يوم اليتيم العربي فرصة ذهبية لمزيد العناية باليتامى
يوم اليتيم العربي

محمد البرقاوي في الخميس ٢٧ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمان الرحيم


السلام عليكم



سيكون يوم الجمعة الثالث من شهر أبريل يوم اليتيم العربي. و قد دأب المثقفون و الفنانون العرب على الإحتفاء بيوم اليتيم العربي و اتحدوا على مزيد نشر الوعي بمدى أهمية مكانة اليتيم في المجتمع العالمي و العربي ككل. و يعتبر البعض اليتيم إبن المجتمع كاملا من بعد أن فارق المسكين أحد والديه أو كلاهما و أصبح في حاجة لإنسان يكفله و يرعاه ليعوضه نقص الحرمان الذي تجرعه المسكين بسبب مصيبة الموت. معظم الناس حريصون على التسابق الشريف لكفالة يتيم مسكين فلعل الأخير يكون سببا لعمل صالح يضمن لصاحبه رضاء الله تعالى و الفوز بجنانه, و لكن بعض الناس سلك طريقا آخر يلتمس فيه قهر اليتيم و إذلاله تحت مسمى أن اليتيم أصبح من الرعاع و هو من ذوي الطبقة الدنيا التي ابتدعها شياطين الإنس من جنس ما أوحت لهم شياطين إبليس اللعين و بالتالي فهذه النخبة الضالة باعت دنياها بآخرتها. و سأتعرض في مقالتي للصنفين المختلفين من هؤلاء الناس مقتفيا آثار طريق كلاهما من تحت مجهر القرآن الكريم و الله الموفق.
- سأبدأ في البداية بالفئة المؤمنة التي آثرت خدمة من غيب التراب أبواه و قدمت له يد العون و الرحمة.
1- قرأنا في الأدب العربي و نحن صغار أن الإنسان العربي قديما و معاصرا تغلب عليه صفة الطيبة و الحنان و لا تعكس الحروب الجاهلية شخصية العرب الحقيقية بل العرب من الناس اللذين يقدسون الأعراف و التقاليد الإجتماعية كما يغلب عليهم شدة التقديس للدين سواء أن كان مسيحيا أو إسلاميا فالمهم أن الدين هو محرك نفوس العرب و ضميرهم الحي كما يتمتع المسلمون العرب بحب الإقتداء بالنبي محمد عليه السلام. و من منطلق كتب السيرة نحن نعلم جميعا أن النبي محمد عليه السلام ولد يتيم الأب مبكرا ثم توفيت أمه و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم بعد, و في القرآن الكريم يخاطب الله تعالى النبي محمد عليه السلام مذكرا إيّاه يتمه و كيف أن الرحمة الإلهية و سعت محمدا الغلام اليتيم و كيف وفق الله تعالى من يكفل محمدا و يرعاه كما يعرف قدره و كيف يحسن إليه و هو ما ورد في سورة الضحى في الآية الكريمة ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) ).
2- يعتبر المسلمون أن اليتامى هم أبناء المجتمع كما قلت سابقا و لذلك فهم يشحذون هممهم للتقرب من اليتيم و التلطف به إمتثالا لقول اللطيف عز و جل في سورة البقرة ( فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) ) فالحكيم تعالى أعلم بنفوس عباده لذلك فقد هداهم سبل الألفة و التلاحم لنشر قيم الحب بغض النظر عن المستوى الإجتماعي أو الأسري للشخص.
3- من الحكم الإلهية في التشريع القرآني الموجه لليتامى يدعونا رب العزة عز و جل بإحصان اليتيمة بالزواج قصد توفير شخص يعولها و ينقذها من براثن البغاء و الإنحراف خاصة و أن نفوسا مريضة تتربص بالأفراد و تنصب لهم فخاخ الجريمة لعل الآخرين يقعون فيها, و لنقرأ سويا قوله تعالى في سورة النساء ( التي أسميها سورة علم الإجتماع أو سورة الأحوال الشخصية المعجزة ) ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) ).
- وفي مقابل الحديث عن المتقين سأتعرض للحديث عن أصحاب النفوس الطماعة التي تحب المال حبا جما و تأكل التراث بالباطل أكلا لما و لا يخافون في الله أولئك اليتامى المساكين, بل يدوس شياطين الإنس على آمال الضعفاء حبا في المال:
1- يتعرض الله تعالى في كتابه الحكيم بوصف إعجازي بليغ فيه من الوعيد ما يصرف المؤمنين عن إقتراف جريمة أكل مال اليتيم الضعيف بغير ما أنزل الله تعالى به من سلطان كما ورد في الآبة الكريمة من سورة النساء ( وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)) و الحوب في اللغة العربية هو الذنب العظيم و تكون دلالة الآية و الله أعلم أن كل من عبد نفسه و المال و استحل أكل مال اليتيم فقد اقترف ذنبا عظيما و هو الحوب و زد عليه كذلك صفة العظمة ثانية و يكون جزاؤهم ما ورد في هذه الآية الكريمة من سورة النساء ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)) و نعوذ بالله السميع العليم من عذاب الحريق.
2- لدى قراءتي لسورة الماعون و آراء بعض المجتهدين اقتنعت أن آكل مال اليتيم كافر لأنه تعدى على حرمات و نواهي الله تعالى. يقول الله تعالى في سورة الماعون ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)), و تتحدث السورة عن الناس اللذين يكذبون بالدين لأنهم لا يحترمون اليتيم بل يهينوه و يذلوه ليمنعوه الطعام بدل أن يعطوه إياه ليأكله هنيئا مريئا و هم من تحدث الله تعالى عنهم أيضا في سورة الفجر (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)) فالمسكين أظنه نعتا يعود على اليتيم المحروم. كما أرى أن هذه الفئة الشيطانية لم تقشعر جلودها خوفا و رهبة من قوله الله تعالى في سورة الضحى ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)).
في الأخير لا يسعني إلا أن أهنئ اليتامى بعيدهم و لا أنسى أن أقول لهم أن السنة بأكملها عيد لكم و اسمحوا لنا يوم الجمعة بأن نزيدكم حبا و تقديرا فأنتم أطفال و الأطفال زينة المجتمع و بهجته و ليتحد المسلمون جميعا ليجعلوا الطفولة ترسم بسمة بريشة البراءة على شفاه من أحبت قلوبهم الإحسان لليتامى و الصدق في تأدية أمانتهم كما يقولوا تعالى في سورة النساء ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)). و لكم مني أجمل التهاني بعيد اليتامى.

اجمالي القراءات 24688