في المطارات .. كُلّنا بن لادن

محمد عبد المجيد في الخميس ٢٦ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لم يعد أسامة بن لادن يخيف الأمريكيين والأوروبيين فقط، لكن الخوف انسحب علينا جميعا، خاصة في المطارات حيث ترصدك العيون التي في الوجوه، والعيون التي في الكاميرات، ولو أرادت جهة أمنية أن تستدعي كل حركاتك ولفتاتك وايماءاتك وما بداخل فمك وأنت تتثاءب فلن يكون الأمر عليها عصيّا!
سيقول قائل: ولكن في المطارات العربية أنت متهم حتى تقلع بك الطائرة، وفي عودتك يطاردك الاتهام حتى تخرج من المطار وتمنحك فرحة مستقبليك من الأهل مشاعر الأمان وكأنك نجوت من حبل المشنقة.
قبل أن تهبط الطائرة مطار دمشق الدولي تسمع صوتا يوقظك من أحلامك لتزداد نبضات قلبك: الرجاء عدم استخدام آلات التصوير في المطار!
ترى هل يحتاج الجاسوس الديجتالي الجديد إلى تصوير أرضية المطار من نافذة الطائرة؟
في مطار العاصمة الهاشمية تستطيع أن تتعرف على شجرة عائلتك، وربما تفاجئك معلومة كنت قد نسيتها تماما، فأنت نشرت مقالا عن الراحل الحسين بن طلال في صحيفة خليجية لعشرين عاما خلت.
في مطار عاصمة تونس الخضراء لن يلقي على مسامعك ضابط الأمن بيتين لأبي القاسم الشابي، لكن عينيه ستخترقان قفصك الصدري للبحث عن جريمة في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، وإذا لم تكن أمك قد دعت لك في صلاة الفجر سبعين مرة فربما يُخرج لك ضابط الأمن صحيفة سوابق لم تتعرف عليها من قبل، وفيها صورة لك وأنت تتقدم مظاهرة في باريس أو بروكسل أو جنيف تندد بحقوق الإنسان في عهد بطل حركة التصحيح.
شركة أسامة بن لادن وجورج بوش لصناعة الخوف وتعليبه وتصديره تنتقل للعمل في مطارات كانت قبل الحادي عشر من سبتمبر نموذجا للتسامح والتساهل وتوزيع الابتسامات بنفس القدر على البيض والصفر والسود والهنود الحمر.
منذ ثلاث عشرة سنة كنت في طريق العودة من استنبول التركية إلى أوسلو، وكان ابني في العاشرة من عمره. اشتريت له كمية كبيرة من الصواريخ النارية التي يطلقها الشباب والصغار في أعياد الكريسماس في النرويج.
اكتشفها جهاز أمن المطار، وشرحت للضابط التركي الأسباب وفي ذهني فيلم ( قطار منتصف الليل) الذي يرتجف له الجسد كله إن مر على الذهن مشهد واحد من الفيلم.
بعد عشر دقائق كان الموضوع قد انتهى، واستولى الضابط على الصواريخ النارية قائلا بأنه سيعطيها لابنه.
الآن يمكن لمعجون الأسنان أن يجعلك تقف متهما في المطار، ولك أن تتخيل الرئيس جورج بوش ينظر إليك بعينين حمراوتين وهو يتوعد قوى الإرهاب بالويل والثبور.
قداسة البابا شنودة الثالث تعرض هو أيضا للتفتيش في أعرق مواطن الديمقراطيات التي يركع أمامها ليبراليونا في عالمنا العربي الحالم بحقوق مرتادي المطارات الأوروبية.
عندما أوقفني رجل أمن في مطار هيثرو لأكثر من ساعة ونصف الساعة( فبراير 2008)، سألني عن كل شيء، وقرأ مقدمة كتابي قبل الأخير(الثامن) وهي بالانجليزية، وقلت له بأنني أحمل الجنسية النرويجية منذ سبعة وعشرين عاما، وعضو اتحاد الصحفيين النرويجيين، ولم يحدث مرة واحدة في أكثر من ثلاثين عاما في زياراتي السنوية الكثيرة للعاصمة البريطانية أن وقفت أمام ضابط الجوازات لأكثر من نصف دقيقة، كان رده الآتي: استوقفتك عندما علمت بأنك صحفي، وتركني لنصف ساعة، وبعد عودته تأسف بشدة وتمنى لي اقامة طيبة، وكانت يومين فقط .
قام ابني الكبير بزيارة كندا بدعوة من القسم الفني الثقافي بالأمم المتحدة للغناء باللغة النرويجية مع فرقته، فهي أغاني هادفة وحصل ألبومه على المركز الثالث على مستوى النرويج.
في المطار تم توقيفه واستجوابه فترة طويلة، كانت في حقيبته أدوات الجريمة ، مصحف صغير، وسجادة صلاة وبوصلة.
وكانت الأسئلة: هل سافرت إلى الأردن؟ هل أنت شيعي أم سني؟ هل سافرت إلى مصر؟ على الرغم من أنه نرويجي الجنسية والمولد.
ثم اعتذار مع نصف ابتسامة.
كنت دائما أشعر بأن مطار هيثرو هو الأقرب إلى قلبي، وعندما أسافر إلى بلد عربي، أفضل أن يكون الترانزيت في مطار صاحبة الجلالة.
أما الآن فكل شيء قابل للحدوث، وكل مفاجأة تختفي خلف ابتسامة ضابط الجوازات والتفتيش.
وعندما اشتريت من لندن كتابا عن قصة حياة أسامة بن لادن، وضعته في الحقيبة الكبيرة، ولو كان في حقيبة اليد وقرأت فيه في صالة الانتظار فربما تغير اتجاه سفري!
في الطائرة المتجهة من أوسلو إلى أمستردام كنت ثاني اثنين في درجة رجال الأعمال، وخافت المضيفة الهولندية الجميلة.
بعد دقائق كان الكابتن الطيار يجلس بجواري، ويتعرف علي، ثم يطلب مني أن أكتب انطباعاتي عن شركة الخطوط الجوية الهولندية، وانصرف!
كان الهدف أن أنشغل طوال الرحلة وهي أقل من ساعتين.
عندما كان ضابط الأسكوتلانديارد في مطار هيثرو يستجوبني مزحت معه قائلا: لقد تخطيت الستين من عمري، ولو أنني قمت بعملية ارهابية فسألهث من التعب بعد ثلاث دقائق، فضحك كثيرا، ولم أفهم إن كان خجلا من مزاحي، أم غير مصدق أنني لست ارهابيا!
منذ سنوات طويلة كنت من أوائل من كتب محذرا من حركة طالبان المتخلفة ومن أسامة بن لادن ومن الدعم السعودي لأباطرة الحروب في أفغانستان، ومع ذلك فأنا وغيري ممن ناهضوا كل صور التخلف والتشدد والغلو .. والارهاب ندفع ثمنه، وأحيانا يختلط الأمر في المطارات التي كانت مثالا للتسامح، فيتصورون أن سبب البشرة السمراء الـ (DNT)، وليس شمس العرب التي لوّحت وجوهنا، وبدا أننا جميعا مشتركون في جريمة عدم تهنئة اسرائيل بعيدها الستين، ومأتمنا الستين أيضا!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج

اجمالي القراءات 10445