معنى ( الصلاة الوسطى ) بين التدبر القرآنى ومزاعم الدين السنى

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٦ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

د. أحمد صبحى منصور

مقدمة :
يقول تعالى (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ . ) ( البقرة 283 : 239 ) .
هذا المقال ليس فقط فى التدبر فى معنى ( الصلاة الوسطى ) الوارد فى الآية الكريمة السابقة ، ولكنه أساسا لتوضيح الفارق بين منهجين فى فهم القرآن ، أحدهما هو فهم القرآن بالقرآن ، والآخر هو تحريف معانى القرآن باختراع أحاديث (تفسر ) بزعمهم الآيات القرآنية ، ثم يختلفون فى تلك الأحاديث ، مع المفروض عندهم أنها أحاديث قالها النبى ، وعليه فلا يمكن أن يقول النبى أحاديث مختلفة فى معنى آية واحدة. ثم يصل بهم الغلو الى درجة تعزيز آرائهم باختراع أحاديث تطعن فى حفظ الله تعالى للقرآن الكريم ، ولا يستشعرون الخجل من رواية أكاذيب تزعم أن هناك آيات قرآنية منسية او محذوفة تعزز موقفهم.
والغريب أن كل تلك الأحاديث المنسوبة للنبى عليه السلام قد تم صناعتها ونشرها بعد موته عليه السلام بقرنين وأكثر ، ولم يستعمل أحدهم عقله متفكرا فى استحالة التحقق من قوله قاله شخص مات فى الجيل الماضى .. فكيف إذا مر على موته عدة أجيال ؟!!.واذا كان هذا الشخص هو خاتم الأنبياء ، وقوله يدخل فى صميم الدين فلماذا لم يكتبه النبى ويدونه كما فعل بالقرآن الكريم ؟ ولماذا لم يفعل ذلك من جاء بعد النبى محمد عليه السلام من خلفاء راشدين وغير راشدين ؟؟
الذى حدث أنهم اخترعوا لهم أديانا أرضية بصناعة تلك الأحاديث المزورة ، ثم استخدموا تلك الأحاديث فى خلافاتهم العقيدية ( كما حدث بين الدين السنى والدين الشيعى ) وفى خلافاتهم المذهبية داخل الدين الواحد ، كما يفعل السنيون فى خلافاتهم الفقهية وفيما يسمى بعلم (التفسير) .
وهم هنا اختلفوا فى معنى (الصلاة الوسطى ) ، وبدلا من أن يقدم أحدهم رأيه معززا باجتهاد قرآنى قائم على فهم القرآن بالقرآن ، فانهم لجأوا الى وضع آرائهم فى صيغة أحاديث أو أكاذيب منسوبة للنبى محمد عليه السلام ، ونتج عن ذلك الخبل أنهم وضعوا على لسان خاتم النبيين أحاديث متناقضة ، وبعضها يطعن فى القرآن الكريم نفسه . ولم يشعروا بالخجل وهم ينسبون لخاتم النبيين كل هذا الاختلاف الذى يتيح لأعداء الاسلام أن يصفوه عليه السلام بعدم الصدقية واختلاف الرأى .
وعليه فان هذا المقال البحثى ينقسم الى جزئين : الأول فى استعراض وتحليل المنهج التراثى من خلال تأوليهم أو (تفسيرهم ) لمعنى (الصلاة الوسطى ) خلال أحاديث ماتناقضة ، والثانى فى معرفة معنى (الصلاة الوسطى ) اتباعا للمنهج القرآنى فى التدبر الذى أوضحه رب العزة فى أن السبيل لفهم القرآن هو بأن يفسر بعضه بعضا فالمحكمات تفس المتشابهات ، اما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تاويله ( آل عمران 7 ).
القسم الأول :
تأويل معنى (الصلاة الوسطى ) فى الدين السنى :
نكتفى هنا بما جمعه واوجزه المؤرخ ابن كثير فى (تفسير ابن كثير ) ونقوم بتحليله و التعليق عليه.
إختيارنا تفسير ابن كثير لسببين :
1 ـ السبب الأول يرجع لابن كثير نفسه ، فهو أبرز الشيوخ فى مدرسة ابن تيمية التى قامت بتجديد الدين السنى فى العصر المملوكى ، وقد وضع ابن كثير خلاصة علمه كمؤرخ ومحدث وفقيه فى كتابه ( تفسير القرآن العظيم ) . وقد مات ابن كثير عام 774 هجرية ، واستمر نفوذه العلمى فى العصر المملوكى مؤرخا ومحدثا وفقيها .. ثم قامت (الصحوة ) الوهابية فى العصر الحديث باعلاء شيوخ المدرسة التيمية ( نسبة لابن تيمية ) خصوصا ابن كثير و ابن القيم. ولهذا يحظى تفسير ابن كثير بشهرة طاغية فى عصرنا بعد موت صاحبة بسبعة قرون .
2 ـ السبب الثانى يرجع الى منهجية ابن كثير فى تفسيره ، والتى يعبر فيها بصدق عن (نفاق ) الدين السنى وتناقضه مع نفسه ومع الاسلام .
يقول فى بداية كتابه عن منهجه فى التفسير : ( فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير ؟ فالجواب إن أصح الطريق الى ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل فى مكان فانه قد بسط فى موضع آخر، فان أعياك ذلك فعليك بالسنة فانها شارحة للقرآن وموضحة له ..) واستمر فى هذا المنحى مستشهدا بما قاله الشافعى وبأحاديث الدين السنى المعتادة الى أن يقول ( .. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه ، يعنى السنة . والسنة أيضا تتنزل عليه بالوحى كما ينزل القرآن إلا إنها لاتتلى كما يتلى القرآن ) ثم يصل فى النهاية الى قوله ( والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فان لم تجده فمن السنة ).
أولا :
ونبدأ بتحليل منهجه فى التفسير :
1 ـ لو اقتصر ابن كثير على القول بأن أحسن التفسير (أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل فى مكان فانه قد بسط فى موضع آخر ) لما كان هناك خلاف معه ، ولكنه سرعان ما نفى هذا المنهج بقوله (فان أعياك ذلك فعليك بالسنة فانها شارحة للقرآن وموضحة له ).
2 ـ لو اقتصر ابن كثير على القول بأن أحسن التفسير (أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل فى مكان فانه قد بسط فى موضع آخر ) لكان حتما عليه أن يطبق هذا المنهج فى (تفسيره ) ولكنه ملأ كتابه بالأحاديث والروايات ، دليلا على أنه انطبق عليه قوله (فان أعياك ذلك فعليك بالسنة ).
3 ـ قوله عن المنهج القرآنى فى تفسير القرآن بالقرآن صحيح ، وما أجمل قوله (، فما أجمل فى مكان فانه قد بسط فى موضع آخر ) ، وعليه فان قوله بعدها (فان أعياك ذلك فعليك بالسنة ) هو قول باطل لأنه طالما أن ما أوجزه الله تعالى فى مكان قد أوضحه فى مكان آخر فان ذلك لا يستلزم عناءا على أى باحث ، أى لا يصح أن يقول (فان أعياك ذلك ... ) لأن المفترض في العالم الذى يتصدى للبحث والتدبر ودراسة كتاب الله أن يكون على علم بالقرآن لا يتعبه ولا يعييه أن يعثر فى القرآن على المجمل و المفصل . فان عجز عن هذا فليس بصالح لتلك المهمة ، ولا ضير فى ذلك فلكل انسان عمله الذى يتقنه ويحسنه ، ولا يستلزم أن يكون كل انسان عالما بالقرآن أو عالما بالهندسة أو النجارة أو التجارة ، لا بد أن يكون عالما فى تخصصه ، فان لم يكن عالما بالقرآن فليس له أن يبحث فيما ليس مؤهلا له .
4 ـ والأهم من هذا إنه إذا دخل شخص على تدبر القرآن وهو عاجز فالعيب فيه وليس فى القرآن ، ولا يصح للقرآن الكريم أن يتحمل وزر جهله وقصور عقله . المفجع أن ابن كثير هنا يوجه العيب و القصور للقرآن الكريم و ليس للشخص الجاهل الذى يتصدى للقرىن الكريم باحثا بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير ،فيقول (فان أعياك ذلك فعليك بالسنة فانها شارحة للقرآن وموضحة له ) .
أى إنه بدلا من أن يقول (إن أصح الطريق الى ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل فى مكان فانه قد بسط فى موضع آخر، فان أعياك ذلك فلا تصلح لأن تكون عالما بالقرآن الكريم ولا يجوز لك أن تتعرض لقضاياه والتدبر فيه ) ، بدلا من ذلك وجّه ابن كثير سهامه للقرآن الكريم فقال (فان أعياك ذلك فعليك بالسنة فانها شارحة للقرآن وموضحة له).
5 ـ وقوله المسىء للقرآن الكريم : (فان أعياك ذلك فعليك بالسنة فانها شارحة للقرآن وموضحة له) يتناقض مع قوله السابق بأن القرآن يفسر بعضه بعضا وأن التفصيلات تشرح المجملات ، لأنه طالما أن شرح القرآن فى داخل القرآن ومن خلال التكرار القرآنى والتفصيل القرآنى فانه لاحاجة لمصدر خارجى .
6 ـ وقوله عن السنة (..فانها شارحة للقرآن وموضحة له ) خطأ فاضح واضح ،ووضوح هذا الخطأ يثبته ابن كثير نفسه فى كل صفحة فى تفسيره ، كما يؤكده كل أئمة الدين السنى فيما كتبوه من أحاديث اختلفوا فيها جملة وتفصيلا وخلال شرح لايزيد القارىء إلاّ حيرة و ارتباكا . فالشأن فى الكلام الشارح الموضح أن يكون مفهوما مشروحا واضحا لاخلاف فيه ولا عوج فيه . وعلى النقيض من ذلك تماما تجد كتب (التفسير) التى هى من المفروض عندهم أن ( تفسر ) القرآن فاذا بالقرآن هو الأكثر سهولة و الأكثر تيسيرا للذكر ، بينما تجد كتب (التفسير) هى الأكثر تعقيدا و الأكثر اختلافا.
إن القارىء العادى لو قرأ صفحة فى تفسير ابن كثير ـ مثلا ـ لإزداد بها صداعا وقرفا ، ولو قرأ الآية القرآنية التى يزعم ابن كثير شرحها (وتفسيرها) فسيجد الاية وحدها ناطقة مبصرة مبينة واضحة ميسرة للذكر كما قال جل وعلا .
أما الباحث المتخصص فهو يقرأ تلك الكتب (التفسير ) مضطرا لأنه عمله ولا بد أن يتقن عمله فى قراءة تلك التفاسير و فهمها وتحليلها ومناقشتها ،ثم يقوم بعرض ذلك بصورة مبسطة للقارىء و المثقف غير المتخصص.
وسيأتى النقل عن (تفسير) ابن كثير فى موضوع (الصلاة الوسطى ) وهى تجربة للقراء كى يعرفوا كم هو معقد ومتعب كلامهم الذى يقولون انه تفسير للقرآن الكريم ، ثم سيأتى تدبرنا للقرآن بالقرآن وسيكون بعون الله جل وعلا واضحا لأنه يشرح القرآن بالقرآن ـ أى يشرح الكتاب (المبين) بنفس الكتاب (المبين) ، ويأتى بالآيات (البينات ) لتشرح الآيات (البينات).
7 ـ واستطرد ابن كثير فى ترديد ما قاله الشافعى من تحريف لمعانى الايات القرآنية ليثبت كذبا وزورا وجود الدين السنى وحيا مع القرآن فى صورة تلك الأحاديث . وهى نفس ما يجتره كل أئمة الدين السنى من بعد الشافعى وحتى الان. ولقد رددنا عليها بالتفصيل فى كتابنا ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ) .
وهم لم يكتفوا فقط بتحريف معانى القرآن الكريم لاثبات مشروعية كاذبة لأحاديثهم ووحيهم السنى المزور ، بل صنعوا أحاديث كاذبة كثيرة منها ذلك الحديث المضحك الذى استشهد به ابن كثير حين قال (ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه ، يعنى السنة . ..)
وهذا الحديث البائس يوجه أكبر طعنة للنبى محمد عليه السلام إذ يتهمه بأنه أخفى جزءا من الاسلام نزل قرينا للقرآن ولم يبلغه ، بل تركه ضائعا بين الناس الى أن قاموا بكتابته بعد موت النبى محمد بقرنين وأكثر ، واختلفوا فيه ولا يزالون .. أى انهم يتهمونه أنه لم يبلغ الرسالة ولم يؤد أمانة الاسلام ..بل انهم يتهمون آلهتهم المقدسة من الخلفاء ( الراشدين ) بأنهم أيضا لم يدونوا ذلك الجزء (المزعوم ) من الاسلام فتركوه ضائعا فى عصرهم فظل ضائعا حتى العصر العباسى الثانى بعد عدة أجيال..
هذا الحديث الكاذب (ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه ) يناقض القرآن الكريم إذ يزعم أن هناك مثيلا للقرآن الكريم ، والله جل وعلا يؤكد متحديا الانس والجن أنه لا مثيل للقرآن الكريم : (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )( الاسراء 88 )
8 ـ وفى نهاية الحديث عن منهجه فى (التفسير ) يقول ابن كثير يصف السّنة (ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه ، يعنى السنة . والسنة أيضا تتنزل عليه بالوحى كما ينزل القرآن إلا إنها لاتتلى كما يتلى القرآن ). أى إن (وحى السنة ) هو الذى يشرح القرآن ويوضح القرآن .أى أن القرآن غامض ومعقد فتأتى السنة بأحاديثها فتفسر القرآن الملىء بالعوج والاختلاف و الابهام و اللوغارتيمات . ولهذا ملأ ابن كثير (تفسيره ) بالأحاديث. ومنها (تفسيره ) لمعنى ( الصلاة الوسطى )
فهل جاء وحى السنة بقول واحد ـ لا اختلاف فيه ـ حول (الصلاة الوسطى )؟ وهل جاء وحى السنة بشرح متناسق متناغم مفسر مفصل لمعنى ( الصلاة الوسطى ) ؟ المفروض أن يأتى معنى الصلاة الوسطى فى كلمة واحدة هى (كذا ) ثم يأتى الشرح والتفصيل للتأكيد .. فهل هذا هو ما جاء به وحى السنة ؟ أم جاء بالاختلاف و التنازع و التعقيد والصداع المزمن ؟
ثانيا :
تعالوا بنا نستعرض بايجاز ما قاله ابن كثير عن (الصلاة الوسطى ) ناقلا عن وحى دينه السنى:
1 ـ نقل ابن كثير أحاديث متعددة تؤكد أن الصلاة الوسطى هى صلاة الفجر أو الصبح ، وأحاديث أخرى متعددة تؤكد أنها هى صلاة الظهر ، وأحاديث أخرى تؤكد أنها صلاة العصر ، وأحاديث أخرى تؤكد أنها صلاة المغرب ،وأحاديث أخرى تؤكد أنها العشاء ثم هراء مضحك سنعرض له بالتفصيل ..
2 ـ وفى النهاية يقول ابن كثير بعد ان جاء بكل تلك الأحاديث المختلفة المتضاربة :
(وَقِيلَ بَلْ الصَّلَاة الْوُسْطَى مَجْمُوع الصَّلَوَات الْخَمْس رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ اِبْن عُمَر وَفِي صِحَّته أَيْضًا نَظَر وَالْعَجَب أَنَّ هَذَا الْقَوْل اِخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ النَّمَرِيّ إِمَام مَا وَرَاء الْبَحْر وَإِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَر إِذْ اِخْتَارَهُ مَعَ اِطِّلَاعه وَحِفْظه مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيل مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا أَثَر وَقِيلَ إِنَّهَا صَلَاة الْعِشَاء وَصَلَاة الْفَجْر وَقِيلَ بَلْ هِيَ صَلَاة الْجَمَاعَة وَقِيلَ صَلَاة الْجُمْعَة وَقِيلَ صَلَاة الْخَوْف وَقِيلَ بَلْ صَلَاة عِيد الْفِطْر وَقِيلَ بَلْ صَلَاة الْأَضْحَى وَقِيلَ الْوِتْر وَقِيلَ الضُّحَى.
وَتَوَقَّفَ فِيهَا آخَرُونَ لَمَّا تَعَارَضَتْ عِنْدهمْ الْأَدِلَّة وَلَمْ يَظْهَر لَهُمْ وَجْه التَّرْجِيح وَلَمْ يَقَع الْإِجْمَاع عَلَى قَوْل وَاحِد بَلْ لَمْ يَزَلْ النِّزَاع فِيهَا مَوْجُودًا مِنْ زَمَان الصَّحَابَة وَإِلَى الْآن قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَلِفِينَ فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال فِيهَا ضَعْف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الَّتِي قَبْلهَا وَإِنَّمَا الْمَدَار وَمُعْتَرَك النِّزَاع فِي الصُّبْح وَالْعَصْر وَقَدْ ثَبَتَتْ السُّنَّة بِأَنَّهَا الْعَصْر فَتَعَيَّنَ الْمَصِير إِلَيْهَا
وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم الرَّازِيّ رَحِمَهُمَا اللَّه فِي كِتَاب الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْت حَرْمَلَة بْن يَحْيَى اللَّخْمِيّ يَقُول : قَالَ الشَّافِعِيّ كُلّ مَا قُلْت فَكَانَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ قَوْلِي مِمَّا يَصِحّ فَحَدِيث النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَلَا تُقَلِّدُونِي وَكَذَا رَوَى الرَّبِيع وَالزَّعْفَرَانِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ الشَّافِعِيّ وَقَالَ مُوسَى أَبُو الْوَلِيد بْن أَبِي الْجَارُود عَنْ الشَّافِعِيّ إِذَا صَحَّ الْحَدِيث وَقُلْت قَوْلًا فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْ قَوْلِي وَقَائِل بِذَلِكَ فَهَذَا مِنْ سِيَادَته وَأَمَانَته وَهَذَا نَفْس إِخْوَانه مِنْ الْأَئِمَّة رَحِمَهُمْ اللَّه وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ آمِينَ
وَمِنْ هَاهُنَا قَطَعَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيّ بِأَنَّ مَذْهَب الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ صَلَاة الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الْعَصْر وَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ فِي الْجَدِيد وَغَيْره أَنَّهَا الصُّبْح لِصِحَّةِ الْأَحَادِيث أَنَّهَا الْعَصْر وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَة جَمَاعَة مِنْ مُحَدِّثِي الْمَذْهَب وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَمِنْ الْفُقَهَاء فِي الْمَذْهَب مَنْ يُنْكِر أَنْ تَكُون هِيَ الْعَصْر مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَصَمَّمُوا عَلَى أَنَّهَا الصُّبْح قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ وَلِتَقْرِيرِ الْمُعَاوَضَات وَالْجَوَابَات مَوْضِع آخَر غَيْر هَذَا وَقَدْ أَفْرَدْنَاهُ عَلَى حِدَة وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة . )

3 ـ يهمنا هنا قوله (وَتَوَقَّفَ فِيهَا آخَرُونَ لَمَّا تَعَارَضَتْ عِنْدهمْ الْأَدِلَّة وَلَمْ يَظْهَر لَهُمْ وَجْه التَّرْجِيح وَلَمْ يَقَع الْإِجْمَاع عَلَى قَوْل وَاحِد بَلْ لَمْ يَزَلْ النِّزَاع فِيهَا مَوْجُودًا مِنْ زَمَان الصَّحَابَة وَإِلَى الْآن )
اى ان وحيهم جاء بآراء مختلفة تتهم النبى محمدا بانه قال آراء متعارضة مختلفة .. فهل يكون الوحى الالهى أساسا للاختلاف والتناقض ؟ وصدق الله تعالى العظيم القائل عن القرآن (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا )(النساء 82 ) أى لا بد لأى كلام يزعم الوحى الالهى أن يتاسس على الاختلاف ، ليس الاختلاف العادى ولكن الاختلاف الكثير لأنه يقوم على الهوى .
ويقول تعالى عن القرآن الكريم الذى لا عوج فيه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا)( الكهف 1 ) ويقول مؤكدا نفس الحقيقة :( قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (الزمر 28 ) .

4 ـ بل يصل اختلافهم ليس فقط فى أحاديث الدين السنى أو الوحى السنى المفترى ولكن أيضا الى المنقول عن المذهب الشافعى ، وننقل هنا عن ابن كثير مما سبق قوله (وَمِنْ هَاهُنَا قَطَعَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيّ بِأَنَّ مَذْهَب الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ صَلَاة الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الْعَصْر وَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ فِي الْجَدِيد وَغَيْره أَنَّهَا الصُّبْح لِصِحَّةِ الْأَحَادِيث أَنَّهَا الْعَصْر وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَة جَمَاعَة مِنْ مُحَدِّثِي الْمَذْهَب وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَمِنْ الْفُقَهَاء فِي الْمَذْهَب مَنْ يُنْكِر أَنْ تَكُون هِيَ الْعَصْر مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَصَمَّمُوا عَلَى أَنَّهَا الصُّبْح قَوْلًا وَاحِدًا ).
أى انهم فى جزئية واحدة هى معنى ( الصلاة الوسطى ) اختلف فقهاء المذهب الشافعى فقال بعضهم انها العصر وصمم آخرون انها صلاة الصبح ،بل اختلف الشافعى نفسه مع نفسه فقال مرة انها العصر وقال مرة اخرى انها الصبح .. وللشافعى ولكل منهم الوحى (الكاذب )الخاص به والأحاديث التى يصنعها لتعزز موقفه ..

ثالثا : الاختلافات بالتفصيل فى أحاديث الصلاة الوسطى
ونعتذر مقدما للقارىء العزيز لاضطرارنا الى الاستشهاد بمقاطع طويلة من (تفسير ) ابن كثير عن اختلاف (الوحى ) السنى فى تفصيل معانى (الصلاة الوسطى ) . وهى فرصة لكى يعرف القارى أكذوبة ( التفسير ) ومعنى أن يكون (تفسيرهم ) معقدا ومشوشا و ومتناقضا ومربكا وصداعا لكل من يقرأ..مع انه مجرد (تفسير) لكلمة واحدة هى ( الصلاة الوسطى ) .
يقول ابن كثير فى تفسيره عن الصلاة الوسطى :
( وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف وَالْخَلَف فِيهَا أَيّ صَلَاة هِيَ )
ويحكى ابن كثير اختلاف الأحاديث فى تحديد (ألصلاة الوسطى ) :
1 ـ فهناك وحى سنى يؤكد أنها صلاة الفجر أو الصبح أو الغداة .. وكلها بمعنى واحد .. يقول :
( فَقِيلَ إِنَّهَا الصُّبْح حَكَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ بَلَاغًا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَقَالَ هُشَيْم وَابْن عُلَيَّة وَغُنْدَر وَابْن أَبِي عَدِيّ وَعَبْد الْوَهَّاب وَشَرِيك وَغَيْرهمْ عَنْ عَوْف الْأَعْرَابِيّ عَنْ أَبِي رَجَاء الْعُطَارِدِيّ قَالَ : صَلَّيْت خَلْف اِبْن عَبَّاس الْفَجْر فَقَنَتَ فِيهَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ الصَّلَاة الْوُسْطَى الَّتِي أُمِرْنَا أَنْ نَقُوم فِيهَا قَانِتِينَ رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث عَوْف عَنْ خَلَّاس بْن عَمْرو عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله سَوَاء وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب حَدَّثَنَا عَوْف عَنْ أَبِي الْمِنْهَال عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ صَلَّى الْغَدَاة فِي مَسْجِد الْبَصْرَة فَقَنَتَ قَبْل الرُّكُوع وَقَالَ هَذِهِ الصَّلَاة الْوُسْطَى الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي كِتَابه فَقَالَ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" وَقَالَ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامَغَانِيّ أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك أَخْبَرَنَا الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : صَلَّيْت خَلْف عَبْد اللَّه بْن قَيْس بِالْبَصْرَةِ صَلَاة الْغَدَاة فَقُلْت لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جَانِبِي مَا الصَّلَاة الْوُسْطَى ؟ قَالَ : هَذِهِ الصَّلَاة . وَرُوِيَ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ الرَّبِيع عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَنَّهُ صَلَّى مَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاة الْغَدَاة فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ : قُلْت لَهُمْ أَيَّتهنَّ الصَّلَاة الْوُسْطَى ؟ قَالُوا : الَّتِي قَدْ صَلَّيْتهَا قَبْلُ . وَقَالَ أَيْضًا حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار حَدَّثَنَا اِبْن عَثْمَة عَنْ سَعِيد بْن بَشِير عَنْ قَتَادَة عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح. وَحَكَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ اِبْن عُمَر وَأَبِي أُمَامَة وَأَنَس وَأَبِي الْعَالِيَة وَعُبَيْد بْن عُمَيْر وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَجَابِر بْن زَيْد وَعِكْرِمَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " وَالْقُنُوت عِنْده فِي صَلَاة الصُّبْح . )
( وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ وُسْطَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تُقْصَر وَهِيَ بَيْن صَلَاتَيْنِ رُبَاعِيَّتَيْنِ مَقْصُورَتَيْنِ وَتَرِد الْمَغْرِب وَقِيلَ لِأَنَّهَا بَيْن صَلَاتَيْ لَيْل جَهْرِيَّتَيْنِ وَصَلَاتَيْ نَهَار سِرِّيَّتَيْنِ . )
2 ـ وقبل ان تؤمن بهذا الوحى وتلك الأحاديث التى يزعمون ان النبى محمدا قالها فى ان (الصلاة الوسطى ) هى الفجر يفاجئك ابن كثير بتفصيلات من أحاديث أخرى وأقاويل أخرى قالها أيضا ـ بزعمهم ـ النبى محمد تؤكد أن الصلاة الوسطى هى صلاة الظهر ، يقول :
( وَقِيلَ إِنَّهَا صَلَاة الظُّهْر قَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده : حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الزِّبْرِقَان يَعْنِي اِبْن عَمْرو عَنْ زَهْرَة يَعْنِي اِبْن مَعْبَد قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْد زَيْد بْن ثَابِت فَأَرْسَلُوا إِلَى أُسَامَة فَسَأَلُوهُ عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ هِيَ الظُّهْر كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا بِالْهَجِيرِ . وَقَالَ أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة حَدَّثَنِي عَمْرو بْن أَبِي حَكِيم سَمِعْت الزِّبْرِقَان يُحَدِّث عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْر بِالْهَاجِرَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاة أَشَدّ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا فَنَزَلَتْ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " وَقَالَ إِنَّ قَبْلهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدهَا صَلَاتَيْنِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث شُعْبَة بِهِ وَقَالَ أَحْمَد أَيْضًا : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن أَبِي وَهْب عَنْ الزِّبْرِقَان أَنَّ رَهْطًا مِنْ قُرَيْش مَرَّ بِهِمْ زَيْد بْن ثَابِت وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ غُلَامَيْنِ لَهُمْ يَسْأَلَانِهِ عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ هِيَ الْعَصْر فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْهُمْ فَسَأَلَاهُ فَقَالَ هِيَ الظُّهْر ثُمَّ اِنْصَرَفَا إِلَى أُسَامَة بْن زَيْد فَسَأَلَاهُ فَقَالَ هِيَ الظُّهْر إِنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الظُّهْر بِالْهَجِيرِ فَلَا يَكُون وَرَاءَهُ إِلَّا الصَّفّ وَالصَّفَّانِ وَالنَّاس فِي قَائِلَتهمْ وَفِي تِجَارَتهمْ فَأَنْزَلَ اللَّه " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتهمْ " وَالزِّبْرِقَان هُوَ اِبْن عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ لَمْ يُدْرِك أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَة وَالصَّحِيح مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَته عَنْ زُهْرَة بْن مَعْبَد وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَقَالَ شُعْبَة وَهَمَّام عَنْ قَتَادَة عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ : الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الظُّهْر.وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَغَيْره عَنْ شُعْبَة أَخْبَرَنِي عُمَر بْن سُلَيْمَان مِنْ وَلَد عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبَان بْن عُثْمَان يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ : الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الظُّهْر وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة عَنْ عَبْد الصَّمَد عَنْ شُعْبَة عَنْ عُمَر بْن سُلَيْمَان عَنْ زَيْد بْن ثَابِت فِي حَدِيث رَفَعَهُ قَالَ " الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الظُّهْر " وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا الظُّهْر اِبْن عُمَر وَأَبُو سَعِيد وَعَائِشَة عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْل عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ وَرِوَايَة عَنْ أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُمْ اللَّه. )
3 ـ وقبل ان تستوعب ما يقال يضربك ابن كثير بأحاديث أخرى تؤكد بأن (الصلاة الوسطى ) هى العصر.. يقول :
( وَقِيلَ إِنَّهَا صَلَاة الْعَصْر قَالَ التِّرْمِذِيّ وَالْبَغَوِيّ رَحِمَهُمَا اللَّه : وَهُوَ قَوْل أَكْثَر عُلَمَاء الصَّحَابَة وَغَيْرهمْ . وَقَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيّ هُوَ قَوْل جُمْهُور التَّابِعِينَ . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ هُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل الْأَثَر وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بْن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره وَهُوَ قَوْل جُمْهُور النَّاس وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْمُؤْمِن بْن خَلَف الدِّمْيَاطِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الْغَطَا فِي تَبْيِين الصَّلَاة الْوُسْطَى وَقَدْ نَصَّ فِيهِ أَنَّهَا الْعَصْر وَحَكَاهُ عَنْ عُمَر وَعَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَأَبِي أَيُّوب وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَسَمُرَة بْن جُنْدَب وَأَبِي هُرَيْرَة وَأَبِي سَعِيد وَحَفْصَة وَأُمّ حَبِيبَة وَأُمّ سَلَمَة وَعَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة عَلَى الصَّحِيح عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ عَبِيدَة وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَأَبُو رَزِين وَزِرّ بْن حُبَيْش وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن سِيرِينَ وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل وَعُبَيْد بْن مَرْيَم وَغَيْرهمْ وَهُوَ مَذْهَب أَحْمَد بْن حَنْبَل . قَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيّ : وَالشَّافِعِيّ قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَهُوَ الصَّحِيح عَنْ أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد وَاخْتَارَهُ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ رَحِمَهُمْ اللَّه . ذِكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ مُسْلِم عَنْ شُتَيْر بْن شَكَل عَنْ عَلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْم الْأَحْزَاب " شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر مَلَأَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا " ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْن الْعِشَاءَيْنِ الْمَغْرِب وَالْعِشَاء" وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بْن حَازِم الضَّرِير وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق عِيسَى بْن يُونُس كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَش عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ شُتَيْر بْن شَكَل بْن حُمَيْد عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْله وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ الْحَكَم بْن عُيَيْنَة عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَاب الْمَسَانِيد وَالسُّنَن وَالصِّحَاح مِنْ طُرُق يَطُول ذِكْرهَا عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ عَنْ عَلِيّ بِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ عَلِيّ بِهِ قَالَ التِّرْمِذِيّ : وَلَا يَعْرِف سَمَاعه مِنْهُ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سِنَان حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ عَاصِم عَنْ زِرّ قَالَ : قُلْت لِعَبِيدَةَ سَلْ عَلِيًّا عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى فَسَأَلَهُ فَقَالَ : كُنَّا نَرَاهَا الْفَجْر - أَوْ الصُّبْح - حَتَّى سَمِعْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول يَوْم الْأَحْزَاب شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر مَلَأ اللَّه قُبُورهمْ وَأَجْوَافهمْ أَوْ بُيُوتهمْ نَارًا وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ بُنْدَار عَنْ اِبْن مَهْدِيّ بِهِ . وَحَدِيث يَوْم الْأَحْزَاب وَشَغْل الْمُشْرِكِينَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابه عَنْ أَدَاء صَلَاة الْعَصْر يَوْمَئِذٍ فَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة يَطُول ذِكْرهمْ وَإِنَّمَا الْمَقْصُود رِوَايَة مَنْ نَصَّ مِنْهُمْ فِي رِوَايَته أَنَّ الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الْعَصْر وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَالْبَرَاء بْن عَازِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " حَدِيثٌ آخَرُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا هَمَّام عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَحَدَّثَنَا بَهْز وَعَفَّان قَالَا : حَدَّثَنَا أَبَان حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى " وَسَمَّاهَا لَنَا أَنَّهَا هِيَ صَلَاة الْعَصْر وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَرَوْح قَالَا : حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ سُمْرَة بْن جُنْدُب أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هِيَ الْعَصْر قَالَ اِبْن جَعْفَر : سُئِلَ عَنْ صَلَاة الْوُسْطَى وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة وَقَالَ : حَسَن صَحِيح وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيث آخَر وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنِيع حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن عَطَاء عَنْ التَّيْمِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " " طَرِيق أُخْرَى بَلْ حَدِيث آخَر " قَالَ اِبْن جَرِير وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن أَحْمَد الْجُرَشِيّ الْوَاسِطِيّ حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم قَالَ : أَخْبَرَنِي صَدَقَة بْن خَالِد حَدَّثَنِي خَالِد بْن دِهْقَان عَنْ خَالِد بْن سِيلَان عَنْ كُهَيْل بْن حَرْمَلَة قَالَ : سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ : اِخْتَلَفْنَا فِيهَا كَمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهَا وَنَحْنُ بِفِنَاءِ بَيْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِينَا الرَّجُل الصَّالِح أَبُو هَاشِم بْن عُتْبَة بْن رَبِيعَة بْن عَبْد شَمْس فَقَالَ : أَنَا أَعْلَم لَكُمْ ذَلِكَ فَقَامَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ : أَخْبَرَنَا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه جِدًّا
حَدِيث آخَر " قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد السَّلَام عَنْ مُسْلِم مَوْلَى أَبِي جُبَيْر حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد الدِّمَشْقِيّ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان فَقَالَ : يَا فُلَان اِذْهَبْ إِلَى فُلَان فَقُلْ لَهُ : أَيّ شَيْء سَمِعْت مِنْ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى ؟ فَقَالَ رَجُل جَالِس : أَرْسَلَنِي أَبُو بَكْر وَعُمَر وَأَنَا غُلَام صَغِير أَسْأَلهُ عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى فَأَخَذَ أُصْبُعِي الصَّغِير فَقَالَ هَذِهِ صَلَاة الْفَجْر وَقَبَضَ الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِهِ الظُّهْر ثُمَّ قَبَضَ الْإِبْهَام فَقَالَ هَذِهِ الْمَغْرِب ثُمَّ قَبَضَ الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِهِ الْعِشَاء ثُمَّ قَالَ : أَيّ أَصَابِعك بَقِيَتْ فَقُلْت الْوُسْطَى فَقَالَ أَيّ الصَّلَاة بَقِيَتْ ؟ فَقُلْت الْعَصْر فَقَالَ هِيَ الْعَصْر غَرِيب أَيْضًا جِدًّا " حَدِيث آخَر " قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَوْف الطَّائِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي أَبُو ضَمْضَم بْن زُرْعَة عَنْ شُرَيْح بْن عُبَيْد عَنْ أَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر إِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ " حَدِيث آخَر " قَالَ أَبُو حَاتِم بْن حِبَّان فِي صَحِيحه : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن زُهَيْر حَدَّثَنَا الْجَرَّاح بْن مَخْلَد حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَاصِم حَدَّثَنَا هَمَّام بْن مُوَرِّق الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن مُصَرِّف عَنْ زُبَيْد الْيَامِيّ عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر ثُمَّ قَالَ : حَسَن صَحِيح وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن طَلْحَة بِهِ وَلَفْظَة شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر الْحَدِيث فَهَذِهِ نُصُوص فِي الْمَسْأَلَة لَا تَحْتَمِل شَيْئًا وَيُؤَكِّد ذَلِكَ الْأَمْر بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَقَوْله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيث الصَّحِيح مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْله وَمَاله وَفِي الصَّحِيح أَيْضًا مِنْ حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي قِلَابَة عَنْ أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي الْمُجَاهِر عَنْ بُرَيْدَة بْن الْحُصَيْب عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْم الْغَيْم فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ صَلَاة الْعَصْر فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن إِسْحَاق أَخْبَرَنَا اِبْن لَهِيعَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن هُبَيْرَة عَنْ أَبِي تَمِيم عَنْ أَبِي نَضْرَة الْغِفَارِيّ قَالَ : صَلَّى بِنَّا رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتهمْ يُقَال لَهُ الْحَمِيص صَلَاة الْعَصْر فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاة عُرِضَتْ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ فَضَيَّعُوهَا أَلَا وَمَنْ صَلَّاهَا ضُعِّفَ لَهُ أَجْره مَرَّتَيْنِ أَلَا وَلَا صَلَاة بَعْدهَا حَتَّى تَرَوْا الشَّاهِد " ثُمَّ قَالَ : رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن إِسْحَاق عَنْ اللَّيْث عَنْ جُبَيْر بْن نُعَيْم عَنْ عَبْد اللَّه بْن هُبَيْرَة بِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَة عَنْ اللَّيْث وَرَوَاهُ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب كِلَاهُمَا عَنْ جُبَيْر بْن نُعَيْم الْحَضْرَمِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن هُبَيْرَة السَّبَائِيّ بِهِ ...)
4 ـ ثم بعد هذا التاكيد الهائل على انها صلاة العصر يتلاعب بك ابن كثير فيؤكد عبر أحاديث أخرى انها صلاة المغرب ، يقول :
( وَقِيلَ إِنَّ الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الْمَغْرِب رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ اِبْن عَبَّاس وَفِي إِسْنَاده نَظَر فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْجُمَاهِر عَنْ سَعِيد بْن بَشِير عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي الْخَلِيل عَنْ عَمّه عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : صَلَاة الْوُسْطَى الْمَغْرِب وَحَكَى هَذَا الْقَوْل اِبْن جَرِير عَنْ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَة عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ وَوَجَّهَ هَذَا الْقَوْلَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا وُسْطَى فِي الْعَدَد بَيْن الرُّبَاعِيَّة وَالثُّنَائِيَّة وَبِأَنَّهَا وِتْر الْمَفْرُوضَات وَبِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْفَضِيلَة وَاَللَّه أَعْلَم ).

5 ـ وحتى يحرمك من النوم وينغص عليك حياتك يصفعك ابن كثير بأحاديث أخرى تؤكد أنها صلاة العشاء ، يقول :

(وَقِيلَ إِنَّهَا الْعِشَاء الْأَخِيرَة اِخْتَارَهُ عَلِيّ بْن أَحْمَد الْوَاحِدِيّ فِي تَفْسِيره الْمَشْهُور وَقِيلَ هِيَ وَاحِدَة مِنْ الْخَمْس بِعَيْنِهَا وَأُبْهِمَتْ فِيهِنَّ كَمَا أُبْهِمَتْ لَيْلَة الْقَدْر فِي الْحَوْل أَوْ الشَّهْر أَوْ الْعَشْر وَيُحْكَى هَذَا الْقَوْل عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَشُرَيْح الْقَاضِي وَنَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر وَالرَّبِيع بْن خُثَيْم وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ زَيْد بْن ثَابِت وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيّ فِي نِهَايَته).

6 ـ ثم يتشفى فى حيرتك فيزيدك حيرة بالاتيان بأحاديث أخرى غير متوقعة بعد أن استنفد الصلوات الخمس فيقول :
(وَقِيلَ بَلْ الصَّلَاة الْوُسْطَى مَجْمُوع الصَّلَوَات الْخَمْس رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ اِبْن عُمَر وَفِي صِحَّته أَيْضًا نَظَر وَالْعَجَب أَنَّ هَذَا الْقَوْل اِخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ النَّمَرِيّ إِمَام مَا وَرَاء الْبَحْر وَإِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَر إِذْ اِخْتَارَهُ مَعَ اِطِّلَاعه وَحِفْظه مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيل مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا أَثَر وَقِيلَ إِنَّهَا صَلَاة الْعِشَاء وَصَلَاة الْفَجْر وَقِيلَ بَلْ هِيَ صَلَاة الْجَمَاعَة وَقِيلَ صَلَاة الْجُمْعَة وَقِيلَ صَلَاة الْخَوْف وَقِيلَ بَلْ صَلَاة عِيد الْفِطْر وَقِيلَ بَلْ صَلَاة الْأَضْحَى وَقِيلَ الْوِتْر وَقِيلَ الضُّحَى ..).

7 ـ العادة أن المذاهب البشرية الفلسفية والفكرية تقدم رؤى منطقية ، وقد تختلف ولكنها تقدم أدلة وبراهين ..ولكننا هنا أمام دين أرضى يتشاجر اصحابه ويتبارزون ليس بالرأى والرأى المخالف ولكن بصناعة أحاديث ونسبتها للرسول عليه السلام ن ويعتبرونها وحيا الاهيا ، أى يطعنون فى الرسول وفى رب العزة. لو اجتهدوا وقالوا هذا راينا وتلك حجتنا بدون الكذب على الله تعالى ورسوله وبدون اعتبار أكاذيبهم وحيا لاستحقوا بعض الاحترام . ولكنهم وضعوا كل تلك الأكاذيب على دين الاسلام ورسول الاسلام عليه السلام .

8 ـ قد يعتب علينا البعض نبرة الهجوم ، ولا نعتذر عن ذلك لأن أولئك الناس قد وصل بهم الغلو الى التشكيك فى القرآن الكريم نفسه فى حمأة تعصبهم لآرائهم ، أى لم يكتفوا فقط باسناد آرائهم للنبى محمد واعتبارها وحيا سماويا (جاء بأثر رجعى ) بلا وصل تحريفهم الى الزعم بأن هناك ألفاظا منسية فى القرآن تؤكد رأيهم فى أن الصلاة الوسطى هى صلاة العصر ،وأن هناك مصاحف منسية فيها هذا الكلام .
هذا الافك نقله ابن كثير فى تفسيره ونتوقف معها بالتفصيل :
رابعا : الطعن فى حفظ الله تعالى للقرآن الكريم والزعم بوجود آيات منسية فيه
1 ـ فابن كثير فى تفسيره عن الصلاة الوسطى يقول ان هناك مصحفا لعائشة فيه ما يؤكد ان (الصلاة الوسطى ) هى العصر ، يقول :
( فَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا حَدَّثَنَا إِسْحَاق أَخْبَرَنِي مَالِك عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ الْقَعْقَاع بْن حَكِيم عَنْ أَبِي يُونُس مَوْلَى عَائِشَة قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَة أَنْ أَكْتُب لَهَا مُصْحَفًا قَالَتْ : إِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الْآيَة " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى " فَآذِنِّي فَلَمَّا بَلَغْتهَا آذَنْتهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " قَالَتْ : سَمِعْتهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى عَنْ مَالِك بِهِ )
أى إن السيدة عائشة ـ بزعمهم ـ أمرت أحدهم أن يكتب لها مصحفا لمجرد أن تصحح له آية (الصلاة الوسطى ) ..!
2 ـ ويؤكد هذا الافك بحديث آخر عن مصحف عائشة المزعوم فيقول :
( وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الْحَجَّاج حَدَّثَنَا حَمَّاد عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ فِي مُصْحَف عَائِشَة " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَهِيَ صَلَاة الْعَصْر " وَهَكَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيق الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَهَا كَذَلِكَ )
3 ـ ثم افتروا أحاديث أخرى بنفس الطريقة وتقريبا بنفس الألفاظ ، تزعم أن السيدة حفصة هى التى طلبت نفس ما طلبته السيدة عائشة .. يقول ابن كثير : (وَقَدْ رَوَى الْإِمَام مَالِك أَيْضًا عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ عَمْرو بْن رَافِع قَالَ : كُنْت أَكْتُب مُصْحَفًا لِحَفْصَة زَوْج النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ : إِذَا بَلَغْت هَذِهِ الْآيَة فَآذِنِّي " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى " فَلَمَّا بَلَغْتهَا آذَنْتهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَنَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر أَنَّ عُمَر بْن نَافِع قَالَ : فَذَكَرَ مِثْله وَزَادَ كَمَا حَفِظَتْهَا مِنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".
4 ـ ثم يؤكدون هذا الافك المنسوب للسيدة حفصة زوج النبى عليه السلام ، يقول ابن كثير :
( طَرِيق أُخْرَى عَنْ حَفْصَة " قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْأَزْدِيّ عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه أَنَّ حَفْصَة أَمَرَتْ إِنْسَانًا أَنْ يَكْتُب لَهَا مُصْحَفًا فَقَالَتْ إِذَا بَلَغْت هَذِهِ الْآيَة " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى " فَآذِنِّي فَلَمَّا بَلَغَ آذَنهَا فَقَالَتْ اُكْتُبْ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر. )
قَالَ نَافِع : فَقَرَأْت ذَلِكَ الْمُصْحَف فَوَجَدْت فِيهِ الْوَاو . وَكَذَا رَوَى اِبْن جَرِير عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعُبَيْد بْن عُمَيْر أَنَّهُمَا قَرَآ كَذَلِكَ وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا عَبِيدَة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَة عَنْ عَمْرو بْن رَافِع مَوْلَى عُمَر قَالَ : كَانَ فِي مُصْحَف حَفْصَة " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ "فَلَا تَكْتُبهَا حَتَّى أُمْلِيهَا عَلَيْك كَمَا سَمِعْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا أَمَرْته فَكَتَبَهَا " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " قَالَ نَافِع : فَقَرَأْت ذَلِكَ الْمُصْحَف فَوَجَدْت فِيهِ الْوَاو . وَكَذَا رَوَى اِبْن جَرِير عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعُبَيْد بْن عُمَيْر أَنَّهُمَا قَرَآ كَذَلِكَ وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا عَبِيدَة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَة عَنْ عَمْرو بْن رَافِع مَوْلَى عُمَر قَالَ : كَانَ فِي مُصْحَف حَفْصَة " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ..)
5 ـ ويحاول ابن كثير ستر عورة هذا الافك الذى يبغى على القرآن الكريم المحفوظ من لدن الله تعالى ، فيقول أن تلك الأحاديث هى أحاديث آحاد ، أو (خبر ) رواه ( واحد) فقط ، فلا يمكن ان يكون قرآنا لأن القرآن الكريم بالتواتر القطعى وليس بالأحاديث الفردية .. يقول ( وَأَمَّا إِنْ رُوِيَ عَلَى أَنَّهُ قُرْآن فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَر فَلَا يَثْبُت بِمِثْلِ خَبَر الْوَاحِد قُرْآن وَلِهَذَا لَمْ يُثْبِتهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان بْن عَفَّان - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فِي الْمُصْحَف وَلَا قَرَأَ بِذَلِكَ أَحَد مِنْ الْقُرَّاء الَّذِينَ تَثْبُتُ الْحُجَّة بِقِرَاءَتِهِمْ لَا مِنْ السَّبْعَة وَلَا مِنْ غَيْرهمْ)

6 ـ ثم يضيف ابن كثير سببا آخر يستر به عورة هذا الافك ، فيزعم أن تلك الاضافة المزعومة من( المنسوخ ) أى كانت موجودة وتم إلغاؤها طبقا لاسطورة النسخ بمعنى الحذف والالغاء ، ولقد أبطلنا اسطورة النسخ فى بحثنا المنشور بعنوان ( لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم : النسخ فى القرآن يعنى الكتابة و الاثبات وليس الحذف والالغاء ) ..
يقول ابن كثير : ( ثُمَّ قَدْ رُوِيَ مَا يَدُلّ عَلَى نَسْخ هَذِهِ التِّلَاوَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْحَدِيث قَالَ مُسْلِم : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن آدَم عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق عَنْ شَقِيق بْن عُقْبَة عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : نَزَلَتْ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَصَلَاة الْعَصْر " فَقَرَأْنَاهَا عَلَى رَسُول اللَّه – صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى " فَقَالَ لَهُ زَاهِر رَجُل كَانَ مَعَ شَقِيق : أَفَهِيَ الْعَصْر ؟ قَالَ : قَدْ حَدَّثْتُك كَيْف نَزَلَتْ وَكَيْف نَسَخَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ مُسْلِم : وَرَوَاهُ الْأَشْجَعِيّ عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَسْوَد عَنْ شَقِيق قُلْت : وَشَقِيق هَذَا لَمْ يَرْوِ لَهُ مُسْلِم سِوَى هَذَا الْحَدِيث الْوَاحِد وَاَللَّه أَعْلَم )

وفى النهاية:
فهذا ( التفسير ) كتبه أناس دخلوا على القرآن بآراء مسبقة فتلاعبوا بالآيات ، ووضعوا آراءهم فى شكل أحاديث نسبوها كذبا للنبى محمد عليه سلام الله جل وعلا ، ثم لم يكتفوا بذلك فوجهوا طعنهم للقرآن الكريم لمجرد أن يثبتوا آراءهم ، وليتفوقوا على معارضيهم .

القسم الثانى : التدبر القرآنى فى فهم معنى (الصلاة الوسطى ) :

1 ـ تدبر القرآن يعنى أن تدخل على كتاب الله جل وعلا بدون رأى مسبق تحاول إثباته ، بل بقلب مفتوح للهداية بالكتاب الذى هو (هدى للمتقين ) ، ثم تفهم القرآن وفق مصطلحاته ، وتتتبع كل الآيات الخاصة بالموضوع والقريبة من الموضوع ، و تتعرف على الفوارق بين ما يكون من الآيات قاعدة وما يكون تفصيلا وشرحا وما يكون استثناءا، وما هو من المحكمات وما هو من المتشابهات الشارحات المفصلات للآيات المحكمات ..وفى النهاية سترى أن القرآن الكريم بناء الهى هندسى لا عوج فيه ولا اختلاف .. المهم أن تعرف (شفرة ) هذا التكوين الهندسى الالهى البديع ، والشفرة ليست لغزا ، هى ذلك المنهج الذى أشرنا اليه ، وهو منهج علمى موضوعى لدراسة أى كتاب بشرى ..

2 ـ وبايجاز نقول :
إن معنى الصلاة الوسطى هى الصلاة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر ، هى الصلاة التى تجعل صاحبها متقيا ، هى الصلاة التى تطبق قوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) ويكون من يصلى من (المحافظين على الصلاة ) أى يأتمر بقوله تعالى (حافظوا على الصلوات ) .
وبنفس الايجاز نقول :
هناك نوعان من الصلاة حسب قبولها عند الله تعالى وحسب المقصد التشريعى منها :
* صلاة مقبولة عند الله وهى الصلاة (المقامة : بضم الميم الأولى وفتح الميم الأخيرة ) أى التى أقامها صاحبها فى سلوكه تقوى لله وخشية منه جل وعلا ، أوالصلاة ( المحافظ عليها : المحافظ : بضم الميم وفتح الفاء ) أى التى يحافظ صاحبها عليها بتمسكه بالطاعات و ابتعاده عن الفواحش والمنكرات.
* صلاة لا يقبلها الله تعالى ، وهى الصلاة ( المضاعة : بضم الميم وفتح العين ) اى التى أضاعها صاحبها بالمعاصى والفسوق ،أو الصلاة ( المسهو عنها : المسهو : بفتح الميم وسكون السين وضم الهاء) أى التى يسهو المصلى عن الهدف من صلاته ، فيظل سادرا فى فسوقه مع أدائه شكليا ومظهريا للصلاة.
وعليه فان قوله تعالى (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ) يأمر المؤمنين بالمحافظة على الصلوات ، وشرح ذلك بأن تكون الصلاة وسطى ، أى أن الصلاة الوسطى هى التى يتم المحافظة عليها بالابتعاد عن الفحشاء والمنكر و بالالتزام بتقوى الله جل وعلا ، وهذه المحافظة على الصلاة تكون بعد وقبل تادية الصلاة ، بمعنى أن تؤثر الصلاة فى سلوكك فتثمر تقوى وعملا صالحا بين الصلوات ، فلا تصلى وانت معتاد على الكذب أو مدمن للزنا أو متمسك بظلم الناس ، وأما فى داخل الصلاة فلا بد أن تكون خاشعا أثناء صلاتك ،أو بالتعبير القرآنى أن تقوم لله تعالى قانتا.
أى أن واو العطف فى قوله تعالى (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) تقوم بوظيفتها فى القرآن بالشرح والايضاح و التفصيل ، فالصلاة الوسطى (معطوفة عطف بيان ) على جملة ( حافظوا على الصلاة ) ، أى أن واو العطف هنا تجعل الصلاة الوسطى شارحة وموضحة لمعنى الأمر الالهى ( حافظوا على الصلاة ). ثم تأتى واو العطف فى بقية الآية ( وقوموا لله قانتين ) تزيد مع المحافظة على الصلاة أى الصلاة الوسطى أمرا آخر شارحا وهو الأمر بالخشوع فى تأدية الصلاة ، وأن هذا الخشوع يبدأ بلحظة التهيؤ للصلاة، والقيام لها ، والقيام فيها بعد الركوع والسجود ،فى كل ذلك لا بد من القنوت و الخشوع ،أى لا بد من المحافظة على الصلوات الخمس كلها بالتقوى فيما بين أداء تلك الصلوات ، ثم الخشوع أثناء تأدية تلك الصلوات.
وبايجاز أكثر نقول : إن معنى (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ) قد تم شرحه من قبل فى افتتاحية سورة المؤمنون .

3 ـ وهذا يستلزم توضيحا :
فالصلاة ليست هدفا في حد ذاتها وكذلك كل العبادات، فهي جميعا وسائل للتقوى، يقول تعالى للبشر " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. البقرة 21" فالتقوى هي الهدف وسائر العبادات وسائل لتنمية مشاعر التقوى والخوف من الله.
فالصيام وسيلة إلى التقوى يقول تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. البقرة 183)
والصلاة أيضا وسيلة للتقوى، والذي يحافظ على صلاته أومن يقيم الصلاة هو الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فيكون متقيا لله تعالى " وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " العنكبوت 45)
أما الذي يضيع صلاته فهو ذلك المصلى الذي يقع في المعاصي. قد يكون مؤمنا ولكنه لن يكون مؤمنا من المفلحين أصحاب الجنة. لقد بدأت سورة "المؤمنون" بتحديد المؤمنين المفلحين، وجاء التحديد مرتبطا بإقامة الصلاة والخشوع فيها ليؤكد إن بعض المؤمنين وبعض من يصلى منهم لن يكون من أصحاب الجنة لأنه لم يخشع في صلاته ولم يقم بالمحافظة عليها بالتزام السلوك الحميد.
يقول تعالى:" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" فلم يعط القرآن الكريم صفة الفلاح لكل المؤمنين بل توالت الآيات تحدد من هم المفلحون من المؤمنين، فقالت:" الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ " أي حين يصلى أحدهم لا بد أن يخشع في صلاته حين يناجى ربه مبتهلا له يدعوه رغبة ورهبة دون أن يسمعه أحد، ودون أن يكون هناك وسيط بينه وبين ربه جل وعلا. إنها علاقة مباشرة بينه وبين مولاه يشكو له جل وعلا ما يلاقيه في المحنة ويشكر له عند المنحة والنعمة. بعد الخشوع في الصلاة تأتى صفات أخلاقية أخرى يتصف بها المؤمن ويلتزم بها بين صلواته، هي الاعرض عن اللغو ثم التزام الزكاة أي السمو في أفعالهم والابتعاد عن الزنا ثم مراعاة العهود والأمانات وبالتزام تلك الأخلاق يكون الحفاظ الفعلي على الصلاة " وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ".
هذا هو معنى المحافظة على الصلاة. وهو نفس معنى إقامة الصلاة.
وهذا يستحق تفصيلا وتوضيحا.

معنى إقامة الصلاة والمحافظة على الصلاة

التطبيق العملي لإقامة الصلاة هو الجمع بين الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها.
فالصلاة تستلزم أثناء تأديتها خشوعا كما تستلزم تقوى ومحافظة على السلوك القويم فيما بين الصلوات الخمسة. أي أن يوم المؤمن المصلى ينقسم إلى قسمين: قسم أصغر هو الدقائق التي يؤدى فيها الخمس صلوات الموزعة على أوقات اليقظة في اليوم. والقسم الأكبر هو بقية الوقت الواقع بين تـأدية الصلوات الخمس، وفى تلك الأوقات يجب المحافظة على الصلوات بالتقوى والالتزام الخلقي القويم.
وهناك علاقة وثيقة بين الخشوع أثناء تأدية الصلاة والمحافظة على الصلاة بعد تأديتها بعدم الوقوع في المعاصي بين الصلوات الخمس. فالخشوع أن يِؤكد المؤمن على إخلاصه في كل كلمة يناجى بها ربه جل وعلا في صلاته خصوصا وهو يقول في كل ركعة في الفاتحة " اهدنا الصراط المستقيم "، الخشوع هو الصدق في مخاطبة رب العزة والإخلاص التام في دعائه وعبادته. ولا يمكن أن تخشع في صلاتك بهذا الشكل وأنت تفعل الفحشاء وترتكب المعاصي بعد الصلاة وتصمم عليها أثناء الصلاة وبعدها و تصلى لربك وتقول له جل وعلا: اهدنا الصراط المستقيم. إذا فعلت هذه فإنما ترائي الناس ولا تخدع سوى نفسك.
إقامة الصلاة هو المصطلح القرآني الذي يعنى الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها معا. وهذا يؤكد أن الصلاة مجرد وسيلة لغاية أسمى هي التقوى، أو الابتعاد عن الفحشاء والمنكر. على هذا الأساس نستطيع أن نقرأ معا الآيات الأولى من سورة المؤمنون في ضوء ما سبق قوله عن الصلاة؛ الخشوع فيها والمحافظة عليها.( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)المؤمنون "1إلى 9"
وتكرر ذلك المعنى وفى سورة المعارج (22-34)
ومن اجل ذلك تقول الآية توضح معنى إضاعة الصلاة عند الخلف الذي جاء بعد الأنبياء "فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم59 - 60 (
هم أضاعوا الصلاة حين اتبعوا الشهوات والمعاصي ومن تاب منهم وآمن إيمانا حقيقيا وعمل صالحا أصبح محافظا على صلاته غير مضيع لها واستحق بذلك دخول الجنة. ينطبق هذا على الخلف الماضين كما ينطبق علينا الذين خلفنا اللاحقين، ولذلك ذكر الله تعالى لنا هذه الحقائق في آخر رسالة سماوية كي نعتبر ونهتدي.
في اللغة العربية والمصطلح القرآني تجد مفهوم " قام على الشيء" بمعنى حافظ عليه ورعاه.
الله تعالى وصف ذاته باسم من أسمائه الحسنى هو " القيوم" الذي لا تدركه سنة ولا نوم:" اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة 255 )
الآية الكريمة تشرح معنى القيوم، أي القائم على كل شيء ولا يغفل عن شيء، ويصف تعالى ذاته كقيوم يحفظ أعمال كل إنسان وأقواله ليحاسبه عليها يوم القيامة: " أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) الرعد 33) القيوم هنا بمعنى الذي يحفظ أعمال كل إنسان، يتم ذلك عن طريق ملائكة الحفظ (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد 11 ) (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) الانفطار 10 -) ( أيضا سورة ق :16 - )
لذلك يأمرنا ربنا جل وعلا أن نكون ( قوامين بالقسط ) أي قائمين على رعاية العدل والقسط:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ ) النساء 135 ).
ولأن العرب في الجاهلية وقريش في عهد النبوة كانت تصلى وتعرف الصلاة ولكن لا تقيم الصلاة لذا نزلت الأوامر لهم في مكة بإقامة الصلاة، أي بالمحافظة عليها بعدم الوقوع في الشرك والمعاصي والخشوع أثناء تأديتها. على سبيل المثال جاء الأمر بإقامة الصلاة في الفترة المكية في السور الآتية ( فاطر 18 ، 29 ) الشورى 38) (الروم 31).
لم تعلمهم الصلاة لأنهم كانوا فعلا يعرفونها ويؤدونها. أمرتهم فقط بفعل ما لم يكونوا يفعلون وهو إقامةالصلاة بالخشوع فيها والمحافظة عليها لكي تقوم الصلاة بدورها في سمو السلوك الخلقي وتهذيبه.
وجاء فى القرآن أمثلة على صلاتهم غير المقبولة التى ضيعوها بنسيان الهدف من الصلاة وهو التقوى فقال تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ؟ فذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ،وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) ( سورة الماعون ) فأولئك الذين كانوا يصلّون وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا يسهون عن صلاتهم لأنهم كانوا يكذبون بالقرآن الكريم وينهرون اليتيم ويظلمونه و لا يهتمون بالجوعى المساكين ، ومع ذلك يؤدون الصلاة مراءاة مع تمسكهم بمنع الخير عن الناس .
وعلى نفس الملة يسير الدين السنى الان حيث جعل الصلاة هدفا فى حد ذاتها فاذا أدى أحدهم صلاته فقد ضمن الجنة مهما فعل ، أى صارت تأدية الصلوات مشجعا على الفسوق وليست حائلا يمنع السقوط .. وبذلك كرر عصرنا وأسلاف عصرنا نفس سيرة القرشيين الذين اضاعوا ملة ابراهيم بتأدية صلاة حركية خالية من التقوى فأصبحت حركات السجود والركوع والقيام مجرد حركات تخلو من مضمون التقوى ،أو بالتعبير القرآنى الرائع :( مكاء وتصدية ) أى حركات من اللهو واللعب ، يقول تعالى (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً) ( الأنفال 35 ). وبهذه الصلاة غير المقبولة جعلوا المساجد فى مكة معابد للشرك ومقابر للأولياء المقدسين ، يرفعون لهم التقديس ويطلبون المدد والعون و الشفاعة فأكد لهم رب العزة أن المساجد يجب أن تكون للله تعالى وحده فلا يدعو فيها احد إلا لله وحده ، وأخبر رب العزة أنه عندما قام خاتم النبيين يدعوهم الى اخلاص العبادة لله تعالى وحده وأن تكون المساجد لذكره وحده وتعظيمه جل وعلا وحده تكالبت عليه قريش وكادوا يفتكون به ، بالضبط كما لو قمت تقول نفس الكلام فى مسجد الحسين أو مسجد السيدة زينب او السيد البدوى . إقرأ قوله تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ)(الجن 18 ـ ).
وبعد الهجرة الى المدينة بقى فى مكة بعض المسلمين العاجزين عن الهجرة ، فمنعهم الملأ القرشى من دخول المساجد ، فقال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( البقرة 104 ) وهو نفس ما يفعله السنيون مع أهل القرآن اليوم ..
أى أولئك هم الذين يؤدون الصلاة غير المقبولة لأنها مجرد تأدية حركية مع وقوعهم فى الشرك العقيدى (بالاعتقاد وتقديس غير الله جل وعلا ) ووقوعهم فى الشرك السلوكى بالاجرام والظلم والاعتداء على الآخرين ..
أما الذى يؤدى الصلاة المقبولة أو (الصلاة الوسطى ) فهو الذى يتقى الله تعالى بعد الصلاة وقبلها ، والذى يخشع لله تعالى حين الركوع و السجود والقيام فى الصلاة ..هو الذى (يحافظ ) على صلاته ، وهو الذى (يقيم ) صلاته بالتقوى .
ووصف الصلاة المقبولة ب(الوسطى ) من روائع النظم القرآنى ..
دلالة الوسطية فى (الصلاة الوسطى )
فى المصطلح القرآنى فالوسط هو الأفضل.
جاء هذا وصفا لأفضل طعام يقدمه المؤمن فى الكفارة ، يقول تعالى: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم) (المائدة 89 ) فقوله تعالى (من اوسط ما تطعمون اهليكم ) يعنى أن نقدم كفارة اليمين الطعام من أفضل الطعام الذى نأكله ، وليس الفضلات و الزبالة وبواقى الطعام ، ويؤيد ذلك فى نفس التشريع قوله تعالى عن الصدقة بالطعام (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)( الانسان 8 ) أى يطعمون من أحب الطعام اليهم المسكين و اليتيم والأسير .
وهذا جزء من تشريع عام يؤكد على أن يكون الانفاق فى سبيل الله تعالى من أفضل شىء نحبه حتى يكون المؤمن من الأبرار، ويقول تعالى : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)( آل عمران 92 ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) ( البقرة 267). فالمستفاد هنا ان وصف (الوسط ) يفيد الأفضل .
والأفضلية ينالها المؤمنون بالتمسك بأوامر الله تعالى حتى يكونوا خير أمة أخرجها الله تعالى للناس :(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) ( آل عمران 110 )على نحو ما فصّلناه فى مقال ( الصحابة ك هل كانوا خير أمة أخرجت للناس ؟)
: http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=3316
ولو حقق المسلمون أوامر ربهم لكانوا خير أمة أخرجها للناس ، ولاستحقوا أن يكونوا الأفضل ، أو بالتعبير القرآنى أن يكونوا (أمة وسطا ) كما اراد الله تعالى أن يجعلهم ، يقول تعالى :( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ( البقرة 143 ) ومن الطبيعى أن الشهادة على الناس ستكون يوم القيامة حين يقوم الأشهاد (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) ( غافر51 ـ ) وواجب المؤمنين فى هذه الدنيا أن يكونوا أفضل أمة أو أمة وسطا لينالوا موقف الشهادة على باقى الأمم يوم القيامة . وبالتالى فان مصطلح الوسطية هنا يعنى الأفضلية .
ونفس الحال فى قصة الأخوة أصحاب الحديقة الذين نقضوا عهد الله و منعوا اخراج الصدقة من حديقتهم ، يقول الله تعالى عن أحدهم يقول لاخوته : (قال اوسطهم الم اقل لكم لولا تسبحون ) ( القلم 28 ) أى قال أفضلهم ..
واذا عرفنا أن الوسط يعنى الفضل فان الصلاة الوسطى هى أفضل صلاة يؤديها المؤمن ،أى يكون خاشعا أثناء صلاته ، ثم يحافظ على صلاته بان يقيمها فى سلوكه تقوى و عفة و عملا صالحا نافعا للناس والمجتمع . وبالتالى تكون تلك الصلاة إنعكاسا مضيئا لعمله الصالح ، و(شاهدة ) لسلوكه وتصرفاته الحسنة .
ومن هنا نفهم مغزى النظم اللغوى القرآنى فى استعمال ( الصلوات ) و ( الصلاة ) ، وللمرة الوحيدة تاتى الكلمتان فى آية قرآنية واحدة . فالأمربالمحافظة جاء على كل (الصلوات ) أى يجب أن يحافظ على كل فريضة صلاة من الصلوات الخمس ، يحافظ عليها جميعا بالتقوى سائر يومه ، وإذا فعل ذلك فقد قام بالصلاة (الوسطى ) المقبولة عند الله تعالى.
دلالة وجود الاية الكريمة فى سياق تفصيلات تشريعية متنوعة
1 ـ ومن الاعجاز القرآنى أن قوله تعالى : (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) قد جاء فى سياق آيات للتشريع بدأت بآية كريمة مذكور فيها تعبير الوسطية ، وهى قوله تعالى :( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ( البقرة 143 ) ثم تتابعت التشريعات وتنوعت من الاتجاه للقبلة فى الصلاة والطواف حول الصفا والمروة والمحرمات فى الطعام الى القصاص والوصية والصيام والحج والأهلة وتشريعات القتال فى سبيل الله جل وعلا والنكاح والطلاق والعدة و المتعةوالمحيض والرضاعة والنفقة وخطبة الارملة الى ان يقول تعالى ذاكرا تعبير الوسطية :(حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)( البقرة 238 ) ثم يستمر التشريع بعدها عن المطلقات ..
2 ـ وليس التشريع عن الصلاة مقحما هنا بين كل التشريعات القرآنية المتنوعة لأنها ترتبط بالتوصية بالتقوى( والتقوى هى الهدف من تأدية الصلاة ) ، والتقوى ايضا هى المقصد التشريعى من كل تشريعات القرآن الاجتماعية وفى الحوال الشخصية ، لأن فلسفة التشريع القرآنى تعتمد على تقوى المؤمن فى تطبيق شرع الله تعالى وتجعل المؤمن رقيبا على نفسه فيخشى الله تعالى بالغيب ، واقرأ مثلا قوله تعالى : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .) ( البقرة 231 ). فالاية الكريمة نصفها تقريبا جاء فى التشريع (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ ) وجاء نصفها الباقى فى الوعظ والتذكير بالتقوى (لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ). وهذا النصف الأخير من الآية هو لضمان تطبيق التشريع افضل تنفيذ بيد المؤمن المتقى .
ونفس الحال مع قوله تعالى فى الآية التالية من نفس السورة (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة 232) ، فالقسم الأول من الاية هو تشريع تحريم عضل الزوجة أى منعها من الزواج بعد طلاقها (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ )، والقسم الآخر هو الوعظ حتى يمكن تطبيق ذلك التشريع (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) .
لذلك كان منطقيا الاشارة الى الصلاة الوسطى او الصلاة المقبولة عند الله تعالى لأنها هى الميزان الذى يدل على سلوك الانسان ، والمحكّ الذى يعرف به المؤمن منزلته عند ربه ،فإن أطاع تلك التشريعات كانت صلاته وسطى ومقبولة عند الله لأنها أثمرت عملا صالحا و سلوكا ملتزما بطاعة شرع الله تعالى ، لذا قال تعالى بعد كل تلك التشريعات : (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) ليتحدث فى هذا السياق الشريعى عن المحافظة على الصلاة باقامة الصلاة أو تأدية الصلاة الوسطى ، والتى تعنى أن المؤمن الذى يصلى يجب ان يحافظ على صلاته ويقيمها فى تنفيذه لتشريعات الرحمن اتباعا لأوامره جل وعلا ، ومن جهة اخرى فإن صلاته غير مقبوله ذلك الذى يصلى ويعصى الله تعالى ولا يقيم شرع الله تعالى فى سره وعلانيته .
ولا يكتفى رب العزة بذلك بل تأتى الآية التالية لتتحدث عن نوع معين من صلاة الخوف ، عندما يخاف المصلى ضياع وقت الصلاة ، حين يكون فى موقف صعب ـ كالحرب أو المطاردة ـ أو فى موضع صعب يتعذر معها أداء الصلاة بكيفيتها المعروفة ، عندها له أن يؤدى الصلاة كيفما اتفق ماشيا سائرا أو راكبا فى طائرة أو اتوبيس أوقطار، وبعدها فى أحواله الطبيعية يصلى كالمعتاد :(فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) فالمهم أن تكون الصلاة ( وسطى ) فى كل حالة عادية أو إستثنائية ، أى تثمر تقوى وعملا صالحا ..
هذا هو التدبر القرآنى فى فهم (الصلاة الوسطى ) ..
والله تعالى أعلم ..

اجمالي القراءات 56854