صيام رمضان بين الاسلام والفقه السّنى (3 ) ملامح الصوم فى الفقه السنى

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٤ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :
فى المقال الأول عن الصوم فى تشريع الاسلام قلت:
(التقوى هنا هى ضمير الصائم الذى يمتنع عن الطعام والشراب والعلاقة الجنسية مع الزوجة ابتغاء مرضاة الله تعالى . هو بذلك يتعامل مباشرة مع ربه فيخشى الله جل وعلا بالغيب ،أى حين يكون وحيدا منفردا يتمسك بصومه حيث لا رقيب ولا حسيب عليه سوى مولاه عز وجلّ. ولذلك كانت عبادة الصيام وسيلة لتعلم التقوى ،أو على حد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
وفى التقوى تجد الاجابة عن كل التساؤلات التى يسأل عنها الصائمون ،وهى البديل الأمثل الذى يستغنى به المسلم الصائم عن كل تلك الثرثرة الفقهية والخزعبلات التى حفلت بها كتب الفقه . ونعطى أمثلة :
* فالقرآن الكريم لم يحدد ماهية السفر الذى يسبب ارهاقا يتساوى مع المرض ، وترك ذلك لتقدير الضمير المؤمن .
* ولم يحدد نوع المرض الذى يستدعى الافطار.المؤمن المتقى عليه أن يأخذ رأى الطبيب المختص ـ وليس الفقيه ـ فى تحديد هل مرضه يستوجب الافطار أم أن الصوم لا يضره ؟
* وليس فى القرآن الكريم تلك الثرثرة الفقهية عن صوم أوعدم صوم الحامل والمرضعة، وحكم تقبيل الصائم لزوجته، لأن كل ذلك متروك لضمير الصائم وتقواه.
* ولم يحدد الفدية التى يدفعها المفطر غير المريض وغير المسافر، قال فقط (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) . التحديد يخضع لتقوى المسلم ، هل يعطى طعاما فاخرا أم معتدلا ، وهل يعطى طعاما عينيا أو مالا يقوم مقام الطعام ، وما هو الواجب على الغنى والفقير ؟ كل ذلك يقدره ضمير المؤمن الذى يسعى لرضا ربه جل وعلا عليه .
وفى الأحوال السابقة جاءت إشارة لطيفة للتقوى فى قوله تعالى (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )، وهى تخاطب من يستطيع الصوم ويطيقه ويقدرعليه ولكن يفطر ويعطى فدية، وموجهة أيضا لمن يستطيع الصيام فى السفر والمرض ولكن يختار الافطار.
* وجاء تحديد بداية الصوم ونهايته أيضا موكولا الى ضمير المؤمن الصائم ، فالبداية من حين يتبين له ـ هو ـ الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.ويمكنه احتياطا أن يمسك عن الطعام قبلها . وحدد وقت الافطار بالليل ، والغروب هو بداية الليل ،أى يمكنك شرعا أن تفطر بمجرد غروب الشمس ، ولكن لمن أراد التيقن و التأكد أن يفطر بعدها بعدة دقائق . )
وتعرض المقال الثانى ( وعلى الذين يطيقونه ) تحليلا لمعنى ( يطيقونه )أى يقدرون عليه بمشقة .
ومن الطبيعى أنه بعد أن غطى تشريع القرآن كل المطلوب فى تشريع الصوم فان ما يتبقى لن يكون سوى ثرثرة لا لزوم لها ، أو إختراع يخالف التشريع الاسلامى القرآنى.
وهذا بالضبط ما وقع فيه الفقه السّنى .
نتعرض فى هذا المقال للفوارق الأساس التى أحدثها الدين السّنى فى تشريع الصوم ، وإيجازا فسنعرض لأهم ما جاء فى أهم أسفار الدين السّنى وهى موطأ مالك ، والأم للشافعى و البخارى .
وبإيجاز أيضا نقول إن الفقه السنى خالف تشريع الصوم الاسلامى فى ثلاثة ملامح : الثرثرة ، ثم إختراعات فى التغليظ تخالف منهج القرآن الكريم فى التيسير ، وأخيرا الاعتداء على حق الله جل وعلا فى التشريع فيما يخص الحلال والحرام فى الصيام.
ونتوقف معها ببعض الشرح .

أولا : الثرثرة

كانت الثرثرة موجزة فى بدايتها مع موطأ مالك ، ثم توسع فيها الشافعى ، زاد عن الشافعى من جاء بعده ، وظلت الثرثرة فى إزدياد الى حد أن تألفت كتب ضخمة فى أحكام الطهارة و الصيام والصلاة .. ثم جاء العصر المملوكى الذى قام بشرح كتب السابقين والبناء على ما فيها من ثرثرة وتخيل احكام فقهية عبثية ، ثم أصبحت حالة مرضية ( نسبة للمرض ) فى العصر العثمانى. وورثنا فى التعليم الأزهرى القديم كتبا فى الفقه تتجادل حول من ( زنا بأمه فى جوف الكعبة فى نهار رمضان .. ماذا عليه من الإثم ؟) ( ومن ابتلع بصاق الصديق هل يفطر ؟ ) و(أصبع الصديق فى دبر صديقه هل تفطر.. ) وتفاهات من هذا القبيل تستدعى تدخل المحكمة الدولية ..!!
ونعرض للمحات من بدايات اللغو والثرثرة ..
الثرثرة (الجنسية )
الموطأ
بدأت الثرثرة فى موطأ مالك ، ونقتطف منها مثالا ؛ ففى (باب مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ ) نرى مالك قد جاء بأحاديث تؤكد أن ذلك لا يبطل الصوم ، منها :( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَىِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا قَالَتَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ ‏.‏ ). وأى إنسان عادى لا يرى بأسا فى أن يبيت المؤمن على جنابة ثم يستيقظ ليصوم . فالجنابة جاءت فى الليل وقت الافطار. وهذا لا يستدعى تفصيلا .. ولكنها مجرد ثرثرة .
الأم للشافعى
والشافعى فى كتابه (الأم ) لخص الأحاديث التى ذكرها الموطأ بقوله (مَنْ احْتَلَمَ فِي رَمَضَانَ اغْتَسَلَ وَلَمْ يَقْضِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَمَّ صَوْمَهُ‏.‏ ) ثم زاد فتخيل أو تصور وضعا جنسيا وأفتى مقدما بالحكم فيه ،قال (وَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ سَاعَتِهِ أَتَمَّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْجِمَاعِ إلَّا بِهَذَا، وَإِنْ ثَبَّتَ شَيْئًا آخَرَ أَوْ حَرَّكَهُ لِغَيْرِ إخْرَاجٍ وَقَدْ بَانَ لَهُ الْفَجْرُ كَفَّرَ‏.‏ )
الثرثرة والتناقض
والثرثرة لا تلبث أن توقع فى التناقض ، فقد اختلفوا ـ مثلا ـ فى موضوع هل من يقبّل زوجته يفطر:
مالك :
جاء مالك فى الموطأ بالأحاديث المختلفة المتناقضة تحت عنوانين يؤكدان هذا التناقض ، هما ( :باب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ ) ( باب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ ).
فى الدفاع عن القبلة وأنها لا تفطر انتهك مالك حرمة بيت النبى محمد عليه السلام بأحاديث موضوعة من نوعية : ( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ‏.‏ ثُمَّ ضَحِكَتْ ‏.‏ ) و ( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ ).
وفى الاتجاه ( المعاكس ) حوربت القبلة فى الموطأ بأحاديث مثل ( قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ تَدْعُو إِلَى خَيْرٍ ‏.‏) و ((وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَنْهَى عَنِ الْقُبْلَةِ، وَالْمُبَاشَرَةِ، لِلصَّائِمِ ‏.‏ )
وبعضها توسط مثل ( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنِ الْقُبْلَةِ، لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ ‏.‏ )
الشافعى :
وجاء الشافعى فحاول التوفيق بين الآراء المتناقضة بعد أن كرر الأحاديث المختلفة ثم قال : (لَيْسَ اخْتِلاَفًا مِنْهُمْ‏:‏ وَلَكِنْ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، لِئَلَّا يَشْتَهِيَ فَيُجَامِعَ، وَبِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ السَّائِلِ أَوْ يَظُنُّ بِهِ‏.‏ )
البخارى
كرر ما سبق فى ( باب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ ) وزاد حديثا بذيئا يقول :
1963( ـ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا ـ رضى الله عنهما ـ قَالَتْ بَيْنَمَا أَنَا مَعَ، رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ ‏"‏ مَا لَكِ أَنُفِسْتِ ‏"‏‏.‏ قُلْتُ نَعَمْ‏.‏ فَدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ، وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ‏.‏ )
الاحتجام :
(اى باسالة الدم اعتقادا منهم فى الشفاء بهذه الطريقة ) وهوأمر عادى لا يبطل الصوم لأنه لا يدخل فى الطعام والشراب ، ولكن التقعر الفقهى جعله مدارا للثرثرة .
الموطأ
جاء مالك بأحاديث تدل على ان بعض الصحابة كان يحتجم وبعضهم لم يكن ، كقوله تحت باب ( باب مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ ( حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ - قَالَ - ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ ‏.‏)( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَا يَحْتَجِمَانِ وَهُمَا صَائِمَانِ ‏.‏) ( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لاَ يُفْطِرُ ‏.‏ قَالَ وَمَا رَأَيْتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ صَائِمٌ ‏.) ثم أفتى مالك فى تلك القضية الخطيرة بقوله ( ‏ قَالَ مَالِكٌ لاَ تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ إِلاَّ خَشْيَةً مِنْ أَنْ يَضْعُفَ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمْ تُكْرَهْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ سَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَمْ آمُرْهُ بِالْقَضَاءِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي احْتَجَمَ فِيهِ لأَنَّ الْحِجَامَةَ إِنَّمَا تُكْرَهُ لِلصَّائِمِ لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ بِالصِّيَامِ فَمَنِ احْتَجَمَ وَسَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يُمْسِيَ فَلاَ أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ ‏.‏ ).
وحسنا أن مالك لم يسند ما قاله للنبى بل لبعض الصحابة ، فزعم أن بعضهم كان يحتجم وهو صائم والاخر لا يحتجم ..إذن هى ليست قضية و ليست مشكلة ،أى إنها من المباحات من شاء فعلها ومن شاء تركها ولا إثم على فعلها ولا ثواب على تركها ..ولكنه إدمان الثرثرة ..
الأم للشافعى
جاء الشافعى فكرر ما قاله مالك مع إضافة حديث رواه ثم شكّك فيه ، يقول (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ‏)‏ وَرُوِيَ عَنْهُ ‏(‏أَنَّهُ احْتَجَمَ صَائِمًا‏)‏‏.‏ [‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلاَ أَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ثَابِتًا وَلَوْ ثَبَتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْت بِهِ فَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ الْحِجَامَةَ صَائِمًا لِلتَّوَقِّي كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَوْ احْتَجَمَ لَمْ أَرَهُ يُفْطِرُهُ‏.‏) وإذن فما الداعى لهذا (القىء ) من الكلام ، سوى أن الشافعى ( يحب ) كذا .
القىء : وبالمناسبة فقد كان (القىء ) من موضوعات الثرثرة الفقهية فى تشريع الصوم السّنى ، مع أن القىء عكس الطعام والشراب ، ولا يفطر به الصائم ، حتى لو تعمده .
الموطأ
قال كاتب الموطأ : ( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنِ اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَىْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ‏.‏) يعنى يزعم أن من تقيأ عمدا فقد أفطر ،أما من غلبه القىء فصيامه صحيح.
الأم للشافعى :
كرر الشافعى هذا الاكتشاف الباهر فقال (مَنْ تَقَيَّأَ وَهُوَ صَائِمٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏.‏ )
وفيمن يقضى الصيام : هل يقضى الأيام متتالية أم متفرقة . الواضح ان هذا جائز وذاك جائز .ولكن الثرثرة جعلتهم يختلفون فيها .
مالك :
جاء باحاديث مختلفة نذكر بعضا للتسلية :
678 – ( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا مَنْ أَفْطَرَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فِي سَفَرٍ ‏.‏) هنا تتابع فى قضاء الصيام
(679 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا، هُرَيْرَةَ اخْتَلَفَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ ‏.‏ وَقَالَ الآخَرُ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ ‏.‏ لاَ أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ ‏.‏) هنا اختلاف هل نتابع قضاء الأيام أم نفرق بينها.
681 –( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، يُسْأَلُ عَنْ قَضَاءِ، رَمَضَانَ فَقَالَ سَعِيدٌ أَحَبُّ إِلَىَّ أَنْ لاَ يُفَرَّقَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَأَنْ يُوَاتَرَ ‏.‏ قَالَ يَحْيَى سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ فَرَّقَ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ وَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَأَحَبُّ ذَلِكَ إِلَىَّ أَنْ يُتَابِعَهُ ‏.‏ ‏.‏ )
تأسس على الاختلاف أن قال هذا بما (يحب ) وقال ذاك بما (يحب ) ..أى دخلنا فى مسلسل الحب و الهوى ..أى أصبح مزاج الفقيه وهواه تشريعا ..!!
الأكل والشرب ناسيا الموطأ
المفاجأة هنا ان مالك يبطل صيام من ينسى ويسهو فيأكل أو يشرب وهو صائم : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مَا كَانَ مِنْ صِيَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ ).
وكأن مالك لم يقرأ قوله جل وعلا (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة 286 ) (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( الأحزاب 5) وبالمناسبة فقلما يستشهد مالك بآية قرآنية ، ومثله الشافعى والبخارى ..
الأم للشافعى
ويأتى الشافعى فيخالف مالك ، ويسند الرأى الى حديث رواه أبوهريرة (‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا‏:‏ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ رَفَعَهُ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ لَيْسَ بِحَافِظٍ‏.‏ ) ولا يستشهد الشافعى بالقرآن الكريم بل يروى حديثا يرفعه لأبى هريرة دون إسناد ،يقول (وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ) مع أن الشافعى قد ولد بعد موت أبى هريرة بحوالى قرن من الزمان ..!
وزاد الشافعى فى ثرثرته عما قاله مالك . ولا داعى لأن ننقل تلك الثرثرة رفقا بالقارىء .
الكحل والعطور والدهان والمعاجين و( الشامبو ) واللبان وفرشاة الأسنان عند الشافعى ..!! وفى ثرثرة تالية أفتى الشافعى بأن الكحل لا يفطر ، وأعلن أنه( يكره) للصائم استعمال (الدهن ) أى ما يعرف الآن بالعطور والصابون والمساحيق والدهانات ومعاجين البشرة ، وأنه أيضا (يكره) للصائم استعمال ( العلك ) أى (اللبان ) حتى لو مضغه طالما لا يبلعه عامدا ، وتفضل فأفتى بأنه (لا يكره ) السواك للصائم فى الصباح ، ولكنه ( يكره ) للصائم أن ينظف أسنانه بالعشى ، ويقول إنه لو فعل لم يفطر. وينسى الشافعى أن العشى هو الوقت بين المغرب و العشاء ،أى وقت إفطار وليس وقت صوم ، وقال ان الدواء الذى يصل الى الجوف يكون مفطرا إذا استعمله الصائم عمدا .. مع أن الأغلب فيمن يستعمل الدواء أن يتعمد ذلك .
وننقل ما قاله الشافعى فى ثرثرته تلك لمن أراد التسلية بقراءتها :( [‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلاَ يُفْسِدُ الْكُحْلُ، وَإِنْ تَنَخُّمَهُ فَالنُّخَامَةُ تَجِيءُ مِنْ الرَّأْسِ بِاسْتِنْزَالٍ وَالْعَيْنُ مُتَّصِلَةٌ بِالرَّأْسِ وَلاَ يَصِلُ إلَى الرَّأْسِ وَالْجَوْفِ عِلْمِي وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ الْكُحْلَ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلاَ أَكْرَهُ الدُّهْنَ، وَإِنْ اسْتَنْقَعَ فِيهِ أَوْ فِي مَاءٍ فَلاَ بَأْسَ وَأَكْرَهُ الْعَلْكَ أَنَّهُ يَجْلِبُ الرِّيقَ، وَإِنْ مَضَغَهُ فَلاَ يُفْطِرُهُ وَبِذَلِكَ إنْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَلاَ يَسْتَبْلِغُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ‏:‏ لِئَلَّا يَذْهَبَ فِي رَأْسِهِ، وَإِنْ ذَهَبَ فِي رَأْسِهِ لَمْ يُفْطِرْهُ، فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى الرَّأْسِ أَوْ الْجَوْفِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ عَامِدٌ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ فَطَّرَهُ ‏[‏قَالَ الرَّبِيعُ‏]‏‏:‏ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏[‏قَالَ الرَّبِيعُ‏]‏‏:‏ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَلاَ أَكْرَهُ السِّوَاكَ بِالْعُودِ الرُّطَبِ وَالْيَابِسِ وَغَيْرِهِ‏:‏ بُكْرَةً وَأَكْرَهُهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا أُحِبُّ مِنْ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفَطِّرْهُ وَمَا دَاوَى بِهِ قُرْحَةً مِنْ رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ فَخَلَصَ إلَى جَوْفِهِ فَطَّرَهُ إذَا دَاوَى وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ عَامِدٌ لِإِدْخَالِهِ فِي جَوْفِهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُفَطِّرُهُ الرَّطْبُ وَلاَ يُفَطِّرُهُ الْيَابِسُ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ إذَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ‏:‏ بِمَنْزِلَةِ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فَالرَّطْبُ وَالْيَابِسُ مِنْ الْمَأْكُولِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَنْزِلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سَبِيلِ الْأَكْلِ وَلاَ الشُّرْبِ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لاَ يُفَطِّرَانِ، فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ يُفَطِّرُ أَحَدُهُمَا وَلاَ يُفَطِّرُ الْآخَرُ فَهَذَا خَطَأٌ‏.‏ )

تعليقونلاحظ أن الشافعى يتصرف كأنه اله يشرّع لعبيده ، فيقول أكره كذا وأحب كذا .. وهو فى معظم تشريعاته لا يستشهد بالقرآن الكريم ولا يلجأ اليه . هو فقط يقوم بالتشريع معتمدا على أحاديث الموطأ ، ثم أحاديث أخرى اخترعها .
وبعد الشافعى سار اللاحقون على طريقته ، بل جعلوها من درجات التشريع فى الفقه السّنى ، فما قال عنه الشافعى إنه يكرهه أصبح له حكم ( المكروه ) أى مباح ولكن جعلوه أقرب للحرام أى مكروها، وما قال الشافعى أنه يحبه أصبح له حكم ( المستحب ) أى مباح ولكنهم جعلوه أقرب للواجب ،أى مستحبا. وعلى (عباد ) الشافعى أن يلتزموا بما يحبه الشافعى وأن يبتعدوا عما يكرهه الشافعى ..!
ولكن المهم هنا أن منهجية التشريع السنى اختلفت عن منهجية التشريع الاسلامى القرآنى. فدرجات التشريع فى القرآن تتحدد ( فى الأساس ) فى ثلاث : الحرام المنهى عنه ، والفرض الواجب عمله ، وبينهما مباح لا إثم ولا ثواب فى فعله أو تركه . أضاف لها الدين السنى درجتين :المكروه و المستحب ، وقد إقتطعهما من المباح الحلال. فما يكرهه الشافعى من المباحات أصبح مكروها ، وما يستحسنه الشافعى ويحبه أصبح مستحبا.
وهذا خلاف أساس ومنهجى بين الاسلام والدين السنى .فالمكروه فى مصطلح القرآن ليس المباح الذى ينبغى الابتعاد عنه ولكنه هو أشد أنواع المحرمات التى يكرهها الله تعالى ويكرهها المؤمنون ، يقول تعالى (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)(الحجرات 7 ) وقال تعالى عن الشرك والكفر وأكبر الكبائر : (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ) (الاسراء 38 ). وفى المقابل فان الله جل وعلا (يحب ) المتقين والمحسنين والصابرين ، و( لا يحب ) المعتدين والظالمين و الكافرين ..الخ.


ثانيا : إختراعات فى التغليظ
أئمة الدين السنى تلاعبوا بالمباح فجعلوا منه المكروه و المستحب،وملأوا بهذا ثرثرتهم ، ولم يكتفوا بذلك بل تلاعبوا أيضا بالحلال فجعلوه حراما ، وبالغوا فى التحريم وجعلوه جريمة مغلظة . ونأتى للتفصيل .
مالك
لم تأت فى القرآن كفّارة أو فدية لمن يفطر فى نهار رمضان عمدا ، سواء أفطر بالأكل والشرب أم أفطر بممارسة الجنس مع زوجته . وجاء مالك فارتكب الثرثرة فى الممنوع ،أى بتشريع لم ياذن به الله جل وعلا ، فكذب على الرسول محمد عليه السلام زاعما وجود كفارة لمن يفطر عمدا فى رمضان.
تحت عنوان ( باب كَفَّارَةِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ )
يقول الراوى عن مالك :
662حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً، أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ‏.‏ فَقَالَ لاَ أَجِدُ ‏.‏ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقِ تَمْرٍ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي ‏.‏ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ ‏"‏ كُلْهُ ‏"‏ ‏.‏
فى هذا (الفيلم )رواية عن رجل أفطر فى رمضان فأمره النبى بعتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين فلم يستجب . فأهدى بعضهم للنبى حمولة من تمر فاعطاها للرجل ليقدمها كفارة له ، فطمع الرجل فى التمر وأخذه ، وضحك النبى بزعمهم وكافأه ..أى أن يفطر و يأخذ حمولة التمر..
الكفارة هنا حسب زعمهم عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين ،أى مثل كفارة الظهار التى جاءت فى قوله جل وعلا :(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (المجادلة 3 : 4 ) .
والمقصود هنا أن الله تعالى أوجب تلك الكفارة على من يظاهر زوجته ،أى يحرمها على نفسه ، فلو كانت هناك كفارة على من يفطر عمدا فى رمضان لكان أولى ذكر ذلك فى القرآن ضمن تفصيلات الصيام التى بيّنها رب العزة وقال فى نهايتها (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(البقرة 187 )
ويأتى مالك بتشريع مختلف ، يقول الراوى عنه :
663 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ هَلَكَ الأَبْعَدُ ‏.‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وَمَا ذَاكَ ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ ‏.‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ لاَ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً ‏"‏ ‏.‏ قَالَ لاَ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَاجْلِسْ ‏"‏ ‏.‏ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقِ تَمْرٍ فَقَالَ ‏"‏ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْتَ ‏"‏ ‏.‏
هنا يختلف ( السيناريو ) عن الفيلم السابق .!! فالبطل هنا إعرابى مجهول مارس الجنس مع زوجته فى نهار رمضان ، وبعد أن نزل عنها سافر الى المدينة وهو يلطم ويشكو للنبى فيعرض عليه النبى بزعمهم ان يعتق رقبة فرفض ، فعرض عليه أن يذبح ناقة ‏ فرفض ( كيف يكون إعرابيا وليست له ناقة ؟أم هو إعرابى من عصرنا يركب المرسيدس ؟! وإذا كان يشكو ويصرخ متألما مما فعله فلماذا لا يتبرع بناقته طالما هو بهذا الايمان ؟ ). الجديد فى هذا الفيلم أن النبى لم يعرض علي الاعرابى أن يصوم ستين يوما كما حدث مع الرواية السابقة أو الفيلم السابق . بل يأمر الاعرابى بالجلوس ،الى أن تنتهى الرواية بالنهاية السعيدة ـ على طريقة الأفلام المصرية ـ حيث يهدى بعضهم للنبى (شوال أو زكيبة أو خرج تمر ) فيعطيه للاعرابى ليتصدق به كفارة له ، فيطمع الاعرابى فى التمر فيأخذه ويتنازل له النبى عن الكفارة ، ويأمره بصوم يوم مكان اليوم. وتوتة توتة .. خلصت الحدوتة ..
وطالما أن القصة انتهت بهذه النهاية السعيدة والرجل أفطر فى رمضان وكوفىء على إفطاره بشوال تمر إذن فما الداعى التشريعى لتلك المسرحية الهابطة يا عم مالك ؟
الأم للشافعى .. والتغليظ مع الثرثرة
تحت عنوان ( باب الجماع في رمضان والخلاف فيه) ينقل الشافعى الروايتين السابقتين عن مالك ثم يقول ‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ يُعْتِقُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏.‏ ثم يدخل فى ثرثرة مملة الى ان يقول ( وَأُحِبُّ أَنْ يُكَفِّرَ مَتَى قَدَرَ وَأَنْ يَصُومَ مَعَ الْكَفَّارَةِ‏.‏ ) ثم تستهويه الثرثرة ، ويطنب فى التخيلات و التصورات ، كأن يقول مثلا :
( ‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَإِنْ جَامَعَ يَوْمًا فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ يَوْمًا فَكَفَّرَ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُكَفِّرْ فَلِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ كُلِّ يَوْمٍ غَيْرُ فَرْضِ الْمَاضِي‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ إنْ كَفَّرَ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ الْكَفَّارَةِ كَفَّرَ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى يَعُودَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَرَمَضَانُ كُلُّهُ وَاحِدٌ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَقِيلَ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ‏:‏ لَيْسَ فِي هَذَا خَبَرٌ بِمَا قُلْت وَالْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً مَرَّةً بِكَفَّارَةٍ، وَفِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ يَوْمًا آخَرَ أُمِرَ بِكَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي الْحَجِّ مِرَارًا كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ وَأَيُّ شَيْءٍ الْحَجُّ مِنْ الصَّوْمِ‏؟‏ الْحَجُّ شَرِيعَةُ، وَالصَّوْمُ أُخْرَى، قَدْ يُبَاحُ فِي الْحَجِّ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَيَحْرُمُ فِي الصَّوْمِ وَيُبَاحُ فِي الصَّوْمِ اللُّبْسُ وَالصَّيْدُ وَالطِّيبُ وَيَحْرُمُ فِي الْحَجِّ‏.‏ ).
ثم تصل به الثرثرة الى درجة الفحش فى القول ، والتخيلات الجنسية الشاذة المقيتة كقوله ( وَإِنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَغَيَّبَهُ أَوْ بَهِيمَةً أَوْ تَلَوَّطَ أَفْسَدَ وَكَفَّرَ مَعَ الْإِثْمِ بِاَللَّهِ فِي الْمُحَرَّمِ الَّذِي أَتَى مَعَ إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا كُلِّهِ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلاَ يُعِيدُ صَوْمًا إلَّا أَنْ يُنْزِلَ فَيَقْضِيَ وَلاَ يُكَفِّرُ‏.‏
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ فَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي اللُّوطِيِّ وَمَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبْرِهَا فَقَالَ يَفْسُدُ وَقَالَ هَذَا جِمَاعٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَجْهِ الْجِمَاعِ الْمُبَاحِ وَوَافَقَهُ فِي الْآتِي لِلْبَهِيمَةِ قَالَ وَكُلُّ جِمَاعٍ، غَيْرُ أَنَّ فِي هَذَا مَعْصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُزَادُ عَلَيْهِ زِيدَ عَلَى الْآتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ‏.‏ )
البخارى
تحت عنوان ( باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ ) يفترى البخارى حديثا يجعل من يفطر فى رمضان بلا عذر فلن يكفيه صيام الدهر ، وإن صامه ، ثم يسارع البخارى بالاتيان بآراء أخرى تخالف هذا الحديث وتقول إن عليه أن يقضى يوما مكانه : ( وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ ‏"‏ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ، وَإِنْ صَامَهُ ‏"‏‏.‏ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏.‏ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ ). وهذا القول الأخير يتناقض مع الفيلم الذى يوجب الكفّارة على من أفطر عمدا . وقد كرر البخارى تلك الافلام ..
فالبخارى يكرر أحاديث مالك ومنها : 1969( ـ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ـ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ تَقُولُ إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ‏.‏ قَالَ ‏"‏ مَالَكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ‏.‏ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِكْتَلٍ، يُدْعَى الْعَرَقَ فَقَالَ ‏"‏ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ ‏"‏‏.‏ قَالَ أَنَا‏.‏ قَالَ ‏"‏ تَصَدَّقْ بِهَذَا ‏"‏‏.‏ ) والجديد انه كان يضع لكل رواية عنوانا ..أى عنوانا لكل فيلم ..


ثالثا : التلاعب بالتحريم والتحليل : تحريم الواجب وتحريم الحلال وتحليل الحرام :

1 ـ تحريم صوم الحائض
تاثرا بالاسرائيليات الى تستقذر المرأة فى الحيض قام الدين السنى بتحريم صلاة وصيام وطواف المرأة الحائض . وطبقا لتشريع الاسلام فى القرآن فان الحيض يمنع اللقاء الجنسى فقط ( البقرة 222 ـ ) ولا يمنع أى نوع من أنواع العبادة .
وبالنسبة للصوم بالذات فهناك دليل آخر . فلو قامت إمرأة بقتل مؤمن خطأ فعليها كفارة ، من ضمن بنودها صيام شهرين متتابعين ( النساء 92 ). والحكم بأن تصوم المرأة القاتلة شهرين متتابعين يعنى ان الحيض لا يقطع الصوم فى رمضان أو غيره .
ولكن الدين السّنى حرّم صيام المرأة مطلقا .
الموطأ
يقول الراوى عن مالك :
(... ‏.‏ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْمَرْأَةِ تُصْبِحُ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً مِنْ دَمٍ عَبِيطٍ فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضِهَا ثُمَّ تَنْتَظِرُ حَتَّى تُمْسِيَ أَنْ تَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَلاَ تَرَى شَيْئًا ثُمَّ تُصْبِحُ يَوْمًا آخَرَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً أُخْرَى وَهِيَ دُونَ الأُولَى ثُمَّ يَنْقَطِعُ ذَلِكَ عَنْهَا قَبْلَ حَيْضَتِهَا بِأَيَّامٍ فَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي صِيَامِهَا وَصَلاَتِهَا قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَإِذَا رَأَتْهُ فَلْتُفْطِرْ وَلْتَقْضِ مَا أَفْطَرَتْ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ ‏.‏ ‏.‏ ) ويستفاد مما قاله مالك تحريم صوم المرأة الحائض : (ذَلِكَ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَإِذَا رَأَتْهُ فَلْتُفْطِرْ وَلْتَقْضِ مَا أَفْطَرَتْ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ )‏.‏
الأم للشافعى
قلنا إن التقوى هى الأساس فى تقدير المؤمن متى يصوم ومتى يفطر سواء كان مريضا أو على سفر أو يطيق الصوم ويقدر عليه مع المشقة ، ويلحق بهذا صوم أو فطر الحامل والمرضع. وفى أحوال المرض والصحة يستشير الطبيب وليس الفقيه . الشافعى وجد فرصة الثرثرة فى هذه الحالات ، وبعد تفصيلات مملة عن صوم او إفطار الحامل والمرضع وغيرها أشار الى تحريم صوم الحائض فقال ( وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ أَيَّامَ حَيْضِهَا لَمْ تَصُمْهُ وَلَمْ تَقْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَصُومَهَا‏.‏ ) وطالما حكم بتحريم صوم الحائض فى النذر فمن باب أولى فقد حرّمه فى صيام رمضان .
البخارى
توسع البخارى فى تحريم صوم الحائض ، وتحت عنوان : ( ـ باب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ ) كتب يقول: ( وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْىِ، فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنِ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ‏.‏ )
ويلاحظ فيما سبق أن تحريم صوم الحائض كان بآراء فقهية دون اختراع أحاديث . ولكن البخارى زاد باختراع حديث ، يقول فيه ( ـ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا ‏"‏‏.‏ ) والبخارى هنا يعلل جريمته الهائلة التى زعم فيها ان النساء ناقصات عقل ودين . جعل تلك الجريمة حديثا نبويا ثم عللها بحديث آخر هو ان من نقصان المرأة أنها لا تصوم ولا تصلى فى الحيض . أى يستدل بالكذب على الكذب.
2 ـ تحريم الصوم المباح فى عيدى الفطر و الأضحى ليس فى الاسلام تحريم لصيام أى يوم ، ولكن الدين السّنى شرع تحريم الصوم فى العيدين الفطر والأضحى .
مالك
تحت عنوان (باب صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَالدَّهْرِ )قال الموطأ ( حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ‏.‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى ‏.‏ )
البخارى
صنع أحاديث إضافية مثل ( 2029 ـ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رضى الله عنه ـ فَقَالَ هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ‏.‏ ) ( ـ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ‏.‏ ) وتوسع البخارى باحاديث أخرى يحرم فيها الصلاة بعد العصر ويحرم سفر المرأة بدون محرم أو زوج ..الخ ‏.‏
3 ـ تحليل الممنوع وهو الصيام عن الغير من القواعد الأساس فى عقيدة الاسلام أنه لا تجزى نفس عن نفس شيئا ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، أى تحديد المسئولية الشخصية بكل حزم ، فلا يتحمل أحد وزر أحد ، ولا ينفع أحد أحدا ، وباختصار فان لكل انسان ما سعى .
الدين السنى وضع قاعدة مخالفة مؤسسة على الشفاعة ، والزعم بأن هذا يتوسط لذاك ، وأن عمل هذا ينفع لذاك. وتلك طبيعة كل دين أرضى على أية حال.
انعكست تلك العقائد المخلة المخالفة للاسلام على تشريع الدين السنى ، فراج عندهم حديث كاذب يقول (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ،أو ولد صالح يدعو له )
هذا يتناقض مع قوله تعالى (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ) ( النجم: ـ 39 ـ ) فقوله تعالى (أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ) قد جاء هذا فى صحف ابراهيم وموسى قبل القرآن الكريم . وسعى الانسان هو ما يفعله بنفسه وهو حى يسعى فى الأرض بالخير أو الشر ، فان كان بالخير استحق قوله تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ) ( الاسراء 19) وإن كان سعيه بالشر انطبق عليه قوله تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ( الكهف 104 ) .
وبعض السعى يبقى بعد موت صاحبه كمن أقام مشروعا للخير أو كازينو للقمار والفحش . هنا هو لاشأن له بعد الموت بما يستمر بعد موته ، فقد أخذ أجره فى الدنيا بما أقامه من خير أو شر ، وبالموت انغلق كتاب أعماله ، وانقطعت صلته بما ترك من مسجد للخير أو مرقص لّلهو . ما يحدث بعد موته فى ذلك المسجد من صالحات او سيئات مسئول عنها من فعلها وليس من أقام المسجد للخير ثم مات.
هذا كلام عام فى العقائد ، ولكن للعبادات فيه وضع خاص ، فالعبادات وسيلة للتقوى ،أى تزكية النفس وتطهيرها ، أى فلايمكن أن تصلى عن غيرك ،لأنه لا بد أن يصلى هو بنفسه لتتطهر نفسه ، ولا بد أن يصوم هو بنفسه لتتزكى وتتقى نفسه ، ولا بد أن يحج بنفسه لتتزود نفسه بالتقوى ،يقول تعالى فى سياق تشريع الحج (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) (البقرة 197 ) . التقوى هى الزاد الذى يدخره المؤمن ليلقى ربه متقيا بقلب سليم طاهر نقى (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ( الشعراء 88 ـ ) والقلب فى مصطلح القرآن هو الذات و النفس.
وعليه فان من الملامح التى يخالف الصوم السنى تشريع الصوم فى القرآن هو ذلك الافتراء السنى الذى يبيح للشخص أن يصوم عن غيره . ونعطى أمثلة :
مالك
676 – فى عهد مالك ( ت 179 ) لم تكن قد تبلورت العقائد الشركية ( نسبة للشرك والكفر ) لذا جاء هذا الحديث فى الموطأ : ( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يُسْأَلُ هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، فَيَقُولُ لاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ‏.‏ ) فهنا إجابة لابن عمر يؤكد فيها أن لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد .تجاهل الشافعى ( ت 204 ) الخوض فى هذه المسألة ، ولكن فى عهد البخارى ( ت 256 ) كان قد تم تأصيلها بما يتناقض مع الاسلام .
البخارى
تحت عنوان ( ـ باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ ) روى البخارى قولا نسبه للحسن البصرى ( قَالَ الْحَسَنُ إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاَثُونَ رَجُلاً يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ‏.‏ ) وروى أحاديث أخرى : ( ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ‏"‏‏.‏ تَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو‏.‏ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ‏.‏) ( ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا قَالَ ‏"‏ نَعَمْ ـ قَالَ ـ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ‏"‏‏.‏ ‏.‏) ..الخ ...


أخيرا : تخيلوا لو لم يوجد مع المسلمين سوى القرآن وكفى وفقط ...تخيلوا لو أصبح الدين علاقة بين الانسان وربه دون تدخل الأديان الأرضية وكهنوتها و ثرثرتها ...تخيلوا لو أن المسلمين قد ركزوا جهدهم فيما أمر الله تعالى به فى القرآن الكريم من السير فى الأرض والبحث التجريبى فى آلاء الله تعالى وما سخره لنا فى هذا الكون ..تخيلوا لو ركزوا جهدهم فى استخلاص دستور الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية من القرآن الكريم ، وطبقوها فعاشت دولة النبى محمد عليه السلام واستمرت حتى اليوم ...تخيلوا لو لم ينشغل المسلمون بهذا القىء الفقهى ولم يحملوا على ظهورهم أسفاره غير المقدسة التى يدافعون عنها ولا يقرأونها (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(الجمعة 5 ) ... تخيلوا لو لم تقم الدولة السعودية باحياء هذا القىء الفقهى السنى و نشره تحت اسم الشريعة الاسلامية عبر قطار النفط السريع .. لو أن هذا التخيل صار واقعا لتغير تاريخ العالم ، ولاستراح العالم من عصور مظلمة امتلأت بالتأخر والجهل و الحروب الدينية و المذهبية .
وبعد هذا التخيل الحزين .. دعنا نبتسم ونتخيل أن التدخين كان معروفا فى عصر مالك والشافعى و البخارى .. فماذا كانوا سيقولون فى حكمه ؟ هل التدخين يفطر الصيام ؟
انتظرونا هنا ..فى هذه الحارة .. بدون سيجارة ..
كل عام وانتم بخير ..

اجمالي القراءات 29862