لست حادثا في هذا الزمان!

دعاء أكرم في الخميس ٢١ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تشدني المقالات التي أقرؤها في هذا الموقع المفتوح الذي يتيح للمشاركين التعليق والكتابة ما شاؤوا، فنجد فيه ما يفتح العقول والعيون على ما غفلنا عنه سنين، ونجد تعليقات السادة حول السياسة والدين، ونقرأ مواضيع مفيدة وأخرى دون ذلك.

ومن آن لآخر، يدهشني ويقلقني ما يدرجه البعض من أصدقاء الموقع أو المعلقين حول الصلاة مثلا أو الصيام أو غيرها من الفرائض أو المواضيع المتعلقة بالدين الإسلامي مما يتسم بغرابة بالغة. آخرها ذاك الذي نال نصيبا من التعليقات والقراءات لا يس&Ec;تهان به والذي يتعلق بالصلاة وأوقاتها.

إني أتفهم أن البعض حين يفتح عينيه على التدليس الكبير الذي حاق بالمفاهيم الإسلامية وعدد من الفرائض يبدأ بالشك في كل ما بين يديه بما في ذلك الصلاة. وأحيانا تجد أن الحماسة قد أخذته إلى حد التعصب في عرض ما توصل إليه من فهم، وعند هذه المرحلة أجدني أتخيل ذاك الشخص دوما لابسا رداءً مهيبا أسود اللون وحول رأسه هالة القديسين باسطي أيديهم في دعوتهم الآخرين الاحتذاء بحذوهم كي يهتدوا وفي عينيهم نظرات الإشفاق من المصير المحتوم إن لم يفعلوا!!

فعلا أنا أعتقد أنهم صادقون في حماستهم، ولكن...

لسنا حادثا فريدا في التاريخ، بمعنى، أننا امتداد لآباء وأمهات لهم آباء وأمهات وأقارب يمتدون إلى ماشاء الله!! ليس هناك فاصل بين زمن وآخر! لسنا كحلقات في مسلسل طويل،بل نحن استمرار لذرية آدم منذ وجودها. كذلك حياتنا، إنها ليست فصولا في كتاب تاريخ يبدأ بالفصل الأول من الجزء الأول من كتاب البداية والنهاية لابن كثير، وينتهي بالفصل الأخير من الجزء الأخير!

انظر مثلا ما حدث للعراق. لو أننا نعيش بعد مئتي عام مثلا على الاحتلال الأمريكي للعراق، فكيف سنقرأ عنه؟؟ على الأغلب على طريقة ابن خلدون في سرده لأحداث دخول المغول بغداد مثلا، أو على طريقة حدثني فلان عن فلان عن فلان أنه قد حصل كذا وكذا- إنما مدعما بالصور والأفلام الوثائقية. نحن اليوم ننظر إلى ما حدث منذ الاحتلال إلى اليوم على أنه أمر مستمر متسلسل منذ أعوام طويلة نعيش خلالها حياتنا بتفاصيلها اليومية التي لا علاقة مباشرة لها بالعراق وأهله وشهدائه ومنافقيه ومحتليه. ولا يختلف الأمر إن كنت عراقيا، فأنت أيضا ستعيش أحداث العراق الجسيمة جدا، وفي الوقت ذاته تستمر حياتك بتفاصيلها اليومية غير الهامة في الغالب. أليس كذلك؟؟

طيب، إذا كنت تتفق معي: أننا جزء من سلسلة مستمرة من الأحداث في التاريخ منذ بدء الخليقة إلى يوم القيامة ولسنا حلقة منفردة في قطعة من الزمن! فأنت تتفق معي أن الأمر ذاته ينطبق على القرآن الكريم والعبادات.

كيف؟؟

تخيل معي التالي: بدأ محمد عليه الصلاة والسلام بالصلاة (فالأمر بالصلاة جاء مع أوائل السور الكريمة في مكة ولم تفرض في السنة التاسعة من البعثة أو غير ذلك من الروايات)، وبعد أهل بيته وعشيرته الأقربسن ، بدأ بالصلاة بالمؤمنين من الأحرار والعبيد. هؤلاء بدورهم بدؤوا بالصلاة وعلموها لمن آمن من أهل بيتهم. ثم وبعد سنوات طوال تم خلالها تعليم الصلاة (وغيرها من الأوامر والنواهي في الآيات القرآنية) يأتي الأمر بالهجرة إلى الحبشة. فيأخذ المسلمون الصلاة معهم إلى هناك ويقومون بها في أوقاتها المعروفة لهم وقتها. وفي الوقت نفسه يبقى مسلمون في مكة على ديدنهم ودينهم وصلاتهم.

بعدها ينطلق المسلمون في الهجرة إلى المدينة. وهناك يتعلم الأنصار الصلاة ويتعلمها أهلهم وذراريهم. بعدها ينتشر الإسلام والفتح الإسلامي لمكة المكرمة ويدخل الناس في الدين أفواجا، فيتعلمون الصلاة بدورهم ويرجع كل منهم إلى بيته ويعلم الصلاة لأهل بيته وهكذا يتوارثونها مع كل جيل.

بعدها خرج المسلمون خارج الجزيرة العربية في حركة نعرفها تاريخيا بالفتوح، وهناك يتعلم من أسلم من أهل البلاد المفتوحة الصلاة من الفاتحين، وفي الوقت ذاته يكون أهل الجزيرة العربية مقيمين للصلاة ذاتها. وهكذا من جيل إلى جيل إلى أن وصلت الصلاة لأول شخص من أهلنا أسلم منذ قديم الزمان، فتعلم الصلاة ونقلها عبر الأجيال إلى أن وصلت إلينا. ونحن بدورنا نعلمها لأولادنا وأولادهم وهكذا إلى آخر الزمان.

قد يكون هناك خلاف في بعض حركات الصلاة، مثل القيام من الركوع بشكل كامل أو جزئي، ولكن هذا لا يجب أن يفسد للصلاة قضية. فأنت تقرأ الفاتحة وما تيسر وتركع وتقوم وتسجد وتجلس وتسلم. قد تحب أن "تتورك" في جلسة التشهد، أو تجلس بأية طريقة أخرى تريحك!! كذلك التشهد برفع الإصبع أو غير ذلك. المهم أنك خاشع في صلاتك!!

كيف نعرف هذا؟؟

أحيانا لتعرف الصواب، تحتاج إلى الرجوع إلى الروايات الظنية: ارجع إلى أبواب الصلاة في كتب السنن، بل ارجع إلى كتب سنن مختلف الملل والنحل التي ستجد في خانة الديانة على بطاقاتهم الشخصية (الإسلام). ستجد أن الخلافات التي تثيرها لا تتعلق بالصلاة من حيث كيفيتها الأساسية أو أوقاتها، بل بتفاصيل صيغ ما تقوله وطرق ما تفعله من أمور ثانوية!! وهي الأمور التي يختلف المسلمون عليها في أرجاء الأرض إلى الآن، ولكن ليس على الأساس والكيفية!! بل وحتى السجود لا خلاف فيه، بما في ذلك البعض من أهل الشيعة هدانا الله وإياهم الذين يسجدون ذات السجود ولكن على حجر من كربلاء المقدسة!

إذن كيف نتج هذا الخلاف إذا كنا اتفقنا أن البداية كانت سليمة ومستمرة إلى يومنا هذا؟

يقول المثل: لكل شيخ طريقة!

يعني هناك شيخ صاحب طريقة قرر في زمن من الأزمان وفي مكان ما أن يقول كذا في الاعتدال من السجود ويدعو بكذا، في حين اعتقد آخر في مكان آخر أنه يجب أن يقول كذا ويرفع قامته كاملة عند الاعتدال، وثالث ورابع وهكذا، فأخذ عن كل منهم تابعوه، ثم تابعيهم وهكذا إلى أن اعتقد أهل زمن ما أن ذلك قول منزل من عند الله تعالى! وهكذا نجد نوعا من الاختلاف فيما يقوله المصلون في الأمصار الإسلامية، إنما لا يوجد من يختلف على أن الصلوات خمس وماهية حركات الصلاة! ولا تجد الاختلافات إلا بين فرق طارئة (مثل تلك التي ظهرت في الهند في بداية القرن الماضي) تقرر أن الصلاة ثلاثة فروض فقط أو غير ذلك من أمور!

بالتأكيد لا أستطيع الجزم بهذا، إذن فلننظر ما يحدث في هذا الزمان، وإن كنت تعتقد معي أن التاريخ يعيد نفسه فاقرأ المثال التالي:

تتصاعد الأزمة الناشئة عن انتقاد البعض لأصحاب رسول الله وتتصاعد التصريحات حول أن لا قداسة لأي منهم فهم في النهاية بشر أخطؤوا وأصابوا وخطأ كبير أن نعتبرهم من القديسين. وبالطبع بما أن بين أيدينا كم من الأحاديث الظنية حول مناقب الصحابة الأخيار (سواء عند أهل السنة أو أهل الشيعة)، ولأن هناك أشخاصا ملكيين أكثر من الملك (إن جاز التعبير) أخذت الحَمِيَة البعض من المشايخ فأخذ يرفع عقيرته مطالبا اعتبار حب الصحابة وعدم الإساءة إليهم جزءا من أركان الإسلام. يعني الشيخ "المنظوم" قرر جعل أركان الإسلام الخمسة ستة أركان، وبالتالي نصل إلى عصر ينتشر فيه تكفير من ينتقد الصحابة!! (مرة أخرى).

قد يأتي زمن أغبر يقرر فيه أحد المسؤولين عن التعليم الديني في المدارس إضافة هذا الركن والزمن دوار. يعني مثلما عندنا في هذا الزمن مثل هؤلاء، يكون وجد مثلهم (وأنتم أدرى) في أزمان سابقة!

الخلاصة، نعم للعقل ولا للنقل. ونعم للتعقل فالقرآن يكفي عندما نريد أن نصل إلى الهداية دون إضلال من البشر، وفيه يخبرنا سبحانه أنه أرسل إلينا رسولا يرينا مناسكنا!! وباطمئنانا لهذا، نؤدي صلاتنا كما عرفناها خالصة لله وحده!!

اجمالي القراءات 10997