الفلسفة
الفلسفة والإسلام

زهير قوطرش في الخميس ٠٥ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الفلسفة والاسلام ..(1)
يقال أن الفلسفة أم العلوم، كما تعرف بانها العلم الجامع الذي يعالج في بحوثه ماوراء الطبيعة (الميتافيزياء) ،عرفَتها الحضارة الاسلامية إبان القرن الثاني للهجرة، حيث تسربت بعض الكتب الفلسفية الى الثقافة الاسلامية بواسطة المسلمين الذين اهتموا بدراسة المعارف الانسانية، وابتعدوا عن الجمود الفكري وحاولوا بقدر الامكان دراسة ما توصلت إليه البشرية أنذاك من علوم ومعارف "رغم اختلاف الدوافع "،ومع ذلك حوربت الفلسفة وحورب اتباعها من المس&aacutete;مين من قبل الذين أعتبروا انفسهم اوصياء على الدين ،وكان معهم وكالة حصرية بأنهم هم الذين يمكنهم التكلم باسم الخالق دون غيرهم ،وما زالوا على ما هم عليه حتى يومنا هذا.نتيجة ذلك ظهرت انذاك طوائف المتكلمين والمعتزلة الذين تسلحوا بالمنطق ،والمنطق يعني مجموعة القوانين والشروط الضرورية للوصول الى حكم صحيح يقبله العقل.وقد استخدموا المنطق في الرد على المشككين ومثيري الشبهات من أصحاب الديانات الأخرى وبعض أصحاب المذاهب الاسلامية .خلال هذا الصراع الفكري ،ظهرت فئة من المفكرين جعلت من العقل الحكم الأول في القضايا بما فيها المسائل الدينية العقدية. وأولوا الآيات القرانية ،بما يخدم ايدولوجيتهم الفكرية ،وهم جماعة الفلاسفة ،وأخوان الصفا. مقابل هؤلاء ظهر التصوف كردة فعل ايضاً على هذا التوجه وغيره ،بحيث أهمل المتصوفون دور العقل ،واعتمدوا التجربة الذاتية للوصول الى الحقيقة .هذه الحقبة تميزت بصراع فكري أغنى العالم والى اليوم بنتائجه ومجادلاته الفكرية ،والتي مثلها الامام الغزالي من طرف ،وجماعة الفلسفة من أمثال الكندي وابن سينا والفارابي وابن رشد من طرف أخر .وكان من اكبر انتاج ذلك العصر كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي وكان لهذا الكتاب التأثير الكبير والواضح لانحسار التفكير الفلسفي في الفكر الاسلامي ،هذا وقد رد عليه ابن رشد بكتاب تهافت التهافت. مع كل اسف استخدمت الفئات والطوائف الفكرية ،انذاك الانظمة السياسية لقمع الراي الأخر ...وما زال هذا الاسلوب متبعاً في ثقافتنا الإسلامية الى هذا اليوم .تسيس الفكر انذاك وانتصار التيار المؤيد للإمام الغزالي بقوة السلطة السياسية ،مما أدى الى سقوط الامة في فترة جمود فكري، نتيجته تفشي الجهل ،وحتى يزداد الطين بلة على الامة أغلق باب الاجتهاد ،وانتشرت ثقافة النقل ،باعادة انتاج الماضي والتقيد الحرفي بما جاء به النص الفقهي ،واصبح العلم الشرعي هو المفضل وقلت أهمية العلوم الوضعية ،فتأخرت الامة علمياً وتقنياً.وتفشت الطرق الصوفية ،وهذا الوضع سهل على الاستعمار محاربة الاسلام مما ادى الى انقسام أخر في الامة طرفه الاول من انطوى على دينه يرفض كل ما يأتي من الغرب حتى ولو كان علماً....وبين مفتون بالحضارة الغربية ،معتبرا الاسلام حجر عثرة امام تقدم الامة .
وسؤالي بعد هذا السرد ،هل فعلاً للفلسفة هذا الدور في تقدم الامم أو في تأخرها؟ وهل فعلاً تأخرنا عندما أهملنا هذا العلم الاساس؟
وللاجابة على هذه الاسئلة لابد لنا في البداية من تعريف للفلسفة.
الفلسفة كما جاء في التعاريف هي كلمة مركبة (فيلوس) وتعني بالونانية محب و (سوفيا) تعني الحكمة أي كلمة فيلسوف تعني محب الحكمة ،والفلسفة تعني محبة الحكمة .قال الله تعالى عز من قائل ( ومن اوتي الحكمة أوتي خيراً كثيراً) البقرة/269 .وعالجت الفلسفة ثلاثة محاور (الكون، الانسان والحياة) وحل الالغاز ،وكشف الغيبيات ،فالإنسان بطبيعة خلقه ،عنده حب الاستطلاع،والشغف بالمعرفة،والبحث في هذا الوجود ،لأنه مخلوق ناقص ،ويسعى الى الكمال.فَكر الانسان بالنشوء ،واستدل على القوانين الطبيعية بعد البحث المضني ،وربط الاشياء بعللها .ثم انتقل لدراسة الانفس ،ودراسة الكون ،وحاول البحث عن الخير والشر ،الى أن قاده ذلك للسؤال الأهم ..ما هي غاية الحياة ،وماذا بعد الموت؟ وليس هذا غريبا على هذا المخلوق ،لأن طبيعته البشرية الانسانية تدعوه أن يفترض اسئلة ،ليجيب عليها ،بحيث تختلف الاجابات حسب الزمن وحسب الادوات المعرفية،يرفضها إن لم تكن يقينية ،ويبحث عن إجابات أخرى للأمور المستعصية ،فهو لم يتوقف لحظة عن البحث والتأمل.واطلق على العلم الذي يعالج الموضوعات اسم الفلسفة. لهذا كانت وما زالت الفلسفة أم العلوم.
أهم المسائل الفلسفية التي تطرق إليها الإنسان هي
تكوين نظرة كلية عن العالم ،طرح نظرية عامة في المعرفة

تكوين نظرية كلية عن العالم.
لدينا وجهات نظر عديدة في هذا الموضوع ،ويمكن رصد المفاهيم التالية.

المفهوم المثالي:
أصحاب هذا المفهوم يعتقدون أن الكائنات التي يتشكل منها الوجود ليست إلا تفكيرنا وتصورنا ،بمعنى أن الفكر والادراك هما الحقيقة .وكل شيء موجود في نهاية المطاف يرجع الى التصورات الذهنية .بمعنى أدق إذا اسقطنا (الأنا) الواقع كله يزول. ويقسم هذا التيار الى مذهبين ،مذهب يقول أن ليس للأشياء إلا مثالها الذهني فقط،ليس لها وجود خارجي ...(باركلي) ..والأخر يقر أن الاشياء لها وجود خارجي وذهني ولكنهما ليسا متطابقين.

المفهوم الواقعي :
يقابل المفهوم المثالي للعالم ،ويؤمن معتقديه أن الوجود واقع موضوعي أي مستقل عن الذات (الأنا) وأيضاً لهذا المذهب اتجاهين .
الاتجاه الواقعي المادي:

يقول عن المادة هي الأصل الأول للوجود ،ويقتضي هذا انكار وجود الخالق .وتعد المادية الديالكتيكية إحدى مدارس هذا الاتجاه.

الاتجاه الواقعي الإلهي :

.ويؤمن بوجود سبب أول علوي للوجود المادي وعنه ينبثق الوجود . والسبب العلوي هو الله.

المذهب الروحي:

يرى اصحاب هذا المذهب أن أساس الوجود هي الروح،فماهية الاشياء ليست قوى مادية،بل روحاً تشعر بذاتها وتحس بشخصها،فهي كيان مستقل عن الجسد ويمثل هذا الاتجاه (لايبنيز) ويرى أن الروح تنقسم الى نقطة روحية لا عداد لها سماها الذرات الروحية ،وهي لاتقبل التجزئة ولا الفناء،وأن الفكر ليس ناشئاً عن الدماغ وإن كان له ارتباط ما به . وتعد الروحانية الأساس الذي تقوم عليه بعض الديانات كالبوذية والنصرانية والبرهمية .وأن تعذيب الجسد وكبح الحاجات العضوية في الإنسان هي الطريق الى خلاص النفس (النصرانية) وبلوغ النرفانا (البوذية) ,كان من نتيجة ذلك انتشار الرهبنة والتصوف وأعتزال المجتمع في هذه الديانات.

نظرية المعرفة:

وتتضمن البحث في اصل المعرفة،ويمثلها ،المذهب التجريبي ،والمذهب العقلي .
المذهب التجريبي .
يؤمن اتباع هذا المذهب،بأن الادراك بالحس والتجربة هو المنبع الوحيد للمعرفة ،وعندهم التجربة نوعان: أحدهما مستقى من الحواس الظاهرة(الاحساس) ،والأخر مستقى من الحواس الباطنة (التخيل ،التأمل). و أحد الذين يمثلون هذا المذهب (لولا) الذي يقول ان العقل صحيفة بيضاء خالية من اية كتابة أو معنى،وأن التجربة هي التي تمون العقل بمواد الفهم والمعرفة.
المذهب العقلي:
يؤمن اتباع هذا المذهب بأن المعرفة التي تحصل بالحواس مضللة موهمة،والتجربة محدودة وجزئية فهي تخبرنا بحالة واحدة من احوال الشيء. فلو أقتصر الأمر عليها لما عرفنا حقيقة عامة وإن كان من الثابت أن المعرفة ممكنة،وجب أن نقول إن بعض المدركات التي تكَّون المعرفة ليس أساسها الحواس. وأت مايظهر للعقل بواسطة الحواس ،إنما هو مظهر الاشياء الخارجي لا ما هيتها التي لاتحس. فالمعرفة إنما تحصل بالفكر ،فعمل العقل هو المنبع الوحيد للمعرفة. ويتسائل أصحاب هذا المذهب . كيف يمكن ادراك المفاهيم المجردة بالتجربة مثل مفاهيم الإمكان ،والوجوب ،العَرَض والجوهر ،العلة والمعلول ،المكان والزمان.

موضوعات الفلسفة:
ماوراء الطبيعة (الميتافيزياء)
القسم يبحث في العلة الاولى للوجود (على العلل) الله.كما يبحث في ماهية الاشياء وروح الظاهر،وعللها المجهولة،كما يتناول دراسة الحواس من حيث مقدار الثقة بإدراكها،ولا يكتفي بالحقائق حسبما يوضحها الحس المشترك للأشياء،بل يتطلب الوصول الى ما وراء هذه الظواهر غير قانع بمعرفة الاشياء التي قد تظهر لنا على غير حقيقتها.وبالتدقيق في قضايا ماوراء الطبيعة نميز نوعين : الأول يهتم بدراسة ما وراء الظواهر المادية القابلة للكشف ،مثل طبيعة الضوء ،علاقة العقل بالدماغ .ويهتم الأخر بالوجود الغير مادي (الله) ما بعد الحياة ...الكائنات غير المادية (الملائكة ،الجن)

فلسفة العلوم الطبيعية:
ويبحث هذا القسم في الظواهر الطبيعية التي يتجلى فيها العالم وتقع عليه حواسنا .وهي مجموعة الاشياء القابلة للكشف بالحس والتجربة،وتسمى فلسفة العلوم الطبيعية .

فلسفة الإنسان:

وتشمل دراسة الإنسان من وجهات مختلفة،فيطلق على المباحث المتعلقة بالنفس(علم النفس) ويبحث في النظام العقلي عند الإنسان ونظام الدافعية،أي البحث في الغرائز والميول والعمليات العقلية كالذاكرة والإدراك.وتسمى المباحث الخاصة بشرائط التفكير الصحيح: "المنطق"،وهو يبحث في الالفاظ والقضايا والأقيسة.ويطلق اسم علم الأخلاق على المباحث المتعلقة بما ينبغي للإنسان أن يكون عليه،وما ينبغي أن يعمله ،وكيف يشكل حياته.اما دراسة العلاقات القائمة بين الفرد والمجتمع،والبحث في الظواهر الاجتماعية،وتفاعل النشاطات البشرية فيمثل علم الاجتماع.
المقالة المتممة الاسلام والفلسفة نظرة قرآنية.

ه

اجمالي القراءات 66843