السنة والشيعة والقرآنيون

زهير الجوهر في الأربعاء ١٣ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تحية طيبة

بالنسبة لي المؤمن هو المسالم, فكل أنسان مسالم عامل للخيرات فهو موعود بالجنة سواءا كان ذلك الأنسان هندوسيا, أم زرادشتيا ام من أتباع الديانات السماوية.

ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا . (الأسراء 9)

والمقصود بالمؤمنين هو هؤلاء الذين يؤمنون بوجود رب عادل لهذا الكون مسيطر عليه, وبتحقق العدالة الألهية في اليوم الآخر, والذين يؤمنون بقيم السلام والتسامح. وهذا وصف ينطبق على كل من ذكرتهم أعلاه.

أن كل أنسان عامل للخيرات وغير مقترف لأعمال الشر الكبرى, هو أنسان في نظري مؤمن بالله واليوم الآخر, حتى وان أنكر ذلك في أقواله. المؤمن بالله واليوم الآخر معناها بالنسبة لي الأنسان الذي يتصرف بذلك المقتضى, فكل أنسان مسالم فاعل للخيرات متجنب أقتراف اعمال الشر الكبرى هو مؤمن بالله واليوم الآخر مهما أنكر هو ذاته ذلك, وبالمقابل كل أنسان يقول لك بأنة يؤمن بالله واليوم الآخر ويعتدي على الآخرين فهو في الحقيقة لامؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

لذلك يقول الله : وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (الأسراء 10)

والمقصود الذين يعملون الشرور وكأنه لاحساب على أعمالهم, وليس الجانب العقائدي القولي كما يعتقد البعض.
أنظر الآيات:

سورة البقرة - سورة 2 - آية 62

ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

سورة البقرة - سورة 2 - آية 112

بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
سورة البقرة - سورة 2 - آية 262

الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

سورة البقرة - سورة 2 - آية 274

الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

سورة البقرة - سورة 2 - آية 277

ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

سورة المائدة - سورة 5 - آية 69

ان الذين امنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

سورة الأحقاف - سورة 46 - آية 13

ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وأم القرآن كله: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) (الشعراء).

أي أنسان ترى اعمالة سليمة لابد وأنه يملك قلبا سليما, وهذا هو المفلح يوم القيامة.

من كل هذا نرى ان الله سبحانة وتعالى قد يسر على خلقة دخول الجنة, فلا حاجة الى شفعاء ولاهم يحزنون, رحمة الله كافية.

الدين هو مايدخلك الجنة, وهو ماتقولة الآيات المحكمة اعلاه. ماعدا ذلك ليس سوى فكرا دينيا قابل للخطأ والصواب والتعديل.

المشكلة كلها حصلت عندما صعب الناس دخول الجنة, وعندها بدأ واحد من أتعس المبادئ التي أعتقد بها المسلمين (وغير المسلمين أيضا) الا وهو مبدأ الفرقة الناجية, وطبعا كل فرقة تروية بما يناسب عقائدها.

السنة يقولون بأن هناك حديث ينسب الى النبي بأنه قال مامعناه : أثنان ان أخذتم بهما لن تضلوا من بعدي: القرآن وسنتي.

الشيعة يتناقلون نفس الحديث شكليا:أثنان ان أخذتم بهما لن تضلوا من بعدي: القرآن وعترتي أهل بيتي.

ورووا الكثير من الآحاديث غيرها لتؤكد نفس المعنى.

طبعا من الواضح بأن من لم يأخذ بالمصدرين المشارين بالحديث الذي يؤمن به, فهو من الضالين وبالتالي الخاسرين يوم القيامة.

القرآنيون من جهة ثالثة أكدوا كذب تلك الآحاديث. وهم يلتزمون بالقرآن وحدة, ويرددون مقولة "القرآن وكفى".

بالرغم من أن مايقوله القرآنيون بهذا الخصوص صحيح, لكنهم أبرزوا أنفسهم بصورة أقتطاعية , وأستعملوا مصطلحات مثل "التراث", و"الأديان الأرضية", وهذه المصطلحات كثرت في مؤلفات الدكتور أحمد صبحي منصور, وهي مصطلحات أضرت وما أصلحت.
وفي موقع أهل القرآن تجد أبوابا مثل : لهو الحديث, وأقوال أخرى تظهر الأحاديث وكانها معادية للرسول ومستهزئة به.

الكثير من القرآنيين في الكثير من مؤلفاتهم كانوا عدائيين في توجهاتهم ضد من يسمونهم بالتراثيين, وهذه الحدة في مؤلفاتهم هي شيء سلبي وليس أيجابي, فهي تظهرهم وكأنهم يعادون الرسول نفسه, وهذا طبعا مالم يقوله القرآنيون ولاحتى أشاروا اليه, لكن بصراحة يبدوا للرآئي من الخارج هذا الأنطباع: القرآنيون كأنهم يريدون سلخ الأسلام عن الرسول محمد, فلا هو ولاصحبة فهمو الأسلام بصورة كاملة, ولاهم يمثلون الأسلام الكامل, هذا مايردده السنيون عن القرآنيون, وهذه هي الصورة التي أظهر بها القرآنيون مع الأسف الشديد.

والأدهى من ذلك ان القرآنيون لايقصرون في أن يرفدوا تلك الصورة ويعززوها, فترى قسما منها يقول بأن الشرك بدا في الترايثيين, ويوشكون ان يكفروهم الا قليلا.

زعيم القرآنيين منصور وقصة ما تعرض له من الأعتدائات من قبل الأزهر, شكلت مع الأسف ولادة مؤلمة للقرآنيين, حيث أن بداية ذلك التيار الفكري صاحب ظروف غير طيبة مع التيار السني السائد.

يبرز القرآنيون التراثيين على أنهم منافقين مقلدين جهلة, وحائدين عن الحق , الخ الخ الخ... وبصراحة هذا ظلم من جانب القرآنيين بحق المذاهب الأخرى في الأسلام, لابل وأن القرآنيين تعدوا ذلك الى الأتهام الضمني لغيرهم بالأشراك بالله, وبأن الآخرين دياناتهم أرضيه, وبالطبع هم ديانتهم سماوية. هذا كلة أمثلة من التطرف القرآني الذي يجب ان ينتهي يوما ما.

التراث ليس سيئا الى هذه الدرجة التي يظهرها القرآنيون.

الصحيح هو انه التيار السني (وكذلك الشيعي) لم يكن موفقا في طريقة تصحيحة للآحاديث, وبالرغم من أنه أتبع كل ما يمكن في سبيل ذلك, وأخلص أخلاصا شديدا في هذا المجال, لكنه مع ذلك لم يستطيع ان يحقق هدفه من أيجاد مجموعة من الاحاديث عن النبي صحيحة مئة في المئة, أي صحيحة نسبتها الى النبي. حاول البخاري ذلك لكنة فشل, وحاول مسلم ذلك لكنه فشل أيضا, والشيعة حاولوا عن أئمتهم وفشلوا أيضا.

وفي الحقيقة كان المتوقع أن يفشلوا لأن هذا الأمر لايستطيع أحد ان ينجح فية مائة في المئة.

الكثير من الأيات القرآنية تصرح بأن الرسول نفسة لم يكن يعلم مردة النفاق في المدينة, هذا مع العلم بأن النفاق أيام الرسول أقل بقليل من الآيام بعده, فكيف يستطيع البخاري وغيره ان يميزوا بين المنافق وغيره بصورة أكيدة, هذا ممتنع.

لكن هل ذهب جهد علماء الحديث سدى: جوابي الشخصي هو كلا: حيث أني أعتقد بأنه فعلا طريقة التصحيح للأحاديث مفيدة لكن بصورة نسبية.

أي أني أعتقد بأن نسبة الاحاديث الصحيحة في البخاري أكثر من ما في غيرها من الكتب. المشكلة ام المشاكل هي عندما تحول النسبي الى مطلق, وأصبح يعتقد بأن كل مافي البخاري صحيح. وهذا هو الخطأ عينه.

الحقيقة هو أننا يجب ان نتعامل مع الأحاديث على كونها فكرا دينيا كما قال الدكتور منصور وليس على كونها دينا بحد ذاتة.

السنيون وكذلك الشيعة قالوا بأن هناك مصدر آخر غير القرآن للشريعة الا وهو أقوال الرسول, وأستدلوا بالآية: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) (سورة النجم). مع أنه واضح من آيات سورة النجم ان السياق كان عن تبليغ القرآن, لكنهم أقتطعوا هذا الآية وعمموها خارج سياقها. ولا أدري كيف يعللون الآية التالية:

واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا

فهل يعاتب الرب نفسه, سبحان الله.

يقول علماء السنة أن سنة الرسول هي اقوالة وأفعالة وتقريراته, وهذه عندهم جميعا من وحي الله خارج القرآن. لكن هذا غريب لأن القرآن نفسة يذكر ان الرسول حرم ما أحل الله له وعاتبة على ذلك, فهل يعاتب الله رسوله وهو الذي أوحى له بذلك؟ هذا يعني ان الله يعاتب نفسه؟

أذن أدلة السنة على وجود وحي موازي للقرآن ليست صحيحة.

نعم هناك آيات في القرآن يبرز فيها الرسول كمعلم.

سورة البقرة - سورة 2 - آية 129

ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم

سورة البقرة - سورة 2 - آية 151
كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم اياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون

سورة آل عمران - سورة 3 - آية 164
لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين

سورة الجمعة - سورة 62 - آية 2

هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين


هنا هذه الآيات تبرز دور الرسول كمعلم للكتاب والحكمة. فمهمته لاتقتصر على تلاوة القرآن, بل تتعداها الى تعليمنا الكتاب والحكمة.

وهنا فأن السنة محقون في أن حفظ أقوال الرسول ضروري لأنه يعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا.

لكن طريقة السند لوحدها لاتكفي كما تصوروا.

الطريقة الصحيحة هي أن نتعامل مع الأحاديث بالصورة التالية:

أولا: الأقرار بأستحالة كذب نسبة كل الأحاديث الى الرسول, لان هذا يتعارض مع الآيات أعلاه, ويعدا تكذيبا للقرآن.

ثانيا: الأقرار بأستحالة صحة مجموعة مسماة من الأحاديث بدلالة السند فقط كأحاديث البخاري مثلا, وذلك لأنه أيضا يعتبر تكذيبا للقرآن.

ثالثا: التعامل مع الأحاديث بصورة نسبية, على مبدأ أن الحق يفرض نفسة, كيف؟

هذا ما أطلق علية الأهمية التفسيرية للأحاديث؟ وأساسه التالي: لنفترض بأننا أزاء مسئلة تفسيرية للقرآن: هنا لحل هذه المسألة نأتي بكل مافي الخبرة الأنسانية حول الموضوع, وبالذات الأحاديث المنسوبة للنبي: فأن كان فعلا أحد هذه الأحاديث بخصوص هذه المسألة من الرسول نفسة, فسوف يبرز هذا الحديث ويطغي على جميع التفسيرات الأخرى, وهذا هو المقصود بالأهمية التفسيرية للحديث, وهنا فأن دور الرسول سوف يكون محفوظ, لكن ليس عن طريق السند بل عن طريق العقل!

فالحديث يؤخذ به ليس لسنده فقط بل للأهمية التفسيرية له.

على الباحث في تفسير أي آية من القرآن ان لايحرم نفسة من ماقاله الآخرون, فأن يمتنع ان يكون جميع ما قاله الآخرون كذبا. ولذلك علينا عرض جميع الاقوال في الآية. بهذه الطريقة سوف لن نضيع الأحاديث. ويبقى دور الرسول كمعلم للكتاب والحكمة موجود. لكن أن أتينا وضربنا بالأحاديث عرض الحائط هكذا, وقلنا القرآن وكفى, فهذا في الحقيقة تعصب ينفية القرآن نفسه.

بهذه الطريقة في الحقيقة فنحن نجمع كل جهد الأمة الأسلامية قبلنا ونرى اقوالهم والحق في النهاية سيفرض نفسه, وبهذا فأن المخزون العلمي من الفكر السني والشيعي والمعتزلي كله يعرض على القرآن ويساعدنا في الوصول الى تفسير بعض آياتة.

لا أدري أذا ماكان القرآنيون يعترضون على الخط الفكري أعلاه, لكن في حالة موافتهم على ذلك, عندئذ عليهم ان يعيدوا تقديم أنفسهم للناس.

كذلك على كل من الشيعة والسنه أن ينظروا في تقييماتهم للأحاديث, فعليهم أن يتخلوا عن تقديس أصحابهم, ويتعاملوا معهم على أنهم بشرا يخطيء ويصيب, وفي النهاية تكون الغلبة للعقل.

في الحقيقة الله عز وجل أشار للرسول كمعلم للقرآن, لكنه أشار للعقل والقلب أكثر بكثير من اشارتة لدور الرسول في تبيين القرآن. 

المذهب الصحيح في الأسلام في النهاية سيكون مذهب عقلي يفسر القرآن تفسير مقبول عقليا وعاطفيا, ويأخذ من أقوال الرسول ما يتفق مع العقل, وما له أهمية تفسيرية للقرآن.

أتمنى في يوم من الأيام أن أرى علماء للأسلام يستخدمون العقل والعاطفة النبيلة , عقلا أقوى من الفخر الرازي وعقول المعتزلة , وقلبا طيبا غير عدائي خالي من الكراهية ومسالم لابعد الحدود أطيب من قلب غاندي, عندها ننعم بالسلام والأمن والتقدم.

مع التقدير

اجمالي القراءات 19833