تحليل المعاني الصوتية في خطاب (خاتم النبيين)

محمد هيثم اسلامبولي في الأحد ٠٣ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تحليل المعاني الصوتية في خطاب
(خاتم النبيين)
(وما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما)40 الأحزاب
 ابتداء من صوت (الخاء) الدال على رخاوة وطراوة ، والتي تفيد هنا ، الإنهاء بمادة الطبع ، وإغلاق آخر مرحلة من كمال الأمر ونبوة الرسالة ؛ فالرخاوة ليونة ولكن سلبية الكمون والاستطاعة فهي كامنة ومتجمعة وساكنة في خفاء ، بماهية خفيفة داخل الإنسان، فلا تنفصل عنه، وهي نهاية طبع الكمال ، وأثر من أمر الله ، وليست هنا إلا الرسالة الكاملة، القران المجيد (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) الشورى(52) أي قذفنا والقينا في قلبك الأمر الخفي اللطيف الطري؛ فاخذ محمد صفة الخاتم فكان خلقه القرآن، من اثر مادة الطبع الروحانية، وأغلق الأمر على كاملات النبوة والدين والشريعة والأمة ، فالطراوة واللين رحمانية، والقرينة في سياق الكلام ، تدل على ذلك اللين، وخاصة إذا ما أضيفت إلى إمام الأنبياء محمد ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) 159ال عمران. فالرخاوة هنا من الرحمة، لا من الضعف ، وهي دلالة مطابقة معنى الحرف مع الواقع والسياق ، على معنى محدد، انبثق من المعنى التجريدي للحرف، فكان معنى رخاوة كامنة خفية، وليست رخاوة عطالة من ( مرض خبل أو خبث) فنلاحظ انه لم يطرأ على أصل معنى الحرف أي تغيير، ولم يتأثر بربطه مع أحرف مصدر الكلمة ، وهذا معنى الإمام للحرف هنا؛ إذاً لكل حرف شخصيته المستقلة، ومعنى إمام تجريدي ثابت كوني فطري قرآني، لا نوع له لا ذكورة ولا أنوثة، ولا يتأثر مع ربطه بغيره من الأحرف ، بل يضيف معنى آخر مع غيره ، فكل ما ينطق في الكلمة المصدر له معنى ، ويشارك في تكوين المعنى العام للكلمة من اليمين إلى اليسار، وهكذا كل مصدر ثلاثي عبارة عن معاني تقوده القاطرة الأخيرة ، فيتشكل منها معنى واحد مركب من مصدر ثلاثي في كيان موحد ، تظهر دلالته المنطقية في ظواهر موضوعية، في صورة المطابقة أو التضمن أو الالتزام .
 وبصوت (الألف) الدال على إثارة صلة وامتداد ؛ نلاحظ موضع الألف من الكلمة، بين خاء الرخاوة الروحية من طرف، وتاء دفع الخفيف المتوقف من طرف آخر، لختم التصديق الرحماني ، وهي صلة ربط الرخاوة الروحية ، بخاتم التصديق النبوي ، والممتدة على أبعاد التاريخ صلة تثير الفكر بالليونة والطراوة الروحية، والمختومة بإتمام نهاية الكمال ، للدين والقرآن والنبوة والأمة ، واستخراج ما فيهم من علم يمنح القدرة على التمييز بين مدعي النبوة والصادق على مر التاريخ ، لذا جاء في آخر الآية (وكان الله بكل شيء عليماً) أي لكل شيء علماً، وعلمه وسع كل شيء.
 وبصوت (التاء) الدالة على دفع خفيف متوقف؛ إن الله الرحمان الرحيم ، والخبير العليم بكل شيء أنزل الوحي بالرخاوة والطراوة الرحمانية، لتسكن قلوب المرسلين من الأنبياء ، وهكذا سنن الله في القرآن، طبع الأنبياء بالوحي (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ) (غافر 15) فهي علامة ثابتة لإعلام الناس بذلك، للتميز والمتابعة فلا يضلوا بغيرهم من الأدعياء (ورسلا قد قصصنا عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك )164النساء وقوله ( وكفى بالله شهيداً ) 166 النساء وكذلك انزل القرآن المجيد على قلب محمد (فانه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه) (البقرة 97) وهو المادة الطابعة، بمثابة علامة ختم على بلوغ نهاية الطبع ، للشرائع السابقة ، والختم لا يكون إلا في نهاية الشيء وآخره فكان طابع التصديق النهائي للنبوة التشريعية، منزلة خاصة بالنبي محمد  وعلى مر الزمكان (ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) بعد أن كمل دين الله الإسلام، وأنهى التصديق بالقران الكريم، وبذلك صار محمد خاتم النبيين على امتداد التاريخ ، صاحب الطبع النهائي وآخر المصدقين ، فكل من ذكر في ختمه أو تقيد بأحكامه كاملة مؤمنا وتابعا له فهو مصدق بختم نبوة محمد  ؛ ومن سنن القرآن أيضاً تأييد الأنبياء المرسلين ، بأنبياء تابعين مساعدين ومعاونين ، لتحقيق الغاية من الرسالة ، في حياتهم أو بعد مماتهم ، من ذلك (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ) فمن هنا بشر محمد بالمهدي والمسيح المنتظر، تابعاً ومصدقاً من خاتم النبيين .
 وانتهاءً بصوت (الميم) الدالة على جمع متصل، ونجد هذا الأمر يتحقق في صلة التصديق بين الأنبياء أصحاب الرسائل بعضهم لبعض جميعاً إلى خاتم النبيين (أن الله يبشرك بيحى مصدقاً بكلمة من الله ) 39 آل عمران، وقوله تعالى : (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ) 50 آل عمران ، وأن مصداقية جميع الأنبياء ، متصلة بمصدر التصديق النهائي ، بختم القرآن الكريم ، وخاتم النبوة ، فالخاتمية ملازمة لنهاية كمالات الشيء وآخره (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم جميعا مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشر برسول يأتي من بعدي اسمه احمد ) 6 الصف ، فالأنبياء أصحاب الرسائل ، يشكلون بناء مصدر التصديق النبوي، وعلى رأسه صاحب آخر لبنة في كمال بناء التصديق ، وبذلك نال لقب خاتم النبيين ، فجاء في سياق الآية (ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) إذا الإنهاء والإكمال والإتمام معنى ملازم حال الختم ، فهو صاحب الطبع النهائي وآخر المصدقين، ومن ذلك كان إمام النبيين ، وعليه هو الأفضل والأحسن، ذاتاً وموضوعاً ، وليس لأنه أضيف لقب خاتم إلى جمع عقلاء ، فأصبح الأفضل والأحسن ؛ فخاتمية محمد رسول الله  للنبيين ، لا تكون إلا بمتابعته إلى يوم الدين، فلا يتابع غيره ، ولا مصدق بعده ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) 9 الصف ، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) 3 المائدة
إذاً خاتم النبيين ، من خلال ربط الأحرف ببعضها في التحليل السابق ،كالقطار تقطرهم قاطرة ميم ، نصل إلى المعنى الصوتي التالي:
حيث آخر حرف نطقاً في الكلمة هو (ميم) ، الذي أنهى المعنى، بأن جعل المعاني السابقة للأحرف تعرض من خلال معنى الجمع المتصل؛ فيكون المعنى العام؛ إذا مفاهيم الرخاوة الروحية مطبوعة ومكمونة في قلوب جميع الأنبياء ، وهي أحكام ومعاملات كمال رحمانية لينة، ومتصلة بالطبع النهائي ، على امتداد التاريخ، ومصدقة بآخر مصدر للتصديق، القرآن المجيد، وآخر النبيين محمد ، الذي أغلق خلفه باب التصديق ، فصار بذلك خاتم النبيين ، فلا مصدق بعده ، ولا يتابع غيره ، فهو صاحب الرسالة النهائية وآخر المصدقين .
والآن نأتي على باقي معنى اشتقاقات الخاتمية في سياق القرآن الكريم للمقارنة :
 جاء في قوله تعالى : (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه) 23الجاثية .
إن اتخاذ سلوك الرخاوة والليونة، المفرغ من معاني الصحة والخير والروحية ، للتحلل من ضوابط الإيمان ، عطالة وشيطانية ، وهو من ضلال الهوى ، المؤدي إلى التطبع بالفجور، ومع الزمن تصل النفس إلى نهاية مرحلة الإشباع، فيغلق الإنسان على ما استساغه فلا يسمع ما ينفع ولا يعي الخير بقلبه، حتى يختم أخيراً على سمعه وقلبه بما كسبت يديه .
 وقوله تعالى : (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم) 65 ياسين
إن دلالة حرف النون التي دخلت على لفظ ختم في الآية (اليوم نختم) تدل على انه في ستر وخفاء، تمت نهاية مقدمات مفاهيم الرخاوة الشيطانية ، حتى صارت حائل مغلق في وجه إصلاح النفس الإنسانية ، فاستحق المجرمون العذاب في دار الشقاء ، بما كانوا قد انتهوا إليه من التطبع بسلوك الليونة الخبيثة، التي أغلقت قلوبهم ، وأخرست أفواههم ، فلا يقدرون على إنكار ما عملوه، من الكفر والتكذيب ، لان أعضائهم تشهد عليهم، فكانت الأمورالمنتهية بخواتمها .
 وقوله تعالى: (أم يقولون افترى على الله كذبا فان يشاء الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته انه عليم بذات الصدور ) 24 الشورى
إن دلالة حرف الياء التي دخلت على لفظ ختم في الآية (يختم على قلبك )تدل على جهد أو قوى ممتدة تقود الفعل؛ لان القلوب بين أصابع الرحمان، يقلبها كيفما شاء، والقادر على ختم قلوب مدعي النبوة، فيأخذهم اخذ عزيز مقتدر؛ فقال المكذبون في الآية ، أن محمداً  افترى على الله كذبا بادعائه النبوة ؛ بل هو قدح في الله الذي مكنه من التصريح بهذه الدعوة ، ثم تأييده بالأدلة الظاهرة ، والنصر المبين والاستيلاء على من خالفه، وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من أصلها ومادتها وهو أن يختم على قلب محمد الذي وصل إلى نهاية الكذب، فيغلق على قلبه ، فلا يدخل إليه الخير؛ وإذا ختم على قلبه أنحسم الأمر كله وانقطع ، فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول وأقوى شهادة من الله على صحة ما قال ، ولهذا من حكمته وسنته الجارية انه يمحو الباطل ولو بعد حين، فان عاقبته الزوال ، بسننه الكونية والاجتماعية التي لاتتبدل ولا تتغير، وبوعده الصادق يثبت الحق في القلوب، ويبّصر أولي الألباب ،حتى أن من جملة إحقاقه تعالى الحق أن يقيض له الباطل ليقاومه، فإذا قاومه صال عليه الحق ببراهينه وبيناته، فظهر من هداه مابه يضمحل الباطل، ويتبين بطلانه لكل الناس ويظهر الحق كل الظهور، لكل احد والله عليم بما تكنه صدورهم .
 وقوله تعالى:(يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) 25/26المطففين
إن دلالة حرف الميم التي دخلت على لفظ الأصل ختم (مختوم) تدل على جمع متصل مصدري ، وورود حرف الميم في آخر اللفظ ،يؤدي إلى أن الأمر من أوله إلى آخره جمع مصدري الاتصال؛ وخاصة أن حرف الواو الواردة في وسط لفظ (مختوم) تفيد الضم والرص الممتد ؛ مما يعطي معنى الإغلاق الممتد في داخله وعلى مر الزمن ، فلا يداخله شيء ولا يتأثر من الوسط المحيط .
فالآية تدل على تقديم ألذ وأطيب مما كان من الأشربة ، فيسقون من رحيق مختوم ، لا يقبل مخالطة شيء ينقص لذته لكماله، ولا يفسد مع الزمن ، فليس فيه نهائيا عوامل التخمر، حتى صار المسك من طبيعته، أي أن ختامه الذي ختم به، من أوله إلى آخره ممسك ، فلا يتأثر بشيء في داخله أو من محيطه، فهو مغلق على ذاته ، وليس له تفل في آخره، فختامه مسك .
وأخيراً نأتي على المقارنة :
نلاحظ مما سبق أن ألفاظ ختم على اختلافها، وتنوع سياقاتها ، لم تختلف أحرف معنى المصدر الثلاثي للسان العربي في جميعها، وهذا يؤكد صحة المعيار في ضبط الأصل الثلاثي للكلمة بحسب المبحث (الأبجدية صوت العلم والوحي ) فنظام اللسان ، يعتمد في فهم كتاب الله تعالى، وحجة على الثقافة ، ويظل الاصطلاح القرآني، أمر خاص بفهمه فقط ، ولا مانع من الاستعمال الاصطلاح الشرعي والعرفي والثقافي في التواصل والتخاطب والمحاضرات الفكرية، فيجب فهم الكتاب من خلال علم اللسان وسياق الآية واصطلاحه ، لا من خلال الثقافة والعرف ، لأنه إنساني ورحمة للعلمين .


محمد هيثم اسلامبولي 31/7/08

اجمالي القراءات 14641