الخاص بها ، فدفعنى فضولى لسؤالها : لماذا يا سيدتى ؟ قالت لأن فوائده ربا وحرام .. قلت ومن أفتاك بذلك ؟ قالت شيخ المسجد ، ثم اردفت تقول : لقد أصبت بالأمراض المختلفة أنا وزوجى منذ فتحنا هذا الدفتر المشئوم .. ولقد قررنا إلغاءه لأنه نذير شؤم علينا .. لقد ظننت أن مبلغ الدفتر ضخم ويدر عليهم فائدة كبيرة ينفقون منها على أنفسهم وأولادهم طوال الشهر .. فقلت لها ألا تخافين من سرقة المبلغ حين تخرجين به من البنك وتركبين المواصلات العامة ؟ فقامت بفتح الدفتر أمامى ولم يكن به سوى صفحة واحدة مكتوب بها سطر واحد هو كل رصيدها .. لقد وجدت الرصيد خمسين جنيهاً !!!!!!  

 

سألتها وهل لهذا المبلغ الضئيل أى فائدة ؟ قالت لا

فقلت لها أين الربا إذاً يا سيدتى ؟

فقالت : نحن نخشى من الرصيد أن يزيد ويصبح فائدته ربا وحراماً علينا ..!!!

 

(2)            إنكسار

 

أراه كل يوم فى الشارع ، أطيل النظر إليه حتى يغيب عن نظرى ، لا أعرف لماذا يحزننى منظره ، أتوقع دائماً أن يكون أحد أولادى مكانه ويعانى ما يعانيه ، إنه صبى فى الثالثة عشر من عمره ، يعمل حمالاً فى أحد المحطات ، عيناه منكسرتان وعندما ينظر لى كأنه يمد يد الإستغاثة ويطلب النجدة مثل الغريق الذى يقاوم الموت ، أحاول إعطاءه أى مساعدة ولكنه يرفض ، لديه كبرياء عجيب ، ملابسه رثة ولكنه عزيز النفس ، لا يأكل واقفاً بل يجلس فى أحد المطاعم الفقيرة ويجلس على أريكة متهالكة كبقية الأرائك ويطلب طبق الفول وطبق الطعمية والسلطة ، رأيته عدة مرات ولمحنى ، هو لا يعرفنى ولكنه متعود على شكلى ، أشعر وهو يضع اللقمة فى فمه أنه يشكو العالم كله والناس كلهم ، يطلب حقه كطفل ، حقه فى اللعب والتنزه والفسحة والنظافة والنوم فى مكان مريح والتعليم والفهم ودفء الأسرة وحنان الوالدين ولذة الإنتماء .

 

كنت مسافراً مبكراً ورأيته نائماً على أريكة المحطة وعليه غطاء قديم متهالك .. يظل وجهى عبوساً ويومى حزيناً ، ليس من أجله فقط .. بل من أجل كل طفل مشرد فاقد للأهل وللإنتماء للعائلة ... أتمنى أن يسارع المجتمع بإيجاد حل لهؤلاء الأطفال المساكين ، حلاً يكفل لهم كرامة الإنسان ويوفر لهم وسائل التعليم وأقل درجة من الرفاهية والسعادة ، حتى يكبرون محبين لمجتمعهم ولا يكونوا قنابل موقوتة تنفجر على شكل لصوص وتجار مخدرات ومتطرفين دينياً .

 

(3)            معاش

 

عم منصور رجل طيب جداً ، خرج على المعاش منذ عام ، كان شديد الإخلاص فى عمله ، يستيقظ مبكراً فى السابعة صباحاً ولا يعود قبل الثالثة مساءاً ، له زوجة وولدان ، أكبرهما لم لا يزال فى الجامعة لأن عم منصور تزوج متأخراً نوعاً ما بسبب ظروفه المالية ، هو يعمل بوزارة الصحة كان يحلم بمكافأة تعوضه عن أربعة وثلاثين عاماً من العمل والشقاء فى الوزارة ، ولكنه لم يجد سوى دراهم معدودة وكانوا معه من الزاهدين ، فحصل على راتب أربعة شهور ، وراح يضرب كفاً بكف .. كيف ذلك وهو لم يحصل على أى إجازة إعتيادية طوال عمره الوظيفى وأنه يجب أن يقبض ثمن هذه الإجازات والتى تتجاوز الألف وخمسمائة يوم على آخر مرتب صرفه ، نصحه زملاؤه الذين خرجوا قبله على المعاش أن يوكل محامياً ويرفع قضية للحصول على باقى مستحقاته ، لم يكذب خبراً وأخذ بنصيحتهم ورفع القضية منذ عدة شهور .

 

كان عم منصور يعالج من الكثير من الأمراض مثل إلتهاب ةالكبد الفيروسى والضغط والسكر ، وكان ينفق الكثير من دخله الضئيل على مرضه ، عم منصور توفى منذ شهر حيث دهمته سيارة وهو يعبر الطريق ، رحمك الله يا عم منصور فقد تركت دنيا النفاق ودنيا الضلال وذهبت فى رحاب الحى القيوم الذى لا تأخذه سنة ولا نوم .

 

وإلى لقاء قريب فى لقطات أخرى من الحياة .

اجمالي القراءات 12032