البقرة الحلوب
إغتيال العقل في الحضارة العربية

عبد العزيز أفندي في الإثنين ٢٨ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



الواقع العربي المعاصر شاهد على تردي اوضاع الإنسان عندنا , فهو أرشيف يراكم تفاصيل الظلم و الطغيان في ميادين الحكم و السياسة و الإقتصاد, و يسجل بكل حسرة و اسى الإنقسامات و الحروب الدموية التي تحصد ألاف الضحايا كإرث خلفه لنا الأجداد منذ القرن الأول الهجري. و لعل المرء وهو يرى المشهد العربي اليوم ـ المكرس لإيديولوجيا العنف و الجهل ـ يصاب بالصدمة فما هو بقادر على تغيير الأوضاع و ما هو بقادر على ضمان الأمن لنفسه.

إنه حقا لمشهد قل نظيره المرعب في تاريخ الحضارات الأخرى من حيث إمتداده الزمني الطويل و إستمراره في تغذية الأحقاد و الضغائن عبر الزمن و بدون ملل أو وقفة تأمل قد تفضي بنا إلى وقف هذا الخراب !!!
أجل ! إن الدمار قد عم كل ميادين الحياة عندنا و أصبح الإنسان مجرد شيء , بضاعة ,سلعة , سخرة , أو قل إن شئت قطعة من الحلوى , تتلا عب به المذاهب و تتقاذفه التيارات ككرات البلياردو .. و إختفت تلك القيمة و المنزلة العظمى التي إحتلها في الوحي الإلهي طالما إلتزم التعاليم الإلهية الإسلامية ـ ملة إبراهيم ـ هذا الدين الذي نزل بمشروع ضخم قوامه القسط و العدل و الحرية.

هذا الدين العظيم الذي نظر فرأى في الإنسان أعظم مخلوق من بين غيره من المخلوقات بفضل تكريم الله تعالى إياه أيما تكريم..
ولعل الجزيرة العربية التي كانت مركزا للوحي الهابط من السماء , الذي طالما دافع عن الإنسان و كرامته , كانت و لا شك مكانا للتناحر و الصراع و الشرك و الإعتداء و ليس فقط مهدا للتوحيد و تعايش الأديان و مكانا للسلا م و العدل و الأمن و الآمان. وهو المكان نفسه الذي إحتضن دعوة نبي الإسلام محمدا عليه السلام ـ هذا النبي العظيم ـ الذي أسس الدولة الاسلامية المؤسسة على العدل القرآني. و هو المكان نفسه الذي إنطلقت منه حملة عسكرية عشواء إنتهت إلى توسع ضخم في ظرف زمني وجيز أدى بإسم الإسلام إلى إختزال القوميات الأخرى في القومية العربية. وبإمتطاء الدين تمكن أعراب نجد بالسيف و الدم من كتابة فصول تاريخ جديد بإعلان دينهم الحقيقي ,دين رعاة الإبل و قطاع الطرق , دين عنوانه الإرهاب و الإغتصاب.


إن الفتوحات العربية العسكرية ـ ذات الأهداف الإقتصادية المحضة ـ لحادثة تارخية تنهد لها القلوب و يندى لها الجبين بحيث قامت بترحيل أزماتها القبلية و الإقتصادية..إلى خارج الجزيرة وأودت بسبب ذلك بحياة آلاف الأبرياء و غيرت خارطة العالم جغرافيا و دينيا و إقتصاديا و سياسيا ,و أبادت تراث الأمم..بسقوط الدولة الفارسية و إجتياحها على يد سعد بن وقاص أيام الخليفة عمر و كذلك بإجتياح الشام و العراق و شمال إفريقيا..
لقد زئر أعراب نجد , المتعطشين للدماء و الثروة , الذين أعياهم شظف العيش و قسوة الصحراء , فامتلكوا العالم , و غزوا العقول بالقوة , لم يلتزموا بدين النبي محمد(ص) المؤسس على الإرادة الحرة في الإعتقاد و السلوك وإحترام الآخر بل كانوا ـ تجسيدا لقمة الغباء و ذروة الجهل البشع ـ بعيدين عن قيم القرآن الذي طالما حرم الإعتداء و منع البغي و حذر من نار الخلد لمن ضل عن تعاليمه و تحداه و مات و لم يتب توبة قرآنية. و بالرغم من أنْ لا إكراه في الدين ..إلا أن هذا لم يطفئ تعطش الأ عاريب لإ ستنزاف موارد الأمم و سبي ـ الساحرات من نسائها قصد مصهن و إلتقام أثدائهن ـ و قتل ما إستطاعوا إليه سبيلا.

إن أساليبهم العسكرية صدرت, ولا بد , من مرضى لقساوتها و و حشيتها و كذلك لعدم إعتداء هذه الأمم على الجزيرة و دينها. و نبي الإسلام لم يعتد قط على أحد..بل كان يدافع عن نفسه و دينه و كل ذلك بتوجيه خالقه.


و حتى أقترب من الموضوعية سنستمع بعد قليل لشهادة المؤرخين حتى لا يتهمنا جَدْي ما بشيء ما.

و نظرا لفظاعةالأعاريب فقد فضل أغلب الناس في البلدان المغزوة إ عتناق دين جديد لا علاقة له بدين محمد (ص) إ لا بالقرآن و الصلاة - أما ما أحدثوه فكان إمتدادا لدين الآباء المناقض للإسلام..-على أن يئنوا تحت وطأة عذاب لا مثيل له سوى ما أحدثه أتباع المسيحية بإسم المسيح عليه السلام بالهنود في العالم الجديد.
فالتاريخ يحدثنا عن الجيوش التي ارسلها أبو بكر لفتح الشام بقيادة عدد من القادة العسكريين من بينهم عمرو بن العاص و أبو عبيدة الجراح بالإضافة إلى تكوينه لقوة عسكرية هدفها حماية القوات الموجهة لغزو الشام.
وتوجهت جيوش أخرى لغزو العراق بقيادة خالد بن الوليد و عياض بن غنم.
و بتولي عمر للخلافة سيزداد عدد الجيوش الداعمة لغزو الشام و العراق و سيحاول عمرو بن العاص إقناع عمر بغزو مصر نظرا لموقعها الإستراتيجيي و ثرواتها الإقتصادية.


مماأدى بعمر إلى مراسلة قائده عمرو موضحا له أمرين هامين : أن ينصرف عن مصر إن لم يدخلها بعد أو يستمر في غزوها إن وطأت أقدامه أرضها..غير أن عمرو الذي توصل بالرسالة قبل دخول مصر سيؤجل قراءتها إلى حين دخوله إياها لإنه فطن لما فيها.. و كذلك لرغبته الدفينة في مصر فمضى مسرعا للدخول إليها ,فلما تحقق له ذلك فض الكتاب و قرأه مطلعا جيشه بفحواه فبدأ غزو مدائنها.

يقول اليعقوبي في تاريخه:

وسار عمرو مسرعاً، فلما كان برفح، وهي آخر عمل فلسطين، أتاه رسول عمر ومعه كتاب، فلم يفض الكتاب، ونفذ حتى صار إلى قرية بالقرب من العريش، وقرأ الكتاب، ثم قال: من أين هذه القرية قالوا: من مصر! قال: فإن أمير المؤمنين أمرني إن أتاني كتابه، وقد دخلت شيئاً من أرض مصر، أن أمضي لوجهي وأستعين بالله، حتى أتى الفرما، فقاتلوه نحواً من ثلاثة أشهر، ثم فتح الله عليه.

فعمر إقتنع بغزوها إلا أنه غير رأيه بعد نقاش مع عثمان الذي حذره من إمكانية الهزيمة.. فجائت رسالته تطلب الإنصراف عنها إن لم تغز بعد.


و من العجب أن عمر الذي هيأ العدة لغزو بلدان لم تعتد عليه فأمعنت جيوشه في القتل و النهب.. هو نفسه عمر الذي حن قلبه لبعض المعذبين الذين رفضوا دفع الخراج حسبما يحكي المقريزي :

ومر عمر راجعا إلى المدينة فمر على قوم قد أقيموا يعذبون في الخراج، فقال عمر: دعوهم ولا تعذبوهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم الله في الآخرة، يوم القيامة، فأرسل إليهم، فخلى سبيلهم.


ولنلتحق مجددا بعمرو الذي إستولى على مدينة بلوز حيث هدم حصنها و خرب كنائسها .. و إستمر إستيلائه إلى الفيوم حيث عذب و قتل ما إستطاع إليه سبيلا حين أمده عمر بالمدد لدعمه لما فوجئ بقوة ضخمة أرسلها الروم دفاعا عن مصر..و أمعن عمرو فيما بعدفي النهب و التخريب .. بالمدن التي دخلوها ..
و مصادر التاريخ تقف شاهدة على الأسى و الكمد الذي إحتضن الولدان و النساء و الشيوخ و هم يدافعون عن أرض ترعرعوا فيها , عن أرض تختزن أحلامهم و إرتباطهم بها ,تلك الأرض التي لو نطقت لبكت ألما و أبكت و هي تنسل ـ هكذا و بدون سابق إنذار ـ تحت ظلال الرماح و قلوبهم الواجلة تحكي أقسى وأقصى حدود المأساة التي أحدثها أعراب نجد ..ليس حبا في الله أو طاعة لأمره ـ فهو جل و علا لا يظلم أحدا ـ و لم يدخلوها لإنقاذها من ظلم المسيحيين الغربيين.. أو لإخراج قومها من الظلمات إلى النور..عن طريق البطش و الإنتقام .. و إنما ولجوها لحلبها و إزدراد خيراتها .


و بمدينة الإسكندرية حل عمرو, و لما علم يهودها بوصوله و هم ألوف هربوا حتى يخلو المكان لعمرو و رفاقه لتحقيق غرضه النفسي : الولاية و جمع الكنوز و الثروة... و كذلك فعل الغزاة بشمال إفريقيا حيث إمتلكوا البلاد و العباد و سبوا و نهبوا.. ولما كان الهدف من هذا التوسع ليس إيصال الدين ..بل تصدير لأزمات الجزيرة العربية فإن التاريخ حفظ لنا ما دل على ما أسلفنا و هذا ما يؤكد من جهة أخرى صدق مذهبنا و منه ما قاله عمر لعمرو:
يقول إبن الأثير: فورد الجواب من عمر: لعمري جزية قائمة أحب إلينا من غنيمة تقسم ثم كأنها لم تكن، وأما السبي فإن أعطاك ملكهم الجزية على أن تخيروا من في أيديكم منهم بين الإسلام ودين قومه فمن اختار الإسلام فهو من المسلمين ومن اختار دين قومه فضع عليه الجزية، وأما من تفرق في البلدان فإنا لا نقدر على ردهم.

بل أقدم عمر بن الخطاب على جعل عمرو مسؤولا عسكريا فقط بينما إختار عبد الله بن سعد بن أبي سرح واليا على الفيوم و الصعيد مكلفا بالخراج و الكنوز لنهب ما يمكن نهبه في إطار النهب الشامل . وفي نفس السنة قتل عمر و تولى عثمان الخلافة, هذا الأخير سيعمد إلى طرد عمرو و الإكتفاء بعبد الله بن سعد بن أبي سرح واليا على مصر. فعاد عمرو إلى المدينة يجر أذيال الخيبة ناقما على عثمان حسبما ذكر صاحب المنتظم.


بعدها ستسقط الإسكندرية من جديد تحت يد الروم و ستثور ليعود عمرو مرة أخرى لإخضاعها من جديد للعرب فنشبت حرب حامية الوطيس كان النصر حليفا له فعاد الدمار و عم الخراب كما ذكر المؤرخ الطبري و غيره و تدخل عثمان بن عفان ليجعل عبد الله بن سعد بن أبي سرح مسؤولا الحكم و الثروة بينما أ بقى عمرو قائدا عسكريا مما جعل عمرو يقلق و يثور قائلا لعثمان: أنا اذا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها . هكذا أفصح عمرو عن الأهداف الحقيقية للغزو العربي.. و هو نفسه عمرو الذي سيتولى حكم مصر آيام معاوية حتى يتمكن من مص البقرة الحلوب بعد أن تلاعب بعلي و نصب معاوية خليفة.
و جعلت النسابة منه رجلا مؤمنا .. و أنطقوا النبي بما لم يقل.. فالترميذي كتب يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص.
ولنستمع لعمروا و هو يعظ الناس .. قائلا :

الرجال ثلاثة: رجل تام، ونصف رجل، ولا شيء. أما الرجل التام فهو الذي كَمُل دينه وعقله، فإذا أراد أن يقضي أمرًا استشار أهل الرأي، فلا يزال موفقًا. وأما نصف الرجل فهو الذي لم يكمل الله له دينه وعقله، فإذا أراد أن يقضي أمرَا لم يستشر فيه أحدًا وقال: أي الناس اتبعه وأترك رأيي لرأيه، فيصيب ويخطئ. وأما الذي لا شيء، فهو من لا دين له ولا عقل فلا يزال مخطئًا مدبرًا. والله إني لأستشير في الأمر حتى خدمي.
إنتهى كلامه.. و حسب منطقه لو طبقناه عليه .. للزمنا القول بكونه من صنف لا شيئ لإنه لم يلتزم هو نفسه بمنطقه في : غزو مصر, وفي التحكيم وفي مال مصر و عذاب أهلها..

"و قال ابن عبد الحكم, عن عبد الله بن لهيعة: لما فتح عمرو بن العاص مصر, صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط ـ ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك, ليس فيهم امرأة و لا صبي و لا شيخ ـ على دينارين دينارين , فأحصوا ذلك بلغت عدتهم ثمانية آلاف آلف. و عن هشام بن أبي رقية اللخمى أن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر: إن من كتمني كنزاً عنده فقدرت عليه قتلته المواعظ ص 222.و هو من قال لقبط مصر :
إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم.

وقال لسكان مصر : لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحدٍ من قبط مصر علي عهد ولا عقد. إن شئت قتلت، وإن شئت خمست، وإن شئت بعت، إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهداً يوفى لهم به:
فتوح البلدان ص88 .

أوليس هو من قال لما رأى مصر طبقا للمؤرخ الطبري :
ارضها ذهب ونيلها عجب وخيرها جلب ونساؤها لعب و مالها رغب وفي اهلها صخب وطاعتهم رهب وسلامهم شغب وحروبهم حرب وهم مع من غلب.

و نقرأ في كتاب فتوح مصر و اخبارها لابن عبد الحكم:
ارسل عمر بن الخطاب الي عامله في مصر عمرو يسأله:بلغني انك فشت لك فاشيه من خيل وابل، فاكتب لي من اين لك هذا المال!!!
فرد عمروابن العاص: اتاني كتاب امير المؤمنين يذكر فيه فاشيه مال فشا لي، وانه يعرفني قبل ذلك، لا مال لي، وإني أعلم أمير المؤمنين إني ببلد السعر فيه رخيص، وإني أعالج من الزراعه ما يعالجه الناس، وفي رزق أمير المؤمنين سعه.



و حتى نتأكد من براءة القرآن الكريم من   الإعتداء و الظلم و النهب  دعنا نقرأ مراسلا ت عمر بن الخطاب و عمرو :
{‏مسند عمر‏}‏ عن الليث بن سعد قال‏:

‏ كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص :.. أما بعد فإني فكرت في أمرك الذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة... ولقد أكثرت من مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، فظننت أن ذلك شيئا بينا على غير نزر ورجوت أن تفيق فترجع إلى ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تغتالها ولا توافق الذي في نفسي ...وقد تركت أن أبتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترجع إلى ذلك...

قال‏:‏ فكتب إليه عمرو بن العاص : .. أما بعد فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيها من عمل الفراعنة قبلي، وإعجابه من خراجها على أيديهم ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام... وذكرت أن النهر يخرج الدر فحلبتها حلبا قطع ذلك درها، وأكثرت في كتابك وأنبت ...‏ والله يا ابن الخطاب لأنا حين يراد ذلك مني أشد لنفسي غضبا ولها إنزاها ‏‏ وإكراما، وما علمت من عمل أرى علي فيه متعلقا ولكني حفظت ما لم تحفظ، ولو كنت من يهود يثرب ما زدت ..


 قال ابن قيس مولى عمرو بن العاص فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص سلام عليك: أما بعد فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج وكتابك إلي ببنيات الطريق وقد علمت أني لست أرضى منك إلا بالحق البين، ولم أقدمك إلى مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك لكني وجهتك لما رجوت من توفير الخراج وحسن سياستك، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج، فإنما هو فيء المسلمين وعندي من تعلم قوم محصورون، والسلام.


فكتب إليه عمرو بن العاص:.. أما بعد فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج، ويزعم أني أعند عن الحق أنكب عن الطريق وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم فنظرت للمسلمين فكان الرفق بهم خيرا من أن يخرق بهم فنصير إلى ما لا غنى لهم عنه، والسلام‏.‏

و لعل هذا كاف للبرهنة على أن جل السلف إنقلب عن دين محمد (ص). ولعله مفتاح لفهم أن مشروع النبي في بناء الدولة العادلة قد هدمه السلف بعد وفاته مباشرة و حتى قبل أن يدفن عليه السلام. إنهم من إعتنق الإسلام نفاقا بعد فتح مكة و من أغتر بعد ماض من الإيمان..من دخلوا البلدان ظلما..و هم من إرتد و النبي على فراش الموت ,و إستقر بهم الأمر من جديد بعد إنقضاض الخليفة الأول عليهم دفاعا عن الإسلام ـ على الإسلام المنقب ..فكانوا العدة التي داهمت العالم و نسبت إرثا ضخما لنبي الإسلام زورا و كذبا ..و لعل فترة حكم الخليفة الأول شهدت ضمورا للصراع القبلي بسبب تركز الأنظار على البقرات الحلوب و كان هذا متنفسا و وقودا لأزمة كبرى ستبقى نتائجها ملاصقة لنا إلى يومنا هذا.

إن الثروات المنهوبة ستتراكم لتشعل حربا بين طبقات المجتمع العربي إبان الخلافة الراشدة و موت النبي لم يمض عليه سوى سنين معدودة , فهل غادر الإسلام القلوب بهذه السرعة ؟؟!!!

كلا ! فهو لم يدخلها إلا لتحقيق مآرب مادية و شخصية فكان إسلاما منقبا ـ اي لبس النقاب .
و تماشيا مع سنن الحياة و منطق التاريخ سيؤدي الصراع الطبقي الحاد إلى إنهيار كامل للأمن الداخلي للمجتمع انذاك و جائت الفتنة الكبرى تتويجا لمجتمع ملغوم و التي أودت بحياة الاف الضحايا و مهدت السبيل للأمويين و العباسيين..فيما بعد لقيادة الأمبراطورية العربية بالأرهاب و القمع.


و لعل معضلة القمع و الإرهاب من المشكلا ت الكبرى التي ـ و برغم تناقضها مع السير الطبيعي لحياة المجتمع ـ رافقت تاريخنا المديد و لقيت إعانة عظمى من طرف ممثلي العلم و الدين و السياسة طوال الحكم العربي إلى يومنا هذا , و من العجب أن يتعرض دعاة العقلانية للبطش بإسم الدين و أن يصبح التدمير عنوانا لحضارتنا و حكامنا..و دينا عنه يدافع سلفنا و خلفنا , جهالنا و علماؤنا ..و لعل كل هذا يطرح إشكالا عويصا على مستوى مفهوم الإيمان و مضمون العلم عند السلف و الخلف ..كيف يمكن تقبل و تحمل تاريخ كهذا بدون نقد ؟ لا يعقل أن يظل الإنسان طوال التاريخ كالكراكيز بدون حراك إلا فيما قل .
لقد قام الحاكم و معه اغلب رجال الدين بخرق قوانين السواء بإيقاف مفعول القرآن و تدبره و منعوا النظر العقلي المجرد و جعلوا الدعوة للثورة على الجهل و الطغيان مرادفا للكفر العقدي و الذي يستوجب القتل ..
و أسسوا لبنية عقلية متحجرة , منغلقة على الأسطورة , تستمد قوتها من دين العلماء : منظري الكذب و العنف. لقد خلقوا تصورا دينيا لم يعرفه عصر النبي (ص) بتأ سيسهم للحديث و علوم الدين حيث تعددت مصادر الإسلام كي يستطيعوا إفراغ الإسلام من فحواه و حشوه بإرث الأجداد العرب و كذلك حتى تتسع عقيدته و قانونه ليشملا معا ترسانة العقل الإيراني و الهندي و اليوناني..لقد مددوه و بنوا منهجا متهافت المبنى لمسايرة نفس المنحى..و حتى نمضي بحديثنا هذا إلى تخومه النهائية يلزمني البرهنة على كل هذا كي لا يقول جدي ما لم لم تفعل ؟

اجمالي القراءات 5109