عقد النكاح (الزواج) العرفي حلال رغم وجود المأذون!!

شريف هادي في السبت ٠٩ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وكفى وسلاما على عباده الذين أصطفى
اللهم أحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، أعرف أن مقالتي هذه قد تكون صادمة بعض الشيء للكثيرين ، كما أقول أن الرأي الذي سوف تطلعون عليه هو رأي الشخصي ولا ألزم به أحدا ، وهذه المقالة جاءت في مجملها ردا على مقالة الأستاذ / علي عبد الجواد المعنونة (الزواج العرفى غير شرعى فى وجود المأذون!!) ، ورأيت أن تكون بمقالة وليس مداخلة لأهمية الموضوع وخطورته على المجتمع وتأثيره فيه.
عقد الزواج هو من العقود المس&atiماة في القرآن الكريم ، كتبه سبحانه وتعالى وقرره للحرة والأمة لقوله تعالى " فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا ان ظنا ان يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون" البقرة230 ، ولقوله تعالى"وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" النساء3 ، ولقوله تعالى" ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله اعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن واتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وان تصبروا خير لكم والله غفور رحيم"النساء25 .
والمرأة الحرة تتحصن بالبلوغ والعقل أو بالزواج ، ولا تتحصن الأمة إلا بالزواج ، فلو كانت المرأة محصنة أن كانت بالغ عاقل أو كانت مطلقة من زواج صحيح فيحق لها أن تزوج نفسها وتعقد عقد نكاحها بنفسها دون أن يتوقف ذلك على موافقة الولي ، والشاهد على ذلك قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) وقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم) وقوله سبحانه وتعالى (أن ينكح المحصنات) ، وهو الأساس في عقود الزواج ، أما إذا كانت المرأة غير راشدة لعدم البلوغ أو لعلة العقل ، أو كانت أمة لا تملك حريتها فإن عقدة النكاح تكون بيد أهلهن يدخل في ذلك الولي أيا كان (أب ، أخ ، عم ، ابن) أو من يملك حق رقبتها والشاهد على ذلك قوله تعالى(فانكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف).
والدليل على أن هذه الآية الكريمة تتكلم عن الإماء قوله تعالى" فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" ذلك لأنها رغم إحصانها بالزواج مازالت أمة فإن ارتكبت فاحشة الزنا فلا تعاقب عقاب الحرة بل نصف عقاب الحرة.
ولما تبين لنا أن الزواج يكون بعقد ذكره الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل دون أن يذكر تفاصيله فيسري عليه ما يسري على العقود من شروط عامة وخاصة ، والشروط العامة في العقود هو وجود متعاقدين بإيجاب وقبول صحيحين دون ضغط أو إكراه أو تدليس أو أي شيء يعيب الإرادة أو يعدمها أو ينقصها ، ووجود محل للعقد وهو في عقد الزواج عشرة الزوجين واستحلال كل منهما لصاحبه خلوة ومعاشرة لإنجاب الذرية(في الأصل) ، وللعقد ثمن وهو المهر
أما شروطه الخاصة ، فهي للأمة أو المجنونة أو الطفلة وهي وجود أحد من أهلها أو من بيده (عقدة النكاح)
كما أن لعقد الزواج شرط خاص ، وهو انصراف نية المتعاقدين على إقامة حدود الله ، وحدود الله هو أن ينال كل منهما من الآخر ليس بنية الزنا والفاحشة ولكن بنية الزواج وعدم الوقوع في الحرام ، والشاهد قوله تعالى(ان ظنا ان يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون)
وهناك شرط أثبات وهو الكتابة أو الإشهاد أو كلاهما معا ، على أن يكون معلوما أن ذلك ليس من شروط صحة العقد ولكنه من شروط الإثبات ، وفي اعتقادي أن علماء السلف اشترطوا الولي والشهود والإشهار ليضمنوا أثبات العقد والتفريق بين الزواج الصحيح وبين اتخاذ الأخدان والخلايل والعشاق .
والسؤال الذي يطرح نفسه لو أن رجل وامرأة من الكفار تزوجا وفقا لشريعتهما والتي لا تتطلب الإشهاد أو الإشهار وأنجبا ثم بعد ذلك أسلما هل يطلب منهما إعادة كتابة عقد زواجيهما ونقول لهم إن لم تفعلا فأنتم في زنا؟ طبعا لا.
إذا فما هي مشكلة العقود العرفية التي يجريها الشباب الآن وأصبحت شائعة بينهم؟ إذا اشتملت على الشروط السابقة؟
دعنا لا ندفن رؤوسنا في التراب كالنعام ، فالحقيقة التي لا مراء فيها أن العالم أصبح كالقرية الصغيرة لتطور الاتصالات ، كما أن الغرب أنتصر انتصارا باهرا في القرنين الآخرين وبدأ يفرض قيمة ، واختلاط الرجال بالنساء من سنن الحياة التي لا ينكرها إلا جاهل ، ومن القيم التي وصلتنا اتخاذ الخلان والخليلات وهو ما يطلق عليه (بوي فرند ، جيرل فرند) وأصبحت شائعة في العالم أجمع لعلاج الرغبة الجنسية مع عدم القدرة على الزواج ، ولكن الإسلام لا يرفض الزواج وجعله سهلا ميسرا على عكس الأديان الأرضية التي مازلنا نحترمها ونقدسها جعلت الزواج صعبا عسيرا ، وأصبح من أسباب تخلفنا تمسكنا بالموروث الثقافي والذي جعلناه دينا نقدسه ، مع استمرار وجود الاختلاط والإطلاع على ثقافات الغير مما يزيد رغبة الشباب من الجنسين كل للطرف الآخر ، مما بدد طاقات هؤلاء الشباب في البحث عن إطفاء نار الرغبة بالحرام أو المخدرات والإدمان أو الإرهاب والدروشة ، أو الإلحاد ورفض الدين لمخالفته لفطرتهم.
فقد تفتق ذهن بعض الشباب عن علاج عبقري لهذه الحالة بما يسمى الزواج العرفي وهو البديل العصري الإسلامي (من وجهة نظرهم) لحالة (البوي فرند ، والجيرل فرند) عند الغرب ، والوقوف ضد هؤلاء الشباب هو وقوف ضد الطبيعة ، لأن الجنس كالأكل والشرب ، وظيفة حيوية يجب تنظيمها لا تحريمها وهذا خلق الله الذي قال فيه سبحانه وتعالى " ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"الروم21 ، فهن سكن لنا ونحن سكن لهن وهذا خلق الله وسنته في الحياة ولن تجد لسنته تبديلا ، كما أنه سبحانه القائل " نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)الواقعة ، فلو كان عيبا ما استشهد به رب العالمين ولكنه سبحانه وتعالى هو خالقه.
المطلوب منا لعلاج هذه المشكلة ليس تحريم وتجريم فعل الشباب ولكن تنظيمه وتوعية الأهل والشباب جميعا بما يجب أن يكون عليه الأمر في الزواج وشروط صحة العقد وشروط إثباته وفقا للقانون ، وخيرا فعل المشرع المصري أن جعل العقد العرفي مما يجوز به الإثبات في الزواج والنسب ، ويا ليت رجال الدين كانوا بسرعة رجال القانون ، فلن يستفيد المجتمع بتحصيل رسوم الزواج وعدم الاعتراف بما يسمى بالعقود العرفية مع ضياع المجتمع وفقد طاقاته وخلق جيل من اللقطاء ، لأن ذلك ما سيحدث لا محالة إذا وقفنا في وجه هذه الموجة وجرمناها ولم نعالجها وننظمها لأن ذلك سيعتبر منا وقفا في وجه الطبيعة.
لأننا على الجانب الآخر لن نستطيع وقف الاختلاط كما أننا لن نستطيع وقف الإطلاع على ثقافات الآخرين ولن نستطيع كبت رغبات الشباب الجنسية دون انتشار المخدرات والانحلال والدروشة والإرهاب بل أيضا والإلحاد.
وأخيرا سوف أناقش ما قاله الأستاذ / علي عبد الجواد في موضوع المأذون ، وهو الأخذ بالعرف لقوله سبحانه وتعالى" خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين" الأعراف199 ، لأن الآية تتكلم عن الأخذ من أموال الناس ما يكون فائض عن حاجتهم وهو العفو ، وتقدير هذا العفو يكون بالعرف السائد ، وليعرض رسول الله عن الجاهلين الذين يطلبون منه أخذ الأكثر من مال الناس بما يزيد عن العفو من مالهم والمحكوم به طبقا للعرف السائد ، إذا فالآية لا تتكلم عن عرف المأذون
وحتى لو برأنا الآية من سببها وعممنا حكمها فإن العرف في العقود هو العرف العام ، لأنه لو قلنا بغير ذلك فإننا سنقبل العرف الفاسد ، فلو كان العرف في مجتمع ما يجعل من شروط الزواج دخول الشاب بالفتاة قبل العقد فهل نقبله؟ قطعا لا
كما أن المأذون هو أحد طرق الإثبات ، فلو وجدنا طريقة تحل محلة فلا نحتاج إليه وهي طريقة صحيحة وقوية ومقبولة في الإثبات كالكتابة أو الشهود والإشهار فيجوز الأخذ بها وهي أيضا من العرف العام في العقود.
أقول لك أخي الأستاذ علي ، على رسلك ، المشكلة موجودة وتحتاج حل لا تجريم ، وأرى الحل في تنظيم هذه العقود وقبولها كما قبلها القانون المصري مع عقد ندوات بوسائل الأعلام من رجال الدين والقانون لتعريف الشباب بالشروط الواجب توافرها في هذه العقود عند اللجوء لها ، كما يتم عمل ندوات لتعليم الشباب بالمخاطر الاجتماعية المترتبة على هذا النوع من العقود ، مع تعليم أولياء الأمور بأن الزمن تغير ويجب أن تتغير عقولهم وعاداتهم وفقا لتغير المجتمع ، حتى يتم حل المشكلة من جذورها
نحتاج للتعليم والتنظيم لا للتجريم والتحريم
اللهم أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
شريف هادي

اجمالي القراءات 115398