غزة .. وفى القلب غصّة .!!

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٩ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أحبتى ....فى غرة هذا العام الهجرى (أول محرم 1430 ) وقدوم العام الميلادى( 2009 )
كل عام وانتم بخير..

1 ـ نستقبل هذا العام الهجرى الجديد بالشهرالحرام ( محرم ) الذى جاء بعد شهر حرام سابق وهو ( ذو الحجة ) ، وستستمر الشهور الحرم فى الشهر القادم صفر لتنتهى بالرابع منها وهو ربيع.
هذه هى الأشهر الحرم التى نسيناها ضمن ما نسيناه من الاسلام الذى أصبح مجهولا منسيا فى عقلية المسلمين و عقائدهم ، ومع ذلك فان المسلمين يواجهون العالم بكل أوزارهم وهم يحملون إسم الاسلام فيصبح الاسلام مؤاخذا بما يفعلون ،بل إن أعدى أعداء الاسلام ـ وهم الارهابيون ـ أصبح لقبهم المعترف به أنهم ( اسلاميون ) فلا يقال عنهم ( سنيون ) أو ( وهابيون ) أو ( حنابلة ) او ( سلفيون ) بل ( اسلاميون )..!! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

2 ـ نستقبل هذا العام بمجزرة ( غزة ) التى أصابتنى باكتئاب أمس ، حين رأيت دماء الضحايا من المدنيين تملأ شاشة التليفزيون . وتذكرت ما كتبته من قبل عن حماس وما ستجلبه حماس على الفلسطينيين ـ وقت أن كان الجميع يهلل لحماس فى الضفة و القطاع وخارج الضفة و القطاع . وصلت حماس بالديمقراطية وفق معادلة متفق عليها هى اتفاقية اوسلو ،وفى إطار دولة وليدة عقدت اتفاقيات لا بد من احترامها فكان أن انقلبت على الدولة التى تخدمها وتحدت المجتمع الدولى الذى يدعمها ،وانتزعت لنفسها الحديث باسم الشعب الفلسطينى و حماية الشعب الفلسطينى فانتهى الأمر بها الى تجويع من تتحكم فيه من الشعب الفلسطينى والى حصار من تتحكم فيه من الشعب الفلسطينى ، وهاهى الدماء الفلسطينية تتفجر بسبب سياسة حماس وهتافات حماس وعنتريات حماس .
سيقال إننى أتجاهل أن الذى يقيم المجزرة الان لغزة هم الاسرائيليون ، ويجب توجيه اللوم لديهم وليس لحماس ، وأقول ليست اسرائيل هى المطالبة بحماية الفلسطينيين فى غزة لأنهم ببساطة هم أعداء للمتحكمين فى غزة ، المطالب بحماية أهل غزة هم المتحكمون فى غزة ، والذين يجب أن يرسموا سياستهم على أساس حماية الحقوق الانسانية و السياسية لأهل غزة ، وأولها حق الحياة وحق الحياة الكريمة و الرفاهية،أى يجب على حماس أن ترسم سياستها ليعيش الفرد الفلسطينى داخل غزة و القطاع بنفس المستوى الذى يعيش فيه أخوه الفلسطينى داخل اسرائيل . بدلا من ذلك دخلت حماس فى خصومة مع الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، وانتهى الأمر بانقلابها على السلطة الشرعية التى أتاحت لها الوصول للوزارة ، ثم تفرغت حماس لتحقيق المستحيل : (إقامة دولة فلسطين من النهر الى البحر والقاء اسرائيل فى البحر) وكل أسلحتها هى مواجهة الترسانة الاسرائيلية بصواريخ بدائية ، لتعطى لاسرائيل الحجة لكى ترد بصواريخ حقيقية ، ويدفع الثمن ليس قادة حماس ولكن الغلابة من الناس.

3 ـ الكارثة ليست فقط فيما يحدث لأهل غزة ، ولكن فيما يحدث للعرب والمسلمين كلهم حين يسيطر عليهم الفكر السلفى العقيم فيجعلهم غير صالحين للممارسة الديمقراطية ، ولذلك تفشل فيهم الديمقراطية ليعود العسكر الى التحكم فيها ، وهو ما يحدث فى باكستان وبنجلاديش وموريتانيا و السودان من حكم ديمقراطى يعقبه حكم عسكرى، أوالعكس ،أو يصل المتطرفون للسلطة فى الجزائر فيطردهم منها العسكر ، أو يصل متطرفو حماس للسلطة فيحتكرون السلطة.

الديمقراطية تحتاج الى الوعى بالديمقراطية أوالى ثقافة الديمقراطية التى تتناقض مع ثقافة (الاستعباد ) للطغاة ، و(ثقافة العبيد ) التى يتم على أساسها تنشئة (الرعية ) فالرعية هم من يتشرب ثقافة العبيد و يعتبر الحاكم الطاغية ممثلا للوطن أو القوم أو الشعب..أو الدين ، ويعتبر نقد الطاغية خيانة أو كفرا .لا أمل فيمن تشرب ثقافة الرعية فى أن يكون ديمقراطيا . كما يستحيل على الطاغية أن يكون ديمقراطيا بين يوم وليلة فيؤمن بالمساءلة و تداول السلطة فكذلك لا يمكن لفرد من (الرعية ) أن يتقبل الديمقراطية ، فلو وصل أحد من الرعية الى السلطة فسيصير مستبدا يسكن فى مساكن الذين ظلموه من قبل و يتشبه بهم . ولهذا فان النخبة السياسية المدنية من ( الرعية ) فى المعارضة لا تختلف كثيرا عن النخبة المستبدة الحاكمة ، هم معا ينتمون الى ثقافة الاستعباد وثقافة العبيد وضد ثقافة الديمقراطية ، ولو وصل هؤلاء فلن يختلفوا عن أولئك .
ثقافة الديمقراطية تجعل المسئول خادما للشعب وأفراده ، ويقسم على حماية الشعب والقيام على مصالح الشعب ، ويعرف إنه لو فرّط فمصيره المساءلة و العقوبة . أما الذين يصلون بالديمقراطية ـ قبل أن تترسخ فيهم وفى شعوبهم ثقافة الديمقراطية فهم يقسمون زورا وبهتانا على حماية الشعب ، ثم يضحّون بالشعب فى معارك وهمية و مغامرات عبثية ، وبدلا من أن يقيموا للشعب حياة كريمة على الأرض ـ لا نقول جنة على الأرض ـ فأن أولئك الحكام ينشرون ثقافة الانتحار لينال الشباب جنة فى الاخرة بزعمهم ، وبذلك يخسر الشباب والناس الدنيا والاخرة .
أى إن الكارثة الحقيقية ليست فيما حدث وفيما يحدث أو سيحدث لغزة ، أو فيما حدث أويحدث أو سيحدث لغير غزة ، ولكن فى ثقافة ( العبيد ) وثقافة ( الاستعباد ) التى تخالف ثقافة الديمقراطية . وفى ظل وجود ثقافة الاستعباد وثقافة العبيد ـ التى تجعل الفرد ينتحر تلبية لأوامر سيده الطاغية ـ فلا يمكن أن تتحقق الديمقراطية ، بل يتم استخدام الديمقراطية مطية يركبها الطغاة للكرسى ليعلنوا البقاء فيه ، ويقوموا بتزييف الديمقراطية و يستمروا فى غسيل مخ الشباب والتضحية به حتى ينعموا وحدهم بالثروة و السلطة .

4 ـ الديمقراطية وثقافتها موجودة فى القرآن الكريم ، ومن هنا أنشأنا موقع (أهل القرآن ) ليكون مدرسة نتعلم فيها الاسلام من خلال القرآن الكريم ، ونتعرف من القرآن الكريم على حقائق الاسلام فى العقيدة و الشريعة و الديمقراطية و العدل و حقوق الانسان والقيم الانسانية العليا ، كما نتعرف ايضا على ما يناقض الاسلام من عقائد شركية و سلوكيات مرفوضة . وبهذا فإننا نحل مشكلة المسلمين من جذورها بعد أن أضاعتهم السلفية وأديانهم الأرضية .
هذا ما نأمل فيه .. ولكنه صعب ووعر ..

5 ـ الصعوبة التى نعانى منها ترجع لعوامل كثيرة ، منها أن البعض يفهم خطأ أن موقع (اهل القرآن ) هو واحة مفتوحة للديمقراطية وحرية الفكر والمعتقد . وليس هذا بصحيح .
صحيح أننا نؤمن بحرية الفكر والمعتقد للجميع ، و نبرهن عليها من خلال القرآن الكريم ، وندعو مخلصين لتطبيق حرية الفكر والمعتقد فى كل دولة من دول المسلمين ، ولكن موقعنا ليس مفتوحا على مصراعية لحرية الرأى و الفكر والعقيدة لأسباب هى :
• أنه موقع علمى وتعليمى ، وليس فى العلم أو فصول التعليم ديمقراطية ، ولكن فيه تعليم وتصحيح ومناقشات فى إطار النصوص القرآنية التى نلتزم بها .
• ومما يلتزم به المؤمن أنه لا يمنع الاخرين ـ مثلا ـ من الخوض فى آيات الله أو السخرية و التكذيب بآيات الله ، ولكنه يعرض عنهم ويتركهم الى أن يخوضوا فى حديث غيره ( الأنعام 68 ـ ، النساء 140 ) . هذا فى المجالس العامة ، فكيف فى بيته وموقعه ؟ خصوصا وأن هناك مواقع مفتوحة لكل الاراء ولكل العقائد لمن شاء أن يعلن ما يشاء مستمتعا بحريته المطلقة . أى هناك فارق بين المواقع الحرة المفتوحة والمواقع الخاصة التى تعبر عن آراء لأصحابها .
موقع (أهل القرآن ) فيه حرية متاحة فى إطار شروط النشر فيه ، وهى حرية مطلوبة لإقامة حوار راق وحضارى ومثمر حول مفاهيم القرآن الكريم و تعاليمه وتشريعاته. وعموما لا توجد حرية مطلقة فى أى موقع على الانترنت ، ولكل موقع هامش الحرية يتوسع فيه أو يقلل حسب توجهاته ، وبقدر ما نعلم فان موقع (أهل القرآن ) هو أكبر المواقع الدينية انفتاحا وتحررا .

6 ـ ومن الانفتاح فى موقع (أهل القرآن ) تعامله مع الشرائح المختلفة لمن يكتب فيه . الواجب على من يدخل موقعا علميا فكريا له اتجاه خاص أن يقرأ أولا (كل ) المكتوب فى هذا الموقع حتى لا يقع فى الجهل حين يكتب أفكارا تم تجاوزها أو أصبحت مرفوضة ،أو ليست هناك طائل من النقاش حولها ، وأيضا حتى يضيف جديدا من الأفكار الجديدة و الجيدة التى يتم طرحها فى الموقع .
ولكن بعض من يكتب يأتى ليجرب حظه عندنا فى الكتابة فيكون أشبه بالتلميذ الابتدائى الذى قرر الالتحاق بالجامعة مرة واحدة . صاحبنا هذا يظن أنه طالما امتلك القدرة على الدهشة من التناقض بين الاسلام واحوال المسلمين ، وطالما أن له رأيا يخالف السائد لدى الناس فيكفيه هذا مسوغا للاجتهاد، فيكتب دون استعداد ثقافى ومعرفى كلاما سطحيا فيأخذ مقاله ما يستحق من التعقيب و(التأنيب ).
ولقد كتبت من قبل سلسلة مقالات عن أخطاء (اهل القرآن ) ودعوتهم أن يقرأوا أكثر مما يكتبون ، وأوضحت لهم مناهج البحث فى القرآن و التراث ، ولا زلت أدعو لاستيعاب ما سبقت كتابته للبناء عليها وليس للرجوع بالموقع وأصحابه الى الوراء .. ولكن قلما تجد دعوتى استجابة بدليل أنه لا يزال الكثير مما ينشر فى الموقع أقل من المستوى اللائق به وبى ، ولكن أتسامح تدعيما لهامش الحرية المتاح وأملا فى أن يتحسن الأداء ..

7 ـ ومن ملامح الحرية فى الموقع تلك الاختلافات التى تموج فيه ، وهى خلافات منهجية وخلافات فى الرؤى . وكلها معروضة للنقاش بكل حرية فى إطار شروط النشر ، وأهمها مناقشة الرأى دون التعرض لشخص صاحبه . وبالطبع تحدث تجاوزات ونضطر للحذف آسفين . وهذا كله وارد لأننا جيل الحوار الذى يمهد لارساء ثقافة الديمقراطية وقبول الرأى الآخر ، حتى فى موقع دينى علمى تعليمى دعوى متخصص .

8 ـ لا زلنا فى بداية طريق وعر وشاق ، ولا تزال جحافل الظلام والطغيان تطاردنا ، ولا يزال الكاتب الاسلامى القرآنى الشاب ( رضا عبد الرحمن ) فى ظلمات سجن مزرعة طرة ، ولا يزال وزير الداخلية فى نظام مبارك يرفض السماح لأهل رضا بزيارته ورؤيته .
والطغاة هم أول من يعرف خطورة دعوتنا على استبدادهم ، فنحن الذين نهدد بتدمير ثقافة الاستبداد والاستعباد ، ونحن الذين نفتح عيون ضحايا ثقافة العبيد على أنه لا تقديس لبشر أو حجر ، وبالتالى فلا بد من نقد ما صنعه البشر من الأبقار المقدسة والأسفار المقدسة ، وإذا جرؤ الناس على نقد البخارى فلن يستعصى عليهم نقد حسنى مبارك ، وإذا انتقدوا ابن تيمية فقد أصبح سهلا عليهم نقد الأسرة السعودية . والتالى فان حل أزمة غزة وفلسطين وسائر أزمات المسلمين لا يتأتى إلا بالتعامل مع الجذور ، حيث تنبع منها كل الشرور .. وهذا ما نفعله فى موقعنا (أهل القرآن ) ، ولذا نتمنى أن يكون (أهل القرآن ) على مستوى هذه المسئولية.

9 ـ وكل عام وأنتم بخير.

اجمالي القراءات 17399