4 مايو .. نهاية طاغية في عامه الثمانين

محمد عبد المجيد في الأحد ١٣ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



الرابع من مايو 2008 يحتفل الرئيس مبارك مع أسرته وأولاده وأحفاده ورجاله بالعيد الثمانين!
ترى لو تحوّلتْ السلطةُ المطلقة إلى شيءٍ يمكن أن نتذوقه، فكيف يعبّر اللسان عنه؟

اليوم الأول في اكتمال العام الثمانين، وتبدأ الخطوات الأخيرة في رحلة العودة لما أطلق عليه الشاعر: وكل الذي فوق التراب تراب!

شريط طويل يمر أمام الرئيس فيشاهد تفاصيل لا يعرفها غيره، ويعيد القراءة من جديد، وقد يستعين بالضمير محاولا إيقاظه في سباق الأخيرة قبل التوبة أو قبل رَكلِ كل قيّم الخير والحب والتسامح والأخلاق.

شريط طويل كان الرئيس مبارك فيه هو الآمر والناهي والحَكَم والخصم والجلاد والشيطان والملاك والقاتل والمحقق والسجّان ...

شريط طويل فيه ما تقشر له الأبدان، ويشيب من هوله شعر الجنين، وتتجمد من فزعه الأوصال، وتلتف من فواجعه الساق بالساق.

كان يملك مصر بين إصبعين من أصابعه، وتأتيه كلها خاضعة، خانعة، مطيعة، أو تأتيه مفعمة بأمل وإيمان وتفاؤل وصبر أم الحضارات، لكنه كان يملك كمية من الغرور والطاووسية والكراهية لشعبه وعشق الإذلال وغراماً بتعذيبه يحسده عليه إبليس ونسله.

في ستة وعشرين عاما مَرّ على سجونه ومعتقلاته ربع مليون مصري، وكان دائما يحتفظ بثلاثين أو أربعين ألفا منهم إمعانا في إذلال أهلهم، وحرمان أولادهم منهم. متعة في أسفل درجات الحقد والبغضاء، فتمر الأعوام، والسجين الذي لم يتم عرضه على القضاء يكبر أولاده في غيابه، وتبلل دموع أهله تلك الوجوه البريئة التي تنتظر غداً لا يأتي، وأملا لا يبرق، ودعاء لا يكتمل إلا بغضبة شعبية تأخرت سنوات طويلة.

مئات .. آلاف من حالات الانتهاك الجنسي، والتعذيب الجسدي، وحرق الأطراف، وادخال أسلاك كهربية في مواضع العفة من الرجال، فتتكدس التقارير على مكتبه، وتزداد بهجة تصوراته المريضة بمَشاهد أبناء بلده وهُم معلقون في سقف مكتب مأمور القسم، أو في ضحكات الشياطين من مخبرين وعساكر ومرشدين ومسجلين خطيرين، ينزعون ملابس من كرّمهم الله في الأرض، فرفض الرئيسُ تكريمَ الله للإنسان، وتحدّى العليَّ القديرَ أنْ يفعل بهم إبليس أكثر مما يفعل مبارك نفسه.

كان بارعا في اكتشاف اللصوص والنهابين والفاسدين والمجرمين وذوي الضمائر الميتة ليضعهم حوله في الوزارات والمؤسسات، ووضع ثروة وخيرات مصر بين أيديهم وايدي أبنائه، ونكث وعده بعدما عاهد الشعب أنْ لا تكون هناك ولاية ثالثة، فاستخف قومه في الولاية الخامسة.

كان كاذبا حتى النخاع، ويُعِدّ ابنه لأكثر من عشرين عاما ليرث عرش مصر، ويقف أمام شعبه مستخفا إياه، ومستحمرا ذكاءه، ليدعي أنه لم يفكر في أن يحكم جمال مبارك مصر من بعده.

جعل كل من حوله أصفارا متراصة، والشرطة التي كانت في خدمة الشعب أضحت في خدمته وأسرته، والجيش البطل .. جيش العبور يشاهد ضياع استقلال الوطن في أصغر قراراته، لكنه لا يتحرك.

كان عبقريا في اختيار الفاشلين، وجعل الإعلامَ المصري حزمة من المتخلفين والغوغاء والمعاقين ذهنيا، وشجّع تسميم الأرض الزراعية سواء في عهد يوسف والي أو في دفن نفايات الحديد تحت الأرض الزراعية.

في عهده جعل الصفرَ مرادفا لكرامة المصريين في الداخل والخارج، وتأخر التعليم، وتضاعفت تجارة وتعاطي المخدرات، والرشوة أصبحت ضرورية كالتنفس تماما، والتلوث المائي والهوائي سمة غالبة على سماء وبحر ونيل مصر كلها.

في عهده اختفت قيم عزيزة، وأفسح المجال للتطرف والفتنة الطائفية، واحتقر الثقافة والكتاب، وجعل الكلمة العليا لسوط ضابط الأمن أو حذائه، وأصبح هو السلطات الثلاث دون أن ينبس أحد ببنت شفة، وأصيب ثلث الشعب المصري بأمراض وبائية، وزاد العاطلون عن العمل إلى ثمانية أو عشرة ملايين، وانحدرت اللغة، واختفى المشروع القومي، وأعطى إشارة خضراء لكل من يريد أن ينهب شريطة التقاسم مع أحد رجاله.

طاغية يشفق علينا إبليس من أعوامه الستة والعشرين فوق ظهورنا، ولا يزال هناك عبيد وأذلاء ورعاع وعشاق مهانة وجبناء وأعداء الشعب المصري يجدون له مبررات وأعذارا كأننا يتامى من بعده، ويضعون بدائل مفزعة لارغامنا على الاستمرار في الوحل تحت أحذية زبانيته القساة.

جرائم الطاغية مبارك تحتاج لمجلدات ضخمة في كل عام من أعوامه المشؤومة، ولكن يبقى الخطر ماثلا في أشقاء الشياطين الذين يبررون تاريخه الأسود بحجج دينية واهية وكاذبة، أو بالخوف على مصير مصر عراقياً، أو ببديل ديني متطرف جامح، أو بفوضى تضرب الوطن المسكين في مقتل.

في عامه الثمانين قد تتحررمصر بالعصيان المدني، وقد يكتشف الإخوان المسلمون والأقباط أن الإنحياز للشعب أشرف من الالتصاق بالجماعة.

4 مايو يشهد يوم تحرير مصر أو استعبادها ربع قرن آخر، نتحول فيه من طوابير الخبز والكرامة إلى متسولين وجائعين وهياكل عظمية تبحث في القمامة عن طعام لأهلها وفلذات أكبادها.

عصيان مدني أو انتفاضة شعبية أو غضب أو اعتصام .. المهم أن ننحاز مرة واحدة إلى قيم الحق والخير والروح و .. إلى الله.

إن استمرار اعتقال آلاف من جماعة الإخوان المسلمين وحرمانهم من أهلهم ذنب في رقاب قياداتهم والمرشد العام إن أحجموا عن الانحياز إلى الشعب بحجة الخوف من الفوضى أو حسابات خاصة أو أجندة غير معلنة، فالأجيال القادمة ستفهمها على أنها انحياز للسلطة الباغية والتي لن تفرج عن الأبرياء إلا بالقوة وانتزاع الحق.

الأقباط الذين سيختارون الطاغية خشية البديل لن يمنحهم مبارك إلا مزيدا من الفتنة وهضم الحقوق وتهميشهم واتهام مناضليهم في وطنيتهم.

4 مايو يبلغ الطاغية عامه الثمانين، ويبلغ الشعب درجة الغليان.

4 مايو من ينحاز إلى مصر فكأنه توجه إلى الله في المسجد أو الكنيسة طالبا عفوه ومغفرته على صمت ستة وعشرين عاما جعلت صمتنا مشاركة للطاغية في جرائمه.

4 مايو إما أن تعيش مصر بعده، أو يصنع مبارك لها ولنا جحيما تصب أجيال قادمة لعناتها علينا أنْ فرطنا في مصرنا وحبنا ووطننا.

إنه يوم شجاعة واحد فقط يعترف بعده الرئيس وهو مكبل اليدين بجرائم سقطت من ذاكرتنا، لكنها لن تسقط من حساب الآخرة، فهو عليه وعلينا.

موقع العصيان المدني في 4 مايو يستقبل اقتراحاتك وتعليقاتك وأفكارك لعلها تساهم في تصحيح مسيرة الغضب.
http://againstmoubarak.jeeran.com

وسلام الله على مصر
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com

اجمالي القراءات 10867