ماهي السبع المثاني ؟ وماهي الآيات المتشابهات في‎ ‎القرآن؟

أحمد خلف في الجمعة ١٥ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

ب - ماهي السبع المثاني؟ ‏وماهي الآيات المتشابهات في‎ ‎القرآن؟
في الموضوع السابق تعرفنا على أسلوب تمييز الآيات‎ ‎المحكمات عن باقي ‏الآيات الأخرى في القرآن، مستندين على نفس‎ ‎أيات الكتاب متجنبين باقي ‏الكتب الأخرى‎.‎‏ ‏لكن بقي علينا البحث عن السبيل المؤدي إلى تمييز الآيات‎ ‎المتشابهات عن ‏باقي آيات القرآن المختلفة بنفس الأسلوب‎.‎‏ ‏حيث أصبح من السهل علينا الآن التعرف على الآيات المحكمات التي‎ ‎كانت ‏تشكل القاعدة التي أسس عليها الله تعالى دينه للعالمين في الأرض مسميا ‏سبحانه‎ ‎ذلك الجزء من القرآن‎: ‎‏ ‏بأم الكتاب، التي تعطي من خلال آياتها صورة‎ ‎حقيقية لفترة حكم الله تعالى ‏الفعلي في الأرض خلال استمرار وحيه على رسوله الكريم‎ ‎محمد عليه ‏الصلاة والسلام، مبينة أن تلك الفترة كانت الفترة الإسلامية الوحيدة‎ ‎التي لا ‏يمكن لها أن تتكرر على الأرض مرة أخرى لكون القرآن العظيم هو‎ ‎خاتم ‏الوحي والرسالات‎.‎‏ ‏بالتالي، معرفتنا لهذه الحقيقة بداية، ستسهل علينا تمييز باقي‎ ‎آيات الكتاب ‏كمجموعات أخرى مختلفة، يهمنا التعرف الآن على الآيات‎ ‎المتشابهات من ‏باقي الأنواع مثل‎: ‎‏ ‏آيات القصص أو آيات الأمثال أو‎ ‎آيات تفصيل الكتاب‎.‎‏ ‏قبل تعريف الآيات المتشابهات علينا دراسة الآية المحكمة التي‎ ‎تشرح ‏للرسول وللمؤمنين من بعده بوجود نوعين مختلفين من الآيات في القرآن، ‏نوع سماه‎ ‎سبحانه الآيات المحكمات، مقررا أنها تشكل بمجموعها أم الكتاب ‏ونوع آخر سماه الآيات‎ ‎المتشابهات‎: ‎‏ ‏‏(‏‎ ‎هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات‎ ‎محكمات، هن أم الكتاب،‎ ‎وأخر ‏متشابهات، فأما الذين في‎ ‎قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه‎ ‎ابتغاء الفتنة ‏وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون‎ ‎في العلم يقولون آمنا ‏به، كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألوا الألباب* ) 7-3‏‎. ‎‏ ‏الآية تخاطب الرسول الكريم ومعاصريه بوضوح لا لبس فيه أن‎ ‎الذين كانوا ‏وما زالوا يحملون في قلوبهم زيغ يفضلون إتباع الآيات‎ ‎المتشابهات، ابتغاء ‏الفتنة وإبتغاء تأويلها في عصر الرسول‎ ‎الكريم، لتنقلب الآية من بعده فيبدأ ‏التابعون تطبيق الآيات المحكمات في العصر‎ ‎الأموي وفي العصور التي ‏تلتها بدلا عن تطبيق المتشابهات‎.‎‏ ‏تلك الآية السابقة دليل ثابت وأكيد من القرآن على أن الذين كان‏‎ ‎في قلوبهم ‏زيغ من التابعين هم الذين بدأوا عملية تطبيق المحكم وترك تطبيق المتشابه‎ ‎من آيات القرآن‎.‎‏ ‏مما سبق نستطيع تعريف المتشابه من الآيات قائلين‎:‎‏ ‏‏((‏‎ ‎صفة المتشابه من آيات القرآن تنطبق على ما تشابه حكمه مع‎ ‎ظروف ‏عصر المؤمن الذي سيأتي من بعد وفاة الرسول الكريم من تاريخ الإسلام ‏في‎ ‎الأرض، على اعتبار أن القرآن هو دستور المسلمين‎ ‎الدائم إلى يوم ‏الدين)). ‏الغريب أن نكتشف اليوم أن أغلب مسلمي الأرض اليوم هم من‎ ‎الذين قد ‏عادوا فعكسوا الآية بدليل أنهم ما زالوا يتبعون علماء‎ ‎السلطة، من الذين ما ‏يزال في قلوبهم زيغ، والدليل على زيغهم هو‎ ‎تركهـم تـطـبـيـق الآيات ‏المتشابهات التي تخص زمن ما بعد الوحي من القرآن‎ ‎مفضلين اتباع الآيات ‏المحكمات ابتغاء الفتنة وابتغاء‎ ‎تأويلها‎.‎‏ ‏عملية القلب تلك تجعل عودة المسلمين إلى سبيل الله تعالى‎ ‎القويم المبين في ‏القرآن شبه مستحيلة إن لم يعد مفكروا المسلمين بالعمل متكافلين‎ ‎متضامنين ‏على عكس اتجاه الأمة مرة أخرى وذلك بإنساء وهجر عملية‎ ‎التطبيق للآيات ‏المحكمات التي أصبحت للعلم وللتاريخ من بعد خطبة حجة‎ ‎الوداع التي ‏ألقاها الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة لأنها كانت كما قلنا فترة‎ ‎خاصة ‏جدا باعتبارها كانت تحت قيادة الله تعالى المباشرة عن طريق الوحي الذي ‏استمر‎ ‎بين السماء والأرض من بعد البعثة حتى وفاة الرسول الكريم، ليأتي ‏بعدها دور تطبيق‎ ‎الآيات المتشابهات التي وجهها سبحانه لتطبق في مستقبل ‏الأيام‎ ‎الآتية على المسلمين ما بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة‎ ‎والسلام إلى ‏يوم يبعثون‎.‎‏ ‏ذلك الإنقلاب الفكري لا يعود من المفارقات الغريبة إن أدرك‎ ‎مسلم اليوم أن ‏زمام الدين من بعد الراشدين أصبح بيد شياطين الإنس من الذين في‎ ‎قلوبهم ‏مرض فبدأوا بتطبيق المحكم الذي كان موجها لعصر الرسول، وهجروا عن ‏قصد الآيات‎ ‎المتشابهات التي خصها سبحانه لعصر ما بعد الوحي، المبينة ‏علنا لرسوله في القرآن‎ ‎بقوله الكريم‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات،‎ ‎هن أم الكتاب، وأخر ‏متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ‎ ‎فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ‏وابتغاء تأويله...*) 7-3‏‎. ‎‏ ‏ولما كان أمر المحكم والمتشابه ومعرفة وقت تطبيقهما هاما‎ ‎بالنسبة لنا إلى ‏ذلك الحد، بالتالي، علينا كي نعيد الفعالية للآيات‎ ‎المتشابهات هجر العمل ‏بالآيات المحكمات، كما علينا أن نتعرف دون‎ ‎إبطاء على الآيات المتشابهات ‏من القرآن، إن كنا نسعى فعلا‎ ‎وحقيقة إلى معرفة دين الله السوي كما أمر به ‏سبحانه أن يطبق، ذلك الدين الذي أضاعه‎ ‎آباءنا على مر العصور باتباعهم ‏لآبائهم الذين كانوا قد أضلوا من قبل شياطين الإنس‎. ‎‏ ‏علينا أن نواجه الحقيقة التي لا مفر من مواجهتها، تلك‎ ‎الحقيقة التي تقول أن ‏لا سبيل للتعرف على مفاتيح فهم‎ ‎القرآن، إلا من خلال آيات القرآن نفسها، ‏فالقرآن هو‎ ‎الذي يفسر ويبين بعضه بعضا‎.‎‏ ‏علينا أن لا ننس أو نتوه عن ذلك الشعار الذي يعتبر القاعدة‎ ‎الذهبية لفهم ‏القرآن من ذات القرآن، ليترسخ في ذاكرة المسلم أن‎:‎‏ ‏لا مفسر ولا مبين لآيات القرآن إلا ما‎ ‎قاله الله تعالى في نفس القرآن‎.‎‏ ‏بالتالي، إذا قلنا لمسلم يحب الله تعالى ورسوله الكريم ويحب‎ ‎كتاب القرآن، ‏لن تفهم كتاب الله تعالى طالما بقيت متكلا ومستعينا على فهمه بكتب‎ ‎الأولين ‏من تفاسير وتآويل ما أنزل الله بها من سلطان، نكون قد قلنا له‎ ‎الحقيقة ‏وأبعدناه عن الأباطيل‎.‎‏ ‏علينا إن كنا مؤمنين حقا، أن نستعيد إلى ذاكرتنا حقيقة هامة‎ ‎تجاهلها أغلب ‏علماء المسلمين، ذكرناها من قبل ونذكرها الآن مرة أخرى للتأكيد‎: ‎‏ ‏هي أن القرآن قد نزل بلسان قريش ولهجتها العربية الخاصة بذلك‎ ‎القوم، ولم ‏ينزل باللغة العربية الفصحى الجامعة لكل ألسنة القبائل العربية، التي‎ ‎تأخر ‏تشكلها وظهورها إلى العصر العباسي، حيث دعت الضرورة إلى وجود ‏لغويين من أمثال‎ ‎سيبويه، الذين فكروا ثم وضعوا قواعد لها مستندين لكل ‏اللهجات العربية الأخرى ليسهل‎ ‎على باقي الشعوب العربية وعلى الأعاجم ‏من الذين دخلوا الإسلام وكانوا راغبين في‎ ‎فهم آيات القرآن مباشرة من ذات ‏القرآن‎.‎‏ ‏والقاعدة الطبيعية في تعلم أي لغة، هي أن يتعلم الطفل‎ ‎لغة أمه منها مباشرة، ‏دون أي ضرورة بالسعي إلى تعليمه أية قواعد مسبقة عنها، لكن‎ ‎الإنسان ‏الذي يسعى إلى تعلم لغة ثانية إلى جانب لغة أمه عندها تصبح تعلم تلك‎ ‎القواعد ضرورية‎.‎‏ ‏عدم إلمام أغلبية المسلمين بتلك الحقيقة ما زالت تشكل حاجزا‎ ‎يمنعهم من ‏فهم كثير من معاني كلمات آيات القرآن إلى اليوم‎.‎‏ ‏المعلوم أن الهجات العربية تختلف في تسميتها للأشياء والأحياء،‎ ‎وهذا هو ‏سر وجود مترادفات كثيرة لها في اللغة العربية الفصحى الجامعة‎ ‎لألسنة ‏العرب جميعا‎.‎‏ ‏لكن عدم وجود كلمات مترادفة في القرآن الذي نزل بلسان الرسول‎ ‎ذو ‏اللهجة القرشية في القرن السابع ميلادي، ما زال يشهد على تلك الحقيقة‎.‎‏ ‏علما أن اللهجات العربية تختلف في خصوصيتها اللفظية للكلمات‎ ‎والأسماء ‏التي تختلف من بيئة لأخرى، تماما كما نشاهد ذلك في عصرنا الحاضر ‏ونجده‎ ‎أمرا طبيعيا، مثل اللهجات العربية التي منها المغربية والجزائرية ‏والمصرية‎ ‎واليمنية والخليجية والعراقية والسورية، هذا بالإضافة إلى‎ ‎وجود ‏لهجات مختلفة داخل كل قطر منها حسب اختلاف أقاليمها ومدنها‎.‎‏ ‏هذا مع الأخذ بالإعتبار أن تلك اللهجات تتطور أيضا مع الزمن‎ ‎مستحدثة ‏كلمات جديدة مبدلة معاني كلمات قديمة‎.‎‏ ‏لذا لا بد للمفكرين الساعين إلى فهم كتاب الله تعالى اليوم من‎ ‎دراسة لغة ‏القرآن كلهجة خاصة بقوم قريش من جديد، كي يستعيدوا المعاني المقصودة‎ ‎بتلك الكلمات، مستعينين بالنصوص الأدبية المعاصرة للقرآن لشعراء ‏قرشيين إن وجدوا،‎ ‎أو أن نبحث عن المعنى من مفردات كلمات القرآن ‏نفسها كي نعلم مقاصد الرحمن من سياق‎ ‎نصوص نفس الآيات‎.‎‏ ‏لتقريب الفكرة التي أقصدها سأضرب مثلا بكلمة: ضرب ومفرداتها‎ ‎التي ‏وردت في آيات القرآن 57 مرة التي أتت في غالبيتها على ضرب المثل ‏والأمثال‎: ‎‏ ‏‏(‏‎ ‎ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم‎ ‎يتذكرون*) 27-‏‏39‏‎.‎‏ ‏‎ ‎كما أتى معنى ضرب في الأرض بمعنى: سار على غير هدى، في قوله‎ ‎تعالى‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎وإن أنتم ضربتم في الأرض) 106-5‏‎.‎‏ ‏وأتى بمعنى إلقاء شيء على شيء آخر لتغطيته، كما في قوله تعالى‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) 31-25‏‎.‎‏ ‏والجيوب هي الفتحات من عورات النساء‎.‎‏ ‏كما أتت بمعنى: سددوا بسيوفكم على هدف محدد هو الرأس، الذي‎ ‎بتعطله ‏يتعطل جسد المحارب جملة، وفي الثانية نفس المعنىأيضا: سددوا بسيوفكم ‏على‎ ‎أنامل سواعد أعدائكم، لأن قطعها يعطل المحارب الذي كان يستخدم ‏أنامله للإمساك‎ ‎بالسيف أو بالرمح أو رمي النبال جملة عن القتال وهذا هو ‏المطلوب من كل المحاربين‎ ‎في الجيوش أثناء نشوب القتال، فهدف كل ‏المقاتلين في كل المعارك هو تعطيل المقاتل‏‎ ‎وإخراجه من المعركة والقتل ‏إحداها‎.‎‏ ذلك كما في قوله تعالى: ‏‏( فاضربوا فوق الأعناق‎ ‎واضربوا منهم كل بنان*) 12-8‏‎.‎‏ ‏كما أتت بمعنى ألقيت عليهم الذلة والمسكنة: ‏‏( وضربت‎ ‎عليهم الذلة والمسكنة ) 61-2‏‎ ‎‏. ‏بينما في قوله تعالى: ‏‏( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم‎ ‎قوما مسرفين*) 5-43‏‎.‎‏ ‏أتت بمعنى: التجاهل، وبما أن الكلمة أتت بصيغة: أفنضرب‎ ‎أصبحت ‏بمعنى: أنتجاهل عن آثامكم ونصفح عنكم وعن إسرافكم بحق أنفسكم‎.‎‏ ‏كما أتت بنفس المعنى في قوله تعالى من الآية التي بينت أسلوب‎ ‎معاملة ‏النساء إذا بدر منهن ما يدل على رغبتهن في النشوز‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن واهجروهن في‎ ‎المضاجع ‏واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلا...*) 34-4‏‎. ‎‏ ‏اضربوهن هنا أتت بمعنى تجاهلوهن للتعبير عن عدم الرضى، مثل‎ ‎السجناء ‏الذين يضربون عن الطعام للتعبير عن عدم رضاهم على سوء معاملة إدارة ‏السجن كأسلوب‎ ‎ضاغط عليها لتغيير الأسلوب‎.‎‏ ‏أو مثل إضراب العمال عن العمل في المعامل والنقابات للتعبير‎ ‎عن عدم ‏رضاهم بالأجور مثلا‎. ‎‏ ‏بهذا الأسلوب من دراسة الكلمات في الآيات المختلفة يمكننا‎ ‎اكتشاف مقاصد ‏الكلمات القرآنية، حيث علمنا أن المعنى المتعارف عليه اليوم‎ ‎عندما نقول ‏مثلا: ضرب السجان المحكوم بالسوط ثمانين ضربة، نجد بالمقابل قد أتى ‏قول‎ ‎الله تعالى في القرآن حسب لسان قريش الذي كان لسان الرسول‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎فاجلدوهم ثمانين جلدة...*) 4-24‏‎.‎‏ ‏‏(‏‎ ‎الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة‎ ‎جلدة*) 2-24‏‎.‎‏ ‏ولما كان بيان القرآن وتفسير كلماته لن يتوفر لمؤمن يبحث عنها‎ ‎إلا من ‏ذات القرآن، فقد نبهنا سبحانه إلى تلك الحقيقة مخاطبا رسوله الكريم‎: ‎‏ ‏‏(‏‎ ‎لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه‎ * ‎فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه * ثم إن علينا‎ ‎بيانه * ) 16-19-75‏‎. ‎‏ ‏من كل ما تقدم نستطيع أن نستنتج: أن الله سبحانه وتعالى وحده‎ ‎هو الذي ‏بين لرسوله وللمؤمنين الآيات المتشابهات في القرآن بإشارة منه إلى سبع ‏سور‎ ‎كل آياتها من الآيات المتشابهات وذلك عندما قال‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) 23-39‏‎.‎‏ ‏ثم أشار سبحانه إلى تلك المثاني مرة أخرى بقوله الكريم‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎ولقد آتيناك سبعا من المثاني‎ ‎والقرآن العظيم ) 87-15‏‎.‎‏ ‏وبما أن الله تعالى قد أنزل هذا القرآن لعباده في الأرض كافة،‎ ‎فقد أنزله ‏ليفهمه عباده بسهولة من غير تعجيز، فحرف الواو مثلا في تلك الآية ليست‎ ‎للعطف بل هي واو المعية‎.‎‏ ‏لذا ليس من الصعب أن يجد المؤمن الباحث عن الحقيقة في كتاب‎ ‎الله السبع ‏المثاني التي يسهل تمييزها بعد أن يفهم أن كلمة المثاني ليست‎ ‎جمعا لكلة ‏ثناء بمعنى الشكر التي لم ترد في القرآن بذلك المعنى بل وردت جمعا لكلمة‎ ‎مثنى‎.‎‏ ‏وليس في كل القرآن ما يمكن أن نطلق عليه السبع المثاني، إلا‎ ‎لسبع سور ‏متتاليات كلها نزلت في مكة وكلها تبدأ بمثنى من الحروف، وهي الحاء‎ ‎والميم، وأتت مباشرة بعد سورة الزمرالتي أشارت منذ البداية إلى موضوع ‏تلك المثاني،‎ ‎بالآية التي ذكرناها قبل قليل، وكان رقمها: 23-39‏‎.‎‏ ‏وتلك السور السبعة هي‎:‎‏ ‏‏((غافر- فصلت - الشورى - الزخرف - الدخان‏‎ - ‎الجاثية – الأحقاف))*‏
‎ ‎‏*مع الأسف لعلمائنا من آبائنا الأولين الذين أجمعوا على أن‎ ‎السبع المثاني هي للثناءات السبع التي وردت في ‏الآيات السبع من‎ ‎سورة الفاتحة، كما نقرأها في كتب التفسير‎.‎
لكن، ماذا قصد الرحمن بعبارة: سبعا من المثاني؟ ‏إن قبلنا بما في كتب التفسير على أنها تقصد آيات الشكر السبعة‎ ‎لله في ‏سورة الفاتحة، نكون قد عارضنا ما شرحناه قبل قليل بأن القوم الواحد مثل ‏قوم‎ ‎قريش لا يسمون الشيء الواحد أكثر من إسم واحد؟ وبالتالي لا مجال ‏لأن يكون في‎ ‎لسانهم كلمات مترادفة لمسمى واحد، بدليل قوله الكريم‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين‎ ‎لهم ) 4-14. ‏لهذا لو بحثنا في كل القرآن، عن كلمة ثناء أو أحد‎ ‎مشتقاتها في القرآن لتفيد ‏معنى الشكر لن نجدها أبدا؟ ‏أما إن شك أحد فيما توصلت إليه من حقيقة، فما عليه إلا أن‎ ‎يتأكد بنفسه، ‏وهذا من حق كل مؤمن يؤمن بالله تعالى ربا وبمحمد رسولا‎ ‎وبالقرآن وحيا ‏كاملا من السماء‎.‎‏ ‏لقد بحثت بنفسي فلم أجد إلا‎:‎‏ ‏شكر، شكرتم، أشكر، تشكروا، تشكرون، يشكر، يشكرون، اشكر،‎ ‎اشكروا، ‏شكرا، شكورا، شاكر، شاكرا، شاكرون، شاكرين، شكور، شكورا، مشكورا، ‏التي‎ ‎وردت في القرآن على تلك الأشكال 76 مرة، بينما لم أجد لكلمة ثناء ‏أو أحد مشتقاتها‎ ‎أي تواجد في كل مفردات القرآن‎. ‎‏ ‏بالتالي من حقي أن أعتبر أن هذا الإكتشاف دليل حقيقي وبرهان‎ ‎عملي على ‏أن تلك الكلمة، أقصد الثناء بمعنى الشكر، ليست من لسان قريش، ولا من ‏كلمات القرآن، بالتالي فإن إجماع علماء المسلمين‎ ‎في كل تفاسيرهم كان ‏إجماعا على خطأ لامجال للشك فيه.‏
‏* للحاشية: بل الأغرب من ذلك ما نقرأه في كتبهم على أن إجماع‎ ‎العلماء معصوم من الخطأ‎. ‎
وهل تكون العصمة إلا لرب العالمين؟ استغفر الله العظيم من كل‎ ‎ذنب ‏عظيم‎!‎‏ ‏كذلك إن قلنا أن أنبياء الله تعالى ورسله كانوا معصومين عن‎ ‎الخطإ، يكون ‏قولنا صحيحا فقط إن قصدنا أن سبحانه كان يتدخل مباشرة عن طريق ‏الوحي‎ ‎فيعصم رسوله عن الخطأ قبل وقوعه كما حصل ليوسف عليه الصلاة ‏والسلام مثلا‎: ‎‏ ‏‏(‏‎ ‎ولقد همت به وهم بها لولا أن رآى برهان ربه...*) 24-12. ‏أو كما حصل مع رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام عندما هم أن‎ ‎يصلي ‏على أحد المنافقين فأنزل سبحانه حامل الوحي بالآية التالية‏‎: ‎‏ ‏‏(ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) 84-9‏‎.‎‏ ‏أما قول آباءنا المعتمدين على الحديث أن الآية قد نزلت بعد‎ ‎حصول ‏المحظور، غير صحيح بدليل الآية نفسها الآمرة بمنع الصلاة، ولم تأت ‏بصيغة‎ ‎تأنيب وهي تقول: لم صليت؟ ‏ولو حصل ذلك فعلا وصلى الرسول على المنافق، عندها لا يكون‎ ‎الرسول ‏معصوما من ربه عن الخطأ. ‏أم إن كان الفعل آنيا لم يسبقه تفكير فلا مجال لعصمة الرسول عن الخططأ ‏إلا بآية لاحقة للفعل كما حدث للرسول الكريم بدليل الآيات التاليات: ‏‏( عبس وتولى* أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزكى* أو يذكر فتنفعه ‏الذكرى*) 1-4-80. ‏أما عندما لا يكون بين وقوع الخطأ والتفكير فيه أي مجال زمني‎ ‎كاف ‏لوصول الوحي يخطأ الرسول كما حصل معه عليه الصلاة والسلام عندما ‏نوى أن يحرم على نفسه شرب ماء العسل نتيجة كيد نسائه كما تروي كتب ‏السيرة ويصدقها القرآن: ‏‏( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور ‏رحيم*) 1-66. ‏لذا علينا أن ندرك سلفا أن الرسل والأنبياء هم بشر مثلنا؟ ‏‎ ‎يخطئون ويصيبون إن لم يعصمهم ربهم قبل وقوعهم فيها. ‏‏(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن‎ ‎يغفر الله ‏لهم) 80-9‏‎.‎‏ ‏‏(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض‎ ‎الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم* لو لا كتاب من الله سبق لمسكم ‏فيما‎ ‎أخذتم عذاب عظيم*) 67-68-8‏‎.‎‏ ‏ألا نقرأ في سورة التوبة قوله سبحانه؟ ‏‏( ما كان للنبي والذين آمنوا أن‎ ‎يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ‏من‎ ‎بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم*) 113-9‏‎.‎‏ ‏كل تلك الأمور من الأخطاء كانت آنية لا مجال لنزول الوحي من‎ ‎أجل ‏منعها لذا ما زلنا نقرأ في كتاب الله تعالى كيف تاب سبحانه على رسوله ‏وعلى‎ ‎المهاجرين والأنصار؟‎:‎‏ ‏‏(لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين إتبعوه في‎ ‎ساعة ‏العسرة ) 117-9‏‎.‎‏ ‏فهل يتوب الله على معصوم من الخطأ؟ ‏أما إذا نوى الرسول على فعل شيء لا يرضاه الله تعالى وكان بين النية ‏والفعل فترة زمنية كافية أنزل سبحانه عليه الوحي كما حصل مع الرسول ‏عنما طلب أهل عبد الله بن سبأ في المدينة أن يصلي عليه الرسول بعد وفاته ‏فنزلت عليه الآية قبل أن يصلي عليه وهي تقول: ‏‏( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ‏ورسوله وماتوا وهم فاسقون*) 84-9. ‏ولو نزلت عليه بعد صلاته لقالت: لم صليت عليه. ‏لكن ما نقرأه في كتب الحديث على أن الرسول صلى عليه رغم اعتراض ‏عمر بن الخطاب لاحقيقة له إذا كان مرجعنا القرآن الكريم. ‏هذا الإختلاط قد أتى من كون أكثر المسلمين قد توقفوا عن قراءة القرآن ‏قراءة تفهم‎ ‎وتفكر وتدبر لآيات الله البينات، كما أن رجال الدين تختارهم ‏المؤسسات الدينية، بإيعاذ من السلطات على أن يكون طالبي الإنتساب ‏لكليات الشريعة والدين من الطلاب الذين نجحوا في الثانوية العامة بأقل ‏الدرجات، كي لا يخرج من بينهم من يكشف المستور‎.‎‏ ‏هذا التوقف المتعمد والقديم في وجه الفكر الإسلامي هو السر في أن أغلب ‏ما تعلمناه عن آبائنا عن الله‎ ‎والأديان والأنبياء والرسل والملائكة والبعث ‏والحساب والجحيم والنعيم أغلبه‎ ‎مغلوط، يحتاج إلى مراجعة وتصحيح، ولا ‏مصحح بين أيدينا لنرجع‎ ‎إليه إلا القرآن العظيم‎.‎
هذا إن أردنا قول الحق لنعلن أن لا مرشد ولا هادي إلا الله‎ ‎تعالى وحده لا ‏شريك له‎.‎
وهو سبحانه لم يرسل لعباده القرآن العظيم ليعاجزهم على‎ ‎فهمه، بل بالعكس ‏أرسلها ليفهمه الذين أمنوا به، وليكون لهم نورا يضيء لهم سبيله‎ ‎القويم ‏ووصاياه العشرة التي سماها سبحانه في القرآن بالصراط المستقيم‎ ‎التي ‏عميت على أغلب المسلمين من الذين هجروا أحسن الحديث الذي في القرآن ‏إلى‎ ‎الحديث الذي شهد له علماء السلاطين الذي خلفوا الراشدين في بلاد ‏المسلمين، فلم يعد‎ ‎أحد من المسلمين بعدها قادرا على رؤية نور القرآن ‏المباشر ليرى مثلا وصايا الله‎ ‎تعالى العشرة التي سماها سبحانه الصراط ‏المستقيم في الآيات: 151- 153‏‎- ‎من سورة الأنعام‎.‎‏ ‏بالتالي، علينا أن نؤمن ونثق بالله تعالى لندرك أن سبحانه قد‎ ‎جعل التعرف ‏على الآيات المتشابهات في كتابه الكريم بنفس السهولة التي استطعنا‎ ‎التعرف ‏فيها على الآيات المحكمات، هذا إن كنا نؤمن حقيقة بالله العظيم، دون أن‎ ‎نشرك به أحدا ولا نستعين على فهم كتابه الكريم بأي مصدر آخر معه‎.‎‏ ‏فكما أننا عندما تعرفنا على السورة المحكمة في القرآن، تعرفنا‎ ‎على نموذج ‏الآية المحكمة من السورة المحكمة بكامل آياتها، فسهل علينا بعدها التعرف‎ ‎على الآيات المحكمات‎.‎‏ ‏كذلك بعد أن نتعرف على نموذج الآية المتشابهة في المثاني السبع‎ ‎التي ‏وردت فعلا في سبع سور مكيات متتاليات، نستطيع بنفس السهولة التعرف ‏بعدها على‎ ‎مجمل الآيات المتشابهات في القرآن، تلك الآيات التي لها خاصية ‏مميزة في استمرارية‎ ‎عملها لتطبق في المجتمعات الإنسانية على الأرض ‏إلى يوم الدين‎.‎‏ ‏علما أن تلك الخاصية، لا يمكن أن يتعرف عليها إلا من‎ ‎إستطاع معرفة ‏الميزات الخاصة بالآية المحكمة وأدرك بعدها الميزات الخاصة بالآية‎ ‎المتشابهة من ذات القرآن بعد دراسة مفصلة لآيات الله‏‎.‎‏ ‏أما ما يدرس في المدارس الدينية اليوم على أنه المحكم‎ ‎والمتشابه لا يتطابق ‏مع بيان القرآن، مما يدعوني على الإعتقاد أن ذلك لم يحصل في‎ ‎بلاد ‏المسلمين صدفة ولا عن جهل، بل كان عن قصد قاصدين كثيرين من ‏شياطين الإنس‎ ‎أعلنوا إسلامهم من بعد الراشدين ليعملوا على تخريبه من ‏الداخل، خاصة في العصر‎ ‎العباسي، حيث كان هدف الإدارة الدينية الأول ‏هو منع المسلمين من فهم رسالة الله‎ ‎التي إذا حصلت خرج عندها كل الذين ‏فهموها وتدبروا أوامرها من عصر الظلم والجهل‎ ‎والتواكل والكسل إلى نور ‏العلم والعدل والعمل، ليرفضوا بعدها التسلط من أحد بلا حق‎.‎
لكن، مع كل ذلك السواد الذي يحيط المسلمين اليوم، ما زال هناك‎ ‎أمل ‏حقيقي للمؤمنين بالله تعالى وبكتابه المبين أن يروا نور الله من جديد كما رآه‏‎ ‎الراشدون بعد التعرف من جديد على الصحيح من المحكم وفصله عن ‏المتشابه الذي في‎ ‎كتاب الله الكريم‎.‎‏ ‏لكن المؤمن الحقيقي، هو الذي يخشى الله تعالى ويخاف أن يفتنه الشيطان ‏فيضله عن سبيل الله، فيتمسك بهدى الرحمن القرآني مبعدا ما أمكن كتب ‏الأولين من تفاسير‎ ‎وتآويل ما أنزل الله بها من سلطان، لأن من يبقى معتمدا ‏على بيانها يكون أبعد الناس‎ ‎عن فهم كتاب الله الذي تعهد على بيانه وحده ‏بداية‎:‎
‏(‏‎ ‎فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن‎ ‎علينا بيانه *)16-19-75‏‎.‎
‏ لذا على كل مؤمن قد أسلم وجهه لله حنيفا وكان يخشى على نفسه من‎ ‎الضلال أو الإضلال أن يغض نظره باستمرار، عن كل بيان أوتفسير‎ ‎أوتأويل قدمه السلف من بعد الراشدين في العصرين الأموي والعباسي، عن ‏طريق رجال‎ ‎الدين المأجورين الذين قاموا بتبديل ما كان لا يعجب سادتهم ‏من مقاصد آيات‎ ‎القرآن الكريم، مؤكدين أن ما قدموه كان هو البيان الأفضل ‏والأحسن والأهدى للرعية‎ ‎التي قام فقهاء الحكام على تدجينها مع الإستمرار ‏في إبقائها مخدوعة ومستسلمة‎ ‎لطواغيتها منذ أيام معاوية وإلى هذا اليوم‎.‎
كي لا يشك المؤمن الباحث في حقيقة السبع المثاني التي‎ ‎استنبطتها من ‏القرآن، علي أن أشير إلى أن الله سبحانه قد وضع لها برهانا رياضيا لا‎ ‎يمكن أبدا حصوله بالصدفة، إكتشفته خلال عملية الإحصاء التي أجريتها ‏على سور‎ ‎وآيات وأحرف القرآن خلال بحثي عن الإعجاز العددي في ‏القرآن والذي شرحته في كتابي‎ ‎الأول: إنذار من السماء‎.‎‏ ‏حيث وجدت أن عدد أحرف: الحاء، في سور المثاني السبعة تحصي ما‎ ‎يلي64+‏‎ ‎‏48+‏‎ ‎‏53+‏‎ ‎‏44+‏‎ ‎‏16+‏‎ ‎‏31+‏‎ ‎‏36 = 292حرفا للحاء‎.‎‏ ‏وعدد أحرف: الميم في السور السبعة كانت: ‏‏380 + 276+ 300+ 324+ 150+ 200+ 225= 1855حرفا. ‏ومجموع العددين السابقين يساوي: ‏‏292 + 1855= 2147حرفا. ‏وحاصل قسمة هذا العدد على العدد الأصم: تسعة عشر يكون: ‏‏2147 ÷ 19= 113، بدون باقي، فكما أن سورة التوبة الخالية من البسملة ‏كانت المؤشر الرحماني في القرآن لنعلم أنها السورة المحكمة الوحيدة بكامل ‏آياتها من بين 114باقي سور االقرآن الأخرى التي تعد: 113 سورة، تحوي ‏المحكم والمتشابه معا إذا استثنينا منها سور السبع المثاني التي تبدأ كما قلنا ‏بسبع مثاني متشابهة من الأحرف مكررة في رأس كل سورة منها حرفي: ‏الحاء والميم، والتي لا تحوي آيات محكمات لعصر الرسول بدليل أن الله ‏تعالى لم يذكر فيها أي إشارة للنبي أو الرسول محمد في تلك السور السبعة ‏التي نجد حجمها يساوي حجم سورة التوبة سبع مرات، مع أن الرسول قد ‏ذكر في سورة التوبة وحدها 29 مرة لكونها سورة محكمة لعصر الرسول. ‏
لكن الملفت للنظر هنا أن شياطين الإنس والجن عكســت الآية في عصر ‏الرسول فصار فريق من المسلمين في عصره يتركون المحكم الذي أنزل ‏لعصرهم ويتبعون المتشابه الذي كان لعص مابعد الرسول بدليل ما نقرأه في ‏القرآن الكريم الذي يقول:‏
‏( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكـمـات هن أم الكتـاب وأخر ‏متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ‏وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا ‏به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولــوا الألـبـاب*) 7-3.‏
تماما كما فعلت نفس الشياطين في عصور ما بعد الرسول فصاروا يطبقون ‏على الناس المحكم الذي كان لعصر الرسول ويتركون المتشابه الذي أنزل ‏ليطبق بعد عصره، لنفس الأسباب: ( ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله). ‏اليشير إلى باقي سور القرآن الحاوية على المتشابه إلى جانب المحكم، لكن ‏تميز السور السبعة السابقة على أنها لا تحوي على آيات محكمات، لكن ‏أرجو من القارئ الكريم أن لا يفهمني خطأ فيظن أن الآيات المحكمة من ‏التي تخاطب عصر الرسول بين الآيات المتشابهات ملزمة لعصرنا بل عليه ‏أن يدرك أن تلك الآيات المحكمات قد توقف حكمها ووضعها سبحانه ضمن ‏الآيات المنسية وغير المنسوخة لأن القرآن الذي معنا لايحتوي على آيات ‏منسوخة أبدا، والمرة الوحيدة التي حصل فيها النسخ شرحها سبحانه على ‏أنها تكون من التي ألقاها الشيطان في أمنية الرسول:‏
‏( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في ‏أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم*) ‏‏52-22.‏
• للحاشية: بإمكان القارئ الكريم أن يتأكد بنفسه من صحة هذه‎ ‎الأرقام إذا شاء‎.‎
‏ ألا يذكرنا هذا الرقم بعدد سور القرآن التي أستهلها سبحانه‎ ‎بالبسملة؟ ‏ألا يذكرنا أيضا على غياب سورة واحدة هي سورة التوبة المحكمة‎ ‎وحدها ‏بكل آياتها؟ ‏ألم يجعل سبحانه علامة التعرف على تلك السورة هو غياب البسملة‎ ‎عنها ‏كي لا تغيب عن مؤمن يبحث عن مفاتيح فهم القرآن؟ ‏بالتالي، أليست تلك رسالة تقول لأولي الألباب من المؤمنين،‎ ‎بأسلوب غير ‏مباشر، أن مكان تواجد الآيات المتشابهات هي في باقي سور القرآن بعد‎ ‎إستثناء سورة التوبة المحكمة بكامل آياتها. ‏الآن إذا قرأ المؤمن تلك السور السبعة بإمعان ثم قارنها مع‎ ‎سورة التوبة ‏المحكمة سيكتشف وحده الإختلافات التالية‎:‎‏ ‏أولا: سيدرك أنه قد ورد ذكر كلمة الرسول في سورة التوبة 33‏‎ ‎مرة، ‏لكونه عليه الصلاة والسلام المسؤول الأول خلال حياته على قتال ‏المشركين‎ ‎الكافرين لفكرة التوحيد والرافضين على ظهور ديانة توحيدية ‏إلى جانب ديانتهم‎ ‎المشركة في الجزيرة العربية‎.‎‏ ‏علما أن الغاية من قتال المشركين لم تكن أبدا من أجل إكراههم‎ ‎بالقوة في ‏الدخول إليها، بل كانت لكف بأسهم وإجبارهم على قبول تواجد الديانة ‏التوحيدية‎ ‎إلى جانب معتقداتهم الإشراكية‎:‎
‏(‏‎ ‎فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا‎ ‎نفسك وحرض المؤمنين عسى أن ‏يكف بأس الذين‎ ‎كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا*) 84-4‏‎. ‎‏ ‏الرسول عليه الصلاة والسلام كان المسؤول شخصيا عن ملاحقة تنفيذ‎ ‎كل ‏أوامر الله تعالى في تلك السورة التي لا يمكن تطبيقها إلا خلال بتوجيه ‏الوحي‎ ‎المباشر خلال حياته عليه الصلاة والسلام‎.‎‏ ‏بينما سيدهش القارئ الكريم عندما يعلم أن لا وجود لذكر الرسول‎ ‎في كل ‏تلك السورالسبعة، ليدرك عندها أن سر اختفاء الإشارة إلى اسم الرسول ‏الكريم‎ ‎في آيات تلك السور هو كونها كآيات نائمة سيبدأ تطبيق مضمونها ‏بعد توقف الوحي عن‎ ‎الرسول الكريم بوفاته‏‎.‎‏ ‏علمنا أن المكلف المباشر لتنفيذ الآيات المحكمات أمام الله‎ ‎تعالى كان ‏الرسول الكريم، بينما يسقط تكليفه عن تطبيق الآيات المتشابهات التي‎ ‎سيبدأ ‏الراشدون على تطبيقها بعد وفاته‎.‎‏ ‏الآن بدأ يبدوا هذا ليكون السبب المنطقي والبسيط والكافي‎ ‎لإسقاط المسئولية ‏عن كاهل الرسول الإنسان بعد وفاته، بالتالي سيبدأ خلفاؤه‎ ‎الراشدون على ‏تفعيل تلك الآيات التي وصفها سبحانه بالمتشابهات، والتي علمنا أنها‎ ‎لم ‏تكن لزمن الرسول، كي نتوقف بعده، عليه الصلاة والسلام، عن تطبيق ‏المحكم من‎ ‎الآيات التي علمنا أن تطبيقها كان مرتبطا بحكم الله تعالى ‏المباشر في الأرض عن‎ ‎طريق الوحي السماوي الذي توقف بعد وفاة ‏رسول الله عليه الصلاة والسلام‎.‎‏ ‏ثانيا: سيدرك أن كل الخلافات والنزاعات التي كانت تحصل بين‎ ‎المؤمنين ‏في عصرالآيات المحكمات كان الرسول الكريم هو المرجع المباشر الذي‎ ‎كان سبحانه يتدخل عند اللزوم في فضها، مثل الآية المحكمة التي تقول‎:‎‏ ‏
‏(‏‎ ‎فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله‎ ‎والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ‏واليوم الآخر ذلك خير‏‎ ‎وأحسن تأويلا *) 59-4.‏
الرسول الكريم عندما كان يسأل من أحد كان يجيب بما يعلم أنه‎ ‎حق، أما إن ‏كان لا يعلم فقد كان الوحي الإلهي يتكفل بالإجابات التي يمكن أن نميزها‎ ‎في ‏القرآن، وتلك هي التي يسبقها كلمة قل التي وردت في القرآن: 333‏‎ ‎مرة، ‏بينما في الآيات التي جعلها الله تعالى نموذجا للآيات المتشابهات، سنجد أن‎ ‎أمر الحكم فيها قد عاد لله تعالى وحده من خلال تطبيق آيات القرآن، كما في ‏الآية‎ ‎التي نجدها في سورة من تلك السور السبعة المتتالية، وهي سورة ‏الشورى، التي يقول‎ ‎فيها سبحانه‎:‎
‏(‏‎ ‎وما اختلفتم فيه من شيء‎ ‎فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي‎ ‎عليه توكلت ‏وإليه أنيب*)10-42‏‎.‎‏ ‏ثالثا: كل الطاعات التي وردت في الآيات‎ ‎المحكمات أتت فيها طاعة الرسول ‏إما مقترنة مع طاعة الله تعالى كما في قوله‎ ‎تعالى:‏
‏(‏‎ ‎ومن يطع الله ورسوله فقد فاز‎ ‎فوزا عظيما *) 71-33‏‎. ‎‏ ‏أو أتت طاعة الرسول قبل ذكر طاعة‎ ‎الله لكونه الآمر المباشر خلال حياته ‏للمؤمنين، كما في قوله تعالى‎:‎‏ ‏
‏(‏‎ ‎من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما‎ ‎أرسلناك عليهم حفيظا ‏‏*) 80-4‏‎.‎
أما في الآيات التي أتت فيها طاعة الله تعالى مفصولة عن طاعة‎ ‎الرسول ‏كما في قوله تعالى: ‏‏(‏‎ ‎يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا‎ ‎الرسول وأولي الأمر منكم...*) ‏‏59-4‏
فهي لتبين للمؤمنين منطق القرآن المبني على تسلسل المسؤولية،‎ ‎حيث تبقى ‏طاعة الله تعالى واجبة مع طاعة‎ ‎رسوله طالما بقي‎ ‎الرسول حيا، لكن بعد ‏وفاته‎ ‎تعود الطاعة لله تعالى مع طاعة أولي الأمر‎ ‎منهم تبقى واجبة طالما ‏كانوا ولا زالوا في طاعة الله ولا يخالفون‎ ‎كتابه الكريم‎.‎‏ ‏من البدهي لمن فهم الأمر على هذا التسلسل المنطقي ، أن يدرك‏‎ ‎وحده أن ‏طاعة الرسول قد توقفت بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، لكن طاعة الله‎ ‎سبحانه وتعالى تبقى لكونه سبحانه الحي القيوم الذي لا يموت، بالتالي فهو‎ ‎أولى بالطاعة من كل الذين ماتوا أو سيموتون ‏‎.‎تلك الحالة لها إستثناء واحد، حيث ذكر اسم الرسول وحده في آية‏‎ ‎تتعلق ‏في موضوعي الصلاة والزكاة اعتبرها سبحانه طاعة خاصة لرسوله‎ ‎الكريم‎:‎‏ ‏
‏(‏‎ ‎وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعــوا‎ ‎الرسـول لعلكم ترحمــون*) ‏‏56- 24. ‏فالرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي سن بناء على تلك الآية‎ ‎الفريدة كل ‏الصلوات التي يصليها المسلمون اليوم من النوافل رغم عدم ذكرها في‎ ‎القرآن مثل صلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة التراويح في رمضان ‏وصلاة العيدين وصلاة‎ ‎الجنازة وصلاة الإستسقاء، وإلى غيرها من صلوات ‏النوافل إن وجدت‎. ‎‏ ‏أما الصلوات المكتوبة في القرآن فهي الصلوات المذكورة في‎ ‎القرآن‎:‎‏ ‏صلاة الفجر وصلاة المغرب وصلاة العشاء‎ ‎وصلاة الظهر من يوم الجمعة، ‏أما عدد الركعات المكتوبة من تلك‎ ‎الصلوات فهي ركعتين في كل صلاة، ‏ولكي يكون المسلم قادرا على تمييز‎ ‎تلك الركعات عن صلوات النوافل كان ‏الرسول عليه الصلاة‎ ‎والسلام يجهر في الركعات المكتوبة دون أن يجهر ‏في صلوات وركعات النوافل‎. ‎
في نهاية هذا البحث، وقبل إغلاق موضوع المحكم والمتشابه، أحب أن أنهي ‏هذه الدراسة بخلاصه عامة لهذين الموضوعين الهامينلكل مسلم التعرف ‏عليهما ليعلم ما له اليوم وماكان لغيره أيام الآيات المحكمات التي لقبها ‏سبحانه أم الكتاب ليعم الذين يتفكرون أن الآيات المتشابهات كانت في رحم ‏ذلك الكتاب ولا يجوز البدء بتطبيقه إلا بعد انتهاء عصر استمرار الوحي من ‏السماء خلال عصر الرسول الكريم، علما أن شياطين الإنس، كما نوهت من ‏قبل كانوا يعكسون الآية في عصر الرسول فيتبعون المتشابه، كما ذكرهم ‏الرحمن في القرآن بقوله الكريم:‏
‏( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء ‏تأويله...*) 7-3. ‏
علما أن الله تعالى لم يطلب من الناس حب الرسول إلا في سورة التوبة ‏المحكمة، كي لايتطور ذلك الحب كما حصل اليوم إلى حب عبادة وإشراك ‏بالله تعالى، كذلك عندما ذكر سبحانه في سورة التوبة التي ذكر فيها الرسول ‏تسعا وعشرين مرة ذكر فيها طاعة الله مع طاعة رسوله الحي من قبل ‏المؤمنين بقوله الكريم:‏
‎ ‎‏(والمؤمنون والمؤمنات ... ويطيعون الله وررسوله...*) 71-9.‏
وإن كنا نريد معرفة المرجع الديني في عصر الرسول، نقرأ في سورة ‏النساء التي أغلب آياتها من المحكمات، مايلي:‏
‏( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن ‏تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول...*) 59-4.‏
لماذا؟ كي يحكم الرسول بينهم بما أنزل الله وإن كانت القضية جديدة علة ‏الرسول الكريم أنزل سبحانه الحكم من السماء بالوحي ، كما كان يحصل ‏مرارا مما نعلمه من كتب تاريخ السيرة النبوية. ‏أما في سور المثاني السبع المتشابهات يختلف الأمر تماما، إذ لم نعد نسمع ‏إسم الرسول فيها أصلا وعند الخلاف والتنازع تعود الأمور لله تعالى فيما ‏أنزل من كتاب كامل متكامل يجيب على كل التساؤلات، كما نقرأ في سورة ‏الشورى منها ما يلي على لسان الرسول يخاطب فيه أجيال المستقبل من ‏بعده:‏
‏( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت ‏وإليه أنيب*) 10-42.‏
هذا إن كنا نريد أن نبعد نفوسنا عن الإشراك الخفي بالله‎ ‎تعالى، كما فعل ‏أولي الأمر من الراشدين الذين بايعهم الناس مواظبين على تطبيق‎ ‎الآيات ‏المتشابهات عمليا مع التوقف عن تطبيق المحكم من الآيات، مصرحين في ‏مستهل‎ ‎خطبهم بالقول‎:‎‏ ‏
أطيعوني ما أطعت الله فيكم، إن أحسنت‎ ‎فأعينوني وإن أسأت فقوموني، ‏لعلمهم أن العصمة التي كانت‎ ‎لله تعالى على رسوله الكريم أثناء الوحي قد ‏توقفت بتوقف الوحي بعد وفاته عليه‎ ‎الصلاة والسلام‎.‎‏ ‏كما أن المؤمنين في العصر الراشدي كانوا ما‎ ‎يزالون يتحلون بالجرأة ‏الأدبية في أن يردوا على أمراء‎ ‎المؤمنين الصالحين الراشدين وفي وجوههم ‏عند‎ ‎اللزوم دون أن يخشوا بطشا أو إنتقاما قائلين‎:‎‏ ‏والله لإن أسأت أو عصيت لقومناك‎ ‎بسيوفنا‎.‎‏ ‏لذلك كان خلفاء الرشد بشهادة كل المؤرخين هم‎ ‎المنفذين الحقيقين لأحكام الله ‏تعالى وشرعه المذكور في الآيات المتشابهات من‏‎ ‎القرآن، بعد إنتهاء حكم ‏الله سبحانه المباشر في الأرض الذي دام بدوام الوحي‎ ‎مع نزول الآيات ‏المحكمات خلال حياة الرسول الكريم‎.‎‏ ‏مما تقدم يمكننا أن ندرك السبب في عدم ذكر أي طلب من الله‎ ‎تعالى لمحبة ‏رسوله من المؤمنين إلا في سورة التوبة المحكمة وحدها، علما‏‎ ‎أنها قد أتت ‏موصولة مع محبة الله تعالى التي ، التي تقول‎: ‎
‏(‏‎ ‎قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم‎ ‎وأموال ‏إقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب‎ ‎إليكم من الله ‏ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله‎ ‎بأمره، والله لا يهدى ‏القوم الفاسقين*) 24-9‏‎. ‎
باختصار شديد: الآيات المتشابهات في القرآن هي الآيات‎ ‎التي يمكن أن ‏نقول عنها أنها: دائمة الفعالية ونصوصها تحوي غالبا على أوامر‎ ‎وتعليمات ‏علينا أن نعتبرها دائمة الفعالية ما دامت الأرض ودام عليها الإنسان إلى‎ ‎يوم ‏الدين، وبهذا يتميز القرآن عن باقي كتب الأرض التي ترتبط عادة‎ ‎بعصر ‏مؤلفها‎. ‎
أرجو أن لا يسيء القارئ الكريم الفهم فيما تقدم عن محبة الرسول‎ ‎التي لا ‏بد أن تكون في قلب كل مؤمن حقيقي بالإسلام دينا، لكن ليس بأمر من الله‎ ‎تعالى كما كان مفروضا على صحابة الرسول خلال حياته، بل يبقى اليوم ‏حبا تطوعيا من‎ ‎ذات المؤمن بلاأمر من أحد.‏‎ ‎‏ ‏هكذا إذا بدأ مسلم اليوم على ممارسة القدرة التي منحها له‎ ‎سبحانه في ‏تمييز المحكم عن المتشابه من الآيات، وبدأ يدرك أن الآيات‎ ‎المتشابهات ‏تأتي عادة بصيغة الخطاب العام وغير المباشر، بينما الآيات المحكمات‎ ‎تأتي بصيغة الخطاب الخاص والمباشر، عندها سيكتشف أنه يمسك بيديه ‏ولأول مرة‎ ‎مفتاح فهم آيات القرآن، علما أنه لم يكن قادرا على رؤية ذلك‎ ‎المفتاح قبل ذلك‎. ‎‏ ‏عندها سيدرك وحده أنه لو اعتمد منذ البداية على‎ ‎القرآن وحده في فهم ‏القرآن دون أن يشرك به كتبا أخرى لتوصل بنفسه دون‎ ‎مساعدة أحد لنفس ‏النتائج لوعد الله تعالى المذكور في كتابه العزيز‎:‎‏ ‏
‏(‏‎ ‎ومن أظلم ممن ذكر بآيات‎ ‎ربه فأعرض عنها، ونسي ما قدمت يداه إنا‏‎ ‎جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم‏‎ ‎وقرا وإن تدعهم إلى ‏الهدى فلن يهتدوا إذا‎ ‎أبدا* ) 57-18‏‎.‎‏ ‏
قد يستهين البعض من تلك الغشاوة المرصودة على أعين المسلمين‎ ‎الذين ‏أشركوا بالله تعالى إشراكا ما زال خافيا عن وعيهم، مع وقر مرصود في ‏آذانهم‎ ‎أيضا، نتيجة إشراكهم مع كتاب الله تعالى كتبا أخرى تفصل على ‏أرض الواقع بين بصرهم‎ ‎وبصيرتهم، فيعجزون بعدها عن رؤية أو سماع ‏حقائق آيات الله المعجزات التي يقرأونها‎ ‎بألسنتهم في القرآن دون أن ‏يدركوا أن من شروط توحيد الله، توحيد كتابه،‎ ‎المبين بذاته، كمصدر فريد ‏للعلم بالله وبدينه من‎ ‎غير أن يستبين بأي مصدر آخر معه أبدا‎.‎‏ ‏علم أن هذا يحتاج إلى شجاعة ومبادرة لتجاهل موعظة الآباء‎ ‎الدائمة التي ‏تتلى عادة على المسلمين‎: ‎
لا تقرأوا القرآن وحدكم كي لا تخطئوا في قراءته، لأنكم‎ ‎إن أخطأتم فيه ‏سيحرقكم الله في نار جهنم، وإن قرأتم لا تحاولوا تفسيره أوالتفكير‎ ‎في ‏معانيه، لأنكم إن فعلتم وأخطأتم فيه ستدخلون إلى الجحيم، عودوا دائما لما ‏كتبه‎ ‎السلف الصالح في كتب التفسير والتأويل وما نقل رواية عنه عليه ‏الصلاة والسلام من‎ ‎أحاديث شريفة وأحاديث قدسية فهي وحدها المنجية‎.‎‏ ‏هذا بالإضافة إلى سوء التفسير الذي عمم عن قصد من قبل علماء‎ ‎الدين في ‏العصرين الأموي والعباسي واستمر إلى اليوم في تفسير قوله تعالى: ‏
‏( لا‎ ‎يمسه إلا المطهرون ) 79- 56‏‎.‎‏ ‏
التي تعني الملائكة المطهرون أصلا في السماء والمكلفين من ربهم‎ ‎بحفظ ‏كتاب الله في اللوح المحفوظ‎. ‎‏ ‏بينما الإنس من الذين قد تدنسوا بداية بخطيئة أبيهم آدم‎ ‎قبل أن يتدنسوا ‏بخطاياهم، نجد القرآن يقول عنهم تمييزا المتطهرين: ‏
‏( إن الله يحب‎ ‎التوابين ويحب المتطهرين*) 222-2‏‎.‎‏ ‏
‎ ‎كل تلك الأمور معا شكلت حاجزا نفسيا بين أغلب المسلمين وبين‎ ‎كتاب الله ‏الكريم، إن لم نكسره نحن المثقفون اليوم ونتخطاه لن نكتشف أبدا حقائق‎ ‎الرحمن ونوره الذي في كتابه العظيم‎.‎
لكن علينا أن لا ننس أن أغلب مسلمي اليوم هم من الآبائيين‎ ‎الذين لم يحلموا ‏بعد على كسر ذلك الحاجز النفسي، بالتالي إن سألنا أحدا من الذين‎ ‎ما زال ‏أغلبنا يحكم لهم أنهم من العلماء في الدين استنادا إلى زيهم أو ألقابهم: ما‎ ‎هو ‏الصراط المستقيم الذي ذكره الله تعالى في القرآن، سوف تفاجأ كما فوجئت ‏أنا‎ ‎عندما سألت العشرات منهم بذلك السؤال البسيط، الذي ما زلنا نردده في ‏كل ركعة من‎ ‎صلواتنا ونحن ندعوه سبحانه: إهدنا الصراط المستقيم‎.‎‏ ‏نعم لقد فوجئت أن أحدا منهم لا يعرف الجواب القرآني الصحيح، بل‎ ‎أجابوا ‏بما ترسخ في أذهانهم مما سمعوه من آبائهم، كما اكتشفت من دهشة أغلبهم ‏أنهم‎ ‎كانوا لا يعلمون بوجود الجواب الصحيح في القرآن العظيم‎.‎، عندما ‏كنت أتلوعليهم آيات سورة الأنعام الثلاثة معددة وصايا الله العشرة على ‏عباده المؤمنين في الآيات : 151- 152-153. ‏والتي تقول في الآية الأخيرة منها: ‏
‏(‏‎ ‎وأن هذا صراطي مستقيما‎ ‎فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن‎ ‎سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون*) 153- 6. ‏
علما أن أجوبتهم لم تتعد قصة الجسر الشهير الممدود فوق وادي‎ ‎جهنم، الذي ‏هو أرفع من الشعرة وأحد من السيف يمر عليه المؤمن كالسهم بينما يزحف‎ ‎عليه المشركون والكفار ليسقطوا بعدها في الجحيم حيث تنتظرهم الأفاعي ‏والعقارب ونار‎ ‎الجحيم الموقدة تحتهم في أسفل سافلين. ‏نعم أتذكر أني قد قرأت ذلك كله بالتفصيل في‎ ‎رؤيا ( معراج ) يوحنا ‏اللاهوتي في آخر كتاب العهد الجديد الذي نقل عنه علماؤنا‎ ‎معراج رسولنا ‏الكريم إلى السماء دون أن يقولوا الحق وأن الله تعالى لم يذكر معراجا‎ ‎لمخلوق من الإنس إلى السماء في القرآن‎.‎‏ ‏تلك هي أحد المشاكل المستعصية والمستديمة في الإسلام الموروث، التي ما ‏نزال‎ ‎نعاني منها كمسلمين عامة نتيجة اعتقادنا القديم على صعوبة فهم آيات ‏القرآن الكريم، من دون أحاديث البخاري ومسلم، التي ثبتت بعد زرعها في ‏عقولنا منذ الصغر، عندما قالوا لنا: لا‎ ‎يمكن فهم كتاب الله إلا المتخصصين ‏في الدين من العلماء، لذا فالـقــرآن كتاب مقدس‏‎ ‎يحرم لمـسـه إلا على ‏المطهريــن، كما أخافونــا من محاولة فـهـمـه وحدنـا تجنبا لكارثة‎ ‎احتمال الخطإ فيه‎.‎‏ ‏كل تلك الأمور مجتمعة أدت بالنتيجة إلى هجر كتاب الله العظيم‎ ‎من قبل ‏الغالبية العظمى من المسلمين ليتعلقوا بكتب أخرى لا يحرم لمسها، إشراكا ‏مع كتاب الله تعالى‎ ‎الذي ما زال مهجورا من المسلمين يخافون لمسه أو ‏قراءته أو التفكير في آياته‎ ‎البينات، ظنا أن لمسه أو إساءة فهمه يقع في ‏مجال المحرمات‎.‎‏ ‏لذا فإني على يقين ثابت على أننا كمسلمين لن نخرج عن ضلالاتنا، إن لم‎ ‎نتجرأ بالخروج من دائرة الشيطان التي أحاطــوها بنا عن عمد، لنعود ‏زرافات‎ ‎ووحدانا إلى قرآننا المهجور، لفهم دين الله‎ ‎الحقيقي من ذات القرآن‎.‎‏ ‏من هنا أعتبر أن المبدأ العام لفهم دين الله من قبل المؤمنين‎ ‎لن يكون إلا ‏إن تمسكوا بكتاب الله الكريم: القرآن العظيم ودرسوه‎ ‎كمصدر حقيقي للعلم ‏بالدين‎. ‎‏ ‏علما أن هذا الأمر ثابت حتى من الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ‎ ‎ما زلنا ‏نقرأ في كتب تاريخ السيرة النبوية التي تروي لنا ما قاله الرسول الكريم‎ ‎حقيقة في خطبة حجة الوداع الهامة حيث قال: ‏
‏(( قد‎ ‎تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن إعتصمتم‎ ‎به: كتاب الله، ‏وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ‏ونصحت‎ ‎وأديت*)). ‏
‏*راجع كتاب تاريخ البداية والنهاية لإبن كثير.الدمشقي. المجلد‎ ‎الثالث - الجزء الخامس- الصفحة 133. طبع ‏دار الريان للتراث. القاهرة- 1988‏‎.‎‏ ‏
ولم يذكر الرسول الكريم كما تلاحظون عبارة: وبسنتي‎ ‎كما أضافها علماء ‏السلطان في كتب الدين التي بدأوا‎ ‎يدرسونها لشباب المسلمين إضلالا لهم ‏عن‎ ‎كتاب الله العظيم*. ‏
‏* للحاشية: أرجوالمعذرة عن ذكر هذا الموضوع أكثر من مرة إذ كان‎ ‎قصدي من تكراره هو التأكيد على أهميته‎.‎

اجمالي القراءات 20854