هل كان على إسرائيل إلقاء الزهور والرياحين على غزة؟!
هل كان على إسرائيل إلقاء الزهور والرياحين على غزة؟!

د. شاكر النابلسي في الأربعاء ٢٨ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-
 
معظم التعليقات التي نُشرت في العالم العربي والغرب كذلك، كانت تدور حول قسوة الردِّ الإسرائيلي وشراسته على صواريخ القسّام، في فترة الحرب على "حماس". كما كانت معظم هذه التعليقات، تدور حول المفاجأة التي فاجأت بها إسرائيل الفلسطينيين والعرب والعالم، بالرد القاسي والتدميري الوحشي، على قطاع "حماس". ولم تكن تُفرِّق بين الأهداف المدنية وبين الأهداف الحمساوية، التي كاc;ي كانت متداخلة في الأهداف المدنية. وهذا أمر طبيعي لأي حرب ميليشيات في العالم، في استخدام المواقع المدنية كمواقع عسكرية، واستعمال الأبنية المدنية، من دور عبادة، ومدارس، ومصحّات، وعيادات، ومستشفيات، كدروع للمليشيات. ففي الحرب يُلغي الطرفان المتحاربان كل القيم الإنسانية، وكل المحظورات، وكل المحرمات. وقد جرى هذا حتى في الحروب الدينية المقدسة، على مرِّ العصور.
 
-2-
 
كانت "حماس"، وكان الفلسطينيون والعرب المأخوذون بها، يعتقدون أن نية إسرائيل في الحرب على "حماس" غزة، القيام بنزهة ربيعية، على شواطيء غزة وضواحيها، يحمل فيها الإسرائيليون المستوطنون من سكان المستعمرات في جنوب إسرائيل وشمال غزة، سلال (البيكنك) المليئة بالخبز اليهودي (كركوش)، و (البيجل)، والبيض المسلوق،  والفاكهة، وأنواع مختلفة من الأجبان، ويأتون إلى ضواحي وشطآن غزة ، يفترشون الأرض لقضاء يوم ربيعي مشمس ، ويتقدمون لإسماعيل هنية وخالد مشعل، بعرائض استعطافية، يرجون فيها "حماس" التوقف عن قصف مستعمراتهم البريئة بصواريخ القسّام. ولم يكن في تصوّر "حماس" كما قالوا، وعلى لسان خالد مشعل، وقبله على لسان حسن نصر الله، أن يكون الردُّ الإسرائيلي بهذه الشراسة وبهذه القسوة، وظنوا أنهم يلاعبون الغزلان الإسرائيلية، وليس الذئاب والدببة والقروش الإسرائيلية، ذات الأنياب الحديدية.
 
والعجيب الغريب، أن "حماس" في غزة، لم تدرس الحرب التي شُنَّت على "حزب الله" عام 2006، دراسة كافية، ولم تأخذ العبرة منها، ولم تقتنع بأن إسرائيل سوف تكرر هذه الحرب الفاجعة والمدمرة على غزة، فيما لو استُفزت، ووجدت الذرائع الكافية، والوقت والطقس المناسبين، والملائمين. وقد وجدت إسرائيل كل هذه العوامل مجتمعة، وكان قرارها التدميري.
 
-3-
 
لا شكَّ أن صواريخ القسّام، التي كانت "حماس" تضرب بها المستعمرات الإسرائيلية من شمال غزة، كانت سبباً رئيسياً، وذريعة ذهبية لإسرائيل لكي تغرس أنيابها، وأسلحتها التدميرية، في لحم ودماء الفلسطينيين في غزة.
 
فمن أين لإسرائيل ذريعة ذهبية، أكثر بريقاً ولمعاناً من هذه الذريعة، وهي الدفاع عن النفس في الحرب التي تشنها كما تصفها، ويصفها أصدقاؤها الكُثر في العالم، وعلى رأسهم أمريكا، التي قال رئيسها بوش قبل أن يرحل، بأن إسرائيل تقوم بالدفاع عن نفسها في حربها على "حماس". وهو ما لم يتنبه إليه الحمساويون في غزة، بل هم أمعنوا في إطلاق الصواريخ، بتشجيع من المليشيات الأخرى، و"حزب الله"، وسوريا، وإيران، وقطاع كبير من الإعلام العربي، لكي تكون ذريعة إسرائيل ذهبية صافية 24 قيراط؟
 
ومن أين لإسرائيل التوقيت المناسب والملائم، لشن حرب على "حماس" غزة، أفضل من فترة الفراغ الرئاسي الأمريكي بين إدارة راحلة وإدارة قادمة، وهو ما لم يتنبه له الحمساويون، فأمعنوا في هذه الفترة بإطلاق الصواريخ، وكأنهم يقولون لإسرائيل: هذه فرصتك الذهبية لضربنا وتدميرنا، فلا تفوتي هذه الفرصة. وقد استجابت إسرائيل لهذه الدعوة الأخوية الحمساوية، وقامت بواجبها. وكان ما كان؟
 
ومن أين لإسرائيل هذا الطقس العربي الجميل، وهو هذا التفكك العربي، وهذا الوهن العربي، وهذا الصراع العربي، بين محاور خيالية، لا وجود لها في الواقع، وإنما هي في رؤوس الحكام وإعلامهم فقط، بحيث لا تستطيع أية دولة عربية، كبيرة أم صغيرة، فقيرة أم غنية، أن تحرك بسطار جندي واحد لنجدة سكان قطاع غزة. وظنَّت "حماس"، أنها تعيش في عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله (833-842م)، بطل فتح عمورية، وأن أبا تمّام يقف في دمشق على باب خالد مشعل، منتظراً لمدحه على النصر في غزة. ورغم هذا الخيال الهاذي، تعامت "حماس" عن كل هذه الظروف السياسية والعسكرية المواتية لإسرائيل، والتي كانت ضد "حماس"، ومهدت بالخط العريض لغزو إسرائيلي قاسٍ وشرس، انتهازاً لكل هذه الظروف.
 
-4-
 
فأين كان العقل الحمساوي في هذا كله؟
 
 وأين "حماس" من العبرة والعظة، لما جرى في حرب تموز 2006؟
 
أم أن "حماس" تريد هذه الحرب، وترحب بها، وبقسوتها، وشراستها على هذا النحو، لكي تظهر أمام الفلسطينيين والعرب والعالم بأنها  - كما قالت أحد نشراتها على الانترنت – قد صمدت شهراً أمام الغزو، وخرجت سالمة برؤوس قادتها، بينما لم تصمد الجيوش العربية الثلاثة (مصر وسوريا والأردن) في حرب 1967  بقضها وقضيضها، غير ستة أيام. وهُزمت هذه الجيوش هزيمة منكرة.
 
-5-
 
والغريب العجيب، أن "حماس"، - ربما - لا تدرك حتى الآن، بأن ما أوقف الحرب على غزة، والاكتفاء بما تمَّ من قتل وتدمير، لم يكن جرّاء مقاومتها للغزاة. ولم يكن بفضل وقوف العرب إلى جانبها، وتهديداتهم لإسرائيل. ولم يكن بفضل ضغط الرأي العام الدولي على إسرائيل، وإنما كان - وبكل وضوح - بفضل قرارٍ من إدارة أوباما، التي اتصلت بإسرائيل، وطلبت منها إيقاف الحرب قبل ثلاثة أيام من تنصيب الرئيس الجديد أوباما، لأنها لا تريد أن تذاع حفلة التنصيب وأفراحها على شاشات التلفزيون، وعلى هذه الشاشات مناظر الدماء والأشلاء من غزة. وقد استجابت إسرائيل لهذا الأمر، لأنها تعلم ما عاقبة مخالفته مستقبلاً. ولولا ذلك لاستمرت الحرب، وتمَّ تنفيذ المرحلة الثالثة المقررة منها.
 
-6-
 
ومن هنا نرى، أن دروس 1948، و 1956، و 1967، و 1973، و 1982، و 2006، لم تقرأها "حماس"، ولم تتدبر بها، لأنها كانت مكتوبة بالعبرية، التي لا تجيدها "حماس". فكان يجب أن يُضاف على هذه الدروس درساً جديداً، الذي لم تُلقِ فيه إسرائيل ، الزهور والرياحين على  "حماس" غزة، كما توقَّعت "حماس"، وكما توقَّع وهماً من قبلها "حزب الله".
 
 فكيف ظنت "حماس"، أن إسرائيل خلعت جلود الذئاب والقروش المفترسة، ولبست جلد الغزلان، وأنها ستقوم في حربها على غزة هذه المرة، بإلقاء الزهور والرياحين على "حماس" وأهالي غزة، كما لم تفعل في مرات سابقة ؟!
 
السلام عليكم.
اجمالي القراءات 10325