"حماس" نكبةٌ فلسطينيةٌ أفظع من 1948

د. شاكر النابلسي في الإثنين ٢٥ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-
يعتبر عام 1948 فلسطينياً وعربياً عام النكبة الفلسطينية الذي جرت فيه المعارك بين اليهود والجيوش العربية "الظافرة"، وهُزمت الجيوش العربية، وهاجر فلسطينيو 1948 من مدنهم وقراهم إلى الأردن ولبنان وسوريا، وعاشوا في مخيمات الصفيح في الحر والقر منذ نصف قرن إلى الآن، وتمَّ تقسيم فلسطين، وقيام دولة إسرائيل.
وعام 2007، هو العام الذي قامت به حركة "حماس" بانقلابها على "الشرعية" الفلسطينية، وقيام "دولة غزة الحمساوية الإسلامية"، والذي يعتبر عاماً آخر لنكبة فلسطينية ثانية، ربما تكون أكبر وأفظع وأشد إيلاماً من النكبة الفلسطينية الأولى، التي حصلت في عام 1948، فضياع الأوطان أقل مصيبة من ضياع الإخوان.


-2-
صحيح أنه في عام النكبة الأولى 1948، هُزمت الجيوش العربية، وتمّت إقامة دولة إسرائيل، ولكن في عام النكبة الثانية 2007، هُزم التضامن الفلسطيني، والوحدة الفلسطينية، والكلمة السياسية الواقعية الفلسطينية الواحدة، والرؤيا الفلسطينية المستقبلية للدولة وللشعب الفلسطيني، وانقسم الفلسطينيون إلى حزبين متناحرين: حزب في الشمال وحزب في الجنوب، حزب علماني في رام الله، وحزب ديني (اخونجي) (فرع من حركة الإخوان المسلمين) في غزة. وأكل الفلسطينيون لحم بعضهم بعضاً، وشربوا دم بعضهم بعضاً (بفضل مؤامرة صهيونية أمريكية دنيئة)، وأصبح الخلاف والشقاق بين الحزبين وبين الطرفين أصعب، وأكثر مرارة، وأعمق من الخلاف العتيق والمرّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

-3-
صحيح أنه في عام النكبة الأولى 1948، قامت دولة صهيونية علمانية، "ديمقراطية"، "حداثية"، في فلسطين، (ينكرها اليمين العربي) ربما – لو تعقّلنا - لانتفعنا قليلاً أو كثيراً بعلمانيتها وديمقراطيتها وحداثتها بحكم (الجيرة ووحدة الحصيرة). ولكن في عام النكبة الثانية 2007، قامت في غزة دولة لا يعترف بها أحد، حتى سوريا (البابا والماما) لم تعترف بهذا الوليد المُقال والمُغيّب والمُنقّب، بل تتخذه (مشعاباً) حيناً، أو رأس حربة حيناً آخر، أو عصا أحياناً، تهشُّ بها على أغنام العرب، وأنعامهم. وهذه الدولة الدينية الطالبانية بدراويشها ولِحاها الكثيفة، ووجوه عناصرها المُنقّبة، أعادت غزة إلى القرون الوسطى. فأنت الآن تسير في شوارع غزة، وكأنك تسير في شوارع كابول طالبان، قبل 2001. ونساء "حماس" البدينات، يزغردن فرحاً وبهجة، كلما انطلقت "ماسورة" (كسّام) على العدو، ويلدن في كل عام توأماً، لكي يكثُر عدد "المجاهدين"، وتعويض ما يُقتل يومياً من الفلسطينيين.

-4-
صحيح أنه في عام النكبة الأولى 1948، اغتصبت إسرائيل الأرض، ولكنها لم تغتصب القيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية الفلسطينية التي كانت سائدة قبل 1948، وتركت ما بقي من الفلسطينيين في فلسطين 1948، يعبدون ما يشاءون، وينتخبون ما يشاءون، ويلبسون ما يشاءون، ويأكلون ويشربون كما يشاءون. وفي عام النكبة الثانية 2007، استولت "حماس" على الأرض وعلى الزرع والضرع، وأجبرت "حماس" كافة سكان غزة على تغيير قيمهم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية، وتبني أخلاق "حماس" وثقافة "حماس" الدينية المتزمتة. ومن يقرأ مقالات الشاعر الفلسطيني الغزّاوي "باسم النبريس" في "إيلاف" (توقف باسم عن الكتابة تحت تهديد ووعيد "حماس") يقف شعر رأسه، ويقشعرُّ بدنُه، وتصطك أطرافه من هول وفظاعة ما يقرأ.


-5-
صحيح أنه في عام النكبة الأولى 1948، هجر جزء من الفلسطينيين وطنهم إلى أوطان عربية أخرى فوجدوا من يأويهم ويطعمهم ويسقيهم، ويفتح لهم مدارسه ومصحّاته ومستشفياته. فالغوث العربي كان هناك، رغم قلته، ومحدوديته، وبساطته، وفقره. وفي عام النكبة الثانية 2007 لم يجد الفلسطينيون المحاصرون بسياج إسرائيلي، نتيجة مواسير القسّام، من يأويهم، ومن يطعمهم، ومن يسقيهم. وأصبح عدد الفلسطينيين الذين يموتون جوعاً وبرداً وتشرداً كل يوم، أكثر من عدد الذين تقتلهم إسرائيل يومياً. ولم يعد أمام الفلسطينيين غير اجتياز الحدود بالقوة من أجل الحياة، حتى ولو كُسرت أرجلهم، كما هدد الوزير المصري أبو الغيط!

-6-
صحيح أنه في عام النكبة الأولى 1948، تمَّ التهام وبلع نصف فلسطين تقريباً، وبموافقة شرعية من الأمم المتحدة، وباعترافٍ من 99 % من دول العالم. ولكن في عام النكبة الثانية 2007 لم يستطع الفلسطينيون السلام والحديث مع العالم وخاصة خصومهم الإسرائيليون. فكلما ضُرب موعد للمباحثات، انطلقت صواريخ القسّام "الجبارة"، "تدك" "معاقل" الصهاينة المغتصبين، وتجبرهم على الرحيل من فلسطين والاستسلام، ليعودوا من حيث جاءوا. كما أن الإنذار "الإلهي" الصاعق من سبط الرسول، السيّد المسود، وحبر المقاومة، حسن نصر الله في الأسبوع الماضي "ببدء مرحلة سقوط إسرائيل" أثلج قلب (في هذا البرد القارص) الإخوة في "حماس" وشعبنا الفلسطيني في "غزة هاشم الصامدة". وبذا يكون الفلسطينيون جميعاً – حمساويون وحمشاويون - كالمُنْبَت، لا أرضاً قطعوا، ولا ظهراً أبقوا؛ أي لا دولة فلسطينية أقاموا، ولا إسرائيل أزالوا، أو تفاهموا معها، ولا شعباً أطعموا وكسوا. فما يهمُّ أخونا "أبو العبد" ( إسماعيل هنيّة) هو أن يبقى لأطول وقت ممكن رئيساً للوزراء، لكي يدخل التاريخ الفلسطيني من أوسع أبوابه، وحتى ولو كان في حكومة مُقالة، أو مُغتالة، أو مُحجّبة، أو مُنقّبة، أو تُمارس أعمالها في سرداب تحت الأرض، أو في حكومة لا يعترف بها أحدٌ في العالم، ولا يزور ولا يُزار، ولا يصافح، ولا يكافح، ولا يُمالح. المهم أن يحتفظ هو الوزراء "الحمساويون" بالجواز الفلسطيني الديبلوماسي "الأحمر" لأطول فترة ممكنة، وذلك أضعف الإيمان، ثمناً لكفاح مسلح مرير، استمر عشرين عاماً حتى الآن.
والعبرة بالخواتيم.
وها هي خاتمة "حماس" أمامكم.. فما قولكم؟
السلام عليكم.

اجمالي القراءات 15192