فيروس فقدان المناعة

يحي فوزي نشاشبي في الخميس ٢٠ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

فيروس فقدان المناعة
أيكون هو الذي أورث إبليس الطرد واللعنة ؟

(( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ، قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ، قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين ، إلى يو&atitilde; الوقت المعلوم ، قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، إلا عبادك منهم المخلصين )) الآيات من 71 إلى 83 – سورة – ص –
**************************************************
إن هذه الآيات تفتح أمام متدبرها مشهدا هائلا مذهلا ورهيبا ، لاسيما والأمر يتعلق بحوار ليس كأي حوار ، وهو يتعلق بذلك الذي جرى بين الخالق الواحد الأحد وبين مخلوقه إبليس الذي امتنع عن الإمتثال لأمر ربه .
وإن العبد المتأمل هذه الآيات والمحدق في ذلك المشهد سيذهب به خياله بعيدا وتساؤلاته كل مذهب . ومن ذلك :

يبدو أن إبليس كانت له درجة معتبرة جدا في صفوف الملائكة وأنه كان من المقدسين لــلإله ومن العارفين حق المعرفة لحقيقة التوحيد ، ويمكن أن يستشف ذلك من وعد أو رهان إبليس نفسه عندما قال " فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " ، وهذا يعني أن إبليس مقر بوحدانية الله الأحد الصمد ، كما أن هناك آية أخرى تفيد أو يستنتج منها أن إبليس كان موحدا ولم يكن أبد ا مشركا بالله ، وذلك عندما أخبرنا الله قائلا (( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )) آل عمران رقم 18 .

وإذا جاز الإستنتاج واتجه الفهم إلى أن إبليس صاحب الدرجة العالية وهو الموحد لله وغير المشرك به ، ومن الذين شملتهم الآية المذكورة أعلاه وهي بمثابة شهادة شهدها الله ، ومع كل ذلك لعنه الله إلى يوم الدين بسبب عصيان ارتكبه ، فمن البديهي أن يفرض نفسه في الواجهة السؤال التالي :

* إذا كان الشرك بالله ظلما ، وظلما عظيما .
* وإذا كان الله لا يغفر أن يشرك به ، وأن الشرك إثم عظيم ، وأنه ضلال بعيد . ( الآيتان : 48 + 116 – سورة النساء ) .
إذا كان ذلك الإستنتاج والفهم مستقيما ، فما هو يا ترى ذلك العصيان الذي اقترفه إبليس ؟ وما هي خطورته ؟ حتى تكون عاقبته الطرد من الجنة تتبعها اللعنة إلى يوم الوقت المعلوم ؟ فأين هي عقدة العقد وما هي ؟

فالتأمل في ذلك المشهد وذلك الحوار يؤدي بنا وأظنه هو رأي الأغلبية ، يؤدي بنا إلى أن العصيان الخطير المقترف هو : الغرور وتزكية النفس اللذان إذا اجتمعا سيلدان حتما ، ويكون مولودهما ذلك الوحش ذا المراس الصعب ، وأصعب وأخطر ما فيه كونه يظهر لنا حميما إلا من رحم الله ومكنه منه ومن ترويضه ، ألا وهو الكبــر . ولعل ما يشير بقوة إلى ذلك هو موقف إبليس الذي أقره هو بلسانه عندما أجاب الله العلي القدير قائلا : ((قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)) .

ولنفرض أن إبليس كان موقفه كموقف آدم وزوجه عندما عصيا ربهما ، حيث جاء ردهما : (( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)) ولنفرض أن رد إبليس جاء كما قال آدم وزوجه بعد أن عصى أمر ربه ، لنفرض أنه قال رب إني ظلمت نفسي فإن لم تغفر لي وترحمني لأكونن من الخاسرين ، ألا يكون في موقف أحسن وأسلم ؟
وأما عن الحقيقة التي رواها الله لنا فهي أن إبليس لم يفكر في تقديم أي اعتذار أو إذعان أو أي اعتراف ولم يكن لسان حاله معبرا عن كونه مجرد مخلوق لا حول له ولا قوة أمام عظمة الخالق الواحد القهار ، بل لم يتورع بأن زاد فرفع تحديه متوعدا بأنه سيغوين البشر . وباختصار شديد فإن المفهوم الذي أرجو أن يشاركني فيه القراء هو أن إبليس وقع تحت ثقل قولته التي أهلكته واغتر بها ، ولعل التعبير يجوز عندما نقول إن كلمة ( أنا خير منه ) هي التي بدأت بقائلها فأغوته ألا وهي : (( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))

إذن فإن العصيان الذي هو الغرور وتزكية النفس هو ذلك الذي يتولد منهما ذلك الفيروس الذي ينسف نسفا كل إيمان ولا يصمد أمامه أي عمل مهما كان صالحا وصادرا عن مؤمن مهما كان موحدا غير مشرك بالله . ولعل التعريف المناسب لهذا الفيروس ( المتكبر ) الذي كان إبليس مصابا به ، والذي لم يفتضح أمره إلا في ذلك اليوم المعلوم حيث أمر الله ملائكته ليسجدوا لذلك البشر المخلوق الذي خلقه من طين . نعم لعل فيروس فقدان المناعة الذي يتهدد كل المؤمنين سواء الذين خلقوا من طين أو من نار أو من اية مادة أخرى مما يعلمه علام الغيوب ، وإذا كان ما يتهدد المؤمنين بالله المخلصين هو من فصيلة ذلك الذي فتك بإبليس ، وإذا كان الأمر كذلك فالويل لنا إذا لم يوفقنا الله في اكتساب تلك المناعة والإحتفاظ بها إلى يوم الوقت المعلوم .

وأما عن عبارة (الويل لنا ) الموظفة أعلاه ، فلعلها غير مبالغ فيها وليست لإثارة التهويل لاسيما عندما نلتفت حوالينا في الوقت الراهن أو في العصور التي خلت عبر التاريخ وعندما نرى ونخبر بما يرثى له . وإلا فبماذا نفسر ظاهرة التدين الفاسد لأغلبية المتدينين ؟
ولنرجع إلى ما يهمنا مباشرة وهو عصرنا الذي نعيشه ، فبماذا نفسر ذلك التناحر وذلك التباغض وذلك الغل وتلك الهويات التي تحولت إلى هويات عدوانية وقاتلة ؟ وذلك الفعل الذي أراده لنا الله (( لتعارفوا)) فإذا بنا نحن المخلوقين من طين أبينا إلا أن نلوي عنقه ونصيره (( لتعاركوا)) ؟؟
ألا تنبئ تلك المظاهر أو تلك الظواهر وتلك المذاهب وتلك الفرق وتلك النحل ، ألا تشير بقوة وإلحاح إلى أننا مصابون بـ : ( SIDA- AIDS ) هو من المرجح أن يكون من فصيلة ما فتك بجسم إيمان وتوحيد إبليس ؟ وهو من هو من حيث درجته في معرفة الخالق وتوحيده ؟


اجمالي القراءات 15632