مستنقع شرق المتوسط
الحرب القادمة

عمر أبو رصاع في الأحد ٠٢ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في العالم العربي اليوم تيار عريض من المثقفين بدأ يجنح بقوة نحو ما يسميه بالواقعية السياسية أكثر فأكثر ، من الواضح ان الخط الكلاسيكي في الإعلام و الفكر السياسي العربي أخذ يبرز ضده اسلحته الكلاسيكية المعهودة و أهمها و اشهرها قائمة التهم التي لا نهاية لها بالعمالة و الخيانة و التآمر و الانهزامية ، إذن ما هو واقعية سياسية عند فريق آخذ بالتزايد هو عند الأغلبية الكلاسيكية انهزامية لا واقعية.

الفريق الذي يرى ان طرحه مثال للواقعية السياسية يصاب بالرعب من كلام كذاك الذي طالعنا به حسن نصرالله عن ان اسرائيل ستنتهي و خلال سنوات قلائل او بما في معناه ، فهذا الفريق يدرك ان هذا الكلام ابعد ما يكون عن امكانية التحقيق و لا يصل إليه سياسي عربي إلا تعبيراً عن افلاسه التام سياسياً ، و يطرح هذا الفريق حجة قوية تستند إلى حقيقتين الأولى تاريخ مثل هذا الخطاب الذي يصفه هذا الفريق بأنه خطاب عنتري من عبد الناصر و أحمد سعيد "تجوع يا سمك – طائرات العدو تتساقط كالذباب" مروراً بصدام حسين و الصحاف "سنحرق نصف اسرائيل - سنقطع الافعى إرباً" و أخيراً حسن نصر الله " اسرائيل ستنتهي خلال سنوات معدودة" الواقع انه مع كل خطاب من هذا النوع نشهد هزيمة عربية نكراء تنتهي بنا إلى كارثة مهولة ، أما الحقيقة الثانية فهي ان الأقدر على الانتصار الحقيقي و التاريخي و حسم الصراع لمصلحته هو الطرف الذي يملك التفوق الحضاري و مقوماته ، صحيح مثلاً أن احتلال الولايات المتحدة لفيتنام فشل و انسحبت الولايات المتحدة إلا ان من انهزم فعلاً في النهاية هو الاتحاد السوفيتي و الكتلة الشرقية هزيمة شاملة و نهائية بتفككه نفسه و نهاية مشروعه التاريخي ، ان تكسب معركة لا يعني انك كسبت الحرب و ان تخسرها كذلك لا يعني انك خسرت الحرب.
الأخطر من ذلك ان تسمع مثلاً تصريح دنيس روس مبعوث الامن القومي الامريكي السابق حول حرب تموز – يوليو واصفاً اياها بأنها حملة عسكرية تهدف إلى جس النبض و التعرف على أرض المعركة و امكانيات العدو أي انها مجرد (بروفا) تحضيرية للحرب القادمة ، يأتي كلامه هذا انسجاماً مع تصريح كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية من أن حرب تموز هي بداية المخاض لميلاد الشرق الأوسط الجديد ، فيما نجد ان تقرير فنوغراد يحث رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت على الانتقام ، و تشير التقارير لاستعدادات اسرائيلية عسكرية على قدم وساق و مناورات تحضيرية و نشاط استخباري غير مسبوق و ضرب قوي لغزة قبل بدأ العمليات في لبنان على سبيل تأمين المؤخرة ، و دخول امريكي على الخط العسكري اللبناني عبر بارجاتها و مدمراتها التي تقترب من الشواطئ اللبنانية طبول الحرب تقرع اذن و تقرع بقوة .
لعله من نافل القول ان نعرج لكلام نصر الله نفسه عن حرب تموز من كونه لو كان يعلم ان رد الفعل على خطف الجنود سيكون بهذا العنف لما خطفهم!
رغم انه عاد بعد ايقاف القتال ليعتبر ان اسرائيل انهزمت في تموز- يوليو 2007 لانها فشلت في تحقيق اهدافها المعلنة!
الحقيقة اعود بالذاكرة إلى ما بعد حرب الخليج عندما تعرض الجيش العراقي و الشعب العراقي و العراق كبلد لمذبحة عظيمة انتهت لخطاب صدام الشهير عن ما سماه في حينه ام المعارك و بأن مجرد بقاءه في السلطة يعد انتصاراً كبيراً للعراق العظيم لأن العدو الامريكي فشل في تحقيق اهدافه على حسب كلامه لان النظام لم يسقط ، لازلت اتذكر رجل مسن عراقي استمع هذا الكلام ثم التفت إلى ابنه الجالس بجواري و سأله :"حمودي احنا انتصرنا بهذي الحرب؟!" - كنا نجلس في بهو فندق يزدحم باللاجئين العراقيين و لا شك كان هناك بينهم عدد من رجال المخابرات العراقية – فأجابه حمودي دون تردد :" اي طبعاً هاي شنو اكيد احنا انتصرنا" التفت العجوز و قال :" هاي لو منهزمين شنو صار بينا؟!"
نفس الشيء مع فوارق الملابسات حصل في لبنان ، اخراج مئات الآلاف من بيوتهم و دمار كبير و واسع خسائر وصلت إلى 15 مليار دولار و مئات القتلى و آلاف الجرحى و تعبير نادم من نصر الله نفسه عن كونه لو كان يعلم ان هذا سيحدث لما خطف الجنود ، و انتشار قوات يونيفل تمنع الطير ان يمر و استعداد للهجوم الجديد بمشاركة امريكية هذه المرة و دمار متوقع يفوق بمراحل ما حصل في تموز يوليو 2007 كل هذا و انهزمت اسرائيل! إذن على رأي
رجلنا العجوز العراقي إذا كان هذا انتصارنا فماذا لو انتصرت اسرائيل؟!!!!!
هل سنعود بعد الحرب القادمة إلى صيغة و قد غدر الغادرون؟! او دور الرجعية العربية؟!
لنبحث عن شماعة نعلق عليها الخطأ؟
كيف استثمر حزب الله هذا الانتصار في تموز؟
سؤال مهم نحتاج إلى اجابة عليه لكل انتصار ثمن و كذلك لكل هزيمة ثمن فما هو ثمن انتصار تموز- يوليو الذي جنيناه ؟
هل الجواب اننا احتفظنا ببعض الاسرى الاسرائيلين مع بقاء حزب الله موجوداً؟
ثم ما هو اهم و من تجارب منطقتنا و العالم يجب ان يكون الدرس قد تم استيعابه لا نصر بدون مشروع حضاري حاضن يملك مقومات النهوض بالأمة و القدرة على تقليص الفجوة الحضارية و على حسم الصراع ايجابياً.
إن انجازاتنا في الصراع العربي الاسرائيلي كطرف عربي بتقديري تتمثل في نقطتين اساسيتين لا ثالثة لهما :
الأولى : حصر المشروع الصهيوني أولاً داخل فلسطين التاريخية بعد حرب تشرين أول – اكتوبر المجيدة. و كانت نتيجتها وقف التوسع الاستعماري الاسرائيلي خارج حدود فلسطين التاريخية.
الثانية : اثبات الهوية الفلسطينية على الأرض من خلال نضالات الشعب الفلسطيني و صموده في صعيدين ايجابيين هما:
أ: الكفاح المدني المطالب بحقوق الشعب الفلسطيني و الذي كان ارقى اشكاله انتفاضة الحجر عام 1987مروراً بمراحل نضالية مختلفة اثبتت للعالم ان هناك شعب فلسطيني موجود و له حقوق اعترفت بها المواثيق الدولية، و ليت عباس ينهي مهزلة السلطة الفلسطينية و يعلن حلها بعد فشل كل اشكال التفاوض مع اسرائيل و لتتحمل اسرائيل وزر احتلالها منفردة.
ب- النضال الديموغرافي على ارض فلسطين التاريخية من خلال الانفجار السكاني الفلسطيني داخل فلسطين (عرب اسرائيل من 100 ألف إلى 1.2 مليون) ( سكان غزة و الضفة اكثر من 4.5 مليون نسمة).
ان يأتي نصر الله ليعتبر ان فشل اسرائيل في تحقيق اهدافها في حرب تموز هو اول هزيمة للمشروع الصهيوني و دولته كلام مردود عليه و عاري عن الصحة تماماً ، فعام 56 فشل الجيش الاسرائيلي و من معه في تحقيق اهداف العدوان الثلاثي و مع ذلك احتلت اسرائيل سيناء و الضفة الغربية و قطاع غزة و الجولان عام 67 ، انه كلام يهيل التراب على الانجازات الحقيقية في هذا الصراع المرير لحساب محور سياسي ديني طائفي يأتمر بإمرة المرجع الديني الايراني ، نفس المرجع الذي خاض بالأمس حرباً مقدسة ضد العرب استمرت 8 سنوات و قتلت الملايين من ابناء العراق و ايران و استنزفت المليارات من ثروة المنطقة لأن خميني مصر على ان يحكم الفرس المراقد المقدسة في كربلاء و النجف و ان يسيطروا على بترول الخليج العربي و رغم ان العراق و منذ بداية الحرب أعلن قبوله لوقف اطلاق النار فقد تعنت الفرس و هذا المرجع 8 سنوات قبل ان يتيقن من ان مشروعه هزم و يعلن انه يقبل وقف اطلاق النار و كأنه يتجرع السم على حد تعبيره، هذا المرجع بالذات هو الذي يكاد نصر الله يصلي له في كل خطبة يلقيها علينا.

لقد كتبنا في مناسبات عدة انه لو صدق نصر الله في ارادة مقاومة اسرائيل فعليه ان يفتح المشروع المقاوم هذا على مصراعيه ليتحول إلى مشروع مقاومة وطنية لبناني عربي عندها سنعلنه بطلاً قومياً عربياً و رمزاً للنضال ، مقاومة يقول المنطق الطبيعي ان فلسطينيي لبنان هم فيها الحليف الاستراتيجي الأول لهذه المقاومة ، كتبنا انه لو صدق فعليه ان يفتح هذه المقاومة لنرى في صفوفها قيادات من مختلف الطوائف اللبنانية لا ان يكون المشروع المقاوم حكر على طائفة بعينها و يأتمر بأمرة مرجع ديني ايراني ، مشروع مقاوم يتورط في صراع طائفي لبناني لبناني هذا ليس مشروعاً وطنياً من الاساس بل مشروع طائفي يحمل اتباعه على تقديس خميني و خامنئي ، و ماذا نرتجي نحن من مراجع دينية في اي طائفة و اي دين؟!

تحدث هيكل قبل ايام مستعيراً تمثيلاً لشاعر ايراني من ان المسلمين في الاندلس رأوا اعداءهم يتوضؤون بالدم فلم يدعوا لصلاة الجماعة فكانت الهزيمة و هذا ما يحدث اليوم ايضاً حسب رأيه ، اما عام 56 فقد دعا العرب لصلاة الجماعة ، و انا اقول لهيكل عام 56 كان يمكن ان يدعوا العرب لصلاة جماعة لان ناصر كان يحمل مشروعا وطنياً و ليس مشروعاً طائفيا و لم يكن تابعا لجهة اجنبية كما هو الحال مع مثال نصر الله ، عام 56 كان عبد الناصر يؤمم لشعب مصر لكل شعب مصر و ليس لطائفة و لا لنظام و لا لمرجع و لا لمرجعية ، و عندما كان يؤمم كان يقول باسم الشعب و ليس باسم خامنئي ادام الله ظله.
إذا كان نصر الله يفشل في الخروج من صيغته الطائفية داخل اللبنان و يفشل من ان يجعل مشروعه مشروع وطني لبناني فكيف له ان يكون مشروعاً عربيا؟ هذا إذا افترضنا جدلاً انه فعلاً ليس صاحب مشروع مذهبي حتى النخاع لا يدين بالولاء إلا لمرجعه الديني فقط.
اسرائيل و الولايات المتحدة تنتظران رد نصر الله على اغتيال مغنية لاتخاذه ذريعة للهجوم الواسع القادم بل انه حتى لو لم يرد سيفتعلان هما الرد ، و سنخرج في مظاهرات تندد بدمار لبنان و من يدري ربما يخرج علينا نصر الله بعد الدمار القادم ليقول انتصرنا .
الولايات المتحدة بإدارتها الحالية انفقت الكثير على مشروعها في العراق و الذي تبدو ملامح فشله واضحة ، هذه الادارة التي خسرت الرئاسة سواء كان القادم جمهوريا او ديموقراطيا قد خرجت هي من الساحة و هي قبل ان تغادر سدة الرئاسة تنظر للمنطقة لتزرع قنبلة اكبر من السابقة تفجر بها كل المنطقة بحيث يتعذر على الادارة التالية اي انسحاب من هذا المستنقع.

البعض يرقص طرباً لتصريحات نصر الله النارية و تعنته الداخلي و البعض الآخر يرى ان موقف نصر الله السياسي داخلياً و خارجياً سيجلب الدمار إلى لبنان ، و إذا كان حزب الله يزعج اسرائيل فهو بصيغته العسكرية الطائفية يزعج اللبنانيين انفسهم صيغة اعتقد انه معها لا يمكن ان يستمر لبنان او تستمر مقاومته ، إذا كان هذا القلق في مكانه فهي إذن واقعية سياسية و إن لم يكن سموه انهزامية و واصلوا انجاز انتصاراتكم المجيدة.

اجمالي القراءات 12970