المنطق والواقع والمساحة ما بينهما

فوزى فراج في الأربعاء ١٢ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

                            المنطق والواقع والمساحة ما بينهما   

المنطق يقول أننا إن كنا ننظر الى نفس الشيئ , فمن الواجب ان نرى نفس الشيئ, ومن الواجب ان نستخلص مما رأيناه نفس الإستخلاص. بمعنى أصح, لو كنا ننظر الى السماء, فمن المنطق ان يتفق الجميع اننا ننظر الى السماء, ويتفق الجميع انها زرقاء, هذا هو المنطق أليس كذلك !

 المنطق يقول لو كنا ننظر الى باب أبيض مغلق, فيتفق الجميع أننا ننظر الى باب , ذو لون أبيض, وهو مغلق. هذا هو المنطق, أليس كذلك!

المنطق يقول اننا إن كنا قد إتفقنا على أسماء الألوان, فعندما ننظر الى شجرة, عليها ثمار وليكن تفاحا أحمر, فسوف نتفق اننا ننظر الى شجرة تفاح محملة بثمارالتفاح الأحمر. اليس كذلك.

الواقع يقول اننا عندما ننظر الى السماء, فقد نتفق على أننا ننظر الى السماء, ولكن قد يرى البعض سحابا او يرى البعض فى السماء طيورا تحلق أو يرى القمر او الشمس, فيحدث إختلاف بسيط فى الوصف أو فى الرؤية.

الواقع يقول اننا عندما ننظر الى الباب الأبيض المغلق فقد نتفق اننا ننظر الى باب أبيض مغلق, ولكن قد يرى البعض انه باب صغيرا نسبيا او يراه البعض كبيرا نسبيا, وأنه وإن كان مغلقا فليس مغلقا بإحكام, ومن السهل أن يفتح, بل قد يرى البعض أثرا من لون أخر عليه فيستنتج انه كان أحمرا قبل ان يطلى باللون الأبيض وقد يعتقد البعض ان ذلك الباب ليس من نفس طراز الشباك وأن صاحبة ليس لدية ذوقا فى الإختيار وكان أجدر به ان يستخدم  مصمما اخر للديكور أو أن اللون الأبيض لا يتماشى مع الألوان الأخرى المحيطة به....الخ.

الواقع يقول اننا قد نتفق على انها شجرة تفاح ولكن البعض قد يصنف التفاح بأنه ( ماكنتاش) أو انه لم ينضج بعد او أن الشجرة لم تراعى جيدا وتحتاج الى سماد خاص مما قد أثر على كمية وحجم التفاح التى تحملة بل قد يذهب البعض الى ان ثمار التفاح لا تصلح فى هذا المناخ وكان أجدر بمن زرعها ان يزرع شجرة توت او برقوق أو حتى جميز......

أردت بتلك الأمثلة البسيطة جدا ان أسلط الضوء على الإختلاف فى الرؤية ( العينية) رغم أن المنظور واحد لم يتغير. فهل يمكن ان يمتد ذلك المثال الى الإختلاف حول أشياء أخرى مثل الكلمات المقروؤة او المسموعة ؟

فى الأمثلة السابقة, كان هناك إتفاقا تاما على لون الباب الأبيض, وعلى لون السماء الأزرق, والإتفاق فى ذلك ليس محليا مترتبطا بلغة واحدة, ولكنه عالميا, فاللون الأبيض او الأزرق ليس قاصرا على شعب واحد او لغة واحدة, فلكل منهما إسما مرادفا فى جميع لغات العالم, وقد تم الإتفاق عليه, ولو أحضرنا شاهدا لكل لغة من لغات العالم, وعرضنا عليهم لونا مثل الأبيض او الاسود او الأزرق وسألناهم عن إسم ذلك اللون, فمن المستحيل ان نجد إختلافا , اللهم إلا ان كان الشخص مصابا بعمى الألوان الذى يؤثر على بعض الناس وهو ليس مرضا قياسيا, بمعنى ان جميع من يصاب به لا يستطيع ان يميز نفس اللون الواحد من ألوان الطيف , ولكنه مرض يتخذ نفس الإسم, ويتغير تبعا لمن يصاب به, فمنهم من لا يرى اللون الأحمر او بعضا من مشتقاته ومنهم من لا يرى الأخضر او بعضا من مشتقاته .....وهكذا . نرجع الى النقطة المثارة هنا وهى الإتفاق العالمى على تسمية الألوان, ولكن السؤال هو رغم الإتفاق على تسمية الألوان, فهل يرى كل من هؤلاء الشهود اللون المعروض عليهم بنفس الطريقة!!   ببساطة, العين ترى اللون وهو فى الواقع إنعكاس ضوئى على الصورة يتم نقل ذلك الإنعكاس " بإفتراض أن العين فى حالة طيبة وليست مريضة بأى مرض من أمراض العيون الذى يؤثر عليها"  فيتم نقل ذلك الإنعكاس فى عملية معقدة الى المخ الذى من خلال التراكمات المعرفيه ومنها بالطبع اللغوية والبرمجة التى تعرض لها المخ طوال فترة وجوده, فيتعرف على ذلك اللون, ولكن السؤال الذى عرضناه هو هل ما يراه ( المخ) هو نفس ما يرا ه أى ( مخ ) أخر رغم الإتفاق على تسمية اللون؟؟ .   مرة أخرى , هناك إتفاق على تسمية شيئ معين بإسم معلوم للجميع, ولكن هل عند رؤية ذلك الشيئ المعلوم ورغم الإتفاق على الإسم المختار له, هل تصل الصورة الى المخ بنقس الطريقة فيكون الإنعكاس او الترجمة التى تحدث فى داخل المخ مما ينتج نتيجة نهائية , هل هى نفسها تماما من شخص الى شخص أخر؟  لو إستطاع العلم ان يصور بجهاز ما تلك الصورة النهائية التى إتفق عليها الجميع من ناحية الإسم عند وصولها فى مرحلتها الأخيرة الى المخ, فهل تتطابق جميع الصور فى المرحلة النهائية داخل المخ او العقل سمه ما شئت؟؟

لكى نوضح نقطة المناقشة مرة أخرى, نقول ان كل إنسان لدى سماعة او رؤيته او قراءته لأى شيئ , فإنه بعد سلسلة من العلميات العقلية يتفاعل او يكون له رد فعل لما قرأه او رأه  أو سمعه,  ضع كلمة الرحمن أمام 1000 شخص مسلم, ولو حاولنا ان نقيس تأثير الكلمة النهائى بعد قراءتها لما وجدنا إثنين متماثلان, مثال أخر , إذا قرأنا نكته على عدد من الناس, فبعضهم سيضحك بشدة تكاد تراه يدمع, وبعضهم سيضحك بشكل أقل وبعضهم قد لا يضحك مطلقا, بل إن بعضهم قد يضحك على تفاهة الأخرين الذين يضحكون من تلك النكته التافهه التى لا يجد لها علاقة بالنكت او بالضحك!!

لمذا عندما يعرض نفس الشيئ امام الجميع يكون التفاعل او رد الفعل مختلفا تماما, بدرجات متفاوته!!!

الخلاصة هنا هى اننا نرى من الأمثلة السابقة , أن نفس الشيئ المعروض على اكثر من شخص واحد, قد ينتج تفاعلا أو رد فعل مختلفا بين شخص وأخر ومفهوما مختلفا, سواء إتفقا فى التسمية أو إختلفا فى رد الفعل والترجمة العقلية النهائية.

فلننظر الى هذه الآيه من كتاب الله المجيد, (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا . الإنسان -3 ), العمل واحد, النتيجة مختلفة, فقد كان العمل هو هداية السبيل للإنسان من الله عز وجل, والنتيجه التى جاءت لهذا العمل كانت ضدين مختلفين تماما, شاكرا او كفورا, بمعنى ان الله هدى الإنسان السبيل, ولكن الإنسان الذى تعرض ((لنفس )) عمل الهداية , كان رد الفعل لديه, إما شاكرا وإما كفورا!!!! وفى ذلك ربما خير تفسير او مثال لما جاء أعلاه.

يسوقنا ذلك الى موضوع مرتبط تماما بما سبق وهو " الأضداد " , فنرى أن كل شيئ ( تقريبا) من حولنا له شيئ مضاد, فالموجب له مضاد هو السالب, واليمين له مضاد هو اليسار, والشرق يضاده الغرب والطويل ضده القصير ............وهكذا, بل نجد أن بين بعض المتضادات هناك منطقة محايدة او متعادله, مثل الموجب والسالب والمتعادل, الأبيض والأسود وما بينهما, بل إن التكوين الإلهى فى اصغر مكونات الأشياء أى الذرة, بها جزء موجب وجزء سالب وجزء متعادل اى لا موجب ولاسالب, مما يدعونا الى أن نتساءل , إن كان الشر والخير متضادان, فهل هناك منطقة بينهما متعادلة, أى ليست شرا او خيرا, وإن كان العمل الصالح له ضد وهو العمل الغير صالح ( الخبيث او السوء او سمه ما شئت )  فهل هناك ما ينهما عملا لاينتمى لإيهما, اى لا هو صالح ولا هو غير صالح, عمل لا يستحق الثواب ولا يستحق العقاب ,نقطة يجب ان نفكر فيها بينما نتابع ما يلى من المقاله.  

ننتقل الى نقطة أخرى, عندما ذهب مع زوجته الى الطبيب لكى يجرى بعض التحاليل الطبية, فأخبرة الطبيب بأن نسبة مادة الكليسترول  فى دمه تعادل 195 مليجرام بينما كانت نسبتها عند زوجته 160 مليجرام , وسأل الطبيب هل معنى ذلك انه يجب عليه ان بخفض نسبتها عنده ام يجب على زوجته ان ترفعها لديها, فضحك الطبيب وقال لا هذا ولا ذاك, فكلاكما نسبته مقبوله او تقع فى حدود النسبه المقبوله ( Normal Range), فإن إرتفعت لديه عن 200 أو إنخفضت لديها عن 150 فإنها تقع خارج حدود النسبه المقبوله. تماما كقيادة السيارة فى الطرق السريعه, هناك حد اقصى للسرعه وحد أدنى للسرعه, فإن تجاوزت أيهما فسوف تقع تحت طائلة القانون.

نفهم من ذلك المثال البديهى ان هناك حدود لما هو مقبول او مسموح به, ونرى ان الله عز وجل قد وضع حدودا للإنسان, وقد جاءت الكلمة( حدود) فى القرآن بصيغة الجمع, بمعنى أن ليس هناك حدا واحدا, بل دائما نجده يعرفها بحدود الله, والحدود هى صورة لما جاء بالمثال السابق, هى مساحة مما هو مقبول او مسموح به, وما يتخطى ذلك يعد تجاوزا لتلك الحدود.

الله سبحانه وتعالى لم يخلق جنة واحدة  لكل من أنعم عليه بل خلق جنات تختلف بعضها عن البعض وجعلها درجات يجزى بها كل وفقا لما عمله, ولم يخلق جحيما واحدا أيضا بل جعله أيضا درجات يجزى بها كل وفقا لما عمله, فى ذلك مثالا بالغا لإمتداد المساحة والتباين فى كل شيئ , بعنى انه ليس هناك شيئا محددا بنقطة واحدة او خط واحد, ولكن هناك مساحة تمتد بين حدود تحدد ما يبقى بالداخل وما يخرج عنه.  وإذا نظرنا الى كتاب الله الحكيم وبحثنا عن كلمة ( درجات) لوجدناها متكررة فى القرأن الكريم فى آيات كثيرة تشرح لنا ان كل شيئ من الثواب والعقاب والعمل البشرى قد قدره الله سبحانه وتعالى فى درجات , بمعنى انه ليس هناك شيئ واحد على مستوى واحد قياسى لا يتغير, وقد وجب التنويه الى ذلك.

فى محاولة لتطبيق ما توصلنا اليه من الأمثلة السابقة , ومحاولة أن نفهم الكثير من الخلاف او الإختلاف كيفما يشاء القارئ ان يراه, نجد اننا نواجه ما يبدو للبعض أنه مشكلة غير قابلة للحل فى العديد من وجهات النظر, وسببها بكل بساطه ان المختلفين لا يضعون نصب أعينهم القواعد التى إستخلاصناها من الأمثلة السابقة, من أن هناك مساحة ( مقبوله) للإختلاف دون ان يكون هناك فى الواقع إختلاف, او دون ان يكون احد الأطراف قد تعدى الحدود, لأنه فيما يبدو ان كل من يعرض وجهة نظره فى موضوع ما او فى تفسير لكلمة ما, لا يسمح بتلك المساحة التى شرحناها من قبل, ولنسميها مساحة القبول دون إجتياز الحدود, لأن كل واحد يتمسك تماما برؤيته او وجهة نظره من نقطة ثابته أو خط ثابت غير متحرك يمينا او يسارا, بمعنى انه ليس هناك ( مرونه ) مطلقا فى موفقه, وهذا كما رأينا يخالف الواقع, الواقع الذى ذكرنا له من الأمثلة ما يكفى لتغيير أسلوب المناقشة او المواجهه فى موضوع ما.  وسوف اعرض عددا من الأمثلة لتوضيح وجهة النظر بطريقة أقرب الى الواقع.

لنأخذ مثلا الخلاف فى فهم او تفسير كلمة ( لاتقربوا , أو لا تقربا ) , ونعرف ان هناك إختلاف بين البعض على مفهوم الكلمة, مثلا الآيه  من القرآن (وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين . البقرة, 35 ), او الآية (ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا . الإسراء 32 ), وقد تباينت وجهات النظر عن كلمة لا تقربوا او لا تقربا, عندما يأمر الله عز وجل بعدم الإقتراب من شيئ, فهناك من يرى عدم القرب من الشيئ بالمفهوم المباشر وهو ( الإبتعاد ), ولا يقيس المسافة التى قد تجعل الفرد واقعا فى الذنب بالإقتراب ولا يضع لها تعريفا محددا, وهناك من يعتبر ان الذنب هو كما فى حالة الزنا, هو إرتكاب الزنا نفسه بمعنى ان ما يعتبره أحدهم إقترابا من الزنا قد لا يعتبره الأخر إقترابا من الزنا, والإختلاف هنا هو فى تقييم عملية الإقتراب وبالتالى تقييم ما يمكن ان يعتبره احدهم مقدمات للزنا بينما لا يعتبره الأخر له علاقة بالزنا على الإطلاق. فتصبح المشكله هى عملية تقييم او تقدير مختلفه بين الأفراد, قد يعتبر احدهم أن النظر الى جسم إمرأة مقدمة او إقترابا من الزنى, بينما الأخر قد لا يرى ذلك على الإطلاق, ومن ثم يولد الخلاف. وقس على ذلك.  لاتقربا هذه الشجرة, مثلا , ماذا لو قال الله عز وجل لا تأكلا من تلك الشجرة, فقد يراها البعض ان الأمر هو بعدم الأكل, بمعنى انه مسموح له بلمس الشجره والإستظلال بها او شم رائحتها, لأن الأمر واضح بعدم الأكل, بينما قد يفسر الأخر ان الأمر بعدم الأكل شامل لعدم الشم او اللمس او الإستظلال بها, هناك من المسلمين من يعتبر ان ليس ثوب او حذاء مصنوع من جلد الخنزير حرام, رغم أن الآيه بوضوح تام قد حرمت أكل لحم الخنزير. هذه هى نوعية الإختلاف الذى نراه لأن كل من يناقش , يناقش من نقطة ثابتة لا تتحرك ولا تتزحزح عن مكانها ولا يترك او يعتبر او يعترف انه قد تكون هناك مساحة مقبولة فى النظر الى وتفسير تلك الأشياء, وهناك بالطبع حدودا لتلك المساحة وأن الله عز وجل قد سمح وأباح تلك المساحة بطريق مباشر وغير مباشر.

من الأشياء المعروفة لنا كبشر عن العدالة مثلا, انها القياس بمقياس واحد, بل أن العدالة يرمز لها بإمرأة معصوبة العينين بيدها ميزان, ,هو رمز عالمى, ويعبر على ان العداله عمياء لا ترى أشخاص ولا أسماء ولا خلفيات ولا تاريخ, العدالة هى ان تزن العمل بميزان واحد فلا فارق بين واحد او أخر امام تلك العدالة, العدالة هى ان يجازى الشخص على ما فعل دون إعتبار لأى شيئ أخر مهما كان, اعتقد أن الصورة واضحة تماما لما اود أن اقول, وهذه هى العدالة البشرية, فهل عدالة الخالق جل وعلا هى بنفس القياس او بنفس الطريقة او بنفس الصورة, هل سبحانه وتعالى سوف يكافئ كل إنسان بنفس المكافأه على نفس العمل, او يعاقب كل إنسان بنفس العقاب على نفس العمل دون مراعاة لأى ظروف أخرى, ليست هذه هى العدالة الإلهية, لأن الله الذى خلق كل واحد منا يعرف تماما كيف كان خلقه, ويعرف اننا لم نخلق متاكفئين فى قدراتنا التى منحنا الله إياها, وبالتالى فمن غير المعقول ان يكون العقاب سواء على نفس الذنب او المكافأة سواء على نفس العمل, وربما لهذا فإنه قد جعل للعذاب درجات وللجنه درجات, ومن ذلك المثال فى حد ذاته يمكن ان نستخلص ان هناك مساحة فى الإختلاف على النظر لنفس الشيئ وعلى تقييمنا الشخصى لنفس الشيئ , وهو بالطبع ما لا يدركه الكثير ممن تختلف وجهات نظرهم, المساحة المقبوله للإختلاف فى فهم او تفسير او العمل بنفس الشيئ, دون ان يرى احدهم الأخر مخطئا تماما وقد يتهمه بأنه لا يدرى ما يقول!!

عندما نختلف , كل منا يدرى تماما الحدود التى وضعها لنفسه والتى يعرفها هو والتى يعتبرتجاوزها هو الحد الفاصل بين الخطأ والصواب. وبناء على محصلة المفاهيم وعلى درجة الإيمان والهدى وصدق العقيدة التى تختلف من إنسان الى الأخر والتى لا  يعلمها إلا الله عز وجل, ويعلم إن كان الإنسان قد تجاوز حده الذى حدده لنفسه, او لم يتجاوزه. ولنرجع الى موضوع الزنا على سبيل المثال كما ذكرنا من قبل, هناك من يعتقد ان الزنى هو الجماع الجنسى الكامل بين إمرأة ورجل ليسا متزوجين, ولن يختلف فى ذلك إثنان على ما أعتقد( وقد أكون مخطئا فى ذلك بأن هناك بالفعل من يعرف الزنى بغير هذا التعريف) , لكن الخلاف يأتى من أن يعتقد البعض ان قوله تعالى فى لا تقربا الزنا معناه ان العقاب لا يتم إلا أذا ارتكبت فاحشة الزنا بكاملها, بينما يعتقد البعض الأخر ان النهى لم يكن فقط عن فاحشة الزنا بل عن الإقتراب منها, وهناك تبدأ المشكله فى تحديد او تفصيل معنى الإقتراب. قلت من قبل فى أحدى كتاباتى أن فى مشاهدة مبارايات التنس للسيدات مثلا, هناك عشرة ألاف متفرج, اى عشرون ألف عين تنظر الى اللاعبات, ومن بينهم عينين أثنين فقط , تنظر الى سيقان وأجسام اللاعبات وتعتبر ان ذلك إقترابا من الزنى, بينما الباقين ينظرون الى الكرة والى المضرب والى عدد النقاط والبعض يشجع طرفا والأخر يشجع طرفا أخر, ولا يخطر فى أذهانهم مطلقا صورة أى من اللاعبات  بدون ملابس, نحن إذا أمام نفس الصورة ونفس المنظور كما شرحنا فى اول المقالة, ولكن تختلف الرؤية, فكيف نحل المشكلة, هل إرضاء لسيادته نمنع تماما لعب التنس للسيدات, او نصر على تغيير ملابسهم, ولست حتى متأكدا إن غيرنا ملابسهم انه لن يجد فى تحركاتهم ما يثيرة ويجعله يتصور ان مشاهدتهم هو نوع من الإقتراب من الزنى. هذا هو الموقف الذى يجب ان نطبق مسألة المساحة المسموح بها فى الكثير من الأشياء التى نختلف فيها, وصاحبنا الذى حدد لنفسه ان ملابس لاعبات التنس هى تشكل إقترابا من الزنى او الإغراء الذى قد يؤدى اليه, وعليه فى هذه الحالة أن يرى تلك المساحة فى الإختلاف وأن يرى ان ما يثيرة هو قد لا يثير شخصا اخر, وعليه فى هذه الحالة ان يطبق على نفسه الحدود الذى يراها والذى سوف يحاسبه الله عليها, فيخرج من فوره من ملعب التنس, كماأن عليه ان يعطى للأخرين الحرية فى تحديد الحدود التى وضعوها لأنفسهم فى تعاملهم مع تقدير ما هو الإقتراب من الزنى. وفى ذلك وبتلك الطريقة لايكون هناك إختلاف أو خلاف وتترك تلك الأمور التى تخضع لمساحة مسموحا بها لتقدير العزيز الحكيم. ومثل ذلك الكثير من الإختلافات الأخرى, فى الصلاة مثلا, وهل نصلى بصوت مسموع او بصوت خافت, وهل نعقد الأيدى ام نتركها الى جانينا, وهل نقول التشهد أم نقرأ الأيه  رقم 18 من أل عمران, لو أن كل منا إستطاع ان يدرك تلك المساحة المسموح بها, فى أغلب الأمور المتعلقة بالعقيدة, لتغيرت الأحوال تغيرا شاملا ولقلت الخلافات والإختلافات بين المسلمينو وعلى هذا الموقع.    

اجمالي القراءات 30312