الذكر بين الحفظ ..... والتحريف

شريف هادي في الأحد ١٣ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ،،، وبعد
قال تعالى" إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ &IacuIacute;َمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46)[سورة فصلت]
أنقسم الناس فريقان في تأويل معنى الذكر ، فمنهم من قال القرآن ذكر والإنجيل ذكر والتوراة ذكر وكل الكتب التي أنزلها الله على عباده ذكر ، وقد قال تعالى" انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون"الحجر9 ، إذا فجميع الكتب السماوية لاسيما التوراة والانجيل محفوظة بتعهد رب العزة بحفظ الذكر ، فمهما كانت محاولات الشيطان وحزبه تحريف كتب الأولين فإن هذه المحاولات رغم عظيم كيدها إلا أنها ذهبت هباء منثورا وبقيت كتب الله محفوظة إلي يوم يبعثون.
وفريقا قال الذكر المحفوظ هو القرآن وحده أما كتب الأولين فلم يتعهد الله بحفظها فأغار عليها عدو الله أبليس فأوحى لحزبه فحرفها بكل أنواع التحريف ، التحريف الصريح بالكتابة والحذف لقوله تعالى" فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون"البقرة 79 ، والتحريف الضمني بلي الكلام ليفهم منه غير دلالته لقوله تعالى" فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين"المائدة13
ولكي نحكم من كتاب الله على أي الأراء صحيح وأيها غير صحيح يجب أولا أن نعرف معنى الذكر ، الذكر لغة عكس النسيان قال تعالى" وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة انا انبئكم بتاويله فارسلون"يوسف 45 ، أي تذكر بعد نسيان أو بعد حين من النسيان فالأمة في كلام العرب تعني الجمع الخفير من الناس وتعني النسيان لقول الشاعر (أمهت وكنت لا أنسي حديثا كذلك الدهر يودي بالعقول) ، فالذكر هو استحضار شيء من العقل الباطن للعقل الظاهر أو من هامش الشعور لبؤرة الشعور فيدخل دائرة العلم والاهتمام بعدما كان في دائرة الجهل والنسيان.
وكذلك يطلق على المولود طفلا (ذكرا) لأنه يحمل اسم أبيه ثم يعطيه لذريته فيبقي اسم أبه مذكورا فيكون في لسان العرب (ذكرا) ، قال تعالى" لله ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور"الشورى 49
والذكر شرعا يطلق على رسالات رب العالمين للبشر رغم إختلاف أزمان نزولها ، لقوله تعالى في حق قوم موسى " ...ونسوا حظا مما ذكروا به ... الآية" المائدة13 ، وقوله سبحانه وتعالى في حق قوم عيسى" ومن الذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به ... الآية"المائدة14 ، وقوله تعالى" ولقد ارسلنا موسى باياتنا ان اخرج قومك من الظلمات الى النور وذكرهم بايام الله ان في ذلك لايات لكل صبار شكور"إبراهيم5 ، وقوله تعالى" ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين"الانبياء48 ، وكذلك فإن الآية الآتية شاملة جامعة تجمع كل الكتب السماوية تحت مظلة كلمة ذكر لقوله تعالى " بالبينات والزبر وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون"النحل44 ، فالقرآن ذكر وكل الكتب السابقة ذكر وقد نزل الله القرآن على عبده محمد (ص) ليبين للناس ما نزل (بضم أوله وكسر ما قبل آخره) إليهم من ذكر سابق ، والايات القرآنية أكثر مما تحصى في الدلالة على أن الكتب السابقة ذكر ، وقد أكد رب العزة في حق بني إسرائيل هذا المعنى أنهم كفروا بكل الكتب التي نزلت إليهم وجحدوها فقال سبحانه وتعالى" وما ياتيهم من ذكر من الرحمن محدث الا كانوا عنه معرضين"الشعراء5 .
فكل الكتب السابقة ذكر ويؤكد مذهبنا هذا قصة أصحاب القرية مع المرسلين حيث قال الله سبحانه وتعالى" وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)[سورة يس]
والشاهد قوله (أئن ذكرتم) حيث ذكرهم المرسلون بذكر من الله ، ولكنهم رغم ذلك أبوا إلا كفورا لأنهم أسرفوا في المعاصي وفي رفض الحق المبين من الله رب العالمين
وكما أن الذكر أطلق شرعا على جميع الكتب السابقة فقد أطلق على القرآن وحده كما في قوله سبحانه وتعالى" اوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون" الأعراف63 ، وكقوله تعالى" وما تسالهم عليه من اجر ان هو الا ذكر للعالمين"يوسف104 ، وكقوله سبحانه وتعالى" وقالوا يا ايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون"الحجر6 .
والشاهد أنه لا خلاف بين معنى الذكر في اللغة وفي الشرع ، لأن رسالات رب العالمين ما هي إلا تذكرة ، فقد قال تعالى" طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3)[سورة طه] ، وقال تعالى" ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا"المزمل 19 .
والسؤال بماذا تذكر الكتب السماوية؟
تذكر بالله سبحانه وتعالى في قوله" الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب" الرعد28 ، وتذكر بنعمة الله سبحانه وتعالى في قوله" واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا واتاكم ما لم يؤت احدا من العالمين" المائدة20 ، وتذكر بألاء الله سبحانه وتعالى كما في قوله" واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبواكم في الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا الاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين" الأعراف74 ، وتذكر أيضا بالفتنة كما في قوله سبحانه وتعالى" اولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون" التوبة126 ، وتذكرة بآيات الله الكونية كشروق الشمس من المشرق ومنازل القمر ، والشرعية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما في قوله سبحانه وتعالى" ومن اظلم ممن ذكر بايات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدمت يداه انا جعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان تدعهم الى الهدى فلن يهتدوا اذا ابدا" الكهف57
والسؤال الذي يفرض نفسه ، كيف يكون الذكر محفوظا لقوله سبحانه وتعالى" انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون"الحجر9 ، وفي نفس الوقت محرفا في شقه الخاص بكتب الأولين لقوله سبحانه وتعالى" فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون"البقرة 79 وقوله سبحانه وتعالى "مما كنتم تخفون من الكتاب" المائدة15
وهنا نقول وبالله التوفيق أن الله سبحانه استخلف الانسان على الأرض فلما تقادم عليه العهد نسي أن الله قد أخذ عليه العهد بقوله "الست بربكم ، قالوا بلى" فبدأ في عبادة الشجر والحجر وغيرهما من آلهة لا تنفع ولا تضر شيئا ، فأرسل الله سبحانه وتعالى الرسل بالذكر لتذكر الناس عهدهم عند الله وتذكرهم بأنه هو الله الذي لا آله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، وكلما مات رسول وترك رسالته تقادم العهد على الناس فنسوا الرسالة أو أغار الشيطان على قلوب أتباع الرسالة فقاموا بتحريفها بالكتابة فيها أو الحذف منها ، وعبدوا مع الله آلهة أخرى لأن الانسان بطبعه ينزع إلي حواسه فيعبد ما يحسه بحواسه الخمسة ، وفي كل مرة يحدث من الانسان انحراف عن طريق عبادة الله الواحد الأحد يرسل الله سبحانه وتعالى الرسل لتصحيح المسيرة والعودة لعبادة الله الواحد الغفار.
وعلى هذا المنوال سارت جميع كتب الأولين حتى الكتاب السابق على كتاب الله القرآن ، وهو الأنجيل المملوء بالحكمة والذي أنزله الله هدى ونور ورحمة ، لا يستطيع منصف أن يقول أن هناك نسخة واحدة بلغة المسيح عليه السلام وهي اللغة العبرانية ، فأقدم نسخ الانجيل باللغة الاغريقية (اليونانية القديمة) ، كما أن الفرق بين بعض النسخ يصل إلي حذف أكثر من ستة فصول ، حتى أن النسخة الواحدة تختلف بإختلاف طبعاتها عبر السنين ، هذا فضلا عن أنه لا يمكن أن نطلق على الترجمة (الكتاب الأصلي) فترجمة القرآن لأي لغة أخرى لا يعدوا كونه ترجمة معاني لا تغني عن فهم وقراءة القرآن بلغته الاصلية ، وكثيرا من المستشرقين بعدما طالعوا ترجمة معاني القرآن بلغتهم ووجدوا فيها دعوة إلي الحق والحب والخير والجمال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الرحم ، نزعوا لتعلم اللغة العربية حتى يفهموا القرآن بأداة معرفته وهي لغته العربية ، فعندما أطالع الانجيل ويشدني ما فيه من رحمة وعدل وحب فأرجوا تعلم لغته الاصلية ومطالعته بها فلن أجدها لعدم وجود نسخة باللغة الاصلية ، ناهيك أن أحبار بني اسرائيل كتبوا الكتاب بأيديهم وليس التلمود منا ببعيد وأخفوا كثيرا مما فيه وحرفوا الكلم عن مواضعه ليا بألسنتهم.
كما أن أهل الكتاب يرفضون الاسلام لمعرفتهم أن الله لا ينزل رسولا برسالة جديدة إلا إذا أنحرفت الرسالة الأولى ، فلوا قبلوا الاسلام فإن ذلك أعترافا منهم بإنحراف رسالتهم ، وكذلك فعل اليهود مع المسيح عليه السلام فأغروا به الحاكم الوثني ليقتله حسدا من عند أنفسهم وحتى لا يكون قبولهم له إقرارا بما في رسالتهم من تحرف وضعوه بأيديهم وحذف أخفوه عمدا.
ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن وقال سبحانه وتعالى في محكم آياته " وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"المائدة 48 ، وهذه الآية الكريمة العظيمة قد قررت أمرين في غاية الأهمية أولها أن القرآن (((مصدق))) لما بين يديه من الكتب السابقة (((التوراة والانجيل))) ، فسيسأل أحدكم: كيف يكون مصدقا وبه تحريف فهل سيصدق على التحريف؟ لذلك قال تعالى (((ومهيمن))) فالقرآن مصدق لما في الكتب السابقة من الحق ومهيمنا وقاضيا على ما أعتراها من باطل ، ثم قرر الحق سبحانه وتعالى حفظه للذكر كله القرآن بلغته الاصلية وبنسخته التي نزلت على الرسول ،والكتب السابقة أيضا أصبحت محفوظة بنزول القرآن لأنه أصبح لها ميزان يفرز الحق من الباطل ، فحفظ القرآن يعتبر حفظا لكل الكتب السابقة والتي هي أيضا ذكرا لله تعالى ، ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى" يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"المائدة15، والشاهد في هذه الآية (((يبين))) ما كنتم (((تخفون)))
فعمل الشيطان وأوليائه من التحريف يقصد به ضياع الرسالة وحوها ، فإذا ما أنزل الحق رسالة أخرى تصدق وتبين وتكون مهيمنة وميزان على الرسالات الأخرى فإن التحريف لم يؤدي نتيجة ويكون الذكر كل الذكر محفوظا بحفظ آخر ما نزل منه وهو القرآن ، لذلك قال الحق سبحانه وتعالى ليوضح لنا هذه النقطة الهامة " ام اتخذوا من دونه الهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل اكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون" الانبياء24 ، فأصبح القرآن ذكر من مع الرسول وذكر من (((قبل))) الرسول وهي الرسالات السابقة فأصبح الكل محفوظا بحفظ الجزء المستغرق فعليا وعمليا للكل ، فأصبح الجزء كلا والكل جزءا ، وسبحان الله عما يصفون.
ثم أن أفضل شرح للقرآن ما كان بالقرآن نفسه ، فإذا أردنا تفسير قوله تعالى (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) فإن أفضل تفسير لكلمة الذكر وهل هي القرآن وحده أم كل الكتب السابقة ، أم القرآن هو الذكر وهو نفسه دليل حفظ باقي الكتب السابقة بتبيان ما تم أخفاءه منها والحكم على مافيها ، فإن أفضل تفسير هو قوله تعالى" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) [سورة فصلت] ، فالذكر هنا هو كتاب الله القرآن وحده الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، ولكن ما قاله الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب (((الذكر))) هو ما قاله للرسل من قبل الرسول عليهم جميعا السلام وهو أن الله ذو مغفرة وذو عقاب أليم.
لذلك فلا يجوز أن ينسلخ فعل الحفظ على الكتب السابقة (((الذكر السابق))) إلا بالقدر الذي يتفق فيه مع الكتاب الخاتم القرآن (((الذكر اللاحق المهيمن))) .
وأخيرا وقبل أن أنهي مقالتي أحب أن أوضح نقطتين هامتين أولهما أنني أتفق مع الرأي القائل أن اليهود والنصارى يمكنهم عبادة الله سبحانه وتعالى بما بين يديهم من التوراة والانجيل شرط الإيمان برسول الله محمد وبرسالته ، وجعل هذه الرسالة ميزانا لما بين أيديهم من كتاب ، وذلك مصداقا لقوله تعالى في الآية 48 من سورة المائدة.
والنقطة الثانية أنني ما قصدت بمقالتي هذه التعرض لعقائد أهل الكتاب ، ولكن حدث تماس بين ما أردت توصيله من تفسير قوله تعالى( انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وبين ما وجب علي التعرض لهذه العقائد وفقا للمفهوم القرآني لكتب الأولين ، فهذه المقالة ليست دعوة للنقاش مع أهل الكتاب ولكن شرحا لما يراه البعض من إشكالية في تفسير النص القرآني

اجمالي القراءات 20565