اللغة واللسان

شريف هادي في الأحد ١١ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كما عودنا دائما أخي الكبير الأستاذ فوزي ، فقد نشر مقالته بعنوان(هل حقا, اللسان العربى أصل و( أم) الألسن كلها!!! ) ليناقش الأخ المحترم الأستاذ سامر الاسلامبولي في قوله أن اللغة العربية هي أصل اللغات والباقي هي لغات إعتباطية ، فأردت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع ، ولكن لكبر حجم المداخلة آثرت أن أكتبها كمقالة ، لكي أبين – من وجهة نظري المتواضعة – الفرق بين اللغة واللسان
نظرة تاريخية:
لكي نعرف الفرق بين اللغة واللسان ، يجب أن نتتبع المنطق منذ أن خلق الله آدم عليه الس&ae;لام ومعه حواء وأنزلهما الأرض كان من اللازم منطقيا أن تكون بينهما لغة تخاطب ، لا يستطيع كائنا من كان أن يقول كيف كانت لغة تخاطبهما وما هي حروفها ولكن الأكيد هو وجودها وأن هذه اللغة كانت لها قواعد ولا تستخدم إعتباطا ، وقد علما هذه اللغة لأبناءهم وذريتهم من بعدهم ، ولكن عند بدأ وجود البشر على الأرض كانوا جميعا يتحدثون لغتهم وبلسانهم ، فلم يكن هناك أكثر من لغة واحدة ولسان واحد ، ثم مع الزيادة العددية للبشر وإعمارهم الأرض شرقا وغربا بدأت تتعدد الألسنة للغة آدم عليه السلام ، فاللغة واحدة والألسنة متعددة ، وسبب تعدد الألسنة قائم على أمرين أحدهما (الطبيعة البشرية) وقدرات البشر الفردية والتي تختلف من شخص لآخر فأدت إلي تحريف لسان آدم عليه السلام ، والثاني (الحاجة) فمع إنتقال البشر شرقا وغربا وزيادة تخصص البشر وخبراتهم التي زادت بوجود أشياء في الطبيعة لم تكن في بيئة آدم ، ظهرت الحاجة لاعطاء مسميات لأشياء جديدة ، وطالما لم تتغير قواعد اللغة الأم يبقى الاختلاف في الألسنة البشرية ، فإذا زاد الاختلاف بشكل يتم الاضطرار معة لإبتداع قواعد جديدة تحكم كلمات وعبارات وجمل هذا اللسان يتحول اللسان إلي لغة جديدة ، لها قواعدها الخاصة ، ومع تعدد اللغات الجديدة تشيخ اللغة القديمة وتنتهي وتنسى وهي سنة الله في هذه الحياة ، ثم يسري على اللغة الجديدة ما جرى على القديمة من تعدد للألسنة وإختلاف للمسميات ثم ظهور لغات أخرى وهكذا دورة بعد دورة.
فاللغة أي لغة لها قواعدها الخاصة وهي قواعد واحدة رغم تعدد الألسنة داخل اللغة ، فمثلا اللغة العربية تختلف نطقا وتحاورا بين الناطقين بها من الشوام والناطقين بها من أهل الجزيرة وكلاهما يختلفان عن الناطقين بها من أهل مصر ، وهكذا حتى في البلد الواحد ، فلوا تحدث أمامي شخص باللغة العربية بلكنة ولسان أهل إسكندرية فسأعرفه في الحال أو أهل بورسعيد وهكذا.
فلو قال القرآن (لغة قومه) لما انضبط الكلام – تعالى الله عن اللغو والنقص – لأن اللغة أعم ولا يمكن لرسول أن يلم بكل مترادفات لغة قومه ، ولكنه حتما يستطيع أن يفعل ذلك مع لسان قومه ، فأنا مثلا مصري ، لا يمكنني أن أتحدث باللسان الشامي أو بلسان أهل الحجاز أو نجد ، ثم أن اللسان قد يحتاج لمترادفات من ألسنة أخرى حتى ومن لغات أخرى ، ولكنه يبقى منسوبا إلي لغته الأم طالما حكمته قواعد اللغة الأم ، مع الوضع في الإعتبار أن حكم هذه القواعد ليس جامدا ولكنه مرنا يسمح للسان بإستخدام قواعد أخرى ، ولكنها تظل شاذة لا تدخل ضمن قواعد اللغة الأم ، وأكبر مثال على ذلك في اللغة العامية المصرية (اللسان المصري) يقولون (الولا دا) يقصدون (هذا الولد) أو (البنت دي) يقصدون (هذه البنت) ، ولا أحد يعتبر ذلك عيبا ، وفي الحقيقة فإن قواعد اللغة العربية تأتي بإسم الإشارة أولا على نحو قوله تعالى "... وهذا لسان عربي مبين" النحل" 103.
وهذا ما حدث مع لسان القرآن فالله سبحانه وتعالى يقول " وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم" ابراهيم4 ، وطالما قال رب العزة سبحانه وتعالى (بلسان) فهذا يعني أن يأخذ كل ما في هذا اللسان حتى ألفاظه الأعجمية ، وحتى إختلافه في بعض القواعد عن قواعد اللغة الأم – وهو نادرا جدا – فأنه يأخذ بقواعد اللسان لا اللغة .
أظن أن هذه المقدمة التاريخية منطقية إلي حد بعيد ، وطالما أنه لا يوجد من يدعي أنه يعرف كل الألسن داخل اللغة الواحدة ، فإن القرآن وهو كتاب الصدق والهداية تأتي ألفاظه منضبطة على قولة (لسان) وليست (لغة)
معاني اللسان
واللسان قد يأتي بمعنى العضو الذي في الجسم وهو وسيلة الإنسان للتحدث على نحو قوله تعالى" لا تحرك به لسانك لتعجل به" القيامة 16 ، وقوله سبحانه وتعالى " ولسانا وشفتين" البلد 9.
وقد يأتي بمعنى إمكانية التعبير عن النفس بإستخدام مفردات اللغة ، على نحو قوله تعالى" واحلل عقدة من لساني" طه27 ، وقوله سبحانه وتعالى" واخي هارون هو افصح مني لسانا فارسله معي ردءا يصدقني اني اخاف ان يكذبون" القصص 34.
وقد يأتي بمعنى الصدوق والكذاب ، على نحو قوله تعالى" ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا" مريم50 ، وقوله سبحانه وتعالى " واجعل لي لسان صدق في الاخرين" الشعراء84 ، وبمفهوم المخالفة فإن عكس لسان صدق ، يكون (لسان كذب)
وقد يأتي بمعنى اللغة التي يتحدث بها قوما ما في زمن ما ومكان ما ، على نحو قوله تعالى " وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم" ابراهيم4 ، وقوله سبحانه وتعالى " فانما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا"مريم97 ، وقوله سبحانه وتعالى " بلسان عربي مبين" الشعراء 195
وهنا نأتي لمناقشة قول الأستاذ سامر (وإنما قلت إن القرآن نزل بلسان عربي ، وقد كانت أصوات اللسان العربي موجودة في المجتمعات ويستخدمونها ولكن بصورة نسبية لا تخلومن العجمة أواللغو، ولو كان المجتمع الذي زامن نزول القرآن يتكلم بلسان عربي مبين لكان هو والخطاب القرآني واحد ولايوجد تميز في النص القرآني.)
وهنا نرى أن الأستاذ سامر قد إختلط عليه الأمر بين الأداة والوسيلة ، فأداة القرآن هي اللغة العربية وتحديدا لسان أهل الحجاز بكل ما فيه من ألفاظ حتى ولو كانت أعجمية ، فالقرآن لم تخرج مفرداته عن مفرداتهم ولا قواعده عن قواعدهم ، ولكن قوله تعالى (مبين) هو عظيم الإعجاز في إستخدام نفس اللغة ومفرداتها ولكن وسيلة الاستخدام كانت (مبينة) إلي حد إعجاز أصحاب اللسان عن أن ينظموا مثلها بنفس الأدوات.
ثم لو فهمنا قوله (بلسان عربي مبين) على أنه أداة مختلفة عن لسان القوم ، فبماذا يمكن تفسير قوله تعالى (فانما يسرناه بلسانك) ، وقوله (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) و(ما ... إلا) تفيد الحصر ، ولو تم حذفهما تصبح (أرسلنا من رسول بلسان قومه) ، فأداة القرآن هي نفسها أداة القوم للتخاطب ، ولكن القرآن له أسلوبه الفريد المعجز في إستخدام نفس الأداة ، أطلق عليه رب العزة (مبين) ، ولذلك قال سبحانه وتعالى " وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين" البقرة23 ، كما ذكر سبحانه بعض الأحرف العربية في فواتح السور ، أي أن سبحانه يقول لهم ، رغم أن القرآن جاء بلسانكن وأستخدم مفرداتكم وهذه هي أحرف لغتكم ولكنكم تعجزون عن الإتيان بسورة من مثله أو بعشر آيات أو حتى بآية واحدة ،فالأعجاز في أسلوب ووسيلة الاستخدام لا في أداة الاستخدام ، لأن لو أن أداة القرآن مطلقة وأدوات القوم نسبية فما صح التحدي ولا جاز لإختلاف الأداة ، ولكن لأن الأداة واحدة فالتحدي قائم ، كأن أتحداك أن تصيب هدف على بعد ألف متر ومعي بندقية بعيدة المدى وبها منظار مقرب يكشف الهدف ، وأعطيك (نبله) ، ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى.
وأخيرا أقول للأستاذ الفاضل سامر ، إن أي نظرية جديدة لكي تقدم في صورة نظرية يجب أن تكون هنائك دلائل معملية عليها وقوانين تحكمها يتم إكتشاف هذه القوانين بالتجربة ، ويأخذ من التجربة عدة ظواهر ، وهذه الظواهر لو كانت ثابته ومتكرره وفقا للتجارب المعملية نعطيها صفة القانون ، فمثلا عندما اكتشف اسحاق نيوتن قاون الجاذبية كان بناء على مشاهدة نظرية للتفاح المتساقط من الأشجار لماذا في كل مرة يسقط لأسفل ولا يسقط لأعلى؟ ، وكذلك قوانين الطفو وغيرها كلها جائت بناء على ظواهر لا تتغير ، فهل لي أن أسألك إن نظريتك عن (دلالة أصوات أحرف اللغة العربية) ، وإستنباطك لقواعد دلالة أصوات كل حرف وتركيبها يأتي بالمعنى الحقيقي للمفردة ، أقول هل لي أن أسألأك عن تجاربك المعملية والظواهر الثابتة التي شاهدتها ولم تتغير مما جعلك تستنبط هذه القواعد؟
وكذلك أحب أن أقول أنني ممن يؤمنون أن أحرف اللغة العربية لها دلالات (معاني) ثابته مثل حرف الحاء الذي يدل على الحرارة على نحو (حرب ، حب ، حلم ، حقد ، حش ، حر ، حل ، حس ، حم ،،، وهكذا)، وحرف الخاء يدل على النقص أو التجزئة بعد الكمال (خشب من شجر ، خلف من سلف ، خرم من بعد سداد ، خسيس من عيب أخلاق ، خلق من بعد إبداع ،،، وهكذا) ، ولكنني لا أعتقد أن الأحرف لها دلالات (صوتية) ثابته كما لا أعتقد أن هذه الدلالات إذا ما أجتمعت معا أعطت دلالة جديدة تشير لمعنى الكلمة ، إلي أن يجيب الأستاذ سامر على السؤال ويخبرنا عن خطواته المعملية

ويجب أن أشير إلي أن هذا إجتهادي الشخصي يقبل الصواب والخطأ ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي

اجمالي القراءات 61253