ثانيا / الناصري
مأساتي مع ثلاثة أحزاب - الوطني - الناصري - الغد - جزء 2 النــاصــري

شادي طلعت في السبت ٠٢ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

سنحت لي الفرصة بعد وفاة والدي رحمة الله عليه بأن اتقابل مع رئيس الحزب العربي الديمقراطي الناصري و هو الأستاذ / ضياء الدين داود ، و قد تمت المقابلة بمكتبه بدمياط ، و كنت على دراية كاملة بتاريخ هذا الرجل المشرف ، حيث أنه كان المحامي الوحيد الذي أتي من خارج منظومة الحكم العسكري ، و فرض نفسه على العسكريين ، و استطاع أن يمتلك مقاليد الأمور في فترة جمال عبد الناصر و تولى وزارتين في نفس العهد ، و الواقع أن ما ابهرني بلقائي الأول مع الرجل أمور كثيرة الأمر الأول - أنه سيزيد من حماسي لجمال عبد الناصر الذي كان قدوة لي في كل شيئ ، و الأمر الثاني - أنني سأتمكن من معرفة الحقيقة الكاملة للثورة و رجالها لقربي من رجل كان من ضمن المحسوبين عليهم و المشاركين في القرار في ذلك العهد ، و الأمر الثالث أنني سأكون مع مجموعة تفكر كما أفكر و تتمني عودة الزعيم الراحل و لن أشعر بالغربة مع هذه المجموعة ، و بالفعل دار حوار بيني و بين الاستاذ / ضياء الدين داود - في اللقاء الأول حول أمور كثيرة و أحداث تاريخية و قد كنت في أول لقاء لي مع الرجل متلقي و ليس لي أي تعقيب ، و في هذه الفترة لم أكن ارغب في أن يكون لي أي تعقيب فأنا أستمع الى شاهد على العصر ، و بعد أن انتهى اللقاء الذي دام حوالي الساعة إنتهينا الى ان اتوجه الى القاهرة و مقر الحزب بشارع طلعت حرب للإنضمام اليه علما بأني كنت و قتها لا زلت عضوا بالحزب الوطني الديمقراطي ، و كان يجب علي أن أستقيل منه أولآ .
و بالفعل ذهبت الى مقر الحزب الوطني في القسم الذي كنت اتبعه و طلبت لقاء امين عام الحزب الوطني و كان معه شخص ما لا أعرفه بمكتبه و قلت له إنني أحمل كارنيه الحزب الوطني منذ عدة سنوات و ليس محدد المدة فقاطعني و قال لي ، لا تكمل عرفت فيما أنت آت اليه فقلت له لا اعتقد أنك تعرف فوجدته يضغط على الزر الخاص بجرس مكتبه فدخل علينا الساعي فقال له اذهب مع الأستاذ الى فلان الفلاني حتى يقوم ببحث عضويته في الحزب و معرفة ما اذا كان عليه اشتراكات أو بحاجة الى تجديد الكارنيه الخاص به ، فقلت له لم آت الى هنا لأجل هذا الأمر و إنما جئت لأمر آخر ، فقال أي أمر آخر فقلت جئت لأستقيل من عضوية الحزب الوطني ، و أريد أن أعلم الشكل الصحيح لديكم لأقدم استقالتي فرد علي أمين عام الحزب الوطني هذه أول مرة يتقدم أحد بإستقالته و رد الشخص الذي كان معه في مكتبه و ما هي أسباب الإستقالة ، فقلت لهما لم أجد نفسي في هذا الحزب ، فطلبا مني أن أراجع نفسي فقلت لهما أنني قد إتخذت قرارا لا رجعة فيه فقال لي أمين عام الحزب إبعث لي باستقالتك بخطاب مسجل بعلم الوصول ، حيث انني لن اقبلها الا بهذا الطريق ، فشكرته ، و في اليوم الثاني ذهبت الى مصلحة البريد و أرسلت إستقالتي .
و في اليوم الثالث ذهبت الى الحزب الناصري بشارع طلعت حرب و كانت المفاجأة حيث شاهدت منظرا أعتقد أنه لن يتكرر ، فقد شاهدت قوات من الأمن تحاصر الحزب و قوات من الشرطة العسكرية أيضا و شبابا ملثمون يقفون بشرفة الحزب يهددون بتفجير الحزب في حالة لم يقدم رئيس الحزب الناصري إستقالته و وجدت هؤلاء الشباب يلقون بمواد ملتهبة على الأسفلت و الناس تصرخ و الشرطة تحاول التفاوض معهم مشهدا كان غريبا أذكر أنه بدأ في ذلك اليوم حوالي الساعة العاشرة صباحا و لم ينتهي الا بعد الساعة الرابعة عصرا ، و الحقيقة أن المنظر قد هالني ، و انتابني شعور بالحسرة و الألم على ما رأيت ، و أعدت الفكير في الإنضمام الى الحزب الناصري ، إذ أن هذا الأمر قد حدث في أول يوم لي مع هذا الحزب فكيف ستكون باقي الأيام ، إلا أنني بعد تفكير طويل و اتصال بالأستاذ / ضياء الدين داود قررت أن أذهب الى الحزب و أن انضم اليه و أن أبعد اليأس عني و إنطلقت إليه و طلب مني رئيس الحزب أن ارافق أحد كوادر الحزب في ذلك الوقت و أن أحضر الى إجتماعاتهم الإسبوعية ، و الواقع أن هذا الأمر قد أعجبني جدا فالحزب يعقد حلقات نقاشية اسبوعية و كانت ثرية جدا بالنسبة الي و كان رئيس الحزب يأتي بكل الكوادر الناصرية المصرية و العربية لهذه الحلقات إلا أن الأمر الذي تعجبت منه هو أننا في كل إجتماع كان يطرح أحدنا سؤالآ يدين جمال عبد الناصر أو يدين الثورة و كان الهدف من طرح تلك الأسئلة أن نتفق جميعا على إجابة معينة نلتزم بها حتى إذا ما طرح على أي منا هذا السؤال لا نعجز عن الإجابة عليه ، وهي أسئلة مثل أن الثورة لم تكن بيضاء لإعدام شخصين بالبحيرة لإعتراضهما عليها أو ان الثورة لم تكن ثورة و إنما كانت إنقلابا أو أن بيت جمال عبد الناصر ليس بيتا و إنما قصرا بمصر الجديدة و أن عائلته من أثرى و أغنى الناس ..الخ الا أنني و قتها شعرت بأننا نمسك بثوب مهلهل مليئ بالثقوب و يحتاج الى ترقيع دائم و كانت هذه أول وقفة لي مع الناصرية .

الأمر الآخر الذي توقفت عنده محاربة بعض أعضاء الحزب لي حيث أن بعضهم بدأ الإعلان عن الحرب و عن غضبه لقربي من رئيس الحزب الذي كنت أحضر معه إجتماعات هامة تمس مسيرة ذلك الحزب فكان هذا الأمر يثير غضب البعض علي.
ثم توقفت عند أمر ثالث و هو نشر الناصرية بين الناس إلا أنني كدت اصاب بالعجز ، حيث أنني كنت أستمع الى كلام مثل " يا عم انت فاضي ، عبد الناصر مات و شبع موت ، سيبك من السياسة و خليك في أكل عيشك ، " .. الخ و كلها كانت كلمات تعجيزية من المجتمع المحيط بنا جميعا فالناس ترفض من الأساس المشاركة في العمل السياسي و هو أمر قد أصابني بالإحباط .
أما الأمر الرابع الذي توقفت عنده كان يتمثل في حالة العجز في الحزب الذي كان مدينا للجميع حتى جريدته كان يسيطر عليها الفقر و الصحفيون قد يصبروا شهورا لنيل مستحقاتهم عن شهر واحد أضف الى ذلك أن كافة الأفكار التي لديك لن تتمكن من تحقيقها نظرا للفقر الذي يعم الحزب كله و ديونه التي وصلت الى الملايين .

كل هذه الامور كانت بالنسبة الي عبارة عن مطبات كان يجب علي ان اتخطاها ، إلا أنني بعد مرور الوقت قررت أن أقرأ و أستمع الى وجهة النظر الأخرى ، و التي قد تلوم شخص جمال عبد الناصر أو الثورة ، حيث انني كنت قد وصلت لمرحلة اشباع من الناصرية تكفيني للرد على كل المشككين بالثورة او بجمال عبدالناصر لذك قررت أن أطرق هذا الباب ، و بالفعل بدأت الحوار مع بعض الأشخاص اللذين تخطى عمرهم الثمانين و ينتمون الى اصول الباشوات و الارستقراطيين و قد عرفت هؤلاء بحكم عملي كمحام ، فوجدت واقع آخر لم أحسب له حسابا ، حيث أنني كنت مستعد لدخول المعركة دفاعا عن وجهة نظري و الفكر الذي أعتنقه ، الا ان المعركة التي لم اعد نفسي من اجلها هي انني لم اكن على دراية كاملة بمصر قبل الثورة ، أو قد أكون على علم بتاريخ قرأته لكني إكتشفت أنه كان تاريخ مسطور من أشخاس لم ينحوا ميولهم و اهوائهم ، و وجدت نفسي أمام أمر خطير و صراع دار بين نفسي و حقيقة كانت غائبة عني ، قبل أن يكون بيني و بين الناصرية و الناصرين من جانب و بين الليبراليين من جانب آخر ، إن المسألة كانت معقدة و متشابكة خيوطها متداخلة ، و شعرت في تلك الفترة أنني قد أدخلت نفسي في بيت جدرانه مليئة بالطلاسم التي لايمكن حلها الا بمغادرة البيت كله و دراسته من الخارج أولا ثم الدخول الى البيت مرة أخرى و بتأني حتي أصل الى الحقيقة و قد كان و تركت الحزب الناصري عن اقتناع على أمل بالعودة اليه عن قناعة أو مغادرته عن قناعة أيضا .
إلا أن أكثر ما أحزنني فعلا هو أنني قد نشأت على تاريخ مزيف و إعلام مضلل و ثقافة لا تعترف إلا بوجة نظر أحادية الجانب .

و كان قراري بترك السياسة و العمل الحزبي و دام هذا الأمر لعدة سنوات الى أن ظهر حزب آخر ليبرالي و هو حزب الغد يترأسه شاب قديم و جديد و الذي سيكون موضوع حديثي القادم إنشاء الله .

SHADYTAL@HOTMAIL.COM

اجمالي القراءات 10389