البركة نظام

احمد شعبان في الخميس ٠٤ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في إطار عملية تصحيح المفاهيم أورد لفظ " البركة " كمثال على إرتباكنا حول تحديد معاني الألفاظ الواردة في القرآن الكريم حيث نتحدث عن معاني غالبا ما نبتعد بنا كثيرا عما جاءت من أجله .
بل يمكن القول بأننا نحدد لها من المعانى الهلامية والمتعددة والمتضادة والبعيدة عن معناها معتمدين على فهمنا دون منهجية علمية .
والغريب أننا قد ارتضينا بهذا الارتباك ونصر على معايشته دون أدني رغبة منا في النظر والتصحيح .

فمادة " برك" وردت في القرآن الكريم في 32 موضع
وهذ اللفظ " البركة " وكما سيتبين من الآيات التالية قد اقترن بأعلى معاني السمو والجلال ، فالفعل الذي يعبر عنه ذلك اللفظ لم ينسب إطلاقا لغير الله .
وإذا ما كنا قد اعتمدنا المنهجية العلمية وتوصلنا لهذا المعنى والتزمنا به كان يمكننا منذ زمن بعيد أن نكون روادا للحضارة الإنسانية في عصرنا الحديث .
ولكن الارتجالية التي نعيشها وتغافلنا عن معنى هذا اللفظ فوت علينا هذه الفرصة .
فهل يمكن أن نتيقظ ونحاول تعويض بعض مما فات ، ونلحق بالركب الحضاري ؟ . أرجو ذلك !!!.
هذا الكلام ليس طوباويا ولكنه موضوعيا ، ويمكن تأكيدة أو تكذيبة ، وهذه هى سمة العلم الذي ندين له جميعا بكل مظاهر التحضر التي نعيشها .

ورد لفظ تبارك في مستهل سورتين من سور القرآن الكريم ، ومقترنا بمن بيده الملك وصاحب القدرة المطلقة ، ومن أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " اللــــــــــــــه " .
1. تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . ( 1 الملك )
2. تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا" ( 1الفرقان)

كما جاء مقترنا باسم رب العالمين ( ذي الجلال والإكرام ) مالك السماوات والأرض وما بينهما ، وجاعل البروج في السماء وجاعل الشمس سراجا والقمر منيرا ، ومن له الخلق والأمر ، وينشأ ما يشاء من الخلق ، ومن لو شاء لجعل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما طلبوه منه تعجيزا " اللـــــــــه " في7 آيات :
3. تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .( 78الرحمن )
4. وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما . ( 85 الزخرف )
5. تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا . ( 61 الفرقان )
6. َألَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . ( 54 الأعراف )
7. ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . ( 64 غافر)
8. ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين . ( 14 المؤمنون )
9. *تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ( 10 الفرقان )
كما جاء مقترنا بمن أنزل الكتاب على عبده بهدف " تدبر آياته ، وإتباعه ، ومستنكرا من يستنكره ، ومبينا متى أنزل ، ومصدقا لما بين يديه ." اللـــــــــــــه " في 5 آيات هي :
10. وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه . ( 92 الأنعام )
11. وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . ( 155 الأنعام)
12. *وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ . ( 50 الأنبياء)
13. *كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ . ( 29 ص )
14. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ( 3 الدخان )

ورد هنا لفظ البركة من الله على بعض عباده مثل أنبيائه " إبراهيم ، اسحق ، عيسى ، نوح ، موسى " ، عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام ، وأهل البيت ، وبعض من الأمم والعباد ، وطلب منا كمؤمنين أن نسلم على أنفسنا تحية من عند الله مباركة طيبة ، وأيضا بارك في الخيرات ، والماء المنزل من السماء الذي ينبت الجنات ، وبعض من الأشجار والأشياء " اللـــــــــه في11 آية كما يلي :
15. وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا . ( 113 الصافات )
16. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . ( 31 مريم)
17. قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ . ( 48 هود )
18. فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا . ( 8 النمل)
19. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ . ( 73 هود)
20. فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً . ( 61 النور )
21. وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين . ( 29 المؤمنون )
22. لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض . ( 96 الأعراف )
23. وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ( 9 ق)
24. يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ . ( 35 النور )
25. فلما أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجرة 30 ) القصص )

وأيضا بارك في بعض الأماكن ( بيت الله الحرام ، والمسجد الأقصى ، طور سيناء ) ، وبعض أماكن من الأرض إجمالا " اللـــــــــه " في 7 آيات
26. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ .( 1 الإسراء)
27. إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين . ( 96 آل عمران )
28. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ( 10 فصلت )
29. *ونجيناه وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . ( 71 الأنبياء)
30. وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا (81 الأنبياء )
31. واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها . ( 137 الأعراف)
32. وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى محصنة . ( 18 سبأ )

من الآيات السابقة ألا نستشعر بأن هذا المفهوم ( المعنى ) لكلمة البركة له شأن وأي شأن .
ومن الملاحظ أن هذا الفعل منسوبا لله وحده دون غيره .
والسؤال الهام جدا ما معنى مبارك هذه الكلمة المتداولة كثيرا بيننا بصورة دارجة والتي لا نعرف لها مدلولا محددا ، فنقول أن الشيء المبارك هو كثير الخيرات ، وعند العامة تعني الارتجالية ( عدم النظام ) ، وسواء كان المعنى هذا أو ذاك فلا نعرف كيف تأتي كثرة الخيرات هذه التي لم نراها أو حتى نستشعرها .
وإن كان بمعنى الارتجالية ، فكيف بالله عليكم أن ينسب الله سبحانه وتعالى لنفسه تلك الارتجالية المزعومة .

الإجابة :
ولكن للإجابة على هذا السؤال يجب أن نمعن النظر في الآيتين التاليتين :
*إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ( 3 الدخان )
*إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . ( 1 القدر )
الملاحظ هنا تساوي الثلاث كلمات الأولى في الآيتين والحديث فيهما عن شيء واحد والكلمة الرابعة في كل من الآيتين إخبار عن ذات الشيء ألا يدلنا ذلك على مدي ارتباط كل من الكلمتين ومن ذلك الارتباط في المعنى أي يمكننا أن نقول بتساوي المعنى للكلمتين .
ومعنى هذا أن كلمة مباركة تساوي كلمة القدر
ولكن ما معنى كلمة القدر الآيات التالية تبين ذلك
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3) القدر .
فتعريف الليلة ذات القدر بأنها خير من ألف شهر .
ومن المعروف أن الليلة نصف يوم والشهر 60 نصف يوم × ألف = 60 ألف
فالشيء ذات القدر خير من 60 ألف نظير ليس ذات قدر .
وهذا قد أتضح منطقيا في الفرق بين حزمة من أشعة الليزر التي تخرج من زيت شجرة مباركة زيتونة وبين حزمة من أشعة الضوء العادي .... المزيد على الرابط resaletnour.8m.com
والفرق ما بين الحزمتين في أن الأولى موجاتها منظمة بسبب تساوي أطوال موجاتها فتقوى بعضها ، لذا كان لها إنجازات مذهلة ، والثانية غير منظمة بسبب تعدد أطوال موجاتها فتشتت بعضها بعضا فتتلاشي قواها .
وعليه نصل إلى أن معنى كلمة مباركة هو منظمة .
فالبركة معناها النظام
ومن هنا يمكننا أن نعرف لما كان الفعل لا ينبغي لغير الله ؟ .
لأن النظام هنا نظام عام يحوى السياق العام كله ( الكون جميعه ) ، ومهما أوتينا من علم ووضعنا العديد من النظم فهي نظم فئوية لا نستطيع أن نضبطها بحيث تتواءم مع باقي الأنظمة الأخرى في إطار منظومي عام .
وأيضا يمكننا القول أن كل شيء إجمالا وتفصيلا وجد من الله بالبركة ، والتي لاتعني العشوائية ولكنها تعني الوزن بالقسط ، والتقدير ، والإحكام ، والحق .
وقد وضعنا كلمة نظام والذي يعني " الأنساق " كإصطلاح فابنعد بنا عن لفظ البركة .وما تحويه من معنى .
وبذلك ابتعدنا بالمنظومية عي المجال الديني ، وهذا ما أفقده المنهجية والذي كان من الواجب أن نسحب على كل المجالات والتي يحتويها بحق القرآن الكريم .
ومن جانب آخر : حين ينخ ويبرك الجمل نراه قد استقر على قواعده بارتياح ونقول عنه برك ، وهذا يعطينا معنى الاستقرار بأنه ثبات على قواعد مستقرة ، هذه القواعد تعني النظام الذي يبنى عليه ما وضع النظام لأجله .
وهذا المعنى يبعدنا عن الارتجالية والعشوائية التي تلصق زورا بهذا اللفظ في تعاملاتنا الدارجة
والخلاصة : لما كان اللسان ( اللفظ ) تعبير عن المعنى فأين نحن من هذا النظام في الوقت الذي نتعامل فيه لفظا وبالتالي معنى بغير منطق .
ودعوتي هى : وجوب إعتماد المنطق في حياتنا بعامة ، وخصوصا معرفتنا بمعاني ألفاظ القرآن الكريم " كألف باء " ليبارك لنا الله سبحانه وتعالى في كل أعمالنا .
وحين كتابتي لهذا الموضوع قد انتابني إحساس بالعجز عن التعبير بما يجب عن معنى هذه الكلمة بما لها من قيمة عظمى في كون الله سبحانه وتعالى .
فمعذرة عن هذا العجز الذي ليس لي أمامه لا حول ولا قوة إلا توفيق الله سبانه وتعالى .

اجمالي القراءات 18663