أعياد غير المسلمين

شريف هادي في الثلاثاء ٢٧ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

اختلف المسلمون فيما بينهم هل يجوز تهنئة غير المسلمين بإحتفالاتهم وأعيادهم والإحتفال معهم بها أم لا يجوز ، فبعضهم قال لا يجوز عملا بقوله تعالى"يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين"المائدة51 ، وقد قال أصحاب هذا الرأي أن التهنئة والإحتفال بأعياد غير المسلمين فيها موالاة وهي مخالفة صريحة لنص الآية على ما فيها من تعظيم لشعائرهم المرتبطة بها هذه الأعياد ، فمثلا عيد القيامة إرتبط بعقيدة موت المسيح عليه السلام ثم قيامته من الموت (فالمجد له في السماوات والأرض) فأصبح مجيدا عند المسيحييون ، فتعظيمنا لذلك بتهنئتهم بما يسمى (عيد القيامة المجيد) فيه مماثلة ومضاهاة لقولهم واعتقادهم تخرجنا من ملتنا وتضعنا معهم في سلة واحدة ، فينطبق علينا قوله تعالى (فإنه منهم).
وقد تمادى أصحاب هذا الرأي وفقا لفهمهم لعقيدة الولاء والبراء ، ومدوا مظلة هذا الحكم ليشمل كل الغير وأصحاب جميع الديانات الآخرى وقالوا أدلتهم على ذلك أنه إذا كان حراما علينا مودة اليهود والنصارى في أعيادهم بتهنئتهم بها والاحتفال معهم وهم أهل كتاب فالتحريم أولى على غير أهل الكتاب من أصحاب الملل الأخرى ، وذكروا قوله تعالى"يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا اباءكم واخوانكم اولياء ان استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون"التوبة 23 ، وقالوا أن الأية الأولى في سورة المائدة تخص اليهود والنصارى والآية الثانية في سورة التوبة تخص ما عداهم.
وهذا الرأي السابق يمثل عقيدة الحنابلة بوجه خاص ومن وافقهم من الشافعية وباقي المذاهب السنية ، وهو ما جرى به الإعتقاد لدى الوهابيين والإخوان المسلمين وما أشتهر عنهم.
وهناك رأي آخر يقول أنه لا بأس من تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم لأن ذلك برا لهم وقد قال الله تعالى"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين" الممتحنة8 وأن التهنئة لا تعدوا كونها برا أو قسطا ولا تصل إلي الحد التي يمكن أعتبارها موالاة ، ولكن هذه التهنئة مشروطة بعدم الاحتفال معهم بأعيادهم والتي تعتبر موالاة ، وهذا الرأي أخذ به بعض الأحناف والمالكية وبعض متأخري الحنابلة.
وكما هو في المذهب السني فإن الإختلاف ذاته قائم بين المذاهب الشيعية ولكن مع ترجيح رأي التهنئة على الرأي القائل بعدم التهنئة.
وأسمحوا لي جميعا أن أقدم لكم إعتذاري على سرد الإختلافات المذهبية لأصحاب الأديان الأرضية في هذا الموضوع كمقدمه لبحث الموضوع من الناحية القرآنية مع عدم إقتطاع الآيات من سياقها والاستدلال بها على غير مقصود قائلها رب العزة سبحانه وتعالى.
الأصل في الأعمال هو إرتباط النية بالعمل ، والحكم على ظاهر العمل يكون بنية عامله ، فمثلا لو أحدث أحدهم عاهة مستديمة بشخص ما بأن بتر له ساقا ، فإن الفعل في ظاهره جريمة ولكن أن يكون الفاعل طبيب والعضو المبتور فاسد لو ترك في الجسد يؤدي بحياة صاحبه ، وأنصرفت نية هذا الطبيب لعلاج المريض فإن الفعل هنا مباح بل وواجب على الطبيب أداءه ، وما يؤكد إرتباط الفعل بالنية قوله تعالى"لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم" البقرة 225 ، وقوله تعالى"لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم واحفظوا ايمانكم كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تشكرون" المائدة89 ، والشاهد في الأيتين الكريمتين قوله (كسبت قلوبكم) في الأولى وقوله (عقدتم الايمان) فلو لم يكن الحلف مرتبط بنية الأداء فلا كفارة عليه في الدنيا ولا حساب عليه في الآخرة إلا أن يكون تدليسا وأرتبط به حق آخر فيكون العقاب على نية مضرة الغير لا على الحلف وكفارة يمينه ، وبالقياس على فعل الحلف تكون باقي أفعال المسلم والتي تصححها أو تفسدها نية فاعلها.
وعلى ذلك فإن الموالاة هي من أعمال القلوب التي لا يحاسب عليها إلا الله ، فيكون الرأي القائل أن مجرد التهنئة أو حتى الاحتفال بأعياد غير المسلمين موالاة لهم على خلاف الأمر القرآني رأي خطأ يعوزه الدليل وتلزمه الحجة ما لم يكمله إستبيان نية فاعله ، فلو تبين أن فاعله يعظم شعائر مخالفة لعقيدته يمكن القول هنا أنه (منهم) وأن الفعل حراما ، ولما كان إستبيان النية في العمل هو فقط من إطلاقات رب العالمين ما لم يعلن صاحب العمل عن نيته دون لبس أو إحتمال فإن القول بتحريم الفعل على إطلاقه تجني غير مقبول ، ثم أن الحرام هو إنعقاد النية على تعظيم شعائر غير المسلمين ، وليس التهنئة بها أو الاحتفال بها ، فالفعل في حد ذاته يبقى حلالا متفق مع الأمر الإلاهي بالبر والقسط لمن نعاشرهم من أهل الكتاب طالما لم يحاربونا أو يظاهروا علينا.
وجب أن نؤكد على حقيقة أنه لا أحد يستطيع أن يقرر أنه استخلص نية الفاعل من القرائن أو الدلائل التي تشير إليها ، ولنتدبر قوله تعالى"ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين"النحل 125
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى يجب بحث معنى الموالاة ، فالموالاة لغة هي الاتباع ، ولم يخرج معناها الشرعي عن معناها اللغوي ، فهي اتباع وتسليم وانقياد وقبول ولنتدبر قوله تعالى "الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون" البقرة257 ، إذا فالموالاة مرادف للإيمان والاتباع والتسليم ، لأن من تولى الله خرج من الظلمات إلي النور ، ومن تولى الطاغوت خرج من النور إلي الظلمات ، فالشاهد هنا أن مجرد التولي يعتبر خروج من حال إلي حال ، ولا يتأتى هذا الخروج إلا بالاتباع والانقياد والتسليم وهو من عمل الجوارح وعمل القلوب معا ، طبعا مع حب من نتبع والإيمان بما نتبع وهو المعنى الحرفي للتولي ، لذلك قال تعالى"ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل اليه ما اتخذوهم اولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون"المائدة81 ، فالولاية هنا نقيض الإيمان بالله وبما أنزل على نبيه ، وتدخل في باب الفسق ، وقال تعالى"اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما تذكرون"الأعراف3 ، والشاهد قوله (اتبعوا) مما يعني أن الولاية أتباع ، والولاية ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بالتسليم والانقياد وانصراف النية وهي من عمل القلوب ونتبين ذلك من قوله تعالى"لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير"آل عمران 28 ، ففي قوله إلا أن تتقوا منهم تقاة يدل على أن ظاهر الفعل نفسه لا يأثم ما لم يرتبط بنية صادقة في قبول وحب الاتباع ، أما ألا يرتبط ظاهر الفعل بالنية فهو من المستثنى ، وبكتفي بهذا القدر في الحديث عن الموالاة ، لأن بحثنا عن أعياد غير المسلمين ، فتطرقنا بالقدر المطلوب لمعنى الموالاة.
إذا تهنئة غير المسلمين بأعيادهم والاحتفال معهم بها يخرج من حدود الموالاة المرفوضة شرعا لأن الشائع أن أي مسلم يهنئ غير المسلم بعيده أو يحتفل معه به ، يكون من باب البر والقسط ولم تنصرف نية المسلمين للإيمان بسبب الاحتفال مثل قيامة المسيح عليه السلام أو غير ذلك من المعاني العقائدية المخالفة لعقيدة المسلم.
وكذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول"واذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها ان الله كان على كل شيء حسيبا"النساء86 ، وهنا لم يهتم الخالق سبحانه وتعالى بمصدر التحية (مسلم ، كافر) ولكنه اهتم بالفعل نفسه وهو فعل التحية وقرر سبحانه رد الفعل الواجب وهو أساسا (أحسن منها) فإذا تعذر وجب على أقل تقدير (ردها) والسؤال الذي يفرض نفسه وبقوة ، لو جائك غير المسلم وهنئك بعيدك الإسلامي بل وأحتفل معك به ألا يعتبر ذلك تحية منه لك وتعظيما منه لعيدك؟ فكيف نعمل حكم الآية السابقة؟ هل نعطل حكمها متذرعين بأن مصدر التحية يجب أن يكون مسلم؟ وذلك على خلاف مراد رب العالمين ، أم نتبع حكم الآية الكريمة فيكون تهنئتنا لهم وإحتفالنا معهم من قبيل تأويل الآية فلا يكون موالاة ، بل هو على مراد أمر الشارع الكريم سبحانه وتعالى.
ثم أن الله سبحانه وتعالى قد سمح لنا بالتزاوج من أهل الكتاب فقال خير من قائل"اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم اذا اتيتموهن اجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين"المائدة5 ، ولما كان الزواج قائم على المودة والرحمة لقوله تعالى"ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون"الروم21 ، ومن جماع الإدلة نرى أن الله سبحانه وتعالى جعل بيننا وبين أهل الكتاب (بر ، قسط ، مودة ، رحمة) وكل ذلك ليس له علاقة بالموالاة التي نهى عنها رب العزة ، والاحتفال بالأعياد والتهنئة عليها لا تخرج من تحت مظلة هذه المعاني السامية من بر وقسط ومودة ورحمة والتي نحن مأمورين بها في علاقتنا مع أهل الكتاب ، وحتى في باب التنافس معهم فإن الله سبحانه وتعالى جعله تنافسا في الخيرات لقوله تعالى"ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات اين ما تكونوا يات بكم الله جميعا ان الله على كل شيء قدير"البقرة148 ، ونفس الأمر في المائدة 48 ، أما أن يرتبط بالاحتفال والتهنئة قبول نفسي وإيمان بمدلول العيد وسببه فإنه هنا تكمن المشكلة ، ولما كان عمل القلوب من إطلاقات رب العزة والتي لم يطلع عليها أحد من خلقه حتى نبيه صلى الله عليه وسلم وقد أكد له هذا المعنى في الكثير من آيات القرآن ، فإننا نقف عند حد التهنئة والاحتفال ولا نرى فيها بأسا بل قد تكون واجبة مع من يحيونا بالتهنئة بأعيادنا أو بين الأزواج مختلفي الملة أو الأقارب والأولاد نتاج هذا التزاوج.
ثم أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ، لا تخرج عن كونها كلمة طيبة ، وقول حسن ونحن مأمورين بأن نقول للناس قولا حسنا ، وقد قال تعالى"واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون"البقرة 83 ، ولو قال لي أحدهم أنها خاصة ببني اسرائيل أقول له القاعدة الاصولية أن العبرة بعمومية النص وليس بخصوصية التنزيل ، كما لو قال أحدهم أن (حسنا) تعني التوحيد والدلالة على اتباع أمر السماء ، أقول له أن القاعدة الأصولية أنه لا يجوز تخصيص العام إلا بمخصص أو تقييد المطلق إلا بمقيد ، ولا يوجد هنا مخصص أو مقيد بل على العكس جائت على وزن (فعلا) تنكير لمعنى الحسن بما يعني أطلاقة ، حتى ولو كان إبتسامة فهي تدخل تحت نطاق الآية الكريمة ، ويعزز ذهابنا لهذا المعنى قوله تعالى" الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء"ابراهيم24 ، وهنا أيضا جاء التعريف بالاضافة إطلاقا لكل الكلمات الطيبة دون تحديد وحتى دون تحديد لشخص المتلقي.
ولتكن لنا في رسول الله سبحانه وتعالى أسوة حسنة ، في طريقة مخاطبته لأهل الكتاب ، فقد قال تعالى" قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون " آل عمران 64 ، وقال تعالى" قل يا اهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم... الآية" المائدة 68 ، ومن صيغة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب نتبين معانٍ عدة ، أنه كان يستخدم الكلمات الطيبة معهم ، وأنه كان يقول لهم حسنا حيث أمرهم أن يتبعوا كتابهم ، وحتى في المرة الوحيدة التي رماهم بالفسق ، لم يعمم بل قال (قل يا اهل الكتاب هل تنقمون منا الا ان امنا بالله وما انزل الينا وما انزل من قبل وان اكثركم فاسقون) والشاهد قوله (هل تنقمون منا) وقوله (بل أكثركم فاسقون) فكان قوله من باب درء عدوانهم ، لأن أنتقامهم من المسلمين كان إبتداء ومع ذلك فإن الرسول عليه السلام يعلم أنه ليس كلهم فاسقين ، ولكن أكثرهم فقط اي أنه وبمفهوم المخالفة أن فيهم قلة غير فاسقة ، فهلا تأدبنا بأدب رسول الله صى الله عليه وسلم في طريقة الحديث مع أهل الكتاب واتبعنا القرآن الذي سمح لنا بالتزوج منهم وجعل لنا معهم أو مع بعضهم ميثاقا غليظا ومودة ورحمة وبرا وقسطا ، وكل ذلك يتأتى بإطلاق الطيب من الكلام والحسن من القول في وجوههم ومن ذلك تهنئتهم بأعيادهم ويكون ذلك مستغرقا في عموم الكلام الطيب والقول الحسن.
من المرويات التي لا نصدقها أو نكذبها ، قالوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحتفل مع بني إسرائيل بأعيادهم ، يوم عاشوراء ، وبنفس الطريقة (صامه بني إسرائيل) فصامه رسول الله وزعموا أنه قال (نحن أولى بموسى منهم) ، فإي تناقض وقع فيه هؤلاء القوم ، يحرمون الاحتفال بأعياد غير المسلمين ، ثم يقرون أن الرسول صدقهم في سبب إحتفالهم وأحتفل معهم بعيدهم وبنفس الكيفية (سبحان الله) ، فلو كانت القاعدة جواز الاحتفال على فعل رسول الله ، فلماذا خصصوها على عيد دون عيد فنحن أيضا أولى بعيسى منهم ولنحتفل بيوم ميلاده على ما فيه من معجزة بكل المقاييس ، ونحن أولى بعيسى منهم فلنحتفل بيوم نجاته من الوثنيين ومكر اليهود وفقا لإعتقادنا أن الله سبحانه نجاه دون صلب أو قتل ، أقول لماذا التخصيص؟
من كل ما تقدم فإنني أرى أنه مباح في كل الأحيان وواجب في بعضها تهنئة أخواننا من أهل الكتاب في أعيادهم والاحتفال معهم بها ، والله سبحانه وتعالى أعلم
اللهم لا تجعلنا فتنة للذين آمنوا ، اللهم وتقبل دعاء
شريف هادي

اجمالي القراءات 33605