ماذا يحدث عندما يكون القرآن وكفى؟

دعاء أكرم في الخميس ٢٤ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين،


في الماضي كان السهل جدا المشاركة في أي نقاش يتعلق بالدين، فلديك معرفة لا بأس بها بالأحاديث التي صدقت أنها من أقوال رسول الله، إضافة إلى تفاسير آيات كتاب الله، وكنت من حين إلى آخر تستشهد بآية من آيات الذكر الحكيم لتثبت نقطة ما. وكلما كنت تعرف أحاديث وترهات، عفوا، وروايات غريبة أكثر كنت مركز الاهتمام بشكل أكبر. وللفت اللانتباه أكثر، تستطيع التباهي دوما باستعراض كم جزء يحفظ ابنك من القرآن وكم من دروس التجويد أخذت لتتقن التلاوة!

كان من السهل جدا الادعاء أن "الإسلام هو الحل" دون فهم عميق وموضوعي للطريقة، المهم أن الحل لكل مشكلات الأمة هو قيام خلافة جديدة، لعلنا نصبح جميعا في مستوى القديسين، عفوا أقصد الصحابة في ظل خليفة جديد يدبر أمورنا. وإلى ذلك الحين يكون ما عليك فعله هو قبول الطرح الديني لبعض الجماعات والأفراد والانقياد له والهتاف من أجله "عمياني" دون سؤال أو مساءلة.

وكان من السهل التعالي على الغرب الكافر، والشرق الوثني، فنحن الأمة الوسط في يدنا أسرار النجاح، لولا الاستعمار الذي فكك خواصر، عفوا، أقصد أواصر الأخوة بيننا كعرب ومسلمين، وفتت وحدتنا (على اعتبار أن الخلافة العثمانية كانت اللواء الذي انضوينا تحت بيرقه). نحن أصل الحضارة ونبراسها، ولولانا لكانت أوروبا إلى الآن تقبع في العصور الوسطى وسيطرة الخرافة على العقل.

وكان من السهل قبول المكانة المتدنية للمرأة الشرقية على اعتبار أن هذا هو القدر الإلهي لها، مع التأكيد في الوقت ذاته أن الله قد أعطى المرأة المسلمة وخصها بمكانة لا تدانيها مكانة لا في الشرق ولا في الغرب، وأننا لو طبقنا الإسلام حق تطبيقه ما احتاجت امرأة إلى الخروج من بيتها على اعتبار أنها ستكون كالملكة غير المتوجة. وكان من السهل تصديق أنها ناقصة عقل ودين، وأن عليها عدم الصيام وعدم مس والمصحف أو الصلاة في أيام معدودات رغم عدم وجود دليل في القرآن أو حتى رواية ثابتة "ما تخرش المية."

كان من الطبيعي جدا أن تصدق أننا سندخل الجنة لمجرد أننا قلنا "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" بعد حساب يسير، بعكس من آمن من اليهود والنصارى والصابئين ممن آمن بالله واليوم الآخر، فنحن لا نصدق قول الله أن لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فنؤمن بعد الإمام حين يقول أحصهم عددا واقتلهم بددا!!!

وكان من السهل الدفاع عن هذه الأفكار كلها لدى نقاشها مع أحد الأجانب، بل وتحاول أن تقنع بعضهم أن هناك فعلا دابة خرافية ذات أجنحة إسمها البراق، وتتعجب تماما إن لم تدهشهم حضارتنا العربية الإسلامية، ونغضب بشدة عندما يبدؤون بسرد القصص الحياة الجنسية المنسوبة للنبي العربي ومحاولات انتحاره والمس الذي كان يصيبه عندما يأتيه الوحي (دون أدنى معرفة أنها قصص موجودة في كتب "الصحاح").

كان من الطبيعي أن تعبد ما ألفيت عليه آباءنا، وأنا على آثارهم مهتدون .... وتقبل بكل المتناقضات التي تواجهها في ما نعتقد أنه دين، مثل التأكيد على خلق رسول الله مع قبول كل تلك الدنجوانيات التي ترسم علاقته مع النساء، وتكريم الإسلام للمرأة ورغم ذلك استباحة الرق والسبي واتخاذ الجواري، واللامنطقية في موضوع الطلاق الذي يتطلب نزاهة عالية جدا في عد مرات التلفظ بالطلاق، وحد الزاني بين القرآن والروايات الخرافية، ورفض الظلم مع المطالبة بالانصياع للحاكم وإن كان ظالما.

كل هذه التناقضات أفرزت في النهاية أحد أمرين، شخصية متدينة تعاني من الانفصام الرهيب قد يصل حد التطرف، وفي أقل حالاته سوءا الاعتقاد أن هناك خطأ ما في تدين المرء لعدم قدرته على فهم تلك التناقضات، أو رفض لهذا الدين جملة وتفصيلا والتوجه إلى اللادينية والإلحاد والتوجه إلى محاربة الدين نفسه.

ولكن، بمجرد أن تلغي تلك البرمجة اللغوية العصبية التي تم تلقيننا إياها حول ديننا، بمجرد أن تفهم أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل أبدا، تبدأ تنظر إلى الأمور من زاوية صحيحة، ويبدأ عقلك باستيعاب ما استغلق على فهمك من تناقضات، وأمور يثقل على فؤادك ووجدانك وفطرتك قبولها. عندها تتبخر تلك الخرافات، ويبرأ نبيك من الصورة العجيبة التي رسمتها تلك السطور الآثمة في بعض الكتب. عندها يبدأ عقلك في استنشاق حرية الفكر السليم، فالقرآن يهدي للتي هي أقوم.

في تلك اللحظة ستزول الغشاوة عن عينيك، والصدأ عن قلبك. ستبدأ رحلة روحية حقيقية داخل نفسك وبينك وبين نفسك من أجل البحث عن المعنى الحقيقي للتوحيد، توحيد الله وحده والانقياد له بالعبودية المطلقة. عندها فقط ستبكي ندما أن جعلت لله شركاء فيك وفي صلاتك وقيامك ونسكك ومحياك ومماتك. عندها ستذكر اسم الله فتطمئن، وتذكر اسم الله فتحس بالوجل. عندها سترى الوجه القبيح لذلك التدين الآثم الذي ارتضاه الشيطان لعباد الله، وقد صدق الشيطان وعده إذ قال أنه سيقعد لعباد الله صراطه المستقيم.( أتظنون حقا أن الشيطان ينتظركم أمام المواخير وصالات القمار والبارات وبلاد الروم والصقالبة؟؟؟ إذن أعيدوا النظر مرة أخرى!!!)

ولكن عندها ستصبح من القلة، ستصبح وحيدا، ومحاربا، ستتفاجأ عندما تبدأ بالنقاش المنطقي والتشكيك المنهجي بالأوثان المعششة في العقول أن الولي الحميم ينقلب عدوا بغيضا لمجرد أن اقتربت من التابو الأكبر "الروايات" المنسوبة لمحمد عليه الصلاة والسلام ومحتويات كتب التراث. ستفاجأ بالأمر كجدران عالية تخرق الأرض وتحيط بك من كل جانب. ومهما كانت حجتك منطقية، ستفاجأ من كم اللامنطقية التي يجابهك بها من تناقش، وكلما زاد تدين من تحادث كلما كانت الحرب أحمى وطيسا.

وقتها ستقع في حيرة من أمرك، سيتسرب الشك إلى نفسك، وتبدأ بمساءلتها حول صحة ما توصلت إليه مما تعتقد أنه حق. ستعيد قراءة كل المصادر التي آمنت بأنها دين، ستدقق في التاريخ وأخباره، وأخبار من سلف ومن يعاصرك بحثا عن ما يثبت ضلال ما توصلت إليه من الحق!
لكن الأمر الذي توصلت إليه منطقي، بل ويجيب عن كل تلك الأسئلة التي خطرت لك طوال سنوات تلقيك التعليم الديني في المدرسة والبيت، خاصة تلك بحياة رسول الله، والمتعلقة بالسنة والشيعة، ومعارك الصحابة ودورهم، وعهود الخلافة، كلها مما كان تحت عنوان "ما لا يجوز للمسلمين الخوض فيه"، بل وكل تلك القصص العجيبة المنسوبة إلى رسل الله وأنبيائه، وغيرها الكثير الكثير، ستتوصل إلى نتيجة غاية في البساطة بعد كل ذاك التعقيد: هذا ليس دين، هذا محض تاريخ، وليس منه شيء كقصص القرآن، يعني ليس منه ما هو 100% موثوق.

بعدها ستحس بقوة تحل في شخصك، وهدوء يتملكك. فالفهم الذي أحرزته يقويك في وجه المهاترات اللامنطقية والعصبية الجاهلية. ستحل فيك قدرة على فهم الأمور بطريقة مغايرة لما هو معتاد، سيبدأ عقلك برفض الخرافات والأكاذيب، وفي كل مرة تقرأ فيها كتاب الله ستكتشف أمورا جديدة لم تنتبه إليها قبلا، سيحل في نفسك وعقلك نور رباني يفتح لك فتوحا من الفهم تفاجئك تماما. سينعكس ذلك على شخصك وتصرفك وتعاملك مع نفسك وعائلتك وكافة من حولك. وستحاول بث هذا النور الجديد لمن حولك، فتعود الجدران بالظهور مرة أخرى، لتحيط بك، لكنك هذه المرة أنت أقوى، فللحق قوة لا مثيل لها، فلا تأبه لهذه الجدران وتابع، وادع الله يهدك الصراط المستقيم.

اجمالي القراءات 14358