التغيير هو الحل
الحل بأيدينا

آية محمد في الأحد ١٦ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الإنسان نوعان عند مواجهة الأزمات: نوعا جامد تواجهه المشكلة فيقف عندها مكتوف الأيدي مكتفيا بلوم الآخرين على ما حدث له فتتحول الأزمة إلى حالة من اليأس التام وتبقى حياته سلسلة من المشاكل إلى ما لا نهاية، ونوعا متغير يواجه الأزمة بتحدي لنفسه وأسلوبه فيجدد ويغير من توجهاته بحثا عن حلا عمليا لأزمته فيخرج منها أكثر صلابة ونجاحا. الفرق بين هذا الإنسان الناجح وذلك الإنسان اليائس هو أن الأول يأخذ بالأسباب التي دفعته إلى تلك الأزمة فيتدبرها ويدرسها ويخرج منها بنتائج وحلو&;ل تبدل الأزمة إلى واقعة مفيدة تعلم منها شيئا نافعا، في حين أن الإنسان الثاني يقف ساكنا عاجزا أمام أزمته مكتفيا بتعليق خيبته على الآخرين؛ ويا حبذا لو كانت شماعة إلهية تلك التي يعلق عليها خيبته، فيلقي بالأسباب على القدر و النصيب و الابتلاء الإلهي، مثل هذا الإنسان يتصف بجمود عقلي وسلبية في تناول أزماته تدفعه إلى حالة من اليأس والانهيار فيتحول إلى إنسان عالة على البشرية. أما الإنسان المتغير ذو العقلية القابلة للغربلة والفاحصة لكل ما هو جديد فحياته عبارة عن سلسلة من النجاحات المستمرة وحتى وإن قابلته أزمة فهو وبفضل تحديه وإيمانه بأنه سيد قدره يحول الأزمة إلى فرصة للتعلم والمعرفة، وبالتحديد فرصة للانتقال إلى ما هو أفضل.

إن التغيير والتجديد هما سنة النجاح وهذا يفسر وجود أغلبية بشرية تعاني مقابل أقلية بشرية تتمتع؛ فنسبة الإنسان المتغير القابل للتجديد أقل بكثير من نسبة الإنسان الساكن الجامد فكريا وعقليا؛ ويقاس على هذا كل شيء في الحياة من فرد إلى مجتمع، ومن مؤسسة إلى دولة، ومن دين إلى آخر. إن وقوع فرد أو مجتمع في أزمة يعني بالضرورة أن هناك مشكلة أو خلل ما في المسار والتوجهات، ووجب على الإنسان في هذه الحالة البحث عن سبل جديدة تناسب الزمان والعصر الذي يعيش فيه الإنسان؛ ولكن قلما يكون عند الفرد الجرأة الكافية والاستعداد الكامل للتغيير. إن الإنسان جبان بطبعه، عدوٌ لما يجهله، والتغيير يعني بالضرورة التوجه إلى المجهول وتجربته، وقليلون هم من يتسمون بالجرأة والإقدام، وبالتالي قليلون هم الفائزون في مقابل الخاسرون. والحقيقة إن النجاح نتاج طبيعي للإقدام والشجاعة، والتعاسة نتيجة طبيعية للسكون والجمود المصحوب بالخوف من كل ما هو غير مألوف؛ ولنا أسوة فيمن خلدهم التاريخ، فالتاريخ لا يخلد إلا أسماء الأبطال الذين كان لديهم من الشجاعة ما يكفي لتحدي الثقافة الراسخة، بل وأن رسل الله جميعا جاءوا لإرساء أسس التغيير والثورة على ما هو راسخ ولتعليم الناس كيفية التكيف مع احتياجات زمنهم بدون الخروج على الفطرة الإنسانية المتمثلة في الشريعة الإلهية. إلا أن الإنسان مخلوق سلبي اتكالي بطبعه، يعشق السير في صف الجماعة كما الأنعام ليشعر بالأمان ويلقي عن عاتقه عبء تحمل المسئوليات؛ فالإنسان لا يحب تحمل عقبات تصرفاته ونتاج أعماله ويفضل إلقاءها على غيره ليشعر براحة البال والضمير؛ وقلما نسمع جمل مثل: على أن أعيد النظر في تصرفاتي – مؤكد إنني أخطأت في شيء – على أن أخطط لحياتي بصورة أفضل – لقد كنت أكبر عدوا لنفسي – سأعيد ترتيب أوراقي، وكثيرا ما نسمع جمل مثل: حظي السيئ جعلني فقيرا – مقدر ومكتوب – مؤكد إنني محسود – أنهم يكرهوننا – مديري يضطهدني لأني قبطي – مديري يضطهدني لأني مسلم... إن الجمل التي يتفوه بها الإنسان هي ما تحدد مصيره وتوجه أفعاله، فإما أن تدفعه أفكاره إلى التغيير والتجديد ومن ثم التقدم وإما أن تدفعه إلى الجمود والركود ومن ثم اليأس. وإذا نظرنا إلى حال المجتمع العربي الإسلامي خاصة لوجدناه أكثر المجتمعات سلبية وأعظمهم تعليقا لخيبتهم على شماعة الآخرين. وهذا يفسر سبب تدهور حالهم من سيء إلى أسوء واستبدالهم الأزمة بالأخرى، وهم في سلسلة مستمرة من اليأس ولا يحاولون التوقف ولو للحظات للبحث في حالتهم المستعصية والوقوف عند أسباب الأزمات الحقيقية بدلا من الصراخ والعويل المستمر مدعين أن الأمم تكرهم حقدا عليهم!!

لقد بات المجتمع الإسلامي هدفا لسخرية العالم، بدأً من رسوم مسيئة مرورا بأفلام مهينة وخطابات جارحة إلى ابتزاز أفراد بسبب أصولهم المسلمة؛ فالإسلام لم يصبح فقط مجالا للسخرية ولكنه أصبح شبهة وتهمة قد يخسر إنسان المنافسة أمام آخر لمجرد أن أسمه أو أصله ذو طابع إسلامي. فكيف تعامل المسلم مع مثل تلك الأزمات؟ هل تحمل أسبابها أم ألقى باللوم على غيره؟ هل بحث في أسبابها أم وقف مكتوف الأيدي مكتفي بإلقاء اللوم على غيره لإراحة عقله؟ هل تعلم من تلك الأزمات شيئا أم خرج من كل واحدة أكثر يأسا من ذي قبل؟ للأسف فإن المسلمين لم يتعودوا تحمل مسئولية أزماتهم، فمنذ اختراععم شماعة اسمها عبد الله بن سبأ في زمن الفتنة الكبرى وقد اعتاد المسلمون إيجاد مخرج لأزماتهم بإلقاء اللوم على غيرهم وخاصة إن كان غيرهم من اليهود. ولازالت عقلية المسلم هي ذاتها لم تتغير منذ قرون، فهو ليس على استعداد للاعتراف بوجود خلل في توجهاته بل ويفضل الصراخ والعويل والتنديد كلما دخل في أزمة؛ وفي كل أزمة يبدأ المسلم بالعزف على لحن التآمر على المسلمين وإسلامهم ورغبة البعض في تدمير العقيدة وإطفاء نور الله. فهل سأل المسلم نفسه يوما لما يريد العالم المتقدم - اليوم - هدم الإسلام؟ هل الإسلام يهدد كيانهم؟ نعم إن الإسلام يهدد كيانهم لأنه في نظرهم دين رجعي يدعو إلى الجمود الفكري والتوقف عند زمان ومكان معين. وهل حقا يريد العالم المتقدم المستنير أن يطفئ نور الله؟ ولماذا يطفئ إنسان متقدم نورا قد يساعده على مزيد من التقدم؟ أم أن هذا الإنسان لم يرى إلى ظلاما شيطانيا يزحف ويكاد يطغى على نور العالم الغربي فخاف و فزع و هب إلى وقفه!

إن حال المجتمع العربي الإسلامي لا يخفي على أحد، فالدول المتقدمة والنامية على حد سواء يعلمون ماهية المجتمعات العربية الإسلامية التي تعاني من القمع والفقر والفساد والظلم. وبالرغم من حال تلك الدول المزري ودنيتهم الفاسدة إلا إن لديهم من الشجاعة ما يكفي للإدعاء بأن عقيدتهم ليست دين فقط بل ودنيا أيضا تنظم أمورهم الاجتماعية والسياسية بل والاقتصادية. هذا إلى جانب إعلانهم الدائم أن عقيدة المسلم هي الفطرة التي يولد عليها الإنسان قبل أن يهوده أو ينصره أو يعلمنه أبواه. فمن المضحك أن نجد المسلمين وشيوخهم يتفاخرون ويتشدقون بأن عقيدتهم دنيا ودين ودنيتهم – مع الأسف - هي الأسوأ والأردأ على الإطلاق؛ فالمسلم - وبدون ما يدري - يشير إلى دنياه الفاسدة ويقول علنا "أن هذا العفن الذي أعيش فيه هو نتاج عقيدتي تلك التي هي أكرم وأتقى وأسمى من كل عقائدكم". فكيف بعد هذا يرانا هذا الإنسان المتقدم الذي ندعي حقده علينا؟ هل يحقد حقا على الإسلام أم يخشى نتاج الإسلام الذي يرى عينته في بلاد المسلمين؟ أليس من حق هذا الإنسان المتحضر المتقدم أن يخاف على مجتمعه من أن تزحف إليه تلك العقيدة فتحول مجتمعه إلى صورة من صور المجتمعات العربية الإسلامية؟ أليس من حقه أن يخاف على كل ما تم تشيده بتضحيات وبدماء شهداء الحرية و الرغبة في التغيير؟ هل بعد ما وصل إليه يرضى بأن يتحول م الذي نعيش فيه؟
يبرر غالبية المسلمون فساد دنيتهم بالبعد عن صحيح الدين، فمن هذا الذي يمنعهم من تطبيق صحيح دينهم إن كان فيه خيرا كما يدعون؟ لماذا يبخل المسلمون على أنفسهم بالنجاح إن كان حقا في يدهم مفتاح النجاح؟ في الحقيقة أن سبب بخل المسلمين على أنفسهم بوسائل النجاح يرجع إلى جمود عقليتهم وتحجر فكرهم مما يزيد الطين بله. فالمسلم إنسان لا يؤمن بالتغيير لأن التغيير يتطلب الإبداع والإبداع في عقيدة المسلم المشوهة نوع من أنواع الضلال والخروج على السنة والجماعة. والضلال عند المسلم يقود إلى جهنم وبئس المصير؛ وعليه فآمان المسلم وأمنه يحتم عليه أن يجمد عقله ويحجر فكره ويكشر عن أنيابه كلما حاول أحدهم اقتراح مبدأ جديدا أو تقديم فكرة دينية مختلفة عن المألوف. ولهذا لن تنصلح دنيا المسلمين لأن دينهم توقف عند دنيا القرن 8 الميلادي ولم يحدث تغييرا يذكر حتى الآن؛ ودنيا القرن 8 الميلادي لا تصلح لدنيا القرن 21 ميلاديا. إذا طالبت المسلم بتبني التغيير ومحاولة الانتظام مع البيئة الخارجية التي تحيط ببيئته الداخلية، هاج وماج وأبى واستكبر وادعى أن التجديد والمجددين بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار:؛وبذلك أصبحت عقيدة المسلم سببا في تلوث دنيته وسببا في جمود دينه مما ترتب عليه جمود عقله تماما وتوقفه عن العمل. هل بعد هذا ندعي أن العالم المتحضر يحقد على الإسلام أم نتفهم أن العالم المتحضر يخشى تحجر ورجعية الإسلام الذي قدمه المسلمون على إنه دنيا فاسدة ودين متحجر جامد؟ هل بعدها نلقي باللوم على ذلك العالم أم نأخذ بالأسباب ونضع حلول الإصلاح؟ من أولى باللوم بالله عليكم: العالم المتحضر المشغول بالبحث عن بدائل للطاقة، وحلول للاحتباس الحراري، ووسائل الحفاظ على البيئة، هذا العالم المشغول بتنمية شبابه من ذكور وإناث إلى أن وصلت الأنثى إلى قيادة طاقم من الرجال في كافة المجالات الحربية والفضائية والطبية والاقتصادية والاجتماعية - أم العالم المتحجر الذي لا زال يبحث في حقيقة إن كان شعر المرأة عورة أم لا، وإن كان للرجل الحق في الزواج من أربعة من أجل المتعة أم من أجل الحفاظ على اليتامى، وإن كانت اللحية واجبة أم سنة، وإن كان عذاب القبر حقيقة أم خيال، وإن كانت علامة الساعة وهمية أم شرعية! من أولى باللوم بالله عليكم، شعب يسعى إلى الأمام أم شعب يقف في مكانه ساكنا منذ القرن الثامن الميلادي؟

قبل إلقاء التهم جزافا على الدول المتقدمة علينا ألا ننسى الهجرة الإسلامية إلى تلك الدول المتقدمة والتي فتحت أبوابها للمسلمين ومنهم المبدعين الباحثين عن عالم يقدر أفكارهم ومنهم المظلومين الباحثين عن دنيا صالحة يسكنوها بدلا من "الدنيا" الخربة التي يعيشونها. ولكن - ومع الأسف – فإن معظم من هاجر إلى هذا العالم الجديد - الذي يؤمن بالتغيير والتجديد - ظل محملا بجموده الفكري وعقله الرجعي فدخل في صدام مع تلك الثقافة المتقدمة. كذلك حمل المسلمون معهم أفكارهم السلفية عن المرأة والتعاملات الإنسانية مع غير المسلم، بل وإن الغالبية خلقت لنفسها جيتوهات خاصة بها منعزلة عن المجتمع الجديد الذي رأوا فيه خطرا على قيمهم و مبادئهم وأفكارهم الراسخة منذ قرون. إذا فداخل هذا المجتمع المتقدم المتغير خُلق مجتمع آخر يزداد اختلافا عن المجتمع الأم، بل وإنه يهدد قيم ومبادئ هذا المجتمع المضيف الذي يدرك أن قيمه هي أساس تقدمه وله الحق في أن يحارب كل من يأتي بقيم هدامة قد تضر بالانسجام والتناسق الذي تقوم عليه ثورتهم التكنولوجية. وقد برزت خطورة هذا الاختلاف والانعزال الاجتماعي للمجتمع الإسلامي داخل المجتمع المتحضر بعد ظهور جرائم الشرف داخل الأراضي الإسكندنافية وكذلك بعد حادثة البرجين الشهيرة عام 2001. وهذا ما زاد من مخاوف الغرب ضد تلك العقيدة والتي – في نظرهم – أفسدت أرض معتنقيها وتحولت الآن لإفساد أرض التكنولوجيا والعلم لإعادتهم إلى عصر الحريم والتحريم. وكان هذا دافعا لتلك المجتمعات لمحاربة تلك العقيدة بكل ما أوتوا من قوة ومن وسائل.

إن قيمة العالم المتقدم تكمن في عقليته القابلة للتجديد. فمن دون تلك العقلية المتغيرة لن يستطيع هذا الإنسان المتحضر أن يواجه مشاكل العصر في حين أن المسلم لا زال يواجه مشاكل عصره بالبحث داخل كتب مر عليها مئات السنين. فالعالم يتغير بسرعة البرق وأصبح يتصف بالغموض والفوضى وأضحت التحديات أعظم وبات في حاجة إلى عقلية مستعدة للتعامل مع تلك التغيرات السريعة المفاجئة، ولم يعد هناك مكان لعقلية تعيش على أطلال السلف لا زالت تبحث عن قيمة الحجاب والجلباب واللحية والخلوة في زمن لم يعد فيه فرق بين رجل وامرأة، في زمن تقود فيه المرأة طاقم سفينة الفضاء بدون الخوف من الخلوة أو الشيطان الذي يقبع بينها وبين طاقمها. لا مكان لعقلية المسلم في عالم يتحول بسرعة من السيف إلى المدفع، من الجاروف إلى الحفارات الضخمة، من صنبور المياه إلى أنظمة الري المتكاملة، ومن الحمام الزاجل إلى البريد السريع ومن ثم إلى البريد الإلكتروني الذي يصل الإنسان في خلال ثوان معدودة. إن التغيرات التي تحدث في العالم في حاجة إلى إنسان قابل لاستيعابها والإضافة إليها وتقديم ما هو أفضل وأحسن. تلك هي القيم التي لن يتخلى عنها المجتمع الناجح وليس لديه الاستعداد أو النية للعودة إلى الخلف أو عصر الجمود الفكري حيث يتحكم إنسان واحد في مصير أمة كاملة يسوقها مثل الأنعام بفتوى عابسة أو بسلطة زائلة.

على المسلمين إدراك حقيقة أن الغرب لا يعادي الإسلام وإنما يعادي العقيدة السقيمة التي يروج لها المسلمون من خلال عقليتهم المتحجرة ودنيتهم الفاسدة وتصرفاتهم الهوجاء الغوغائية. لو أن المسلمين أدركوا أن الخطأ فيهم وليس في غيرهم لتبدل حالهم وتحولوا من فشل إلى نجاح ومن تابعين على قادة. ولكن التحول يحتاج إلى رؤية وإلى قادة ملهمين وليس إلى شيوخ ورجال دين يروجون لأفكارهم البالية ولا يجيدون إلا التحدث عن ركام الماضي والبعد تماما عن احتياجات الحاضر. الشباب المسلم في حاجة إلى من يلهمه للخروج من ركوده الفكري وجموده العقلي، إنه في حاجة إلى إنسان ملهم لا يبحث عن العداء وإنما يمس كلامه القلوب ويصل إلى العقول... إلى أن يظهر هذا الإنسان الملهم، سيظل العالم الإسلامي على ما هو عليه وسيظل الصراع بين الحضارة والتخلف قائم إلى ما لا نهاية.

AA

اجمالي القراءات 13114