المحكم والمتشابه في القرآن الكريم

محمد مهند مراد ايهم في الأحد ٠٣ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الَر* كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
( سورة هود ,
القرآن كله محكم , كل كلمة وكل آية وكل سورة وضعت بإحكام وإتقان لا نظير له , ومن روعة إحكامه وإتقانه أنه تحدى البشر, بل تحدى أي مخلوق أن يأتي بمثله .
الإحكام لغة هو الإتقان ودقة التركيب , وهي من الجذر الثلاثي حكم , وحكم بمعنى فصل وقضى , وحكمه (كفعل) بمعنى تمكن منه و أصبح قيما عليه , ومن الحكم والإحكام أتت (الحكمة) وهي الفصل بين الأمور وإتقانها.
ومن هنا نفول أن القرآن بمجمله محكم حيث الدقة والإتقان في تراكيب لفظه ومعانيه.

(5) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
الشِّبْه والشَّبَه والشَّبِـيه لغة الـمِثْلُ، والـجمع أَشْباه. وأَشْبَه الشَّيْءُ الشيءَ: ماثله. وفـي الـمثل: من أَشْبَهَ أَباه فما ظَلَـمَ. وأَشْبَه الرجلُ أُمَّهُ. وذلك إِذا عجز وضَعُفَ؛ والـجمع مَشَابِه علـى غير قـياس، كما قالوا مـحاسِن ومذاكير. وأَشْبَهْت فُلاناً وشَابَهْتُه واشْتَبَه علـيَّ وتَشَابَه الشيئان واشْتَبَهَا: أَشْبَه كلُّ واحدٍ منهما صاحِبَه. وفـي التنزيل: {مُشْتَبِها {وَغَيْرَ مُتَشابِه{}. وشَبَّهه إِياه وشَبَّهه به مثله.

والقرآن كله بمجمله متشابه ومتماثل في مؤداه , متشابه في تراكيبه , متشابه في زرع الهداية والخير في نفوس حامليه , ويختلف معنى التشابه عن التطابق , حيث التطابق أن يكون الشيء نسخة طبق الأصل عن المتطابق معه , بينما التشابه هو تماثل في أحد أركان الشيء واختلاف في باقي أركانه , وتقول فلان يشبه فلانا إذا كان هناك تقارب في الشكل أو المضمون .
الله نزل الكتاب محكما متشابها , حيث الإتقان في بنائه لفظا ومعنى , والتشابه في ألفاظه ومعانيه.
مثل هذا القرآن في روعته وجماله وإتقانه وتماثله , كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ
الشجرة معروفه , ومفهوم الشجرة كما ورد في تلك الآية , كمفهوم أي شجرة في تخيلنا , هناك تشابه في الشجرة هنا مع باقي الأشجار حيث أن لها أصل ولها فرع , بيد أنها اختلفت عن مثيلاتها من حيث أن أصلها راسخ ثابت وفرعها ممتد ليصل السماء تؤتي كلها كل حين بإذن ربها , وهذا دلالة على صلاح هذا الكتاب لكل زمن ولكل وقت , حيث يمكننا في كل زمن أن نقطف ثماره .
يحضرني حين أكتب هذا , آيات من القرآن , أرى ذلك التشابه العجيب بينها وبين تلك الآيات التي ذكرتها آنفا.
) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( سورة البقرة )

3) وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
( سورة الأنعام )

وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
ثمر الجنة يشبه ثمر الدنيا إلى حد يقول المؤمن فيه أن هذا ما كنا نعرفه في الدنيا , كذلك القرآن في تشابهه حيث يحاول الذين في قلوبهم زيغ قطف بعض ثماره في الدنيا وتتبع ذلك التشابه دون النظر إلى وجه الهداية فيه , دون النظر إلى الغاية من التتبع , فتصبح تلك الألفاظ والمعاني النتشابهة فيه بابا يحاولون الفتنة من خلاله ,وسنعرض ذلك في باقي حديثنا


(2) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ( سورة آل عمران
الأَم ، بالفتـح: القَصْد. أَمَّهُ يَؤُمُّه أَمّا إِذا قَصَدَه؛والأم كإسم هو الأصل والمصدر, ومنه أتت الآيات لتقول: أن هناك آيات من القرآن هن أم الكتاب , ولا يمكننا دون علم أن نقول هذه الأيات هي التي قصدها الله بأنها أم الكتاب , ولكن يمكننا القول أن بعضا من آيات القرآن هي التي يدور مجمل التنزيل حول فلكها , ومنها قول ربنا عز وجل

:(اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا )
( سورة النساء
حيث أن الإيمان بالله وحده لا شريك له , والإيمان بيوم القيامة , هو الغاية والقصد لكل آية من القرآن
الله وحده الإله , وحده الذي يحرم , وحده الذي يأمر, والامتثال لأمر الإله عز وجل هو الطريق للسلامة يوم القيامة
على أي حال , يبقى قولي هذا اجتهاد شخصي وهو مما هداني الله عز وجل
على أي حال , القرآن منه ما أحكم , فلا يمكن للذي في قلبه زيغ الخوض فيه ليفتن الناس عن دينهم , وذلك الإحكام يجعل منه مصدرا وقصدا لكل المفاهيم القرآنية التي نتناولها
حين نقول: بأن الله حرم شيئا بناء على آية قرآنية نتناولها , بناء على إيماننا بأن الله هو الإله , ويكون قصدنا في الامتثال لأمره هو النجاة يوم القيامة.
وكما ذكرنا آنفا, التشابه هو التماثل , والاشتباه أتى من نفس المعنى , فتقول اشتبه الأمر علي, إذا تعددت وجهات النظر فيه وتقاربت بحيث لم أعد أستقر على رأي
هذا المتشابه من آيات الله , ذكر الله فئة من الناس يتبعونه , وبذكر أن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه أي أنهم أغفلوا المقاصد والأم من القرآن وتتبعوا المتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله , وهنا يكون قصدهم أحد أمرين , إما الفتنة, وإما التأويل , ونبقى مع مفهوم الفتنة .


لا يحضرني في موضوع الفتنة أجمل ما ساقه الدكتور حسن أحمد عمر في مقاله( كائنات أخرى في القرآن )
فقد عبر بذلك أجمل تعبير عن تتبع المتشابه من القرآن ابتغاء الفتنة,وإليكم بعضا مما ساقه, ولمن شاء قراءة المقال كاملا على الرابط:
http://www.ahl- alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=3798
الأخ د.حسن أحمد عمر
!
واحد من الد أعداء الإسلام من المملكه الحيوانيه هو(الكلـــب)،فى الوقت الذى للكلب فى الغرب مكانه راقيه حيث يوصف ب(Man s best friend) وهى مكانه لم يصلها إلا عن جداره وإخلاص وأمانه ووفاء ، قلما تجدها فى بنى البشر، بإعتراف اللغه العربيه(وهى لغه القرآن)حيث فندت الخل أو الصديق الوفى برابع المستحيلات!!!
وصفك لنفسك فى آخر المقال بأنك(writer, thinker,and researcher )شجعنى على سؤالك فى الآتى ونتمنى من الله أن تنير أذهاننا:
حين يتحدث سفر التكوين عن قصة الخلق يقول (و راى الله ذلك انه حسن) أى أن الله خلق كل شيئ بالكمال.
فهل تعقل معى أن أن يتهكم الله سبحانه على خليقته،فيصف الحمار بقبوح الصوت،والكلب بالنجاسه، والخنزير بالدنو والحقاره،بل ويصف اليهود بأحفاد القرده والخنازير، ووجوب قتلهم ؟؟؟؟؟
وسؤالى الآخر هو لو أن يهودى إعتنق الإسلام،هل تذهب عنه صفة حفيد القرده والخنازير؟؟؟؟؟

دعوه لكل صاحب فكر ورأى أن يشترك معنا
إنتهى هنا تعليق القارىء
وكان ردى هو :
الأخ المعلق ( لم يذكر إسمه تحت التعليق)
عندما قال الله عز وجل :
( واتل عليهم نبا الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث)
رب العزة فى هذه الآية الكريمة لا يسخر من الكلب ولا يحقر من شأنه ولكنه سبحانه يذكر صفة طبيعية من صفات الكلب وهو أنه يلهث بلسانه سواء كان على ظهره حمل او كان خالى الظهر , وليس أدل على وجهة نظرى من أن المولى سبحانه قد ذكر الكلب فى قصة أهل الكهف الصالحين الذين كانوا فى مرتبة الأنبياء وقد حدثت لهم آية عظيمة وهى نومهم فى كهفهم ثلاث مئة سنة وتسعأ لكى ينقذهم الله من جبروت الملك الكافر الطاغى الذى كان يحرق ويقتل كل مؤمن بالله الواحد الأحد فقد كان بصحبتهم كلب وقد قال الله تعالى عنه
( سيقولون ثلاثة ورابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم رجمأ بالغيب قل الله اعلم بعدتهم)
ثم قال جلّ من قائل
( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارأ ولملئت منهم رعبا )
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن الكلب يشارك الإنسان فى صيد الفرائس الجبلية والصحراوية وفى الغابات وقد قال الله تعالى فى هذا الشان
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
أى ان الله تعالى أحل ان نصطحب معنا الكلاب المدربة على الصيد وان نأكل من الفريسة التى امسكوها لنا بمخالبهم وأسنانهم حيث لا يمكن للكلب ان يمسك فريسته إلا بمخالبه واسنانه

إن ما جاء في الرسالة التي أرسلت للدكتور حسن , لهو تعبير صريح عن تتبع المتشابه من الألفاظ القرآنية ابتغاء الفتنة
وكان رد الدكتور رد رسوخ في العلم , حيث أعاد كل تلك الألفاظ المتشابهه إلى المقصد, إلى المنبع , إلى أم الكتاب , فقال آمنا به
ابتغاء التأويل
ونأتي إلى معنى التأويل , حيث حور هذا المعنى وأبعد تماما عن معناه اللغوي الذي كان متعارفا عليه بين العرب القدماء, وسبب هذا الإبعاد هو تلك الاجتهادات والآراء التي اختلط الخبيث منها بالطيب , ليبحثوا في أمور لا تؤدي إلى هداية ولا إلى خير , وإليكم بعض من تلكم الاجتهادات
((هذا نقل عن أحد الكتاب في أحد مواقع أرباب الدين السني وهذا التقل لا أعتد به ولا أقيم له وزنا))
أ- تعريف المحكم والمتشابه
1- تعريف المحكم.
أ- الإحْكام لغة: الإتقان البالغ، ومنه البناء المحكم الذي أتقن، فلا يتطرق إليه الخلل أو الفساد. أما اصطلاحاً فقد اختلف الأصوليون في تعريفه على أقوال منها:
1- أن المحكم ما عرف المراد منه، إما بالظهور أو بالتأويل.
2- أن المحكم لا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً.
3- أن المحكم هو الواضح الدلالة الذي لا يحتمل النسخ.
4- أن المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان.
5- أن المحكم هو المتقن الذي لا يتطرق إليه الإشكال.

2-تعريف المتشابه:
أ- لغة: مأخوذ من الشَّبَه، وهو التماثل بين شيئين أو أشياء. ولما كان التماثل بين الأشياء يؤدي إلى الشك والحيرة، ويُوقع في الالتباس، توسعوا في اللفظ، وأطلقوا عليه اسم " المتشابه ".
يقال: اشتبه الأمر عليه، أي التبس عليه.
أما اصطلاحاً فقد اختلف فيه أيضاً على أقوال:
1- ما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة، وخروج الدابة والدجال.
2- ما لم يستقل بنفسه واحتاج إلى بيان برده إلى غيره.
3- ما احتمل أكثر من وجه.
4- ما كان غير واضح الدلالة ويحتمل النسخ.
د- حكمة ورود المحكم والمتشابه.
1- إن الله سبحانه احتج على العرب بالقرآن، إذ كان فَخْرُهم ورياستهم بالبلاغة وحسن البيان، والإيجاز والإطناب، والمجاز والكناية والإشارة والتلويح، وهكذا فقد اشتمل القرآن على هذه الفنون جميعها تحدياً وإعجازاً لهم.
2- أنزل الله سبحانه الآيات المتشابهات اختباراً ليقف المؤمن عنده، ويرده إلى عالِمِهِ، فيَعْظُم به ثوابه، ويرتاب بها المنافق، فيستحق العقوبة.
ولقد أشار الله تعالى في كتابه إلى وجه الحكمة في ذلك بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا} [البقرة: 26] ثم قال: جواباً لهم: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} . فأما أهل السعادة فيعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، فيستوجبون الرحمة والفضل، وأما أهل الشقاوة فيجحدونها،فيستوجبون الملامة.
3- أراد الله عز وجل أن يشغل أهل العلم بردّه إلى المحكم، فيطول بذلك فكرهم، ويظهر بالبحث اهتمامهم، ولو أنزله محكماً لاستوى فيه العالم والجاهل، فشغل العلماء به ليعظم ثوابهم وتعلو منزلتهم، ويكرم عند الله مآبهم.
4- أنزل المتشابه لتشغل به قلوب المؤمنين ، وتتعب فيه جوارحهم وتنعدم في البحث عنه أوقاتهم، ومدد أعمارهم، فيجوزوا من الثواب حسبما كابدوا من المشقة.
وهكذا كانت المتشابهات ميدان سباق تنقدح فيه الأفكار والعلوم.
هـ- منشأ التشابه
نشأ التشابه من خفاء مراد الشارع في كلامه، فمرة يرجع إلى اللفظ، ومرة يرجع إلى المعنى، ومرة يرجع إلى اللفظ والمعنى.
آيات الصفات
إنها محكمة لكونها صفات الله تعالى، متشابهة بالنسبة لنا من حيث كيفيتها مثل صفة: الاستواء على العرش، فهي معلومة في معناها، ولكن الكيف مرفوع كما قال الإمام مالك: الإستواء معلوم، والكيف مرفوع، والسؤال عنه بدعة. أي معنى الاستواء معلوم، ونثبت له كيفية، فصفات الله منزّهة عن الكيف، والسؤال عن الآيات المتشابهات. )(( أؤكد أن هذا نقل لا أعتد به))
لقد شغلت الأمة على مدى قرون بما ساقوه عن المحكم والمتشابه واقتصروا بذلك في حديثهم عن المتشابه عن الآيات التي كما يقولون بأنه تتكلم عن الصفات
وبقولهم أن المتشابه هو المشكل أو المبهم في معناه, اتهام خطير للقرآن للكريم بأن الله لم يبينه ويفصله, وبذلك أنكروا صفة للقرآن الكريم بأن آياته بينات مبينات وجعلوا التأويل هو التفسير
فلو اعتمدنا قول السلف بأن المتشابه من القرآن لا يعلم تأويله بالمعنى الذي ساقوه ( تفسيره) إلا الله ,فكأن الله أنزل آيات زائدة في القرآن يمنع الاقتراب منها ( والتصوير ) ولا يعلم معناها إلا الله , فإما أننا جعلتا بعضا من القرآن مبهما , وإما أننا اعتبرنا أن هناك آيات لا هداية فيها للناس بسبب المبهم من معانيها
واما عن تلكم المعاني التي تعرض لها السلف والخلف , من قول السلف أن لله يدا تليق بجلاله , فهم بذلك يدفعون المرء للاعتقاد بوجود شبه بين الله والإنسان
وقول الخلف أن اليد يقصد به القدرة من دون بينة من الله
كلاهما أفرغ الآية من محتواها , كلاهما ابعد وجه الهداية عن أذهان البشر, كل آية في القرآن لها بنيان محكم , فحين نتلوا الآية الكريمة نتلوها متكاملة دون اقتطاع كلمة منها ودون اقتطاع الآية ذاتها من سياقها ودون اقتطاع الفقرة من السورة التي جاءت فيها ولنا أن نقرأ

(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )

الاية تتكلم عن بيعة وعهد قطعه المؤمنون للنبي الكريم ومدوا يدهم يومها لمبايعته , الله يذكرهم بتلك البيعة ويؤكد أن تلك البيعة التي بايعوها للنبي الكريم كان الله حاضرا فيها , فهو من بويع حقيقة , ولنتصور أننا بايعنا رب العزة مباشرة فأي ذنب عظيم في نقضه واي أجر عظيم ينتظرنا إن أوفينا
المهم في هذه الآية وغيرها مما تعرض له السلف والخلف من تأويل وتشبيه ما أنزل الله بهما من سلطان , المهم في فهمها , أن نعي أولا أن الكتاب كتاب هداية , كتاب تربية للنفس , فابحث فيه عما يقوم نفسك ويربيها
ونأتي إلى المعنى اللغوي للتأويل
الأَوْل: الرجوع. آل الشيءُ يَؤُول أَولا ومآلا: رَجَعَ. وأَوَّل إِلـيه الشيءَ: رَجَعَه. وأُلْت عن الشيء: ارتددت, وأول الشيء, ابتغى مآله ,وعلم مآله أو ما سيصير إليه
ومن هنا نستعرض ما جاء في القرآن الكريم عن معنى التأويل
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
إن هذه الآية لهي توضح بشكل جلي لمعنى التأويل , حيث يقول المولى: ولو ردوه إلى الله  والرسول, حيث أن الله ورسالته وكتابه المصدر والمقصد من التشريع , ذلك الرد إليهم لهو التأويل بعينه
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ
ومن هنا أرى أن بعض المتشابه الذي يتتبعه الذي في قلبه زيغ , هو تلك الآيات التي تتكلم عن يوم القيامة وما سيؤول إليه حال الناس فيه , يبتغون من تأويله  جعل يوم القيامة يؤول إلى ما تشتهي أنفسهم , فيكون لهم حظ فيه  ,

وهذا بعض التأويل  بالنسبة للآيات التي تتكلم عن الغيب ,وهو ما سيؤول إليه الحال يومها , وهذا لا يعلمه إلا الله
ولا حظ معي أخي الكريم , ما جاء في سورة يوسف عن تأويل الأحاديث , حيث قال ربنا عز وجل في كتابه
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
تأويل الرؤيا هو ماستؤول أليه الرؤيا , بعضها إشارة إلى ما سيؤول إليه الحال مستقبلا , وحين قال ذلك تأويل رؤياي هو ما آلت إليه هذه الرؤيا التي رآها
علينا في هذا الموضع أن ننتبه لأمرين ,

أولهما :هو أن الآية التي وردت في سورة آل عمران لم تقل ما يعلم معناها إلا الله , وإنما قالت مايعلم تأويله إلا الله , ففهمها شيء, وتأويلها شيء آخر
الأمر الثاني: هو قول الراسخون في العلم آمنا به كل من عند رينا
الله لم يطلب منا إلا إيمانا عاقلا واضحا , فحين يقول الراسخون في العلم أمنا به كل من عند ربنا, فهذا يعني أنهم عقلوه وفهموه فآمنوا به إيمانا مبصرا واعيا لا لبس فيه

القرآن كله يمكن فهمه , ولكن بعضه لا يعلم تأويله إلا الله, وبذلك نقول: لا يعلم ما سيؤول إليه إلا الله
ومما أوله الذين في قلوبهم زيغ لما ورد مما تشابه في القرآن (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) لو أنا وقفنا عند هذا اللفظ على أساس أننا خير أمة وكفى , مهما فعلنا ومهما ابتعدنا عن أم الكتاب وعن تعليمات الكتاب وعن نواهي الكتاب , لابتعدنا عن المراد من قوله تعالى ولوصلنا إلى أن الجنة ملكنا دون غيرنا , ونكون فرضنا على الله تأويل يوم القيامة دون علم , لكن الراسخون في العلم يقولون آمنا ويرجعون إلى أمها ومصدرها, أن الخيرية لها صفات فرضها الله لو قمنا بها لكنا خير أمة

( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)

ولو تتبعنا قوله تعالى

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

لو تتبعنا هذه الآية بقلب زائغ لوصلنا إلى أن الله يغفر الذنوب جميعا دون توبة ودون إنابة , لكن ما بعدها من آيات محكمات تؤكد غير هذا المعنى , حيث يقول الله عز وجل

(وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ*وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)

الذنوب يغفرها الله ولكن بتوبة وإنابة واتباع لما أنزل الله
ونأتي إلى آية أخرى مما تشابه من القرآن
( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )
كثير ممن تكلم عن مغفرة الله للذنوب وضع اعتبارات للمم , فمنهم من قال أن القبلة أو النظرة أوغيرها من الذنوب هي من اللمم , ولا أدري على أي أساس استندوا بوصف تلك الذنوب من اللمم , فلو عدنا للمعنى اللغوي لللمم لوجدنا الآتي: 

اللمم هو ما يلم , وتقول لم بمعنى أخذ من السواقط , وألم أمر بي أي لحقني وأصابني دون إرادة مني
ومن هنا أقول: إن أي شيء حرمه الله إن اقترفه المرء بإصرار وبتعمد وبمعرفة بحرمته مهما صغر أو كبر فليس من اللمم بشيء , ويؤكد هذا المعنى ما ذكره المولى عز وجل عن صفات المؤمنين
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )

إن أي ذنب يصر عليه المرء أو يتعمده فهو ليس من اللمم بشيء , ويؤكد هذا المعنى أيضا آية أخرى

(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ*بَلَىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

من كسب سيئة سيئة وليس سيئات , وأتت بصيغة النكرة , والنكرة كما هو معلوم لغة يفيد عدم التحديد
من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته , أحاطت به , لم يعد يفلت منها , استحكمت منه , فلم يعد يتوب عنها , مهما كانت تلك السيئة باعتبارنا البشري , كبيرة أم صغيرة , مصير صاحبها النار هو فيها خالدا
ولو أردنا استعراض المتشابه من القرآن كلفظ خالدين فيها وخالدين فيها أبدا , لوجدنا كثير ممن بحث في هذه الآيات ابتغاء تأويله( من المآل) ابتغاء الإفلات من المآل الحقيقي الذي لا يعلمه إلا الله , المؤمن الطالب لهداية رب العالمين يتعامل مع كل تلك الآيات على أنها وحدة متكاملة فليس لجهنم من زوال, ولا للجنة من زوال , وهذا ماشاءه الله ونبأنا به العليم الخبير, المؤمن الطالب للهداية حين يسمع بتلك الآيات يقشعر منه جلده ثم يلين جلده وقلبه لله

(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )

من ذلك التشابه , ومن تلك التثنية بالآيات , يقشعر جلد المؤمن وتترك فيه أثرا ينعكس على تفكيره وسلوكه


ابتغاء الفتنة
كان ينبغي أن نتعرض لأشكال الفتنة التي يبتغيها الذي في قلبه مرض , من تتبع المتشابه من الآيات قبل التأويل لورود اللفظ في القرآن قبل التأويل ,ولكن لطول الأمثلة وكثرتها عرضتها فيما بعد
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز

(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )
حين يقصد المرء الاعتداء والفتنة , يجد من هذه الآية منفذا له ومسوغا له ليعتدي على الناس ,فبقول أن الله أمرني بقتالهم حتى يعطوا الجزية


وحين يريد من في الطرف الآخر الإساءة لهذا الدين الحنيف , يتخذ من هذه الآية مسوغا لينسب لهذا الدين تهما هو بريء منها كأن يقول: الدين الإسلامي دين يحض على الاعتداء على الناس دون ذنب
كلاهما في الفتنة سواء , وإن كان ذنب من اتخذها مسوغا ليعتدي أعظم من ذلك الذي لم يؤمن بها فاعتبر الاسلام دين إكراه واعتداء ,
المؤمن المتبصر يعلم تمام العلم أن الله يأمرنا بالسلم والمسالمة وعدم الاعتداء إلا إن اعتدي علينا , المؤمن الطالب للهداية يعلم تماما أنه لا إكراه في الدين
المؤمن المتبصر يتعامل مع القرآن المحكم المتشابه على أنه وحدة متكاملة لا يلغي بعضه بعضا ولا يناقض بعضه بعضا , ولذلك يرى أن كل آية تحض على القتال إنما تنطلق من قوله تعالى

( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )

الله يأمرنا بقتال من قاتلنا وينهانا عن الاعتداء , وهو الذي لا يحب المعتدين , فكيف يأمرنا من لا يحب المعتدين أن نعتدي في موضع آخر

إنه اختلاف عظيم.

لكن المتعامل مع القرآن على أنه كتاب هداية , يعلم أنه من عند الله , ولو كان من عند غير الله لوجد فيه اختلافا كثيرا , القرآن بمجمله يأمرنا بأن نبر من أبرنا وأن نحسن للناس ونقول لهم حسنى , المؤمن المتبصر يعلم أن كل آية تحض على القتال إنما تنطلق من قوله تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )
ولنأت إلى ذكر أمر آخر
(أَذَ‌ٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ* إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)
من كان في قلبه زيغ سيقول: هل يعقل أن تنبت شجرة في وسط نيران محرقة , وكيف يكون طلعها كأنه رؤوس الشياطين , وهل نعرف شكل الشيطان لنعرف الطلع , وهل الشياطين شياطين الإنس أم الجن؟؟؟؟؛؛؛؛؛؛؛؛؛
من كان يريد الهداية يعلم أن الله على كل شيء قدير, يعلم أن الله هو الخالق , يخلق ما يشاء ولا يقف أمام قدرته شيء , فهو الذي خلق ذلك الشيء , ينبت في أرض خصبة أو في نار محرقة , ونحن أصلا لا نعلم ماهية تلك الشجرة لنتكلم عنها , وأما عن طلعها فالمؤمن المتبصر يعتبر الشيطان شيئا كريها , وحتى الكافر يعتبره كذلك , الشيطان شيء منكر , شيء محتقر, ينعكس هذا المعنى عليه ليعلم أن طلعها هو أشد ما يكره المرء , فهو كأنه رؤوس الشياطين
ولنا في ابتغاء الفتنة أمثلة كثيرة كحرمة الخمر وغيرها
ما أود قوله أن القرآن أفهمه ببساطته , بروعته , بروعة التشابه فيه , والإحكام فيه , هو كتاب روعة في الإحكام فهو محكم كله , روعة في التشابه والمثان فهو متشابه كله , تؤخذ أوامره على ببساطتها دون تعقيد , دون كثرة سؤال كما فعل بنو إسرائيل , ولنا في قصة البقرة عبرة ,

إن أمرنا الله بأمر قلنا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير

اجمالي القراءات 26615