الفاتحة للنبى ..!!

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٥ - فبراير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :
1 ـ ليس هذا المقال لاتهام شخص أو الهجوم على قوم ، وإنما هو التوضيح لبعض حقائق الإسلام الأساسية ، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

2ـ عندما تبدأ السيارة في التحرك يهتف السائق ومعه الركاب قائلين في ابتهال " الفاتحة للنبي " , وحين عقد القران أو الاتفاق على صفقة أو افتتاح مجلس صلح يهتف الحاضرون في خشوع " الفاتحة للنبي " ! ! والذين يتصرفون بهذه الطريقة هم في الغالب أناس بسطاء متدينون يحبون الله ورسوله ويحسبون أنهم يحسنون صنعا , ولا يعرفون , بل ولا يتخيلون مجرد تخيل أنهم بذلك يغضبون الله ورسوله ويبتعدون عن دين الله تعالى . فالحب لله والرسول هو الطاعة لما جاء في صحيح الإسلام ولما كان عليه الرسول عليه السلام ..

3 ـ إن الفاتحة هي صيغة عبادة لله تعالى وحده , ولهذا فنحن نخاطب بها ربنا سبحانه وتعالى في بداية كل ركعة في الصلاة . إنها حوار يقوله العبد المؤمن لربه المهيمن جل وعلا ، يبدأ المناجاة بإعلان أن تلك الفاتحة هي باسم الله تعالى الرحمن الرحيم ، ثم يقدم الحمد والشكر لله تعالى رب العالمين ويثني عليه بأنه هو الرحمن الرحيم وبأنه وحده الذي يملك يوم الدين ، ثم يخاطب ربه قائلا " إياك نعبد " أي نعبدك ربنا وحدك " وإياك نستعين " أي نستعين ونستغيث بك وحدك ، ثم يطلب من الله تعالى أعظم مطلب وهو الهداية على الصراط المستقيم ، " أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ."

4 ـ والرسول عليه السلام كان ينطق هذه الفاتحة خاشعا لله تعالى في كل ركعة ، وكذلك يفعل كل مؤمن ، وما كان أحد في عصر النبي يتوجه بهذه الفاتحة لبشر .. أي بشر ، وكيف يفعلون ذلك والنبي أمامهم في الصلاة يناجي ربه بهذه الفاتحة ؟ وكيف يفعلون ذلك وقد تعلموا من الرسول أن الاستعانة وطلب المدد من غير الله تعالى شرك والعياذ بالله ..!!

5 ـ ولكن تواري ذلك العهد المضيء وعادت العقائد الشركية تحت ستار حب النبي ، ولذلك تسامح معها الناس حتى أصبحت من معالم الدين ، وأصبح من مظاهرها أن يستغيث الناس بالنبي وأن يعتقدوا أن له جاها وأنه شريك مع الله في الأمر ، مع أن الله تعالى يقول له "لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ : آل عمران/ 128" .

6 ـ ومع وضوح عقيدة الإسلام في أنه لا اله ألا الله وأن الله وحده هو الولي المسيطر الذي لا يشرك في حكمة أحدا " ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا: الكهف.26 ". ومع التأكيد القرآني بأن النبي عبد الله تعالى لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا وأنه لن يجيره من الله إلا تبليغه الرسالة " قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ )( الجن / 20 :23 ) ، ومع ذلك التأكيد القرآني الذي يتكرر كثيرا فان الناس اعتادوا التوسل بالنبي واعتقدوا أن له جاها في الدنيا والآخرة ، ولذلك يتوجهون للنبي في أي زمان ومكان بقراءة الفاتحة التي ينبغي أن تكون لله وحده ، والتي لا ذكر فيها ألا لله وحده ، وذلك هو الدليل الحقيقي على أنهم يعبدون الرسول ، وقد تطرفوا في حبه إلى درجة التأليه ، وقد ابتعدوا بذلك عن الدين الذي عاش النبي يدعو إليه ويعاني في سبيله ، وهم لا يعرفون أنهم بذلك قد أصبحوا – دون أن يدروا – أعداء للنبي ، وأنه سيتبرأ منهم يوم القيامة ويقول لله تعالى " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا: الفرقان / 30 .

7 ـ والمؤسف أن أكثرية المؤمنين من البشر يقعون في ذلك الخطأ ، والله تعالى يقول " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ: يوسف . 106". أي أن المؤمن بالله يتسامح ويعتقد أنه لا ضرر من أن يؤمن بأشخاص آخرين يرفعهم إلى درجة التأليه مع الله ، وهو يخدع نفسه أحيانا حين لا يسميهم آلهة ، ولكن يعطيهم نفس الصفات الالهيه ويتوجه أليهم بالعبادة والتقديس ، مثل قراءة الفاتحة وطلب المدد والاستغاثة بهم ، وهو بذلك يكون عند الله مشركا ، قد ضيع كل أعماله الصالحة واستحق الخلود في النار ، لأن الله تعالى يقول " إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ: المائدة . 72" .

8 ـ وبعضهم إذا دعوته لأن يخلص لله تعالى عقيدته وعبادته ثار عليك لأنه لا يتخيل أن يعتقد في الله وحده بمعزل عن الاعتقاد في الأولياء والمرسلين ، ولأنه لا يتخيل أن يكون الرسول بشرا له خصائص البشر إلا إن الله تعالى اختاره للوحي وتبليغ الرسالة ، وهو يرفض أن تنحصر مهمة الرسول في التبليغ ويصمم على أن الرسول يتحكم في الدنيا والآخرة مع الله ، ولذلك فعندما يركب السيارة أو يعقد عقدا أو يبتدي عملا فلابد أن يبدأ ذلك بتقديس الرسول وعبادته والتضرع إليه حتى لا تنقلب السيارة وحتى لا يفشل العقد ، ولهذا نسمع دائما عبارة " الفاتحة للنبي ." !! ومع ذلك تنقلب السيارات وتقع الكوارث . ولهذا نعيش في فشل مستمر !!

9 ـ ثم يأتي الفشل الأبدي يوم القيامة حيث يكون الخسران المقيم ، ويهتف أولئك – وهم في النار – يقولون لله تعالى " فهل إلى خروج من سبيل ؟!! يريدون الخروج من عذاب النار ، ويأتيهم الرد الموجع ، "ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ : غافر/11 :12 .. كانوا إذا قيل لهم أدعو الله وحده يعاندون ويكفرون, وإذا قيل لهم أدعوا الله وأدعو معه البشر آمنوا وخلطوا إيمانهم بالشرك .

10 ـ ولهذا فان الله تعالى يحذرنا نحن المؤمنون من الوقوع في الشرك ، ويقول ," يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم . 6 .

11 ـ والإسلام يحتاج اليوم إلى من يعاني في سبيل أظهار حقائقه ويدعو لها بالحكمة والموعظة الحسنة , وليس محتاجا لأولئك الذين يتاجرون باسمه في سبيل مكاسب دنيوية ومطامع سياسية . هدانا الله تعالى للصراط المستقيم ..

ثانيا :
تحت سلسلة قال الراوى نشرت جريدة الأحرار المصرية هذا المقال بتاريخ 23 / 11 / 1992، ولا يزال صالحا للقراءة الى اليوم.
أليس كذلك ؟

اجمالي القراءات 18827