عالم الجماد وعالم الجن والإنس

رمضان عبد الرحمن في السبت ١١ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

عالم الجماد وعالم الجن والإنس

إن المولى عز وجل حين خلق الكون جعل لكل شيء هدف وكلفه بمهمة أو أمره أن يفعل ما يريد الله بداية من خلق السماوات والأرض، فعلى سبيل المثال حين خلق الله السماوات والأرض وقال لهما، يقول تعالى:
((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) سورة فصلت آية 11.

ونلاحظ هنا من هذه الآية العظيمة أن السماوات والأرض أتيا الرحمن طوعاً دون جدال في ردهما على الله حين تلقيا الأمر، فباعتقادي أن الجماد هو بالنسبة للإنسان أما بالنسبة إلى الله لا يوجد شيء اسمه جماد، والدليل قوله تعالى:
((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)) سورة الإسراء آية 44.

وقول الله أيضاً عن الرعد الذي إذا أمره الله أن يدمر أي شيء، يقول تعالى:
((وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)) سورة الرعد آية 13.

وحتى نعلم أكثر بأنه ليس هناك شيء اسمه جماد بالنسبة لله، ودليل أكثر وضوحاً في الآية التالية، يقول تعالى:
((.... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)) سورة المدثر آية 31.

وبالتالي فإن جميع جنود الله لا تعصيه في أمر ما عدا الجن والإنس فالأغلبية منهم هم الذين يعصون أوامر الله، وهم الذين يسعون في الأرض فسادا، وكما ذكر الله عز وجل لنا عن الأمم السابقة وعن ظلمهم أو من يفعل أفعالهم بعد ذلك فيعاقبه الله في الدنيا والآخرة، وحتى نعلم أن السماوات والأرض لا تبكي على مثل هؤلاء الأشخاص وما يفعلون، الذين يهلكون الحرث والنسل بالاسم، يقول تعالى:
((فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)) سورة الدخان آية 29.

ذلك في الحياة الدنيا، أما يوم القيامة سوف يفاجأ الذين كانوا في غفلة عن الحق واتبعوا الباطل، فيكون الرد عليهم كما يقول تعالى:
((لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)) سورة ق آية 22.

والشيء الذي لم يتخيله العصاة والطغاة أن الأرض سوف تشهد عليهم أيضاً يوم القيامة بما كانوا يمكرون على الناس بغير الحق ولم يتوقعوا ذلك، يقول تعالى:
((إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا{3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا{4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا{5})) سورة الزلزلة.

أي سوف تخرج ما فيها من ذنوب هؤلاء الظالمين والدليل قول الإنسان حينئذ ((وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا)).. أي أن الأرض التي كانوا يمشون عليها تسجل لهم ما كانوا يقترفونه من ذنوب، هذا هو الفرق بين الجماد والإنسان، أن الجماد لم يعص الرحمن في شيء، وإنما الإنسان الذي كرمه الله على كثير من خلقه هو الذي يعصي ويقتل ويخرب ويفسد ويشرك بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وبذلك يكون قد خسر الأغلبية من الجن والإنس في اختبار الحياة الدنيا، ونجح عالم الجماد بأكمله ولم يعص أمر الله في شيء، حتى النار لم تعصي الله حين أمرها أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم، قال تعالى:
((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)) سورة الأنبياء آية 69.

والرياح التي سخرها الله لسليمان أيضاً لم تعص أوامر الله، قال تعالى:
((وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ))
سورة الأنبياء آية 81.

رمضان عبد الرحمن علي

اجمالي القراءات 20773