فهم القرآن من خلال القرآن صحيح ولكن بحاجة إلى بيان

محمد مهند مراد ايهم في الثلاثاء ١٣ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


بسم الله الرحمن الرحيم

(الم*اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ*نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ*مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ*إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ*هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَ&te;يْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)القرآن فيه الفرقان والفرقان هو الذي يفرق بين الطيب والخبيث القرآن منه هو ما هو محكم لا يقدر بشر على محاولة التلاعب بمعناه أو ألفاظه ومنه وما هو متشابه والله ذكر التشابه ليس بمعنى مشتبه  وهو ما يفيد مشكل على الفهم أومشكل علىالقراءة  وقد تأتي مشتبه بمعنى التشابه كما في قوله تعالى(وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) 
و نعود إلى  متشابه أي أنه متقارب ولم يذكر متماثل لأن التماثل هو التطابق فيكون التطابق تاما شكلا ومضمونا وإنما ذكر متشابه أي أنه متماثل في اللفظ مختلف في المعنى والعكس صحيح
ينبغي للوصول إلى المعنى السليم أن نمتثل لأمرين أولاهما ما ذكرته الآية عن موقف الراسخين في العلم وهو الإيمان والإتباع والتسليم بأمر الله(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)ومن هنا ندرك أهمية أن يخلص المرء نفسه وقلبه لله ليهديه الله إلى المعنى السليم ويهديه سبل تنفيذ أمره ولن يتمكن أي منافق أو أي ضال أو فاسق من فهم القرآن على النحو الصحيح إلا إن كان موقفه كما موقف الراسخين في العلم الذين يقولون(آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) يصدقون بكلماته ويسألونه الثبات على الإيمان يخشون يوم الحساب ومن هنا أتى قوله تعالى(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )الكتاب كله محكم ويمكن فهمه كله ولا يمكن الاختلاف عليه إلا أن يكون بغيا والبغي نوعان بغي بعلم وبغي بجهل وأما البغي بالعلم فهو أن يحاول المرء فهم القرآن ليلوي عنقه فيكون موافقا لهواه وأما البغي بغير علم فهو الدخول للقرآن دون امتلاك الحد الأدنى من المعرفة المطلوبة في محاولة لفهمه وهو الأمر الثاني وقد قدم على الأول حيث قال الله (و الراسخون في العلم) أي أنهم قد قصدوا السبيل الصحيح لفهم هذا القرآن وهو العلم حتى رسخوا فيه وتمكنوا منه ومن مقدمات الرسوخ في العلم هو فهم معنى القرآن من خلال لغة قومه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )ابراهيم..ولسان قوم الرسول الكريم هو العربي (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )يوسف..( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ )الرعد.. ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا )طه.. ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )الزمر..  ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )فصلت.. ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )الشورى.. ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )الزخرف.. ( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ )الأحقاف
ومن هنا أقول لا بد من تعلم اللسان العربي أو اللغة العربية كأساس لا بد منه لفهم القرآن وإن قلنا أن القرآن يفهم بالقرآن فهي مقولة صحيحة بيد أنها ناقصة والسبب في نقصها ما يلي
رجل أعجمي صادف مسلما وهو على النهج القويم فقال له أن دينكم هو دين إرهاب ودكتاتورية وذكورية ومحسوبيات سيقول له المسلم بل ديننا دين سلام وعدل وحرية سيقول له أن علماءكم قالوا بأن يقاتلوا من لا يؤمنوا بدينكم وأعلوا بمكانة الرجل بينما سحقوا المرأة وأعطوا ولي الأمر صلاحيات بحيث لا يجوز الخروج على أمره حتى لو خالف الدين سيقول له المسلم هذا فهم خاطئ في الدين وإن القرآن يقول غير ذلك سيقول له وكيف لي أن أعلم إن كان فهمك لدينك هو الصحيح أم فهمهم سيقول له ارجع إلى كتاب الله وسترى قولي هو الصحيح
وهنا بيت القصيد كيف يرجع إلى كتاب الله كيف يفهمه إن قلنا له أن القرآن يفهم من القرآن فما الذي سيفهمه الأعجمي من كتاب كتب بلغة لا يعرفها أو بمعنى أدق كيف نفسر المبهم بمبهم
ولفهم اللغة العربية على نحو صحيح لا بد من دراسة علوم ثلاثة هي أساس لفهم اللغة وهي
1- المعاني
2- النحو أو القواعد
3- الصرف
وٍسأستعرض مدى أهمية كل علم من هذه العلوم في فهم القرآن
1- علم المعني وهو ميسر وذلك من خلال قواميس اللغة العربية على علاتها ؛؛؛؛
وأؤكد بأنه لا بد من الرجوع إلى القواميس لفهم لفظ معين ولو قلنا بفهم المعنى من خلال مرادفاته من القرآن فإن ألفاظا عديدة وردت في القرآن لمرة واحدة ولا يمكن فهمها من خلال السياق مثال ذلك (عُرُبًا أَتْرَابًا )((أترابا)) (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )((أبا)) (فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ )((قسورة)) (اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )((يعمهون))( يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ )((معين))( اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )(( يَؤُودُهُ)) والأمثلة في القرآن كثيرة ولفهم هذه الألفاظ لا بد من العودة إلى المعجم لنتبين في أي معنى استعمل هذا اللفظ
2- النحو وتبرز أهمية النحو بشكل جلي لمعرفة من قام بالفعل ممن وقع عليه الفعل وتمييز الفعل من الاسم وتبيان الحال والمفعول المطلق والنفي من النهي وغير ذلك ولو أنا أغفلناه لوقعنا في متاهات كبيرة حيث أنه في كثير من المواضع يتقدم المفعول على الفاعل ولو فهمناه حسب الترتيب المنطقي للجملة دون مراعاة موقعها من الإعراب وأكبر مثال على ذلك (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )لو فهمنا هذه الآية حسب التسلسل المنطقي لكان المعنى أن الله يخشى من العلماء وقد يقول قائل أنه من خلال مجمل القرآن يمكننا ومن خلال إيماننا بأن الله هو الخالق والخالق لا يخشى من المخلوق فأقول صدقت ولكن ما موقفك من هذه الآية (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) حين يحرم الله أمرا يأتي قبل الفعل لا الناهية وليس النافية وما يميز النفي عن النهي هو حركة إعراب الفعل الذي يليها فإن أتى مجزوما بسكون أو بحذف النون (كما في الأفعال الخمسة ) كانت لا ناهية وأما إن أتى مرفوعا بالضم أو بثبوت النون(كما في الأفعال الخمسة ) كانت لا ناهية كما أنه لا يأتي نهي قبل اسم ولا يمكن حسب قواعد اللغة العربية حمل النفي على التحريم إلا أن يأتي بعده ما يبنه كما في قوله تعالى(الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) لفظ (لا) في قوله تعالى (لا ينكح ) أتت نافية لأن الفعل الذي تلاها كان مرفوعا بالضم وبذلك لو لم نكمل الآية لكان المفهوم نفي حالة وليس نهي ولولا قوله تعالى ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) لما فهمنا التحريم , نعود للفظ (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) لا هنا نافية لأن الفعل أتى بعدها مرفوعا ولا يمكن أن يفهم منها النهي إذ لم يأت نص بعدها يبين التحريم فالمعنى هنا هو نفي حالة أن يمس الكتاب المكنون غير المطهرين
هذا من ناحية النحو والقواعد
3-الصرف
علم الصرف يبحث في جذر الكلمة وتغيرات المعنى بعد إضافة حرف من الحروف عليها وسأضرب أمثلة على ذلك (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا )كلمة قسط كاسم بجذرها تعني الحصة أو النصيب وقسط بصيغة الفعل بمعنى أخذ نصيبا سواء كان ذلك من حقه أم أنه ليس بذلك وأما أقسط فيأتي بمعنى قطع الحقوق أي قسمها واسم الفاعل من أقسط مقسط واسم الفاعل قسط قاسط وهنا يتبين المعنى القاسطون هم الذين يقتطعون لأنفسهم مما في أيدي الناس وأما المقسطون فهم الذي يقتطعون لغيرهم نصيبهم أو حقوقهم وأقرب ما يكون بالمعنى للتفريق بين أقسط وقسط هو قرض وأقرض قرض بمعنى قطع وأقرض بمعنى أعطاه قطعة من عنده ومن هنا يأتي معنى القرض وقد تعارف العرب على أن القرض هو الدين ومن هنا يأتي قوله تعالى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
المثال الثاني وهو قريب جدا من المثال الأول إذ يتغير المعنى بزيادة حرف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )(( يُطِيقُونَهُ)) بضم الياء أصلها أطاق وليس طاق وأما المضارع من طاق فهو يَطِيق أي بفتح ياء المضارعة والفارق بالمعنى كبير كالفارق بين جهد وأجهد فجهد أي عمل ضمن جهده وأجهد أي جعله يعمل فوق جهده ومنها طاق أي تحمله وهو ضمن طاقته أو إمكانياته وأطاق أي تحمله وهو فوق طاقته
من هنا نجد أن اللغة العربية ومعاني كلماتها من خلال لسان العرب (لا أقصد القاموس وإنما أقصد قول العرب الذين يتحدثون اللغة العربية حين نزل القرآن ) وقواعد اللغة العربية من نحو وصرف أسس لا بد منها كما لا يمكنني أن أغفل البلاغة لما لها من دور لفهم الحقيقة من المجاز وفهم التشبيه والاستعارة والكناية وغيرها
وبعد هذا يأتي دور القرآن (أي فهم القرآن بالقرآن ) القرآن يبين بعضه بعضا ويفهم بعضه من كله وكله من بعضه في علاقة جدلية لا بد منها
1- لا يمكن فهم كلمة في القرآن إلا من خلال الجملة التي وردت فيها مثال ذلك كلمة سليم فقد ورد في المعاني المستخدمة لكلمة سليم هو الخالي من الأذى أو العيب أو النقص ووردت كلمة سليم بمعنى الذي لدغته أفعى وأطلق عليه هذا المصطلح ( بمعنى رجاء سلامته من سمها) ولكن لو أتينا لكلمة سليم كما وردت في الآية الكريمة (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ* إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) من خلال الجملة التي وردت فيها لا يمكن أن نفهم كلمة سليم إلا بأنها الخالي من عيب أو أذى أو رجس ولا يمكن أن نفهم منها أن قلب إبراهيم لدغته أفعى وأما إن قلنا مات الرجل السليم بعد معانة من السم فلا يمكن أن نفهمها إلا بأنه ليس سليما بل ملدوغ
2- لا يمكن فهم الجملة في القرآن إلا من خلال السياق أي بالعودة إلى ما سبقها وما لحقها من آيات ومثال ذلك سورة الماعون (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) لو اقتطعنا(فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ)من سياقها كيف سيكون المعنى وأما إن بقيت ضمن سياقها وقرأنا ما قبلها وما بعدها استقام الفهم
3- لا يستقيم فهمنا لمقطع إلا بقراءة كل السورة التي وردت فيها والبحث في مجمل آياتها
4- لا يستقيم فهمنا للسورة التي نقرأها وللآيات التي وردت فيها ولكل كلمة وردت فيها إلا بفهم مجمل القرآن وخير مثال أضربه هاهنا هو آية (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) قد اعترض بعض الكتاب الكرام على مفهوم أن الله هو الذي جعل إبراهيم خليلا وليس العكس وقالوا أن الله لا يمكن أن يكون قد جعل إبراهيم خليلا لأن الخليل هو الصديق ,ولكن لو عدنا إلى مجمل القرآن لوجدنا ما يلي
حين أنكر الله على النصارى قولهم أنه اتخذ ولدا أنكره من حيث أن الله لا شريك له والولد في مفهوم البشر يشارك الوالد في ملكه وحكمه والله أنزل قرآنه الكريم كي يجعل البشر يعبدونه وحده لا شريك له هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد شبهوه بالبشر بأنه اتخذ صاحبة أو ولدا والله لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولكنه في موضع آخر (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) وهنا أفهم أن الله لو أراد أن يجعل ولدا لكان هذا الولد من بين مخلوقاته ولبقي هذا الولد عبدا لا يكون لربه ندا فإنه سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ومن هنا كان مفهوم أن الله حين قال أنه اتخذ إبراهيم خليلا إنما قربه إليه وأعلاه مكانة وليس أن يكون صاحبا لله تعالى الله عن ذلك ومن هنا يبرز أهمية فهم هذه الآية وتجنب ما ورد فيها من صفات قد ذمها الله عز وجل (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ* كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ* الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ* فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
في الختام أرجو من الأساتذة الكرام تصويبي إن أخطأت وإفادتي بالنصح والتعليق إن قصرت
وفي النهاية أسأل الله أن يثيبني على ما فعلت إنه سميع قريب

اجمالي القراءات 14356