عشرون سؤالاً سخيفاً وحاقداً حول اصطياد "الثعلب"

د. شاكر النابلسي في السبت ١٦ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

كان لقب عماد مغنيّة "الثعلب" في إيران. وقد خُلع عليه هذا اللقب لذكائه، ولتمكنه النجاة من عدة مصائد نصبت له في الماضي من قبل الغرب ومن قبل أمريكا وإسرائيل وفرنسا، ومخابرات 42 دولة كان لها ضحايا من جرّاء عمليات "الثعلب" التي توصف بـ "الإرهاب"، و"الجهاد" و"الحرب" على الاستعمار.. الخ.
ورأس عماد مغنيّة أو "الحاج رضوان" كما كان يُطلق عليه في أوساط "حزب الله" (وهو الحزب الوحيد في التاريخ البشري والإسلامي المُسمى بهذا الاسم، فلم يسبق للمسلمين في الماضي أن أقحموا اسم الله المبارك في النجاسة السياسية بهذا الشكل، وتلك هي الشعوذة كما قال النحاس باشا لأحمد حسين) كان مطلوباً من قبل أمم وشعوب كثيرة. وعندما تمَّ اغتياله في دمشق بالأمس ضاع دمه بين شعوب وأمم كثيرة، لها ثأر دموي فيه. ونحن هنا لا نريد أن نسرد حياة "الثعلب" فقد كفته الصحافة العربية والفضائيات العربية و"حزب الله" حقه في ذلك.
ولكن المهم أن معظم من سمع خبر اصطياد "الثعلب" يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء الماضي، دارت في رأسه عدة أسئلة حائرة، كما لم تدر تجاه أية حادثة اغتيال أخرى للثعالب العربية، ومن هؤلاء مؤلف الكتاب الوحيد عن عماد مغنيّة وهو المصري مجدي كامل صاحب كتاب "عماد مغنيّة: الثعلب الإيراني" الذي شكك في مقتل مغنيّة لسبب بسيط جداً، وهو أن لا أحداً يعرف له صورة، فقد كان يعيش كالشبح، ويتنقل كالشبح. ولذلك عجزت مخابرات العالم عن اصطياده.
ويطرح مجدي كامل عدة أسئلة في تعليقه على مقتل "الثعلب" تشكك كلها في مقتله، وأن "مسرحية" قتله ما هي إلا من أجل أن تكفَّ مخابرات 42 دولة في العالم عن ملاحقته، وترفع سوريا وإيران وحزب الله عن أنفسهم مسؤولية تهمة إيوائه وحمايته وشراكته. فتعددت الأسباب والموت الكاذب واحد. وتعددت الأسئلة حول هذا الموت، ومنها:
1- لماذا تمَّ اصطياد "الثعلب" في دمشق وليس في بيروت، رغم أن دمشق – كما يقال- هي الحصن الحصين لكل الممانعين والمانعين والناعمين والمنعمين الثوار، وموقدي النار، ومثيري الغبار. ففيها يتقي ويتحصّن زعماء "حماس"، وزعماء "الجهاد الإسلامي"، وأحمد جبريل وعسكره، ومجموعة من القادة العراقيين البعثيين السابقين، وهي بوابة إيران إلى لبنان، وطريق الحرير لسلاح حزب الله، وإليها تحجُّ كل يوم مجموعات من زعماء المعارضة اللبنانية (كان حسن فضل الله النائب عن حزب الله، وعلي حسن الخليل النائب عن حركة أمل مجتمعين مع وزير الخارجية السوري في دمشق أثناء الانفجار، الذي يقال أنه أودى بحياة عماد مغنيّة)، ويعودون سالمين غانمين، وفي عروة (جاكيت) كل واحد منهم عِرقُ ياسمين، من ياسمين دمشق المشهور؟
2- لماذا لم يتمَّ اصطياد "الثعلب" في لبنان، سيما وأن الصياد الصهيوني "الموسادي" قد اصطاد زعماء لبنان من السياسيين والإعلاميين 2006، و 2007 - كما تدعي قوى المعارضة و"حزب الله" -دون أن يرفَّ له جفن عين؟
3- لماذا كان "الثعلب" هو الوحيد الذي قتل من خلال عملية تفجير سيارته؟ ألم يكن معه حرسه ومرافقوه؟ ثم كيف تترك سيارة "ثعلب" مشهور كهذا "الثعلب" بدون حراسة مشددة، وبدون سيارات حراسة ترافقه في حلِّه وترحاله؟
4- لماذا تمَّ اختيار قتل "الثعلب" بعد يومين من انسحاب القوة العسكرية القطرية (213) من قوة "اليونيفل" الدولية في جنوب لبنان، هل لفسح المجال أمام "حرب مفتوحة" بين "حزب الله" وإسرائيل كما أعلن حسن نصر الله؟
5- لماذا تمَّ قتل "الثعلب" قبل يومين من الاحتفال بالذكرى الثالثة لمقتل رفيق الحريري، ولكي يتم دفن الثعلب في يوم الخميس 14 شباط، وهو نفس يوم تجمُّع قوى 14 آذار، دون تأجيل دفن "الثعلب" إلى يوم الجمعة أو السبت، لإعطاء الموالاة في لبنان الفرصة الكافية والوقت والمكان الملائم والكافي للاحتفال بهذه المناسبة وإحياء هذه الذكرى السنوية؟
6- لماذا لم يُذَعْ خبر مقتل "الثعلب" مباشرة بعد الحادث، وانتظرت دمشق 24 ساعة لإعلان الخبر، في حين أن كافة حوادث الاغتيال في عامي 2006 و 2007 تمَّ نشرها وإذاعتها بعد دقائق من وقوعها مباشرة، فهل لإنَّ الإعلام اللبناني أقوى من الإعلام السوري؟ كذلك قال أحد القراء على أحد مواقع الانترنت في تعليقه على الحادث: "أن شهود عيان أفادوا لموقع Now Lebanon أن السلطات الأمنية السورية سارعت ليل الثلاثاء الماضي، إلى مسح معالم الجريمة التي ذهب ضحيتها عماد مغنيّة، وتنظيف المكان بعد نصف ساعة فقط على وقوعها. وكان لافتاً عدم ذكر بيان "حزب الله" الذي نعى فيه مغنيّة للمكان الذي وقعت فيه جريمة الاغتيال ولا ذكر حتى أن الحادث وقع في سوريا. وكانت وسائل الإعلام المعتمدة في سوريا قد ذكرت أن السلطات السورية، وفور وقوع الحادث، فرضت طوقاً أمنياً محكماً ومنعت أياً من الصحافيين من الاقتراب من المكان، وقامت فوراً بنقل السيارة التي تم تفجيرها إلى مكان مجهول. كما أشارت إلى أن الانفجار لم يكن قوياً واستهدف فقط السائق، إذ تهشمت السيارة فقط من الوسط فيما بقيت المقدمة والمؤخرة بحالة سليمة!"
7- كيف يتسنى لإسرائيل أن تخترق الأمن السوري وتغتال "الثعلب"، ولا يتسنى لها اختراق هذا الأمن نفسه واغتيال قادة "حماس" و قادة "الجهاد الإسلامي" وأحمد جبريل، وغيره من المطلوبين بشدة للموساد وللمخابرات الأمريكية؟
8- كيف تسنى لإسرائيل أن تغتال "الثعلب"، وهو موجود في دوائر أمنية واستخبارتية عتية، واختارت الطريق الصعب، بدلاً من تغتاله في بيروت، أم أن المخابرات السورية في لبنان أقوى منها في سوريا نفسها؟
9- وما دامت إسرائيل والموساد بهذه القوة الاختراقية لأجهزة الأمن السورية فلماذا لم تغتل خالد مشعل، ورمضان شلّح، وأحمد جبريل وغيرهم من قبل، وهل سنشهد قريباً مزيداً من الاختراقات الإسرائيلية الموسادية لقوى الأمن السوري؟
10- هل قتلت المخابرات الأمريكية "الثعلب" انتقاماً لما تتعرض له في العراق من الجيش الثوري الإيراني، وأنهم - أي الأمريكان- لم يقدروا على الحمار (أحمدي نجاد) (فتشاطروا) على (البردعة) (الثعلب)؟
11- عهدنا بيروت مزرعة للمخابرات من كل فج عميق، فمتى كانت دمشق مزرعة للمخابرات الإسرائيلية ترتع فيها كما تشاء، وتصطاد الأهداف كالخراف، وهي في حضن الشوّاف؟
12- رغم أن عملية اغتيال "الثعلب" كانت هزة قوية في الشرق الأوسط، وتصدعاً لجدران سوريا وإيران وحزب الله الأمنية، إلا أننا لم نقرأ، ولم نسمع، ولم نشاهد، تفاصيل ما حدث، وكيف حدث، أم أن "الثعلب" شهيد قدسي ومقدس، لا يجوز لأحد أن يسأل كيف مات، ولماذا مات؟
13- لماذا اختارت إسرائيل "المتحالفة" مع قوى 14 آذار - كما تدعي المعارضة اللبنانية - اغتيال "الثعلب" قبل يومين فقط من حلول الذكرى الثالثة لمقتل رفيق الحريري، ودفن "الثعلب" في اليوم نفسه لهذه الذكرى، لكي تُخرِّب وتمحو أثر هذه الذكرى السياسي في لبنان، وكأن إسرائيل متحالفة مع المعارضة - كما تدّعي المعارضة - وليس مع الموالاة؟
14- من المعروف أن المخابرات الإيرانية والمخابرات السورية ومخابرات حزب الله.. كل هذه القوى الأمنية العاتية في بلاد الشام، كانت لحماية "الثعلب"، ولهذا كان "الثعلب" طوال هذه السنوات، ومنذ أن فجَّرَ عام 1983 قوات المارينز الأمريكية في بيروت، يصول، ويجول، ويقتل، ويخطف الطائرات، وينسف السفارات، ويختطف من يشاء، دون أن تستطيع مجموعة المخابرات الإسرائيلية - الأمريكية اصطياده، فكيف تمَّ اصطياده هذه المرة، وفي الحصن الحصين للمخابرات السورية؟
15- وما دامت إسرائيل والموساد على هذه الدرجة من النفاذ في سوريا، فهم إذن قادرون على اغتيال مجموعة من رجال الحكم السوري لو أرادوا، ولكن يبدو لإسرائيل مصلحة في بقاء نظام الحكم السوري، ورجاله ولذلك لم يتعرّضوا لهم بأذى؟
16- هل شعر "حزب الله" مؤخراً بالحرج من الشعب اللبناني والعرب والعالم لتمسكه بسلاحه "المقدس"، لذا أراد أن يختلق سبباً جديداً للاحتفاظ بهذا السلاح وإلى الأبد، خاصة وأن حسن نصر الله أعلن في الأسبوع الماضي وبعد مقتل "الثعلب"، بأنه أعلنها "معركة مفتوحة" مع إسرائيل، وأن يوم مقتل مغنيّة هو يوم وجوب تأريخ مرحلة بدء سقوط إسرائيل؟ ولم يقل لنا متى وكيف سيُنهي هذه المعركة، وما هي مدة فتح هذه المعركة، التي ستجلب على لبنان الخراب الأخير. فـ "حزب الله" سيضرب إسرائيل لكي يزيلها من الوجود كما قال نصر الله، وقطع عهداً على نفسه أمام مئات الآلاف. وإسرائيل بالتالي ستضرب لبنان وتدمره، وربما تضرب سوريا وإيران. وسوف يشتعل الشرق الأوسط من جديد، ونعود إلى أيام 1956 وأيام 1967. وسيعتبر حزب الله نفسه رابحاً، حيث احتفظ بسلاحه، بل ربما زاد في سلاحه وعتاده، لأن معركته لم تعد تحرير الأرض اللبنانية وإنما إزالة دولة إسرائيل من الوجود، وهو ما هدد به أحمدي نجاد من قبل. وهذا سبب مهم لكي يحتفظ "حزب الله" بسلاحه.
17- هل لتوقيت اغتيال أو اختفاء "الثعلب" على هذا النحو، له علاقة مباشرة بالمحكمة الدولية التي ستبدأ أعمالها هذا الصيف؟
18- وهل اختفاء "الثعلب" على هذا النحو، يشير إلى علاقة ما – الله والمحققون أعلم بها – بحوادث القتل في عامي 2006، 2007، في لبنان، لمجموعة من السياسيين والإعلاميين اللبنانيين، باعتباره من الشهود الرئيسين في هذه الحوادث؟
19- لماذا ذهب "الثعلب" إلى دمشق، وماذا كان يفعل في دائرة المخابرات السورية التي اغتيل بقربها؟
20- وأخيراً، هناك بعض الخبثاء والحاقدين من عملاء الموساد، والمخابرات الأمريكية، وكتّاب المارينز، والطابور الخامس، وعملاء الصهيونية، وأنصار المحافظين الجدد، وعبدة البيت الأبيض، والعلمانيين الكفرة الفجرة، وقابضي الدولارات الخضراء، وأعداء الإسلام والعروبة بالتالي، يتساءلون:
هل اغتيل حقاً عماد مغنيّة بهذه السهولة، أم أنه لم يُقتل، وأنه حي يرزق حتى الآن، وسوف يحتجب عن أنظار الإعلام تماماً من الآن وحتى يتوفاه الله، ويُدفن سراً في القبر نفسه الذي دُفنت فيه "الدمية" الآن.
فمن يجزم أن من مات هو "عماد مغنية" كما قال مؤلف الكتاب الوحيد في العالم "الثعلب الإيراني" مجدي كامل، في حديثه لإحدى الفضائيات؟
فهل أن كل ما جرى في الأسبوع الماضي عبارة عن "مسرحية مضحكة" من مسرحيات المخابرات السورية و"حزب الله" والمعارضة اللبنانية، لإعلان الحرب على إسرائيل من جديد، وتبرير بقاء سلاح حزب الله بالتالي، وحرق لبنان مرة أخرى، ورفع تهمة حماية وإيواء "الثعلب" من قبل سوريا وإيران، وتفويت فرصة إظهار قوة جماعة 14 آذار السياسية في الذكرى الثالثة لاغتيال الحريري، وإخفاء شخصية عماد مغنيّة (الميت الحي) – وهذا هو الأهم - الذي من المحتمل أن يُستدعى كشاهد رئيس في المحكمة الدولية، التي ستبدأ أعمالها في صيف هذا العام، بعد أن تأمّنت لها الميزانية المالية اللازمة، فينتصب ميزان العدالة، وينفضح الطابق، وتقوم القيامة؟
وهكذا فكما كان "الثعلب" لغزاً في حياته، فسيظل لغزاً في مماته.
السلام عليكم.

اجمالي القراءات 14699