لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب (1)

Inactive User في السبت ٠٤ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الجزء الأول : سحرة فرعون

ألإنسان المصرى أصيل منذ فجر التاريخ يعرف الفضيلة ويحترم المبادىء ويقدر المثل العليا والقيم الإنسانية وليس هذا كلامى وحدى أو تحيزا منى لبلدى وموطنى ومسقط رأسى مصر بل لقد أكد التاريخ على ذلك وأكد انه شعب كريم صبور إلى ابعد درجات الصبر ولكنه إذا ثار فقل يا رحمن يا رحيم لأنه لن يرده شىء ولن يردعه رادع حتى يعود حاملأ حقوقه بين راحتى يديه مفاخرأ بها بين كل الشعوب ، ومن مفارقات القدر أن المحتل الغادر سابقأ قد أغرته طيبة المصريين فاوغل فى ظلمهم ناسيأ أنه يضع يديه بين فكى الأسد ويضع جسمه امام أعتى شعب على مر العصور وأقوى إنسان شهده التاريخ وهو المصرى الصابر الراضى بقسمته .


وللأسف فإن طيبة المصرى قد اغرت الطواغيت الذين حكموه بالحديد والنار على مر التاريخ فعاملوه بقسوة وابتزوا امواله وسرقوا ارضه وداره وهو كاظم غيظه حتى تنبت ارضه الطيبة نبتأ كريمأ يقود اهله ووطنه المغلوبين إلى النجاة من أغلال القهر وذل الإستعباد وسيطرة المجرمين المتاجرين به وبمقدراته فيستيقظون بعد سبات عميق ويصحون بعد نوم طويل ويحيون بعد موت ويسبقون كل الناس ويتفوقون على كل الأمم وهذا ما انتظره لمصر رغم التشاؤم الذى يحيط بى من كل ناحية لأن رجلأ واحدأ له ضمير يقظ يستطيع ان ييقظ الفأ وامرأة واحدة ذات ضمير حر تستطيع ان تحيي الف ضمير ميت والحمد لله فإن فى مصر ملايين الضمائر الحية من النساء والرجال الذين على أكتافهم قامت الحضارة المصرية القديمة وستقوم وتنهض وتكتمل حضارة مصر الحديثة.


إن الفلاح الذى يعشق حقله ويزرعه بإخلاص وخبرة وحنكة تؤدى إلى إنتاج أعلى واجود المحاصيل فى العالم , هذا الفلاح هو مصرى حر مخلص لبلده وترابها وأهلها , وصاحب المصنع الذى يبذل قصارى جهده من اجل الإرتقاء بمستوى منتجاته ومن أجل أن يصدر منها للخارج منتجات رائعة ومتينة تنافس الإنتاج العالمى هذا الصانع هو إبن بار من أبناء مصر المخلصين الذين يعشقون ترابها ويعشقون مواطنيها ويرتقون بشأنها بين الأمم , والطبيب الذى يمد يده بكل حب وإخلاص لعلاج مرضاه هو مصرى مخلص والمدرس الذى يكافح مع تلاميذه لتعليمهم وتنوير عقولهم وبناء أفكارهم على اسس سليمة وقواعد راسخة من مكارم الأخلاق واحترام حقوق الإنسان هو مصرى مخلص لبلده وشعبها وترابها .


ومن علامات الحضارة القديمة المترسخة فى عقله وقلبه ونفسه انه—أى المصرى--- لا يتورع أن يعترف بخطئه وأن يستدرك أمره ويتبع الرأى الصائب غير متحيز لفكره عندما يتثبت ويتأكد من عدم صلاحية فكره ومن خلل رؤيته وسوف اضرب مثلأ قرآنيأ عظيمأ عن سحرة فرعون وهم مصريون عاشوا على الدجل والكذب والخداع وممارسة الضلال ليل نهار للضحك على عقول الناس وخداعهم بسحر رهيب كان يخيل للناس انهم يأتون الخوارق ويفعلون الأفاعيل ،  فعندما ضل سعى الفرعون وفشل كيده أمام نبى الله موسى وشعر بالهزيمة والذل وأوشك على الخنوع أرسل فى المدائن حاشرين –منادين-- يأتونه بكل ساحر عليم وواعد موسى وهارون على يوم الزينة ( حفلة العيد) وأن يحشر الناس فى وقت الضحى

 ( قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى) حيث يكون عددهم أكثر ما يكون عندئذ فجاء السحرة يهرعون من كل مكان معتقدين انهم سيلتقون بساحر أو مهرج مثلهم وسوف يهزمونه من أول جولة فقالوا لكبير السفهاء فرعون

 ( إئن لنا لأجرأ إن كنا نحن الغالبين )؟؟

فقال لهم بسرعة   :    ( نعم وإنكم إذأ لمن المقربين )

ما اروع هذا الرد الذى يدل على رعبه من موسى وهارون وخوفه من كشف أمره وفضح جرائمه أمام قومه الساجدين له ليل نهار وللحقيقة فقد أوجس فى نفسه خيفة موسى وخشى من الهزيمة وما يليها من عذاب وذل وقتل وفضيحة ولكن مولاه – سبحانه --- يطمئنه أولأ بأول ( لا تخف إنك انت الأعلى )

فلما القى السحرة عصيهم وحبالهم سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم فقال لهم موسى :

 ( ما جئتم به السحر إن الله سيبطله )

لأن ما سيأتى به موسى ليس من صنعه بل من صنع علام الغيوب ولن يكون سحرأ حاشا لله تعالى ولكنه حق مبين فلما القى موسى عصاه وصارت ثعبانأ حقيقيا ضخمأ يلقف ما يأفكون عرف المصريون الاصلاء—السحرة--- ان ما حدث أمامهم ليس سحرأ كسحرهم ولكنه حق مبين وواضح وأن ما يرونه ثعبان حقيقى بلحم ودم وعيون وجلد وكل مكونات الثعابين فخروا ساجدين لرب موسى وهارون ( قالوا آمنا برب هارون وموسى) الذى يقول للشىء كن فيكون وسبحوا بحمد ربهم وتابوأ إليه وعادوا إلى رشدهم فحقد الفرعون الملعون عليهم وقال لهم :

( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر)

فى إيحاء من الفرعون أنهم لو صبروا قليلأ لإذن لهم ان يؤمنوا بالله تعالى وهو أمر مضحك لأنه حتى فى مسألة الإيمان يريد الفرعون أن يتحكم فى محتويات قلوبهم ومكنونات نفوسهم فلا يؤمنون إلا بعد إذنه وهى أبشع درجات الكفر بالله الأحد والشرك به سبحانه وهكذا وصل فجوره لدرجة التحكم فى قلوبهم ودخائل نفوسهم وهى درجة من التسلط والفجور والكفر لم يصل إليها فاجر على مر التاريخ ثم اردف الفرعون اللعين قائلأ :

( لا قطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم على جذوع النخل) ثم يضع عذابه فى مقارنة بعذاب رب الأرباب
( ولتعلمن اينا اشد عذابأ وابقى)


لم يعره السحرة الذين آمنوا بالحق لما جاءهم أى اهتمام ولم يعبأوا بكلامه ووعيده وقابلوا الموت بقلوب مطمئنة ونفوس راضية بقضاء ربهم عز وجل :


((قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ))


هذا المثال الرائع الذى ضربه حفنة من المصريين القدماء لهو أعظم دليل على حضارة العقل والفكر عند الإنسان المصرى من قديم الزمان لدرجة ان يتخلى هؤلاء السحرة عن فكرهم الدينى وهو أعز فكر عند اى إنسان وذلك لما راوه بعيونهم من آية واضحة جلية لا ينكرها غير مكابر يرفض الإنصياع للحق والحقيقة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل لقد تخلوا عن تقاليدهم الإجتماعية التى كانوا هم جزءأ لا يتجزأ منها حيث كانت من أهم وظائفهم السعى فى البلاد والترويج لعبادة الفرعون وحبك الخرافات والأساطير التى تؤيد مزاعمهم وكانوا يتقاضون اجورأ كبيرة من خزائن الفرعون فلما آمنوا فقدوا طبعأ كل ذلك وفقدوا موردهم الإقتصادى الهام مقابل الترويج لعبادة الفرعون بنشر الخرافات عنه فى طول البلاد وعرضها ، بل إنهم فقدوا حياتهم فى ابشع لون من ألوان القتل والتنكيل والعذاب المهين .


كان إيمانهم بالله عظيمأ وقويأ وجاء فى وقت مناسب وتسبب فى دحض افكار الفرعون الهمجية أمام قومه الذين كانوا له عابدين ،  فانظر كيف آمن هذا السفيه الجبان وهو يغرق قائلأ

(آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المؤمنين)

فلم يكن يستحق غير السخرية والإذلال فقال له العلى القدير:

( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من الكافرين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرأ من الناس عن آياتنا لغافلون) ،  وهكذا نقرأ نوعين من الإيمان :

الأول : هو إيمان السحرة القوى الثابت المبنى على أسس صحيحة فى هدوء وتفكير ومبررات وبسبب هذا الإيمان فقد تنازل السحرة عن كل فكرهم القديم واستبدلوه بفكر آخر رأوا انه الحق الواضح فآمنوا دون ضغط أو إرغام من أحد ودون خوف أو اضطرار بل لقد كانوا فى كنف وحماية الفرعون ،

 والنوع الآخر من الإيمان  :  هو إيمان فرعون بشكل إضطرارى وفى موقف سريع ومتأزم يريد فقط النجاة من الغرق حتى إذا خرج عاد  لممارسة كفره وضلاله وجبروته وظلمه على أهل بلده ( ولو خرجوا لعادوا لما نهوا عنه) ولكن هيهات فقد حانت ساعته وانتهى جبروته وذهب ظلمه إلى حيث لا رجعة ،  فهل يوجد عاقل على ظهر الأرض يختار الطريقة التى آمن بها الفرعون؟؟


وتأسيأ بهؤلاء المصريين العظماء—السحرة--- فإننى ادعو كل مصرى بادئأ بنفسى الا يعتقد أحدنا أن رأيه دين سماوى او أن اجتهاده حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن يعتبر كل منا أن فكره رأى يمكن للآخرين رفضه أو قبوله وهم بذلك لا يخطئون بحقه ولا يعتدون عليه بل يمارسون حقهم الإنسانى فى حرية الفكر والرأى والتوجه لاننا بتقديم رأينا كمقدس وإجتهادنا كدين فإننا نشرك بربنا دون أن ندرى ونسقط فى هوة سحيقة لا قرار لها وهى الشرك بالله العظيم سبحانه وتعالى


فالنعتبر من سحرة فرعون الذين كانوا من الضالين فلما عرفوا الحق اتبعوه فأصبحوا من المفلحين لأنهم لم يجادلوا نبى الله موسى لحظة واحدة ولكنهم سجدوا من فورهم لمالك الملك سبحانه وتعالى بما رأوه وعرفوه من حق مبين وصراط مستقيم ،  لقد ضربوا أعظم مثال فى التاريخ عن عدم التحيز للراى الضال وعن التواضع الحقيقى من أجل الحق وكلمة الحق وهؤلاء السحرة المصريون يجب أن يكونوا نبراسأ لنا ونورأ فى حياتنا فى طريقة إيمانهم بالله تعالى وفى طريقة تخليهم عن آرائهم ومعتقداتهم الضالة فى السابق واتباعهم السريع للحق المبين كما ارجو أن ينسحب ذلك ليشمل كل الآراء السياسية والثقافية والإجتماعية والعسكرية فلا يعبد كل منا رأيه ولا ينظر لفكره بإعجاب كأنه وحى سماوى وعليه أن يتنازل للحق الواضح والفكر السليم ولا يستكبر لو ثبت له خطأ رأيه فى أى شىء وبذلك ترتقى مصر وتعلو بين الأمم بشموخ أبنائها وحبهم للحق وسعيهم وراء مصلحة وطنهم الحبيب مصر الغالية ام الرجال على مر التاريخ ولو كره الكارهون.

 

اجمالي القراءات 13979