الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة

شريف هادي في الأحد ١٦ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ،،، وبعد
قال الله سبحانه وتعالى "فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " مريم 59
جاء إلي موقعنا وزمرته ، من قال وأصر على أن الصلاة ثلاث مرات في اليوم والليلة ، مدعيا أنه بذلك يعود لكتاب الله ، ولا شيء غير كتاب الله ، وأنه ببحثه المضني وعبقرتيه الفذة استطاع أن يستخرج من كتاب الله ما يدل على أن الصلاة ثلاث وليست خمس ، كما تمكن ببحثه وتعمقه في كتاب الله أن يعرف صفة الصلاة وكيفيتها ، بأنها ركوع وسجو&Iumد دون قيام فالقيام لا يفصل الركوع عن السجود ، ولكن الصلاة تؤدى وقوفا ويندب ويستحب فيها الركوع والسجود.
ولقد ناقشناه بمداخلة تحت أول مقالة له ، ولما كان الموضوع يحتاج إلي تفصيل ، ولقد سبقنا حسن النية ، فكتبنا مقالة وخصصنا جزء منها للرد على ما قاله ، وقد وعد بالرد علينا وعلى ما فصلناه من نقاط في مقالتنا ولكنه لم يفعل ، وأقول لن يفعل ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، ومن خلال كتاباته يتبين لي مدى ما يتمتع به من علم ديني لا يزيد قيد أنمله عما أتمتع به أنا من علم الكتابة المسمارية أو لغة بلاد الواق الواق.
ثم أتحفنا بمقالته الثانية ، والتي مازال يصر فيها على أن الصلاة ثلاث بإسقاط فرضي الظهر والعصر من حساباته ، بل ولم يكتفي بذلك فقد بدأ مقالته بقوله (والسؤال كيف سيجيب بالمنطق والحجة المعارضين وأكتب فعلا ورطة شديدة وربما سيحاول البعض أن يحلها باللعن وصب الغضب على بعض الكتاب وصب الغضب على) وهو بذلك يكون قد وصم أي رد عليه مستقبلا بعدم المنطق ، متصورا أن منا من يمكن أن يتدنى بلسانه لاعنا شخص الكاتب ، بنفس مستوى تدني الكاتب نفسه في استخدام اللغة العربية وقواعدها اللغوية محاولا توصيل فكرته العبقرية ، فخرجت مقالته وأصدق تعبير يمكن أن نطلقه عليها مستخدمين عبقرية الشعب المصري العظيم في ضرب الأمثال حتى أصبح مضربا للأمثال (سمك ، لبن ، تمر هندي) ولا عزاء لقواعدنا اللغوية المهدرة.
ثم أن الكاتب لم ينسى في خضم دفاعه عما توصل إليه من أن الصلاة ثلاث أن يخمز ويلمز بالقول على كل من عارضه فقال (أو إيجاد الحل عن طريق هرش الرأس وذلك بدلا من الحوار على نفس الصفحة التي كتب بها المقال ولعلها تجارة قديمة لا أعرفها ، و البعض الأخر سيحاول أن يخرج من الورطة بالإستفزازو الإستهزاء وتشتيت الموضوع والعصبية والبعض الأخر بصالونات متل صالون ابن رشد عفوا عذرا للخطأ صالون الحوار المؤدب والهادي والأمثال الجميلة التي مع الوقت سيتضح على من تعود) ، وهو قطعا لم يقصد غير شخصي الضعيف ، في قوله هرش الرأس وذلك بدلا من الحوار على نفس الصفحة ، وهو بذلك يعيب علينا ما فعله بكتابته هذه المقالة بدلا من الرد تحت مقالتنا ، وعلى كل هذا ليس عيبا إذا كان الرد يحتاج إلي مقالة ، وكذلك موضوع الصالون الذي عاد وقدم أعتذاره عنه ، فلو لم يكن يقصده فلماذا لم يحذفه؟ وأكتفى بتقديم أعتذار دبره ، إلا إذا أراد توصيل معنى قد وصل ، ثم الكلام عن الأمثال الجميلة والتي يتوهم أنها ستعود إلينا ، رغم أنه ما برح يحلب الثور وهو يظن أن اللبن قد ملء سطله ، ولكنه "كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب" النور 39.
ونحن في هذه الدراسة سنقدم أدلتنا من كتاب الله ثم من المنطق باستحالة أن تكون الصلاة ثلاث ، أو أن يكون قد نالها التحريف والضياع كما يظن من قال بذلك.
من القواعد التي سنستخدمها والتي يجب أن نتفق عليها ابتداء ، أن القرآن الكريم ليس له سقف معرفي ، بمعنى أنه لا يستدل عليه بمعرفة أحد ، ولكنه معيار الحكم على معارف الآخرين ، وأداة القرآن اللغة العربية ولذلك يجب فهم مفردات بعض الكلمات لغويا طبقا لفهم العرب لها وخاصة أهل الجزيرة العربية وقت نزول القرآن ، ثم أن خير فهم وتفسير للقرآن ما كان بالقرآن نفسه.
لذلك ولفض الاشكال الحاصل من تضارب فهم بعض الكلمات سنبدأ بإعادة فهمها من كتاب الله ، ثم نقوم بتطبيق الفهم على تدبر الآيات القرآنية.
التسبيح قال الله تعالى "َاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى" طه 130
وقال تعالى" ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون"الأعراف 206
والتسبيح من المصدر (سبح) بالشدة على الباء ، وسبح بالباء المشددة من الأصل سبح ، قال تعالى "ان لك في النهار سبحا طويلا" المزمل 7 ، ويكون المفهوم من السبح هو الخوض في الشيء فترة من الزمن ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم له في النهار سبحا طويلا أي وقتا طويلا يخوض به في النهار بالعمل والأداء والقيام على الرسالة ، وكذلك القيام على شئونه الخاصة ، كما يقال (سبح الرجل في البحر) أي خاض فيه وأستمر عائما وقتا من الزمن ، وبتطبيق ذلك على كل الآيات التي ذكر فيها التسبيح ، يكون معنى التسبيح لله ، هو ذكر الله وقتا من الزمن على سبيل الاستمرار ، وقد يكون ذلك الذكر في غير الصلاة كما قد يكون في الصلاة ، لأن الصلاة هي أيضا ذكر لله مستمر في فترة زمنية (فترة من الوقت) طال أو قصر ، ولذلك عندما يقول الحق سبحانه وتعالى "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) (سورة النور) ، فتكون البيوت التي أذن الله أن ترفع هي المساجد ، ويسبح له فيها تعني (يذكرونه فيها) كما تعني (يصلون له فيها) ، ويكون قوله سبحانه وتعالى"عن ذكر الله وإقام الصلاة" عطف بيان وتفصيل لقوله سبحانه وتعالى "يسبح له فيها" لأن حال المسلمين في المساجد لن يخرج عن كونهم يذكرون الله ويصلون لله ، وعليه فإن كلمة تسبيح كلمة شاملة مستغرقة تستغرق في طياتها الذكر والصلاة ، مع الوضع في الاعتبار أن الذكر نفسه صلاة ، فتكون الكلمات الثلاثة (تسبيح ، ذكر ، صلاة) مرادفات لمعنى واحد إذا جائت بمعنى تصريفها لله سبحانه وتعالى ، والفرق الفقهي هو أن الذكر قد يكون بالفرض المفروض علينا من الله فيكون صلاة ، وقد يكون نافلة فيكون ذكر ، ومجموع الذكر والصلاة هو التسبيح.
ولذلك قالت الملائكة لرب العزة عندما أخبرهم بأنه جاعل في الأرض خليفة (اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) أي نذكرك حمدا ونصلي لك طاعة.
أطراف النهار
طرف الشيء هو حصرا جزء منه وليس خارجا عليه ، قال تعالى" لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ" (آل عمران:127) ، فالجزء المقتطع من الكفار هو أيضا من الكفار ، وقال تعالى" وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (الرعد:41) ، وهنا أطراف الأرض أيضا من الأرض ولا يقول عاقل أنها من القمر أو السماء مثلا ، وقال تعالى" قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ... الآية" النمل 40 ، وطرف الأنسان أي بصره (عينيه ومقلتيه وجفنيه) وهي جزء منه حصرا.
والشاهد من الآيات الكريمة أن الطرف لا يشترط بالضرورة أن يكون آخر الشيء فهو وان كان في الارض بمعنى نهايتيها ، ففي الكفار لا يمكن أن يتصور إلا أنه جزء منهم ، وكذلك العين أو الجفن ليس هو آخر الانسان ، وعليه فإن فهم الطرف بمعنى أول الشيء أو آخره صحيح كما أن فهمه بمعنى جزء من الشيء يكون أيضا صحيح ، والترجيح يحتاج لمرجح كما سنبين بإذن الله تعالى.
أوقات الصلاة ، بالأدلة النقلية قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (النور:58) ، وهي دليل واضح على صلاة الفجر وصلاة العشاء ، وقبل أن ننتقل إلي غيرها يجب تدبر لفظ (الظهيرة) وهو الفترة الممتدة من بعد الشروق إلي وقت الأصيل ، وهي تختلف عن الظهر والذي له ميعاد محدد.
قال تعالى" فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) (سورة الروم) ، وهنا بفهم التسبيح على أنه صلاة فيكون الأوقات هي المغرب بدأ المساء لقوله تعالى (حين تمسون) والصبح ، والعشاء والظهر.
قال تعالى" وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ" (هود:114) ، وطرفي النهار هنا هما صلاتي الظهر والعصر ، لأن النهار فعلا ينقسم إلي جزئين ، الجزء الأول وهو الظهر والذي يكون بداية النهار وفيه الغدو ، والعصر والذي يكون علامة على نهاية النهار وفيه الأصال ، ويرجح هذا الفهم كما قلنا أننا نحتاج لمرجح قوله سبحانه وتعالى" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ" (النور:37) ، فالغدو هنا هو الذهاب والرواح من المنزل وقطعا الفرد لن يذهب مباشرة من بيته للمسجد ، ولكن له في وقت غدوه تسبيحا وهي صلاة الظهر ، كما أن الأصال هو وقت العودة والرجوع ، وله أيضا فيه تسبيح وهو صلاة العصر ، والآيات تكون في غاية الوضوح ، إذا ما فهمناها من خلال فهم معنى التسبيح بأنه يستغرق قطعا الصلاة ، وفهم معنى الطرف بأنه لا يستلزم حتما نهاية الشيء بل قد يكون جزء منه.
وقال تعالى" أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً" (الاسراء:78) ، وهنا فهم معنى دلوك الشمس كثيرا من الناس بمعنى الغروب ، وذلك لأنهم أخذوا المعنى المستنبط لكلمة دلوك وفقا لفهم فقهاء العصر العباسي لها ، ولكن كلمة دلوك كانت تعني عند العرب الميل والزوال ، وتميل الشمس عندما تزول من كبد السماء ويكون لها على الأرض ظل ، وفي الأثر أن رجل سأل الحسن بن علي رضي الله عنهما (أيدلك الرجل امرأته؟) أي يميل ويماطل في حقها ، ومن كلام العرب (هذا مقام قدمي رباح غدوة حتى دلكت براح)
وعليه فالصلاة لدلوك الشمس هي صلاة الظهر ، ثم قوله (إلي) تفيد استمرار الأداء أي أن هناك صلاة أخرى من وقت دلوك الشمس وهو وقت الظهر إلي وقت الغسق فتكون هناك صلاة العصر ، أما الغسق هو وقت الظلمة حتى نهايتها فيشمل المغرب والعشاء ، ثم قرآن الفجر يشمل صلاة الفجر ، فتكون هذه الآية الكريمة أحتوت على مواقيت الصلاة الخمسة ، بمحاولة فهمها وفقا لفهم العرب لها وقت نزول القرآن.

أوقات الصلاة بالأدلة العقلية: طاعة الرسول في ستة مواضع من القرآن الكريم أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة الرسول (النساء 59 ، المائدة 92 ، النور 54 ،65 ،محمد 33 ، التغابن12) ، وذكر فعل الطاعة قبل لفظ الرسول لوجوبها استقلالا للرسول ، وهي الاشكالية التي وقع فيها الكثير من المسلمين بتقبلهم ما يسمى بالحديث لخطأ فهمهم للآيات القرآنية لتفسيرهم لها بمعزل عن باقي الآيات ، ولا يمكن أن نفهم هذه الآيات فهما صحيحا إلا في ضوء قوله سبحانه وتعالى" وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة48 ، فتكون طاعة الله سبحانه وتعالى في الشرعة وهو النص ، وطاعة الرسول في المنهاج وهو الأداء والتطبيق العملي للأمر الألهي ، والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى خمس وفقا لنطاق فهمه للنصوص القرآنية السابق ذكرها ، فيجب علينا أن نصليها كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي ) قولا صحيحا ملزما لوجود الشاهد عليه من القرآن نفسه دون اسناد أو تخريج أو عنعنة.
الاشكالية في قوله تعالى" فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا" مريم59. أراد من يدعي أن الصلاة حرفت بالزيادة أن يستشهد بهذه الآية الكريمة على تحريف الصلاة بالزيادة ، وأن ذلك التحريف يعني إضاعة الصلاة ، ولكن في الحقيقة فإن هذا إن دل فإنما يدل على جهل تام بقواعد اللغة العربية ومعاني مفرداتها ، فلفظ (أضاعوا) يحمل على النقص ولا يفهم أبدا بالزيادة ، ولنتدبر قوله تعالى"... وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم" البقرة 143 ، فالله ما كان ليضيع صلاة المسلمين في اتجاه القبلة الأولى ، وهنا يفهم منها النقص ولا يفهم منها الزيادة ، وقوله تعالى" يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين" آل عمران171 وهنا تعني أن الله لا ينقص أجر المؤمنين ، والآيات كثيرة نكتفي منها بهذا القدر والتي تفيد أن فعل الضياع يحمل على النقص لا على الزيادة ، فضياع الصلاة يكون بنقصها لا بزيادتها ، وبتطبيق هذه القاعدة اللغوية المؤيدة قرآنيا على موضوع الصلاة يكون المطالب بقصرها على ثلاث هو الذي ضيعها لأنها يطالب بنقصها ، أما المطالب بالزيادة لا يمكن أن يتصور عملا أنه أنقصها وضيعها ، وفي حياتنا العملية ، يكون معي مائة دولار ، وأقول ضيعتها لو بقى منها عشرون مثلا ، ولكن لا يمكن أن أقول ضيعتها لو استثمرتها فجعلتها مائتان.
المنطق 1- صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الصلاة المكتوبة وصلاها خلفه الصحابة في مكة والمدينة ، وجائتنا خمس كابرا عن كابر ، ولا يتصور عملا ومنطقا أن الصلاة تم تغيرها بالزيادة دون أن يذكر لنا التاريخ تحديدا كيف حدث ذلك ، كما لا يتصور عملا ومنطقا أن الناس جميعا وفي جميع بلاد المسلمين قد قبلوا هذا التحريف بالزيادة دون أن يعترض أحد أو يبقى أهل بلد واحدة يؤدونها ثلاث ، والقول بأن هناك بعض الاختلاف في الصلاة كما قال بن رشد بين أهل الأمصار فإن هذا الاختلاف لم يحدث في عدد الصلوات كما لم يحدث في مقدار الركعات ، والقول بأن الشيعة يصلون ثلاثا مردودا عليه بأنهم يصلون خمسا ولكنهم يجمعون ويقصرون لأنهم يقولون أنهم في غربة وإمامهم غائب ، ثم أن أحد هذه الصلوات يكون في وقت الظهر أو العصر جمعا ، وهذا ينسف فرض أن الظهر والعصر صلاتين غير موجودتين وتمت اضافتيهما
2- القول بأنه لا قيام بعد الركوع(الانحناء) ولكن سجود مباشرة ، فضلا عن كونه وضعا بهلوانيا إلا أنه أيضا دليل على ضعف فهم اللغة العربية في قوله سبحانه وتعالى" تراهم ركعا سجدا" لأن الركعة الواحدة فيها أكثر من ركوع ، الأول هو الإنحناء والثاني هو الجلوس بين السجدات وهو أيضا ركوع ، فلما جاء فهمهم على هذا الوضع البهلواني يكون دليلا على سوء النية أو على الجهل ، ولما كنا نحسن الظن بالناس فيبقى الدليل على الجهل قائما.
وأخيرا أقول لكم جميعا أتقوا الله رب العالمين ، ولو كنتم تريدون نقاشا هادئا فعليكم بالرد على كل فقرة في مقالتي هذه وفي مقالتي السابقة ، ولو تبين لنا أنكم تريدون وجه الله سبحانه وتعالى والوصول للحقيقة ، فمهما كان حجم الغوص في المحظور سنخوص معكم حتى ننقذكم من الغرق في بحر الآثام والبدع ، ولكن لو أن غرضكم كغرض زكريا بطرس مثلا فسنعرض عنكم تنفيذا لأمر الله سبحانه وتعالى القائل وهو خير القائلين" وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا" النساء 140 ، أعوذ بالله العلي العظيم من جهنم ومن النفاق والكفر .
وقد وجب علي الاعتذار لأخي وحبيبي شريف صادق على غيرته على دين الله وفرض الصلاة ، لكونه كان سباقا في الخير رغم ما ناله من أذى ، وأرجوه قبول أعتذاري ، ولن نقف بعد اليوم مكتوفي الأيدي ودين الله يتلاعب به عن جهل أو قصد
(وان كان طائفة منكم امنوا بالذي ارسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين)
والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين ولا عدوان إلا على القوم الظالمين
شريف هادي

اجمالي القراءات 44058