ارهاصات فكر مصرى
عقود من العبث

محمد حسين في الخميس ٠٣ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

افاقت مصر ذات يوم على عصر حالك من الظلام والسواد والاضمحلال الفكرى إستبدل فيه التمدن والحضارة بالبداوة "وفكر المعيز" تلك البداوة االتى بتنوعها وتعصبها وفنونها كانت اشبه بسيرك تهريجى كان مدعوما بخطة محكمة اتت على حرث الشعب الثقافى واقتلعته من جذوره. وامسى المصريون قابعين فى تيه وجهل جعل منهم تربة زكية يتربى فيها اعشاب ويزرع فيها توافه الامور التى جعلت منهم ابناء سفاح لآباء يؤدون عنهم كل الأدوار وينوبون عنهم فى كل شىء, هؤلاء الاباء كانوا يفكرون ويكتبون لهing;م ويحددون لهم قائمة الطعام الحلال والسماع الحلال والثقافات الحلال المهرمنة بالسموم خالطين فى وعيهم –اى المصريين- الذى غيب حبوب البلاهه والتبلد,يلقنونهم اناشيد الصباح التى جعلت من الاطفال والصبية عجزة العقول مؤهلين لعلم لا يجنى الا ثمار العبث ، ومجموعة من بطاقات التموين الجهنمية التى تضمن لهم صرف روشتات الفتاوى النعاقة الهدامة كتذكرة اول قطار ذاهب الى الجنة. فاصبحنا بين عشية وضحاها لم تكن لتلتهم اكثر من عقدين من الزمان مجرد مخلوقات لا تكاد ترقى فى عقولها الى ان تكون كائنات اولية ، أجساد جيفها الفكر "المعيزى" وحول عقولها الى احجار ينقش عليها ما لم تستطع الابالسة نقشه على جنس بنى ادم منذ بدء الخليقة ، واصبح كل ما يشعل المصرى بهجة هو النصب باسم التموين ليفوز بكوب شاى كى يسهر معه سمارا على مقاعد قنوات التليفزيون الاولى "ولا اعلم ان كانت هناك ثانية حينذاك" وودودة مسامع برامج الدين التى تبناها بعض ابالسة جهنم اخذون دورهم فى تحنيط خلايا العقل المصرى حتى ينام ويشخر على ما التقطه عقله من "زبالة" نهار ملئ بالفساد الفكرى والدينى والسياسى. وتدور ايام الاسبوع حول تلك النقطة الصماء حتى يزف لنا الاسبوع خبر اتيان يوم الجمعة التى يصعد صاحب العمة على منبره كى يستفيض ويستزيد من الحمامة التى باضت على مدخل الغار وعذاب القبر وابو رجل مسلوخة الذى كان يأتى فى المساء للاطفال غير شاربى اللبن "ان وجد" ويظهر فى الصباح للبالغين الذين لم يكن عقلهم ليزيد بأى حال من الاحوال عن مساحة عقل هذا الطفل ، ثم عذاب تارك الصلاة الذى يتلى على اناس جاؤوا ليصلوا داخل جنبات مسجد رفع ليذكر فيها المسيخ الدجال والثعبان الاقرع ، الى أن يأتى دائما للنهاية السعيدة التى تجعل دائرة البلهاء "فاشخين" افواههم ممتزجة برضاب اعوج لا يأتى الا من منسلخ عن عقله ليؤكد هذا الخطيب بأن الجنة لهم والنار مأوى الكفرة الذين يصنعون التلفاز "الذين اطلقوا عليه ابليس داخل المنزل" واهل البدع المتصفون باهل العلم والإبداع والعقل والفن الحرام والغناء اللاهى والدعوة الى شراء السبح حتى لو كان افاقا فهو فى النهاية سيدخل الجنة لانه يقول لا اله الا الله محمد رسول الله حتى لو اتى بما افرغته الدنيا من ذنوب. وعلى نهج الامام ابن فسقية فنحن خير أمة رغم انف الجميع ، والدليل اننا مقهورون فقراء ضعفاء غوغاء ودونيتنا دليل خيريتنا وأفضليتنا ,أما العلم فهو الدين ، فأما من حاد عن ما ورد من اجماع علماء الدين القدامى "الذين عاشوا وماتوا فى الصحراء دليلا على نظافتهم وطهارة ملابسهم الداخلية" والتراث المنقول وليس غيرهما فهو مبدع فاسق زنديق قياسا على مبدأ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار, وكل علم يخالف المنقول ايا كان ناقله طالما يندرج تحت لفظ القدامى فهو يتعدى الخطوط التى امر بها الله تلك الخطوط التى هى تجليات مصانع إنتاج الخرافة والفتاوى ، وبالتالى فهو باطل فى باطل. وهنا يطلع علينا اصحاب العمائم وخطباء المساجد ببرهان شديد الصلابة على عدم الحاجة الى ذلك العضو المسمى بالعقل, فبناءا على ما تقدم ايها البلهاء يثبت لنا صحيح الدين والعلم الذى ضحى فى سبيله ركاب الجمال والملتفون بالجلابيب الذين اهدوا الينا المنقول فوفروا علينا جهد الفكر فلا حاجة للعقل الكافر بطبعه اذا تدبر , ويكفى علينا ان نسمع ونطيع ونقدم هذا العقل لايدينا الشملى التى هى يد الشيطان كى نرميه وراء ظهورنا او نعمله فقط فى تدبر أمر مقاتلة الأغيار حتى يسلموا فيعصموا وجودهم ويبادرون بالتذلل وهم صاغرين ، فاما الاسلام او الجزية او النسوان والفلوس والقيان والغلمان.

وتفرغت جهابزة العلم والعلوم التى انحصرت بالداخل بين الميضة والقبلة وفى صحارى البلاد الى اعادة صياغة هذا الوعى الذى انتكس واصابته نكبة الجهل كى يتشكل فاطل علينا امثال الشيخ كشك الذى امتع الناس بصراخه وأسلوبه الفظ المنحل الذى يشع تهكما والذى لا يجد مكانا الا عند الدهماء وهو يتمايل بكلماته مقلدا عبد الحليم وام كلثوم وشادية بادئا بداية عمياء لاناس عميت قلوبهم وعقولهم ، ويدعو باللعنات على كل مغنى ومغنية تاتى امام لسانه سهوا او عن قصد ,وتناثرت الكتب الصفراء التى تمتعنا وتشبع العقول "المفسية" عن أهوال القيامة وتلبيس إبيليس, والسلاسل التى أوقدت لها النار سبعمائة عام حتى إحمرت وكذا ألف عام حتى إسودت لعقاب مخلوق ضعيف تميته موجة حاره أو نوبة أنفلونزا شتويه, نسى هذا المخلوق المسكين أن يذكر كذا وكذا فطالته السلاسل وعصره الشجاع الأقرع وأطبقت الجدران على بنيانه الهزيل فإختلفت أضلاعة وتمنى لو لم يخلق. والرجل الذى يسأل عمن بعث فيه فيقول بطلانا فينزل فى رحلة الى سابع الارض حيث تستقبله الاباليس والجن وعفركوش ! وظهر بدلا من كتب الادباء والمفكرين المصريين ومدرسة العبثية والوجودية والفلسفات ادبيات من نوع اخر عن الاخوان المسلمين وما يلقونه فى السجون ممزوجة ببعض الضموع والنهنهة واللهم عليك باعداء الاخوان اعداء الدين ، فينقلب الناس كى يتمثلون بهؤلاء امجاد الامة الجميلة المقهورة "المفعصة" التى اتتها صحوة اسلامية حديثة على ايدى هؤلاء فيبدأ مغيبوا الوعى من الناس بالبكاء والنهنهة ورفع اسماءهم فى اماكن جديدة بجانب علماء التراث فيصبحون نبراسا وعلامة مضيئة تأخذ بحماسة مغيبوا الحقول لمزيد من التعصب والتعطش لدماء الناس فى نسخة مجددة لمصاصى دماء ممسوخون يتمثلون باسم الدين.
ولم تنسى تلك الكتب الصفراء المرأة ، فقد اتاها حظا هى الاخرى من تلك الكتب التى بلغت فى قدسيتها ما لم تبلغه كتب القرآن والتلمود والتوراة والانجيل مجتمعة ، تلك المرأة الفاسفة بطبعها وشرورها وفتنتها التى يجب ان تختتن وتضرب وتذل فهى من اخرجت ادم من الجنة ، وهى التى بدورها اكثر اهل الارض حظا من النار ، ذاك ان فتنتها جعلتها من ساكنى النار الدائمين وأورثتها هذا الإنحطاط فى المكانة، وعزاها ان تنام وزوجها واخوها وجارها وابنها وعمها وخالها وسيدها ورجال العيلة راضون عنها والا ادار الله وجهه عن صلاتها وصبت عليها ملائكته التى تفرغت لما تفعله لعناتها.
وكانت النتيجة ان انسلخت مصر من دورها الادبى والعلمى فى رحلة غطس فى قاع بحر من ظلام حالك ، اغتالت معه الذهبى وتنكرت لرفاعه الطهطاوى , ومحمد عبده ونجيب محفوظ وموسى صبرى وقاسم أمين وجبران خليل جبران واحمد شوقى وحافظ ابراهيم وطه حسين ومصطفى صادق الرافعى واحمد امين وأحمد لطفى السيد وروزاليوسف وهدى شعراوى وصفية زغلول ومحمود امين العالم وغيرهم وغيرهم, تنكرت حتى للبنة التى اخذت على عاتقها بناء نهضة حضارية وثقافية تنويرية بدأها محمد على وبدل من البداية من حيث وقفت خطوات تلك النهضة ان عدنا مائتى عاما الى الوراء بعد ان قيل ان مصر تقدمت مائة عام الى الامام وأصبح ما كان يوما مباحا يعتنق الفكر والمنطق مجهول الهوية ضائع مكروه محرم قد يصل بصاحبه الى حد عناق عذرائيل ان تفوه او قال ان لدى فكر او عقل.
وبدأت تهل اسارير الظلام على مصر فنافقت الحكومات التى بدأت بهمج ورعاع القوم ، نافقت بتملقها واستقرابها تيار "المعيز" والبدو ، التيار الملتحى صاحب بوق الشؤم والجهل والتشدد والتخلف بدلا من ان تناضل من اجل بلد اقسموا على الحفاظ على تراب اراضيها ، ذاك انهم ارادوا ان يحتضنوا شرعية زائفة من نفوذ هذا التيار الهمجى الذى ترعرع فى بلد اصابها التيه والفساد فى الاخلاق والقيم وصدمة الضمير التى حلت بنكسة كسرت ما بقى فى هذا الشعب فلم يكن من تلك الحكومات الجليلة الا انها منحت هذا التيار راضية مساحة من هيبتها لتقضى على ما بقى من شكوك فى وجود عقل لهذا الشعب ومحاربة كل التيارات الفكرية على كل الاصعدة ، فمضى الإعلام الموجه جنبا الى جنب مع صنوه إعلام الخرافة. وبانهيار مؤسس النكسة وراعى اكذوبة العروبة التى جلبت لمصر من الدمار ما لم تفعله جيوش المغول فيما احتلته من بلاد من خراب وصدمة الضمير بعد النكسة وانهيار الحلم الناصرى تسلمت الاصولية التشددية ربيبة الصحراء وسليلة الجهل راية القوة التى قدمها لهم السادات على طبق من ذهب لم يكن ليحلموا به حتى لو كان غباء من يحكم اشد واغلظ من انسان بدائى. فصالوا وجالوا وانقلب المارد على داعك القمقم الذى فتح القمقم وصار عليه المثل "اللى يحضر العفريت يصرفه واللى ما يعرفش يصرفه يلبسه"...!! وهات ما عندك من اناس ذهبوا لبلاد النفط وعادوا باجود ما عرفته الانسانية من تخلف وتملق ونفاق واللاقيم.
وهاهى مصر تعيش الان فصلا جديدا من فصول مجتمع عاد منذ بضعة سنين رضيعا ولم يبلغ سن الرشد بعد ، فصلا من فصول دعاة الفضائيات الذين يتكلمون فى الهجايص فى مجتمع يعج يالهجايص ، دعاة من فصيلة الناس اللى كانت ماشية فى ملكوت الله قامت قشرة الموزة زحلقته فقلت سبحان الله ورحتله ونزلوا علية ولاقيت النور فى الشارع برة فجيتلكم يا حبايبى" ، وعلى خطى الحكومات السابقة نرى فصلا من فصول تملق الانظمة لجماعات دينية تخرج قطيعا من الذئاب من خلف الاسوار كى يأتوا على ما بقى فيها من حرث ، وتخرج قطيعا اخر بحجة الحرية الهجاصة بذقونهم وبدلهم وسيفيهم على الشعب الضايع لا يعنيهم شعبا بات ينزلق الى الحضيض واوشك ان يأكل بعضه بعضا ، رغم انهم ضد قانونا قد اختاطه النظام بايديه ، ولكن كل بيهجص على بعضه
وبدأت اسأل نفسى هل هناك حولنا ما هو ادعى كى يطلقوا قطيع يأجوج ومأجوج ؟ فوجدت الاجابة ... و .. واحتفظت بها لنفسى ..!! 
****
كل عام ومصر والعالم كله بخير بحلول العام الميلادى الجديد 2008

اجمالي القراءات 13476