خواطر
الاسلام والمسلمون

زهير قوطرش في الثلاثاء ١٩ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً




الاسلام، والمسلمون (خواطر).

كثيرا ما أتسائل حول مقولة الاسلام هو الحل ،وكثيراً ما أستغرب مقولة العودة الى الأصول لحل ما يعتري العالم الاسلامي من جهل وتخلف . وكثيراً ما أستغرب الخلط مابين الاسلام بمرجعيته كتاب الله القرآن الكريم ،وفكر التراث الذي يخلط مابين الوحي والفعل البشري ويساوي بينهما في كونهما وحياً من الله..والمراقب والمحلل لتاريخ الاسلام يجد أن هذا التاريخ ما هو إلا صراع اجتماعي وسياسي ، وهذا لايناقض طبيعة الامور ولا المنطق في تاريخ الادml;يان...وليس عيب الاسلام إن كان تاريخه يدحض ما يدعيه له بعض الحركات الاسلامية السلفية من دعاة العودة الى الأصول. حيث اعتبروا أن هذه الاصول هي فوق الزمان والمكان وحتى فوق الانسان ،كالبديهيات الرياضية اليقينية التي لاتقبل الجدل. ونسي هؤلاء أن الدين في مفهومه العام له عنصرين ،النص السماوي الثابت ،وتفاعل الإنسان في تطبيق هذا النص على أرض الواقع من خلال حركة التاريخ كحركة اجتماعية سياسية أي هو بمعنى أخر أعم "أن تطبيق النص هو نتاج التاريخ الانساني في سيرورته."ولو عدنا الى مفهوم النص ،فإن النص يبقى ميتاً لاحياة فيه إلا بقرائته من قبل المرسل إليهم أي الإنسان ،أو الجن أو غيرهم من المخلوقات التي لانعلمها .لكن قراءة النص بحد ذاتها ،ليست واحدة ،وهذا ماأغفلته الحركات السلفية ،حيث أعتبرت أن قراءة النص من قبل من ينتمون إليهم تاريخياً هي القراءة الوحيدة والصحيحة مئة بالمئة ،بغض النظر عن المكان والزمان .وبذلك وقعوا بالتناقض الكبير مع الواقع المعاش ،وطرحوا مقولة، العودة الى الأصول هي الحل .إذن طرف المعادلة الاساس مابين النص السماوي والواقع ،هو الانسان الذي جاء إليه النص ،ليقرأه ،وكل قراءة للنص حسب الزمان والمكان ما هي إلا عملية تأويل تتأثر بشخص القارئ وظرفه مما يجعل النص الثابت الواحد يتعدد تاويله بتعدد القراءات . وهذه الحقيقة تبرز بشكل أكبر عندما تكون القراءات من قبل مجموعات بشرية ،لا أفراد ،أي يسقط بعدها الفرد في مايسمى بالتأويل الجمعي ، وهنا لابد من التركيز على أن التأويل الجماعي للنص الديني(التطبيق الجمعي للنص) ،ايضاً يتأثر بالعوامل التاريخية للمجموعة البشرية.ومع كل أسف نرى لكل طبقة من طبقات المجتمع أحياناً تأويلها الخاص ،وقد تتفق بعض التاويلات لمجموعة من الطبقات المتناقضة في بعض الاحيان.
وهذا ما يفسر حروب المسلمين بين بعضهم البعض خلال المسيرة التاريخية ،حيث جرت هذه الحروب باسم الاسلام .على سبيل المثال معركة الجمل ،الصراع مابين معاوية وعلي ،والحرب مابين يزيد والحسين ...وهكذا .لذلك فأنه من الخطأ ،ترديد مقولة الحركات الاسلامية بوجود اصل مطلق للإسلام ،حيث ساءت أحوالنا عندما ابتعدنا عنه ،وأصابنا الجهل والتخلف ،حين تركنا الأصل ،وما علينا إلا العودة الى الأصل ،وتطبيقه كيف كان حرفيا ،وبذلك نحل كل مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .ونسي هؤلاء أن لكل مرحلة تاريخية أصلها التأويلي.

كيف نفهم الاسلام .
الاسلام هو دين ،له مرجعية سماوية ،كتاب سماوي ،له طقوس تعبدية ،مثل كل الديانات السماوية ،بغض النظر الآن إن كانت كتبهم قد حرفت أم لا .... لكنه يختلف عن كل الديانات السماوية المحلية كونه وإن اشترك معها في البعد العقدي و الانساني ،لكنه أختلف عنها في موازنته مابين مبدأي العام والخاص .لهذا نرى أنه انتشر ،وتواصل في الزمان. اما العام في الدين الاسلامي هو العقيدة ،او الجانب الاعتقادي الذي أعطى للمسلم (بمفهومه الشامل) هويته الاسلامية ،هذا الجانب هو الجانب المطلق بغض النظر عن الزمان والمكان ،هذا الجانب أيضاً أعطى للإسلام جانبه الشمولي الإنساني .الايمان بوجود إله واحد احد ،جعل لهذا الدين مركزية علوية ،تغني الانسان عن البشر والحجر وغيرهما ....وأعطى هذا الجانب الاعتقادي للإنسان أيضاً حريته الكاملة ،حريته في اختيار ايمانه أو عدم أيمانه وفي هذا السياق فقد عرف الدكتور أحمد منصور العلامة القرآني الاسلام الباطني ،وهوفي معناه"المعنى الباطني هو قلبي اعتقادي ،معناه علاقة الانسان بربه وهو الانقياد لله وحده،أي ان يسلم الإنسان نفسه طاعة لله وحده.والاسلام بهذا المعنى نزل في جميع الرسالات السماويةعلى جميع الانبياء وبكل اللغات،الى أن نزل باللسان العربي المبين, وصار ينطق بكلمة الاسلام التي تعني في الاعتقاد إسلام الوجه والقلب والجوارح لله،وهذا الاسلام الذي سيحكم الله عليه يوم القيامة،والله لن يقبل يوم القيامة ديناً اخراً غير الخضوع والاستسلام له وطاعته وحده.فالإسلام هو الخضوع لله بكل اللغات وفي كل زمان ومكان وفي كل الرسالات استسلام لله وحده بلغة القلوب وهي لغة عالمية يتفق فيها البشر جميعاً مهما أختلف الزمان والمكان واللسان." هذا التعريف أكد شمولية الاسلام كدين عالمي بشري ،بعيد عن التعصب والتأميم لصالح طائفة أو مذهب أو دين ارضي ،وبذلك أستطاع الدكتور أحمد ان يعطي جواباً وأضحاً وضوح الشمس للمتقولين من أصحاب الديانات الارضية الاسلامية ،بأن من يؤمن بقلبه بوحدانية الله ،فهو مسلم إن شاء الله وبذلك سد المنافذ على أدعياء من لم يكن منا فهو ليس بمسلم. وقد أعطى الدكتور أحمد تعريفاً اشمل للإسلام السلوكي الذي هو اساس التعامل البشري بقوله" وبخصوص من لايعترفون بدين الاسلام فلا شأن للمسلم بمناقشة عقائدهم ،بل يجب ان يقول لهم لكم دينكم ولي دين ،وطالما هم مسالمون فهم مسلمون حسب تعريف الاسلام في معناه السلوكي الذي يعني السلام بين البشر ،بغض النظر عن عقائدهم الدينية أو غير الدينية ،فمن يمارس الاسلام السلوكي في تعامله مع الناس يكون مسلماً بغض النظر عن العقيدة. وهذا هو المعيار الظاهري للمسلم في القرآن. ويتم التعرف على المسلم بحسب سلوكه السلمي ."
.اما الخاص فهو جانب التشريع ،ويضم هذا الجانب كل القضيايا الاجتماعية الخاصة بالإنسان،الى جانب العلوم والسياسة والاقتصاد ....الخ.هذا الجانب في الدين الاسلامي من خلال مرجعيته الوحيدة في التشريع ،لم يجعل الخالق تأويل التشريع أمراً ثابتاً مطلقاً في الزمان والمكان ،لكنه ترك الاجتهاد فيه لفعل الانسان من خلال سيرورته ،أي بمعنى لايمكن أن يكون اجتهاد السلف في هذا الجانب مطلقاً في الزمان والمكان. لكنه يجب أن يخضع لتبدل الاحوال في الامم والشعوب. وبهذا السياق يقول الدكتور أحمد منصور العلامة القرآني ،"كان النبي يجتهد في تطبيق الشريعة،ولكن حتى في ذلك أمره الله أن يشاور المؤمنين في الامر .ولكن اجتهاده في التطبيق كان يخضع لإمكاناته البشرية وظروف مجتمعه،وهي مختلفة عن ظروفنا ،وبالتالي ليست اجتهاداته ملزمة للناس في العصور التالية له. والاجتهاد ضروري دائماً رغم وجود النص ،والدكتور أحمد يرفض القاعدة الفقهية القائلة "لا أجتهاد مع وجود النص،معتبراً أن الاجتهاد يتعلق بالتطبيق وليس بالتشريع نفسه.

لكن المسلمين الذين سقطوا في الوعي الجمعي السلفي ،طمسوا الفرق بين العام والخاص ،وقدسوا المشرعين الاوائل الذين شرعوا وأعطوهم صفة الاطلاق. حيث وقعوا بالوهم استناداً الى عدم تفرقتهم ،كما ذكر الشيخ عبد الرزاق في كتابه" أصول الحكم " من أن جمع الرسول مابين النبوة والقيادة السياسية في نفس الوقت ،بحيث أختلط عليهم ما هو عقائدي ،وما هو ظرفي وخاص. وفي قراءة كتاب القرآن وكفى للدكتور أحمد منصور نستطيع قراءة تحليله العلمي والمنطقي والقرآني ،الذي عبر من خلاله عن التناقض الكبير الذي وقع فيه التراث الاسلامي بعدم التفريق مابين وظيفة محمد بن عبد الله كرسول ،وكنبي (ص) .

ما الحل؟.
هل فعلاً ابتعادنا عن الأصل هو السبب في تخلفنا في كل المجالات .
برأي أن الأصل ،ليس هو الدين بمفهومه العام وتطبيقات السلف لتعاليم هذا الدين ،الدين الاسلامي له مرجعيته التي هي كتاب الله ،كتاب الله الذي عالج العلاقة مابين الله والانسان ومابين الانسان والطبيعة ومن يعيش على هذه الطبيعة من مخلوقات الله .كتاب الله هو في الدرجة الاولى كتاب هداية . والهداية هي لصالح الإنسان أولاً واخيراً .لكن كتاب الله أعطى امكانية الاختيار للإنسان في القضية العقدية ،وأعطاه وظيفة الخليفة على هذه الارض ،وكونه خليفة الله ،فهو المسؤول عن شؤون تسير حياته وعلاقاته مع محيطه ،هو المسؤول عن علاقته بالبيئة ،هو المسؤول عن اختيار النظام السياسي الذي يرتأيه ،هو الممسؤول عن خضوعه للانظمة الاستبدادية ،أو أن يعيش في نظام ديمقراطي .بمعنى أعم الانسان هو صانع لحاضره ومستقبله باجتهاده ،وكلما ارتبط الانسان بعقيدة الاسلام(السلوكي) والايمان ،سهل عليه التفاعل ،والتعامل مع أخيه الانسان ومحيطه الذي يعيش فيه.مما سبق نستطيع الاستنتاج أن الحل هو في علمنة الثقافة الاسلامية ،وأقصد بعلمنة الثقافة ،انتاج ثقافة اسلامية بحيث يصبح الاسلام أكثر قدرة ولديه الامكانيات على الاندماج في العالم ،مع رفض مبدأ التقوقع والانغلاق،واتهام الأخرعلى أنه كافر وعدو يجب التخلص منه أو أجباره على تقبل الفكر الانغلاقي.عولمة الثقافة الاسلامية معناه،رفض فكرة الفرقة الناجية ،وأعتبار الحقيقة المطلقة ليست حكرا على ديانة أو تنظيم أو فكر أو ثقافة بل الحقيقة المطلقة موزعة بين الجميع ،وفهم الانسان لها نسبي يسير نحو المطلق. ومن ثم نشر هذه الثقافة الاسلامية العولمية لتتجاوز النخبة الى الاوساط الشعبية التي هي بدورها ستقوم بفعل التغير الجذري ،وتكون السياج الذي سيحمي التغيرات الجذرية. ومن ثم اعتبار كتاب الله هو أحد المرجعيات الاساسية في هذه الثقافة الى جانب التراكم المعرفي للبشرية وما وصلت إليه من معارف في شتى المجالات.إن القوى التي ستأخذ على عاتقها عملية التغير هذه ،لابد أن تكون ،قوى متمرسة في خلق اساليب جديدة للتعامل مع مجتمعات أنهكها التراث انهكتها الخرافات ،قوى تستطيع التصدي للفكر السلفي ،والفكر المنغلق بأساليب وادوات مدروسة ،بحيث تكون هي نفسها قابلة للتعامل والتواصل مع كل القوى الجادة في برامجها من أجل التغير.وأخطر مرض يصيب قوى التغير هو الشعور بالفوقية ،وأنهم (الفرقة الناجية) ,وان فكرهم هو الوحيد الفكر المطلق. وهذه الاشكالية يمكن حلها من خلال طرح برنامج للتغير ،واضح البنود ،حتى تستطيع القوى الأخرى دراسته ،والاتفاق معا على الحد الادنى من التعاون والتنسيق.وإلا ستبقى عمليات الاصلاح متقوقعة في قصرها العاجي ،لايعلم بها إلا من رحم ربي .

اجمالي القراءات 12324