ويسألونك ..

عمرو اسماعيل في الأحد ١٧ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


كنت أنوي ألا أعلق علي تفسير كلمة ويسألونك وعلاقتها بتزيل القرآن .. وهل نزل القرآن مرة واحدة مكتوبا كما يقول الدكتور احمد منصور أم نزل مفرقا خلال مدة تقرب من ثلاثة وعشرين عاما حسب الأحداث وأسئلة الصحابة والمعاصرين للرسول صلوات الله عليه .. فقد قلت رأيي بهدوء مؤيدا بكلام الدكتور احمد نفسه من كتابه القرآن وكفي .. بهدوء وأدب كتعليق علي مقال للدكتور احمد .. ولكن الاستاذ والابن والأخ رضا عبد الرحمن كتب مقالا عنونه ردا علي تعليقاتي .. قال فيه :
"فقد كتب د/ احمد ردا على موضوع و(يسألونك) وقال بأن النبي لم يكن يعلم الغيب وتجاهل د/ عمرو هذا الرد المفحم ، ولم يعلق عليه بكلمة واحدة".
وحيث أنني قلت رأيي مؤيدا بكلام الدكتور احمد نفسه .. فلم أشأ أن أزيد الآمر تعقيدا .. ولكن رد الاستاذ رضا ومقاله واتهاماته الظالمة تجبرني علي أن أعيد كتابة رأيي في هذا الموضوع وفي مقال إبني رضا.. مع الوضع في الاعتبار تفهمي لعلاقته الخاصة بالدكتور احمد .. وهي ليست نفس علاقتي مع الدكتور احمد الذي أكن له كل تقدير واحترام كمفكر وعالم ..وأتمني أن يعتبر مقالي هذا هو مجرد نقاش تلميذ لأستاذه رغم تقاربنا في العمر .. ولكن في نفس الوقت أنا لا أعتبر أنه فكريا يوجد إنسان فوق نقد أفكاره ومناقشتها .. لا أنا ولا الدكتور احمد ولا أي مفكر وعالم مهما كانت قيمته وعلمه.. ولي مقال بهذا المعني موجها للشباب الذين هم في سن الاستاذ رضا عنونته دعوة للتمرد ..
يقول الدكتور احمد في فتواه ردا علي ويسألونك .. وهو سؤال في الأساس لم يكن موجها مني :
نزل القرآن مرة واحدة كتابا مكتوبا فى ليلة القدر من شهر رمضان .. ا
ثم يقول :
ولكن بمجرد أن يأتى الوحى القرآنى على لسانه تبعا للاحداث كان الغيب المكنون فى فؤاده عليه السلام يصبح معلوما ، و يصعد معنى الاية الى وعيه وبؤثر على لسانه ..
وهذا الفهم أو التدبر أو التفسير (بالمناسبة أنا لا أري فرقا بين معني الكلمات الثلاث) .. يضعنا في عدة إشكاليات ..أولها وأقلها أهمية وهو سؤال موجه للدكتور احمد .. ماهو الفرق بين نزول أو تنزيل القرآن وبين الوحي .. وهل كان جبريل عليه السلام موجودا في الحالتين ؟
أما الإشكالية الأهم فهو أن الدكتور احمد بفهمه أو تفسيره هذا يضع القرآن والرساله المحمدية والاسلامية .. وكأنه مسلسل درامي استمر لمدة ثلاث وعشرين عاما .. السيناريو فيه ( وأرجو أن يعذرني الجميع علي هذا التشبيه) هو القرآن الذي نزل مرة واحدة مكتوبا في ليلة القدر من شهر رمضان .. والمخرج هو الله تعالي .. والممثلين هم الرسول صلوات الله عليه في دور البطوله .. ومعه مشركي مكة ومن أمن بمحمد من الصحابة وزوجات الرسول و أهل المدينة ويهودها وباقي القبائل .. في أدوار مساندة حسب أهمية كل دور ..
هل يستطيع أحد من كل هؤلاء الممثلين إن كان المخرج هو الله وبناء علي سيناريو محدد سلفا هو القرآن .. أن يخرج عن النص ؟
هذا هو السؤال ..
إذا كان لابد أن يفعل أبو لهب مافعل بدون إرادة مستقله لتنزل أية تبت يدا أبي لهب .. فكيف يمكن حساب أبا لهب علي دور هو مضطر لأدائه بناء علي تعليمات المخرج الذي لا يستطيع مخالفة أوامره ..
وكان لابد أن أن يضطهد مشركي المدينه المسلمين ليتحقق السيناريو الذي لابد أن يحدث .. فكيف يحاسبون علي فعل هم مضطرين اليه .. وهلم جرا ..

وكما قال الأستاذ دويكات في رده علي فتوي الدكتور احمد عن هذا الموضوع وأؤيده تماما فهو تلخيص لموقفي :
و قد خالف هذه النظرية الاستاذ شريف هادي ، إذ يعتبر - أي الاستاذ شريف مستندا الى أيات كثيرة - أن التنزيل و الوحي كانا يتمان معا على مراحل و بالتدرج حسب معطيات الواقع... و لا أكاد أجد تفريقا واضحا بين الوحي و التنزيل عند الاستاذ شريف هادي..و رأي الاستاذ شريف أبسط و أسهل للفهم من رأي الدكتور أحمد.
اما عن مقال الاستاذ رضا وتعليق الدكتور عثمان عليه فأقول : 

هناك فرق كبير بين العلوم الدنيوية وفهم وتدبر القرآن .. لأن القرآن هو للعالمين .. بينما العلوم الدنيوية مثل الطب والهندسة وغيرها فهي لدارسيها .. والخلط بين الحالتين .. تعمدا أو بحسن نية ..هو الطريق الي الكهنوتية الدينية ..وهو ما أتمني ألا يقع فيه أهل القرآن ..

ثانيا ..الراسخون في العلم بالمعني القرآني ,,ليس فقط شهادات ودراسة .. ولكنها مرحلة إيمانية مع الدراسة .. يعلمها الله فقط .. وحتي هؤلاء ليس من حقهم تأويل القرآن ..

من حق الدكتور احمد أن يقول أنه من الراسخين في العلم بالمعني القرآني .. ولكن من حقي أيضا أن أعلن رأيي بمنتهي الآدب .. أنه ليس من حق أحد القول عن نفسه أنه من هؤلاء الراسخين في العلم الذين قصدهم القرآن ..

ابني رضا .. لا أحد وبالتأكيد أنا يلاحق الدكتور احمد بالاتهامات الباطلة ..ولكننا نناقشه رغبة في التعلم والاستفادة .. مقالك هذا أخي يذكرني بقول السلفيين .. لحوم العلماء مسمومة .. الدكتور احمد انتقد فكر شخصيات لها مكانتها الكبيرة في الاسلام وأيدته في ذلك ... تأكيدا لرأيه أن لا أحد في الاسلام فوق النقد والنقاش والاتفاق والاختلاف معه .. ولكني أري البعض هنا يضع الدكتور احمد في مكانه وكأنه فوق التقد والنقاش وكأنه معصوم .. ولا أعتقد أن الدكتور احمد يوافق علي ذلك .. ولا أعتقد أنه يعتبر نفسه أعلي قامة من ابوبكر أو عمر أو علي ابن أبي طالب أو الحسن والحسين أو أبوحنيفة أو الشافعي .. كل هؤلاء أنتقدهم الدكتور احمد وناقش أفكارهم .. والدنيا ماتهدتش .. 

وكوني استعنت بالدكتور احمد وسأفعل بالتأكيد .. فمعناه تقديري لعلمه ومكانته ..وليس معناه اعترافي اعتباره من الراسخين في العلم حسب المفهوم القرآني .. أو أنني يجب ألا أناقشه أو أختلف معه إن لم يقنعني رأيا له ..

صدقني .. بيساطة .. مناقشة بعض أفكار الدكتور احمد وأراءه والاختلاف معها أحيانا ..لا تعني انتقاصا من قدره وعلمه ومكانته .. ولكنني يابني لا أنظر له مثل نظرتك .. بل هي نظرة أكثر عمقا وتقديرا ..

تقديري للجميع

اجمالي القراءات 8463