اصل وثلاثة صور

محمد حسين في الأربعاء ٢٣ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) الروم: 9
المسألة التى نطرحها امام النظارة هنا هى دلائل قوية تحملها تلك الاية لما حدث ويحدث وسوف يحدث عبر تاريخ الامم. قد نجد فى هذه ا&aلمقالة تشعبا يفرضه ظرف البيان.
المشكلات المعضلة فى الأمم السابقة والحالية والمستقبلة تكاد تكون متشابهة ومتطابقة الى حد يجعل المتفكر فى شؤون الانسان عموما منذ فجر التاريخ وحتى الآن يرى رؤية بينة ان الاخطاء البشرية هى عبارة عن جزء يغيض فى تكوينه مهما تغير شكل الانسان وجنسه وجنسيته.
ولنكن اكثر تركيزا فى اطروحتنا تلك ونأخذ اكبر تجمعات – او ما نعتقد انها اكبر تجمعات - "يقال عليها دينية" فى العالم فى وقتنا هذا ، الا وهى المنتسبون للإسلام والمسيحية واليهودية. اذ أن فترة ما قبل الرسالات تكاد تكان متشابهة فى كل حين عموما ، وفى أحيان ما قبل الرسالات الثلاث خصوصا. مجتمع كان يقتل ويستباح ادميته "بنو اسرائيل فى عهد فرعون" ويستغل استغلالا بينا. وهم بين الاستغلال من غيرهم وضياعهم فى ومن أنفسهم حان الوقت الالهى كى يتم انقاذهم من ناحية ، ويتم العفو عنهم بإنزال الرسالة وارسال النجدة التى انقذتهم واطاحت بإمبراطورية عاتية ظالمة فى آن واحد من ناحية اخرى. ثم وقد راحت اولى خطوات الجيل المنقذ "بضم الميم وفتح القاف" تفشل فشلا ذريعا نظرا لأنه كان جيلا مشققا ومدمرا نفسيا ، وأتى ظلم فرعون على كيانهم النفسى فاصبحوا كالهشيم. وكتب على الجيل التيه فأتى غيره جيلا تم تنقيته وراحوا يتمايلون بين المواقف حتى وصل القلة منهم المؤمنة ، والتى كانت لها طاقة بجالوت. وابحر بهم الزمان من نعيم ينزل من الله تارة ونصيحة تارة وهم للانبياء قاتلون. فهم بين الكذب والافك على الله وكتمان الحق وهم يعملون ، فحولوا الإيمان بالله الى هوية ، هوية لها نسب ، شعب الله المختار. فبدلا من ان يقدرونها تلك المنزلة استخدموها استخداما بغيضا. اصبحت اليهودية ومن ثم اصبحت جنسية. فتحول الايمان الى هوية ومن ثم الى جنسية ، فخرجت الرسالة الاولى من عبائتها واستأثر الايمان ان يبعد فلا مكان له بينهم ، وحتى العلوم والحكمة التى من الله عليهم بهما استأثروه لأنفسهم يستغلون هذا وذاك ويستضعفون الناس وزين الشيطان لبعضهم – رجال الدين – اعمالهم فباتوا يصيحون فى القوم بكتاب غير الكتاب وبتعاليم غير التعاليم ، ينفخون فى اذانهم بأنهم اولاد الله وشعبه ، والباقى ماهم الا رعاع همج لا يستحقون العلم ولا الحكمة فلا تعلموهم اياهما. وازدادوا فى الضلال واستغلالهم لخلق الله ، وتحكمت فيهم احبارهم وفى عقولهم ، وبدورهم اتخذوا هؤلاء الاحبار اربابا من دون الله ، وباتوا يكتبون الكتاب ويقولون هذا من عند الله ، وظهر التلمود والمشناة والجمارة والسنهدريم والهالاخاة ، وذهبت تعاليم الله ادراج الرياح بينهم.
وإذ هم غارقون فى ذلك حقت ساعة الرسالة الثانية ، رسالة رحمة سمحة ، أتت كمثل ما قبلها تستعيد وتخرج ما كتموه ، وتنقذ الناس وتخرجهم من الظلمات الى النور ، الرسالة التى كانت من اسمى معانيها السماحة والرحمة "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". طغى من هم قبلها الا من رحم ربى ، ووقف بجانب الرسول الجديد والرسالة الازلية قلة قليلة. ورحل سريعا ، ودخل الناس فى منعطف اخر من الشقاق ، وظهر القديسون "الارباب الجدد" وذهب الكتاب ادراج الرياح وأتى كتاب "بضم الكاف وتشديد التاء" الليل ، فكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا انه من عند الله ، وتحول الناس من الايمان والتسليم لله الى مجنسين بجنسية جديدة ، تفصل بين ما قبلهم وبينهم ، والجنسية الجديدة هى المسيحية "نسبة الى المسيح". وهذا الانجيل برؤية لوقا ، وهذا الانجيل نسبة الى يوحنا ، وهذا الانجيل نسبة الى متى ومرقص. وباتوا اربابا. وتناسى الناس التعاليم وخرج الايمان مرة اخرى من عبائته ليحل محله هوية وجنسية ، فالمولود سابقا كان يهوديا ، والان اصبح هناك مولود من نوع اخر يطلق عليه مسيحيا ، كان من المفترض ان يكون مؤمنا يسلم وجهه لله. وضل رجال الدين واضلوا ، وتحكموا فى عقولهم واذ هم ايضا لايات الله يتناسون وينسون. وتلك الجنسية الجديدة جعلت من معها مستغلا فى الباطن ومرضيا عليه فى الظاهر. وتخلفوا وانشقوا بين نحلة واختها ، وحاربوا بعضهم وحاربوا الاخرين ، واضطهد منهم من يؤتى القوة صاحبه الذى على نحلة غير الذى هو عليها. وحق القول.
وهنا رسالة ارسلت الى أناس كل ما يعرفونه عن الطبيعة ان يعبثوا فى الارض حيث يرى "بضم الياء" العشب فيحطوا به. يجهلون جهلا تاما بما أتته الامم السابقة الا القليل جدا منهم. فخرجت الرسالة الثالثة والاخيرة – على الاقل طبقا لمعتقدى الشخصى – لتخرجهم هم ايضا من الظلمات الى النور ، وتضمهم الى ماهو مفترض كهدى ، هدى يجعل الشخص مؤمنا آمنا ، يسلم وجهه لله تعالى. وما أن مات الرسول هنا ايضا حتى تحولت الديانة الى جنسية ، وبطريقة تكاد تكون متشابهة. فأصبح المولود هنا أيضا مسلما بالوراثة. وكالعادة ظهرت غربان الأديان ، رجال الدين. واختلف المسمى قليلا ولكن الماهية واحدة. وبرغم ان الكتاب موجودا هنا ولم يذهب ادراج الرياح كسابقيه ، الا أنهم برعوا بغباء يحسدون "بضم الياء" عليه ان يلقوا بالكتاب وراء ظهورهم ساعين معجزين فى آيات الله ، متهمين الكتاب بالتقصير والعجز والنقصان لحاجة فى انفسهم يضلون بها من لا يعقلون ولا يتدبرون. ولابد اذا من مكمل. فذهبوا يتقولون ويكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله. فهذا البخارى وهذا مسلم وهذا الجعفرى ، وهذا تفسير ابن كثير وهذا ابن ماجة ، واتسعت دائرة القديسين والارباب فى سابقة لم يشهد مثيلتها فى أمم سابقة. بل وكل مائة عام هناك قديس – على حد قولهم – وبالعكس ، فإنه وصل الى ان هناك قديس كل عقد ، ثم كل سنة ، ثم كل ثانية داعية.
يا سادتى النظارة ، نحن نتعامل هنا مع جنسيات لا أديان ، نتعامل مع كتب بشرية ولا نتعامل مع كتب الله. تم تحريف الكلم عن مواضعه عندما ترجم الإنجيل والتوراة والقرآن الى لغات غير لغتهم. بل ان من هم المفترض بهم يحملون القرآن ولغته انشأوا كتبا اخرى بنفس اللغة. فلو ان الاخرين ضلوا لضياع لغتهم فما عذر هؤلاء الاغبياء عندما يقفون بين يدى الله؟ وأنا منهم!

القيم الالهية اجتمعت على قيما مطلقة ، كالحق والعدل والخير والجمال ، والرسالات لم تكن لتنزل ابدا على مجتمعات صالحة ، وانما انزلت على مجتمعات واقوام ضلوا فإحتاجوا الذكرى والتصويب. المنتسبون لتلك الاديان ذهبوا عن جوهر الدين كقيم عليا الى مظاهر. طاقية حبر "بقطفه" الطويلة تسدل على جانبى وجهه وجانبى بنطاله وحلق شعر المرأة واهانتها واعتبار كل من هم على غير هذا المظهر فسقة. وثانيهم من صليب وجرس ورهبانا ، أهانوا المرأة ، بل واهانوا انفسهم فيما بينهم ، فلا ارثوذكسى يقبل كاثوليكيا ولا غيره والعكس بينهما مطابقا وصحيحا واعتبار من هو ليس على النهج مهرطقا. والاخ الاصغر "العبيط" يتأرجح بين ذقن وحجاب ونقاب وسبحة يقتل المفارق للجماعة ويكفر كل الناس حتى نفسه فى بعض الاحيان و .... ويشرب بول الجمل!

قدر ما كانت الرسالات تصبوا وتدعوا الى ارساء دعائم قيم تؤهل عقل الفرد فى مجتمع يرجى به ان يكون ناضجا منتجا ، قدر ما القى من هم موضوع الرسالات تلك الرسالات وراء ظهورهم.
نعم نحن نتعامل مع جنسيات تشابهت كلها ، تشابهت فى مآربها وبدايتها ونهايتها ، تشابهت فى اتخاذ رسالات الله ودينه جنسيات بدلا من قيم وهدى وذكرى لقوم يعقلون.
***
امام عينى صورة حامل رسالة ارسله رجل ما بخطاب لمرسول اليه. ويبدو ان المرسول اليه كان ينتظر الخطاب بشغف حتى ولو لم يكن يعلم انه بالرسالة المنتظرة شغوف. ومن شدة الولع بالراسل والرسالة اعتقد المرسول اليه ان حامل الرسالة هو صاحب الفضل. وبلا ارادة ، حمل المرسول اليه الخطاب دون ان يفتحه ويقرأ محتواه ، وبات يحملق ويتأمل فى حامل الرسالة. واخذه الشغف به فأحبه حبا شديدا حتى بات يسأل عنه كل من يقابله ، اين يقيم؟ ما اسم ابويه؟ هل له ابناء؟ كم هم؟ من هى زوجته؟ ان شكله جميلا.
وبات يسمع المرسول اليه ما يقال له عن حامل الرسالة ، والخطاب لم يزل وراء ظهره. حتى نسى المرسول اليه الخطاب نفسه وراسل الخطاب. وراح يبحث عن منزل حامل الرسالة حتى يقيم عنده!

اجمالي القراءات 11389