الفتاوي السياسية في مجتمع كهنوتي

عبدالله عبداللطيف في الجمعة ١٨ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نكذب إذا قلنا أننا نعيش في مجتمع مدني ، نخادع إذا قلنا أن المواطنة هي أساس التعامل في العلاقات الاجتماعية ، نحن نعيش في مجتمع يسبح علي بحيرة من الطائفية في أحسن الأحوال ، وفي أوقات كثيرة يغرق في مياه الطائفية العفنة ، فأصبح طبيعيا أن يصغي الجميع إلي فتوي من شيخ حتي يقدم علي تصرف أو يمتنع عنه ؟ يغسل وجهه بفتوي ويمسح علي رأسه بفتوي ويغسل ذراعيه بفتوي ويتمتم بكلمات بناء علي فتوي ويلقي السلام علي جاره المختلف عنه في الدين أو لا يلقيه بفتوي يÚte;عاشر زوجته أو يمسك نفسه عنها بفتوي ، وأصبح للفتوي سوق ، فقد كثر الطلب عليها وراجت فما المانع أن تبث قنوات فضائية تخصص معظم ساعات بثها للفتوي علي الهواء ، وما المانع أن نستثمر سوق الفتوي اكثر فنخصص خط تليفوني ساخن للفتاوي المستعجلة ، وتتعدد الفتاوي ويصبح لها نجوم في الفضائيات ، والكل يفتي لكن من يفتي لابد وان يكون هو من يعلم ، لم أر مفتيا منهم يوما قال أنا لا اعلم ومن قال لا اعلم فقد أفتي كمقولة مالك .

الخطر الكبير أن هناك فتاوي قد أهدرت دماء أبرياء ، وهناك ميلشيا مسلحة تمارس العنف والإرهاب وإزهاق أرواح الأبرياء تنفيذا لتلك الفتاوي ، ويحسبونها جهادا في سبيل الله ، فقد قتل عدو من أعداء دين الله ، والقاتل ينتظر أن يكون مثواه الجنة .

فقد قتل المفكر العلماني فرج فودة تنفيذا لفتوي بإهدار دمه ، ومحاولة قتل الأديب نجيب محفوظ بالسكين بسبب رواية أولاد حارتنا بعد أن أفتي من أفتي بخروجه عن الملة ، وكثير من عمليات العنف والإرهاب تستند إلي مثل هذه الفتاوي .

وكأن مربع الإرهاب باسم الدين يقبض بيد من حديد علي المجتمع ومستقبلة فالفتوي ركن من أركان الإرهاب الكهنوتي يكمله ركن الإعلام الذي يتولي النشر والبث والإعلان والإشهار ، يكمله ركن العنف والقوة وفرض الأمر الواقع وارتكاب الجرائم التي تقوض مستقبل هذا المجتمع ، ويتصل به بشكل أو بآخر فصيل يتحرك في المجتمع ببراءة شديدة ويتعامل مع قواعد اللعبة الديمقراطية في المجتمع معلنا أنه قبلها بكل معادلاتها . فيدخل الإنتخابات ويشارك في البرلمان والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني مستغلا الهامش الديمقراطي المتاح . وهكذا تكتمل دائرة الشر .

إن الطائفية خطر يحدق بمجتمعنا ، وأن فصل الدين عن السياسة أصبح ضرورة لمصلحة الدين ولمصلحة السياسة ، كونهما يتعاطيان في مجالين مختلفين تماما ، فالدين علاقة بين العبد وربه ، والسياسة هي تسيير مصالح الناس والمجتمع ، فالدين لله والوطن للجميع ، إن خطر الطائفية لا يقف حجر عثرة في العلاقات بين من ينتمون لدين آخر وحسب ، ولكنه يفرق بين أصحاب الديانة الواحدة ، فالمسلم يتفرق إلي سني وشيعي ، والسني يتفرق إلي مذاهب ومدارس شتي ، والفرقة تتشتت إلي فرق وجماعات أسهل شيء لديهم أن يكفر بعضهم بعضا .

وأحدث الفتاوي التي ظهرت علي السطح هذه الأيام فتوي من مفتي جماعة حماس الذي أباح أحقية الفلسطينيين في إقتحام الحدود المصرية وقتل الجنود المصريين حال مقاومتهم هذا الإقتحام .

ولا أعرف علي أي أساس ديني أو شرعي قال مفتي حماس بذلك ، و[أي دم بارد أعطي لنفسه الحق في إهدار دم الجنود المصريين الذين يؤدون واجبهم دفاعا عن حدود بلدهم ، وما هو السبيل لأحقية الفلسطينيين أو غيرهم لإقتحام حدود بلد آمن مثل مصر ، وألم يكن أولي بهذا المفتي أن يوجه أنظار الفلسطينيين لإقتحام حدود إسرائيل بدلا من إقتحام حدود دولة عربية ويقول بقتل جنود مصريين معظمهم يدين بدين الإسلام ؟

لكن معذور هذا المفتي وهو ينتمي لحركة حماس التي ترفع راية الجهاد الإسلامي لحساب قوي تختلف حسب الظروف ومؤخرا إعترف خالد مشعل أن الحركة تعمل الآن لحساب إيران التي تمول حركتها ، ومؤخرا سمعنا أن حماس أعلنت غزة ولاية أو إمارة إسلامية في المنطقة .

وفتوي أخري تشير بقوة إلي مربع الخطر أعلنها الشيخ خالد الجندي في أحد البرامج التلفزيونية يقول لو كان جمال البنا أزهريا لذبحته بالسكين ، وحمدنا الله أن جمال البنا ليس أزهريا ، ولست أدري كيف يستخدم شيخا أزهريا هذا التعبير مثل الذبح بالسكين وكأنه يذبح خروفا أو دجاجة ، كلنا يعرف ويردد أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، ولكن عند الشيخ خالد الجندي تعدي حدود إفساد الود إلي الذبح والنحر بالسكين .

وبعد ذلك هل لنا عين أن نتحدث عن مجتمع مدني وعن المواطنة ؟

اجمالي القراءات 11092